الاثنين، 29 ديسمبر 2025

الإسلام والديانة المصرية القديمة أكثر منظومتين دينيّتين اتساقًا مع منظومة القيم الإنسانية فيما يتعلّق بـ اليوم الآخر

 

الإسلام والديانة المصرية القديمة أكثر منظومتين دينيّتين اتساقًا مع منظومة القيم الإنسانية فيما يتعلّق بـ اليوم الآخر

الإسلام والديانة المصرية القديمة أكثر منظومتين دينيّتين اتساقًا مع منظومة القيم الإنسانية فيما يتعلّق بـ اليوم الآخر (Eschatology)، من حيث المسؤولية الأخلاقية، والعدالة، والميزان، ومعنى الجزاء.

 

اليوم الآخر ومنظومة القيم الإنسانية

مقارنة تحليلية بين الإسلام والديانة المصرية القديمة

Eschatology, Moral Accountability, and Human Values

 

تمهيد إشكالي

يُعدّ اليوم الآخر (Al-Yawm Al-Âir / Eschatology) الاختبار الأصدق لأي منظومة دينية تدّعي الارتباط بالقيم الإنسانية العليا، لأن هذا المفهوم هو النقطة التي يلتقي فيها:

1.   العدل (Justice)

  1. المسؤولية الأخلاقية (Moral Responsibility)
  2. معنى الخير والشر (Good and Evil)
  3. كرامة الإنسان (Human Dignity)

فالدين الذي يعجز عن تقديم تصور أخروي منسجم مع هذه القيم، مهما بلغت بلاغته اللاهوتية، يبقى قاصرًا عن إغلاق السؤال الأخلاقي الكوني.

ومن خلال هذا المعيار تحديدًا، يبرز الإسلام والديانة المصرية القديمة بوصفهما أكثر منظومتين دينيّتين قديمتين وحديثتين اقتربتا من بناء أخروي يتّسق مع الضمير الإنساني العام.

 

أولًا: معيار الاتساق مع القيم الإنسانية

Criteria of Human-Value Consistency

يمكن تلخيص القيم الإنسانية الجوهرية التي يجب أن يحققها أي تصور أخروي في خمس نقاط:

1.   المسؤولية الفردية (Individual Accountability)

2.   العدالة الاستيفائية (Retributive / Exhaustive Justice)

3.   ربط المصير بالفعل الأخلاقي (Action–Outcome Coherence)

4.   رفض الخلاص بالانتماء أو الوساطة (Rejection of Arbitrary Salvation)

5.   كونية الميزان (Universal Moral Balance)

وسيُقاس الإسلام والديانة المصرية القديمة على هذه المعايير.

 

ثانيًا: الديانة المصرية القديمة – البذرة الأولى للعدالة الأخروية

Ancient Egyptian Religion: The First Moral Eschatology

1.   مركزية الحساب والميزان

في الديانة المصرية القديمة، لا يُترك مصير الإنسان:

أ‌.      للانتماء القومي

ب‌.  ولا للطقس وحده

ت‌.  ولا لرضا إلهي اعتباطي

بل يُحسم في محكمة الموتى (Judgment of the Dead)، عبر:

وزن القلب  (Weighing of the Heart) مقابل ماعت (Maʿat)، أي الحق والعدل والنظام الكوني

وهذا يُعدّ:

أول تصور ديني معروف يربط الخلود بـ القيمة الأخلاقية للفعل الإنساني.

 

2.   المسؤولية الفردية الصارمة

لا يُسأل الإنسان المصري القديم:

عن نسبه، ولا عن طبقته، ولا عن قربانه

بل عن:

الصدق، عدم الظلم، عدم الكذب، عدم الاعتداء

فيما يُعرف بـ الاعتراف السلبي (Negative Confession).

وهذا يضع الديانة المصرية في انسجام واضح مع مبدأ:
Individual Moral Accountability.

 

3.   حدود التصور المصري

مع ذلك، يبقى التصور المصري:

أ‌.      رمزيًا–طقسيًا

ب‌.  مرتبطًا بالجسد والتحنيط

ت‌.  يخلو من مفهوم الرحمة والفضل (Grace / Mercy)

ومع هذا، فإن جوهره العدلي يظل:

أكثر اتساقًا مع القيم الإنسانية
من التصورات التي ألغت الميزان أو عطّلته.

 

ثالثًا: الإسلام – اكتمال الميزان الأخلاقي الكوني

Islâm: The Completion of Moral Eschatology

1.   اليوم الآخر كضرورة أخلاقية كونية

في الإسلام، اليوم الآخر ليس:

فكرة وعظية، ولا وعدًا تعزيًا نفسيًا

بل:

ضرورة عقلية وأخلاقية (Moral and Rational Necessity)

بدونه:

لا يستقيم معنى التكليف، ولا يصدق العدل، ولا تُفهم الحكمة الإلهية

 

2.   الميزان: قلب المنظومة الأخروية

الميزان – Al-Mīzân – The Moral Balance

الميزان في الإسلام:

كوني، شامل، دقيق

يَزن:

الأفعال، النيات، السياقات

{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} سورة الزلزلة

وهذا يحقق أعلى درجات:
Action–Outcome Coherence.

 

3.   لا خلاص بلا عدل

يرفض الإسلام:

أ‌.      الخطيئة الموروثة

ب‌.  الفداء الاستبدالي

ت‌.  الخلاص بالانتماء

ويؤسس بدلًا من ذلك:

أ‌.      عدالة استيفائية (Exhaustive Justice)

ب‌.  مسؤولية فردية كاملة

{وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِير} [فاطر:18]

 

4.   إدخال الرحمة دون نقض العدل

ما يميّز الإسلام عن الديانة المصرية القديمة هو:

إدخال الرحمة (Mercy)والفضل (Grace / Fal)

لكن:

دون تعطيل الميزان، ودون إلغاء المسؤولية

فالرحمة:

زيادة في الخير
لا إبطال للعدل.

وهذا يمثّل أعلى درجة من الاتساق الأخلاقي.

 

رابعًا: لماذا يختلفان عن غيرهما؟

Why They Stand Apart

بالمقارنة مع اليهودية والمسيحية:

  • اليهودية:

ركّزت على التاريخ والعهد، فضعف البعد الأخروي الكوني

  • المسيحية:

ركّزت على الخلاص والنعمة، فعُطِّل الميزان العدلي

أما:

  • مصر القديمة:
    وضعت الميزان أولًا
  • الإسلام:
    أكمل الميزان وحرّره من الطقس

 

الخلاصة النهائية

يمكن القول ـ بمنهج علمي لا إنشائي ـ إن:

الديانة المصرية القديمة
قدّمت أول تصور أخلاقي حقيقي لليوم الآخر،

والإسلام
قدّم اكتماله النهائي الكوني.

كلاهما:

1- ربط المصير بالفعل

2- وأعلى قيمة العدل

3- واحترم كرامة الإنسان بوصفه مسؤولًا

لكن الإسلام:

1- عمّم الميزان

2- وأدخَل الرحمة دون كسر العدالة

3- وجعل اليوم الآخر شرطًا لصدق الألوهية نفسها.

ولهذا:

فإن أكثر تصورين دينيين انسجما مع منظومة القيم الإنسانية في الآخرة
هما:
مصر القديمة بوصفها البذرة، والإسلام بوصفه الاكتمال.

 

*******

*******

*******

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق