الجمعة، 21 نوفمبر 2014

(فقه) الحيــل

(فقه) الحيــل


الحيل هي تقديم عمل ظاهر الجواز لإبطال حكم شرعي وتحويله في الظاهر إلى حكم آخر، وتلك القاعدة هي من توابع الزلزال الذي أحدثه الكهنوت وسدنة المذاهب في هذا الدين، هذا الزلزال الذي أخرج مقاصد الدين العظمى من الدين وألزم الناس بهجران الكتاب الحكيم، بل كاد يخرج العلاقةَ بين العبد وبين ربه والتي هي جوهر أي دين من هذا الدين ليجعل منه مدونة قانونية صورية جافة.
فتلك القاعدة ظهرت بسبب جناية السلاطين ومن والاهم من المنافقين والمتكسبين بالدين على هذا الدين وبسبب تحويلهم الدين إلى شبكة عنكبوتية محكمة من الإصر والأغلال تحيط برقاب العباد، وبسبب سوء ظنهم برب العالمين إذ ظنوا أنه لا يعلم كثيراً مما يعملون، وذلك أيضاً من أثر النزعة التلمودية التي تسربت إلى المسلمين بفعل كيد الكائدين وتواطؤ المنافقين وغفلة الجاهلين.
إن سدنة المذاهب قد قوضوا مقاصد الدين المبينة في القرءان الكريم والمذكور بعضها في النص التالي:
{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون} [الأعراف:157]
كما أنهم لم يبالوا بسمات الدين الحقيقية والتي لها الحكم والقضاء على أقوالهم وعلى كافة المصادر الثانوية، ومن السمات التي لم يبالوا بها أن هذا الدين يسر، ولا حرج فيه، قال تعالى:

{... مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون}[المائدة:6]، {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِير}[الحج:78]
لقد تصور البعض أنه يمكن اتباع الحيل في العقود مثلاً لأن العقود تعتبر بدلالاتها لا بنية أصحابها وما ذلك إلا لأنهم أسقطوا القيم الإسلامية الرفيعة من كل اعتبار وحولوا الدين إلى صياغة شكلية صورية، وكان عليهم أن يعلموا أن نية الإنسان تحول عمله العادي إلى عبادة مقبولة كما أنها يمكن أن تجعل من عبادته الظاهرة وبالاً عليه، ولقد خصص الله تعالى أطول آيات الكتاب لبيان أحكام الديْن، ولكنه أيضاً أمر الناس فيها بالتقوى، فلا يمكن في الإسلام الفصل بين الأعمال الخارجية وبين الدوافع الداخلية والتي ينبغي أن تكون تجسيداً لمنظومة القيم الإسلامية والتي هي جوهر الدين وروحه، وبتجريد الإسلام من الأمور الوجدانية ومن منظومة قيمه فإنه لا يصبح إسلاماً كما لا يصبح الجسد الميت إنساناً وإنما يصبح نظاماً طقوسياً جامداً أو مدونة قانونية كتلك التي كانت لدى الرومان مثلاً.
إنما الأعمال بالمقاصد فمن قصد بعملٍ ما أن يخادع ربه أو أن يتملص من أحكامه فهو مخطئ ومبطل ولابد من أن يلقى جزاء خطئه، ولقد توعد الكتاب من تحايل على أوامر الله تعالي بالعقاب وبالعذاب، ويكفي ردعا لأمثال هؤلاء قصة أصحاب السبت الذين قال الله تعالى لهم عندما أحدثوا حيلة ليتملصوا من أمرٍ شرعي: {كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِين}. أما من تورط بالقول في أمر ما فتاب وهو لا يريد إلا مخرجا مما تورط فيه مع احترامه لجناب ربه فسيجد في دين الحق ما يغنيه عن (فقه الحيل)، مثال: أقسم أحد الأشخاص أن يعبد الله تعالى بعبادة لم يعبده بها أحد من قبل، فأفتاه أحدهم بأن يخلو له المكان حول الكعبة ليطوف بها منفردا!!!! وهللوا وكبروا لذلك دون إدراك أن هذا أمر لا جدوى منه ويتضمن سوء ظن برب العالمين ويتضمن اعتداءً على حقوق آخرين، كان يكفي هذا الشخص أن يستغفر ربه وأن يظهر بندمه وأن يقر بخطئه عندما كلَّف نفسه بما ليس في وسعه، وأن يسأل ربه التوبة والإقالة وألا يؤاخذه بخطئه.
أما الذين يجعلون من التفنن في الحيل حرفة يتكسبون منها فأولئك هم الذين اشتروا بدينهم ثمنا قليلا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق