السبت، 22 نوفمبر 2014

خرافة الإجماع

خرافة الإجماع

إنه لا يمكن حدوث إجماع حقيقي علي رأي اجتهاديٍ ما، وبافتراض أن الإجماع قد حدث في زمنٍ ما؛ وهذا هو المستحيل، فإن ذلك كان بالضرورة لبعض الأسباب، وربما يتقوض هذا الإجماع في زمن تالٍ لما لا حصر له من الأسباب، أما إذا كان المراد بالإجماع الأخذ برأي العدد الأكبر فإن هذا يعني بطلانه لأن الارتكان إلي سلطة العدد كان دائماً عقبة في طريق التقدم، وقلما يأت بخير، ولقد ثبت هذا علي مدي التاريخ بما لا يدع مجالاً للشك، ويكفي لإثبات ذلك سير الأنبياء أنفسهم إذ لم يؤمن بهم دائماً إلا قليلون، ولقد نص الكتاب صراحة علي أن أكثر الناس لا يستخدمون ملكاتهم الذهنية وأنهم لا يتبعون إلا ظنونهم ولا يعبدون إلا أهواءهم وما ألفوا عليه آباءهم، كذلك نص علي أن اتباع أكثرهم يضل المرء عن سبيل ربه، لذلك فإن ذيوع رأيٍ ما ليس بدليل علي صحته بل ربما كان دليلاً علي بطلانه، وليس ثمة ارتباط ضروري بين انتشار قولٍ ما وبين صدقه، ولم يذكر القرءان الأكثرية إلا في موضع الذم بينما نصَّ على أن السابقين المقربين هم ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ.

وليس ثمة نص قطعي الدلالة يعطي للإجماع المزعوم مصداقيته، وإنما أمر الكتاب بالشورى في الأمر وترك وسائل وآليات إعمالها للناس، أما من الناحية العقلية فإن إجماع آلاف العميان على مشاهدة شيءٍ ما لا قيمة له ولِمبصرٍ واحد الحجةُ البالغة عليهم جميعا، وإنما تكون نجاتهم في اتباعه، وللطبيب البارع الحجة البالغة على الملايين من غير المتخصصين عندما يراد علاج مريضٍ ما.

إن القول بحجية الإجماع هو من قبيل افتعال قضايا كلامية لا طائل من ورائها ولا حجة لها وليس لها دعوة في الدنيا ولا في الآخرة، فهي تثير من الإشكالات أكثر مما تقدم من حلول، ومن العجب أنهم جعلوا الإجماع أصلا دينيا ثالثا يقارن بالكتاب والسنة ويليهما من قبل أن يعرفوه تعريفاً دقيقا ودون الاستناد إلي نص قطعي الدلالة بخصوصه مع عجزهم التام عن أن يقدموا أمرا اكتسب شرعيته من هذا الإجماع المزعوم وحده.

إنهم سودوا الصفحات كلاماً عن الإجماع وصدعوا رؤوس الأمة به وحرفوا الكلم عن مواضعه وصرفوا الآيات عن معانيها، واستخدموا آيات نزلت في الكفار والمرتدين وأعداء النبي صلى الله عليه وآله وسلم لتكفير المؤمنين، وكل ذلك لإثبات حجية ما أسموْه بالإجماع من قبل أن يعرفوا له معنى أو دلالة، هذا مع أن نصوص الكتاب تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن المؤمنين والعلماء الحقيقيين هم دائماً الأقل عدداً وأن السابقين الأولين هم ثلة من الأولين وقليل من الآخرين، ولقد نص الكتاب على اعتماد الشورى في الأمر بين أولي الأمر وليس الإجماع على أمر، ولكم أجمعت الأمم كثيراً على باطل لا ريب فيه ولكم ناصر المرسلين القلةُ المستضعفون، إن البشرية كلها مدينة لثلة قليلة من صفوة أبنائها البررة المصلحين، إن الكتاب العزيز قد أمر الناس بطاعة أولي الأمر الحقيقيين منهم، وأولو الأمر هم المؤهلون له المتمرسون به.
ويجب العلم بأن إجماع أهل القرن الأول علي أمر عملي تنفيذي بعد إعمال الشورى إن كان قد حدث فليس بحجة لجعل الإجماع أصلاً لإنشاء أحكام دينية شرعية، ومثل هذا الإجماع لم يحدث أبداً، وإنما كان أحدهم أو بعضهم يرى رأياً ثم يتمكن من إقناع القائمين على الأمر به فينفذونه.
إن إجماع قرنٍ ما على أمرٍ ما قد يتم تقويضه في القرن التالي بتقدم المعارف أو تحسن الظروف، فمن ادعى الإجماع هو لا محالة كاذب، ولم يحدث أبداً أن اجتمعت الأمة لتقرر أمرا ما.
أما ما يعقده المجمعون في الأرض كحكم ديني فلن ينعقد في السماء وما يحلونه في الأرض فلن يحل في السماء، ولقد زعم أهل الكتاب ذلك من قبل، ولقد تسرب هذا الاعتقاد الباطل فيما تسرب إلى التراث الديني المحسوب على الإسلام، بل إن كل أمة ككيان كلي واحد محاسبة على أعمالها وعلى ما تجمع عليه، أما ما وصل إلي الناس من آثار أهل القرن الأول فإنها مروياتٌ ظنية تلي المرويات المنسوبة إلي النبي في الأهمية ويلزم فحصها علي ضوء الضوابط المعلومة، ولا يمكن بإعمال الإجماع حتى لو أمكن حدوثه استحداثُ حكم دينيٍ شرعي كما لا يمكن به استحداث أو اكتشاف قانون كوني، ولا قيمة لعمل من حاول استفتاء الناس فيما يجهلون وبالأحرى لا قيمة لإجماعهم على أمر فيما يجهلون.
ومن العجيب أن الذي قرر أن الإجماع أصل من أصول الدين يُقرن في نظم واحد مع القرءان الكريم عندما سُئل سؤالا مشددا عن دليله من القرءان استغرق وقتاً طويلاً في البحث، ثم قال إن دليله هو الآية القائلة: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً }النساء115، مع أن هذه الآية تتوعد عتاة المرتدين الكافرين الذين يشاقون الله ورسوله ولا تتحدث عن مؤمنين مجتهدين، وبالتالي فلقد أخطأ هذا القائل بالإجماع في استدلاله خطأً فادحاً، وما حدث يبين أنه اعتمد ما يسمى بالإجماع أصلاً من أصول الدين دون الرجوع إلى القرءان الكريم ثم حاول ليّ عنق الآية لتقول بقوله، وذلك بدوره يشكل خطيئة أكبر، إن تصرف من فعل هذا يدينه بشدة ويقوض موضوع الإجماع ويجتثه من جذوره.
كذلك من الظلم الفادح والإثم المبين أن يُكفَّـر من أتي بقول يخالف إجماعاً مزعوماً لم يحدث أبداً، إن التاريخ يثبت أن الأمم التي تقدمت هي التي تعلمت الإصغاء إلى آراء واجتهادات الصفوة وهم قلة من أبنائها، أما الأمم التي انقرضت أو دمرت أو تخلفت عن الركب فهي التي تمسكت –بدون برهان مبين- بما ألفت عليه أسلافها ولم تبغ عنه حولا.
أما إذا كانا يقولون إن الإجماع إنما هو إجماع على نص فإن الأصل هنا إنما يكون هو النص، والبرهان والدليل هو النص وليس الإجماع.
إنه على من يظن أن الحق يجب أن يكون مع الأكثرية أن يقرأ ويتدبر الآيات الآتية:
{ ....إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ }البقرة243، {وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلٍ آيَةً وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }الأنعام37، {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللّهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ }الأنعام111، {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ }الأنعام116، {وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ }الأعراف102، {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ }يونس36، {أَلا إِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَلاَ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }يونس55، {وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ }يونس60، {....فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ }هود17، {وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }يوسف21، {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }يوسف40، {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ }يوسف103، {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ }يوسف106، {المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ }الرعد1، {وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }النحل38، {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ }النحل83، {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـذَا الْقرءان مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً }الإسراء89، {أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ }الأنبياء24، {.... بَلْ جَاءهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ }المؤمنون70، {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً }الفرقان44، {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً }الفرقان50، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ }الشعراء8، {أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }النمل61، {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ }النمل73، {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ }العنكبوت63، {وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }الروم6، {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }الروم30، {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِينَ }الروم42، {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }لقمان25، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }سبأ28، {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }سبأ36، {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ }يس7، {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }الزمر29، {فَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }الزمر49، {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }غافر57، {إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ }غافر59، {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ }غافر61، {بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ }فصلت4، {لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ }الزخرف78، {مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }الدخان39، {قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكَثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }الجاثية26، {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }الطور47.

ولا يجوز لمجموعة من الناس أن يسنوا قانونا ثم يزعموا أن قانونهم هو تشريع ديني، فهم بذلك يدعون لأنفسهم سمة إلهية، ومن قبل ذلك منهم فهو مشرك، قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}الشورى21.
إنه لا شرعية للإجماع أصلا في الإسلام، بل لا شرعية للأغلبية أو الأكثرية؛ وهي مذمومة أينما ذُكرت في القرءان، ولا يمكن لإجماع أي عدد من الناس أن يُحدث حكما دينيا بمثل ما أنه لا يمكن لهم أن يحدثوا قانونا كونيا، والقول بالإجماع منقول عن أهل الكتاب!

ولقد جعلوا الإجماع أصلا، ثم اختلفوا في كل ما يتعلق به، ولم يجدوا عليه أي دليل، فقاموا بليّ عنق آية قرءانية ليثبتوا شرعيته، وظل المغفلون يرددون كلامهم لمئات السنين دون أن يتدبروه.

*******
إن صاحب كفرية القول بأن الإجماع أصل من أصول الدين، قالها كما هو معلوم، بدون الرجوع إلى القرءان الكريم، فلما طولب بالدليل من القرءان جاء بآية تتحدث عن الكافرين واتخذها كحجة ضد المؤمنين.
إن كفرية جعل ما يسمونه بالإجماع أصلا من أصول الدين يُقرن مع القرءان الكريم كانت من أكبر المهازل التي ضربت دين من الأديان، إنها تعني ببساطة أن للبشر حق التشريع في الدين، وأن الدين مازال يُصنع إلى الآن، وأنه يوجد أرباب آخرون مشرعون من دون ربّ العالمين.
{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم} [الشورى:21]
من يؤمن بأن إجماع مجموعة من البشر يمكن أن يُحدث تشريعًا دينيا، هو أشد حماقة ممن يظن أن إجماع مجموعة من البشر يمكن أن يُحدث قانونًا طبيعيا كالقانون الذي يربط الكتلة بالطاقة مثلا!
كما أنه بالطبع من الذين كفروا بأن الحكم في أمور الدين لله وحده، وأن له وحده حق التشريع فيه:

{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُون} [الجاثية:18] 

*******


هناك 3 تعليقات:

  1. جميل جداً...شكراً على جهودك دكتورنا العزيز التنويرية

    ردحذف
  2. جيد, منذ أن اهتممت بالدين قلت أن الإجماع خرافة واليوم بحثت عن هذه العبارة في جوجل ووجدتك وانا في سبيل جمع حجج ودحض خرافة أسمعنيها بعض الحمقى أن قول الرسول "ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض" عنى به اجماع العترة!

    ردحذف