الثلاثاء، 4 نوفمبر 2014

الاسم الإلهي: ذو الجـلال والإكـرام

الاسم الإلهي: ذو الجـلال والإكـرام


قال تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} الرحمن27، {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} الرحمن78.

فهذا الاسم بذلك من أسماء النسق الأول من الأسماء الحسنى.

ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ هو الذي له الجلال المطلق المستوعب المحكم، وهو الذي له التفضل والإكرام والإنعام، فله بذلك المجدُ الفاخر والقدر العظيم والشرف التام، فمن حيث هذا الاسم فإن وجهه هو الذي له البقاءُ المطلق وكل من هم دونه فانون في حال بقائهم، فما أبقاهم الوجود النسبي المقيَّد إلا وجهه، فهذا الاسم يقتضى أن تكون آثارهُ وآياته في نمو وزيادة وعلو وازدهارٍ وتطور، أما من عليها من كائنات فإنهم بالجلال يفنون وبالإكرام يبقون، فهم أسرى مقتضيات الأمرين يتقلَّبون بين الإصبعين، فيفنيهم الجلال ويبقيهم الإكرام، ولذلك بقى الناس في حال فنائهم، وأصبحوا مشاهَدين في نظرهم ونظر غيرهم، مع أنهم لم يعْدوا طورَهم، ولم يبعدوا كثيراً عن عدمهم، فما هم إلا صور على صفحة العدم، يطويها من له الاقتدار المطلق إذا شاء طيَّا، ولا عجب فقد خلقهم من قبل ولم يكونوا شيئاً.
فالجلال أصل كل سمة تنفى بذاتها وجودَ الغير ولا تحتمل الشريكَ والمثل، والإكرامُ أصل السمات والأفعال الإضافية المتعدية إلى الكائنات والتي تقتضي مجالاً لعملها فتبقي على تلك الكائنات، والجلال والإكرام هما أصلاً سمة واحدة مفصلة بالسمتين ومعبرٌ عنها باللفظين، وهي التي اقتضت البحرين، فهذا الاسم يدحض حجة من ينفون عنه سبحانه السمات (الصفات) بحجة تنزيهه، فلقد وصف نفسه هنا بالسمتين فهذا الاسم يعنى أنه الجليل المُكرِم المكرَم، ولكن ورود الاسم هكذا في القرءان يقتضي التمسُّك به كما ورد.
ومن له الجلال هو من له الجمال الذاتي المطلق، إذ أن الجمال اللانهائي الأخاذ له من الجلال ما يحفز الكائنات على إجلاله واحترامه والرهبة منه، ولكن جلالَه مقترن بإكرامه وهذا ما يدفع الناسَ إلى بذل كل جهدٍ للتقرب منه كما يدفعهم إلى الثقة به والاطمئنان إليه والأنْسِ والفرح به.
فهو الذي يستحق أسمى آيات التكريم لما هو له من الأسماء الحسنى، والتي اقتضت أن يُكرِّمَ الإنسان وأن يوصل إليه كل إكرام أي كل نفع لا يلحقه فيه غضاضة وأن يجعل ما يوصله إليه شيئا كريما شريفا، والتي اقتضت أن يجعل من الصفوة من عباده كراما تظهر بهم أسماؤه وسماته وتتحقق بهم أوامره.
ولقد قال تعالي: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ(26)وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ(27)} (الرحمـن)، فوجهه هو ذاته من حيث اتصافها بالسمة الجامعة لكل سماتها المؤثرةِ في العوالم الظاهرة وهى سمة الألوهية، والسمات المؤثرةُ في الوجود الظاهر هي المعاني التي تشير إليها الأسماء الحسنى، لذلك كان هذا الاسم يشير إلى السمة العظمى للوجه، وكل سمة من السمات التفصيلية لها تقتضي الإفاضة على من هم دونه من المخلوقات، فللوجهِ الإحاطة التامة بالناس من حيث أنهم مألوهون مربوبون، فلا مفر منه إلا إليه، وأينما تولوا فثم هو، وكل عمل صالح أو كلمة طيبة سيرفع إليه.
وليس صحيحاً أن سمات الجلال لا تقـتضي إلا الهيبةَ والرهبة والخشية، بل هي تـقـتضي أيضا الأنسَ والمحبة، فكل صورة كونية مادية أو معنوية إذا نُسبت إليه سبحانه؛ أي إذا نظر إليها الإنسان من حيث هي آية من آياته وجد فيها إبداعاً وجمالاً لا يخفى، والإنسان ينظر إلى التجلي الواقع عليه من حيث أثره في نفسه فإذا كان هذا الأثر هيبة ورهبة اعتبره تجليا جلالياً وإذا أورثه محبة وأنساً وفرحاً أعتبره تجليا جماليا، والتجلي واحد، والسمة واحدة، وإنما فصَّلها استعداد الإنسان فهو أداة التفصيل والتميـيز.
ولقد قال تعالي: {وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا إِلَهَ إِلا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(88)} (القصص)، فوجهه هو ما يواجه به عباده وهو مرتبة الألوهية الجامعة لكل الأسماء الحسنى، فكل ما سوى تلك الأسماء فانٍ في ذاته باقٍ بالأسماء، لأن كل ما سواها هو الأشياء التي اقتضتها الأسماء فقدرها الله تعالى وخلقها وأبرزها إلى الوجود لتكون مجال عمل تلك الأسماء.

قال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ(26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ(27)}
ولقد ظن البعض أن هذا يعني فقط أن كل ما على الأرض سيموت قبل يوم القيامة، ولكن المعنى الحقيقي أكبر من ذلك، نعم إن كل ما سوى الله تعالى من النفوس سيذوق الموت قبل يوم القيامة، ولكن الموت لا يعنى الفناء، وإنما يعنى إمساك النفس عن التصرف في الجسد والعمل من خلاله فيتحلل ويعود إلى أصله الذي خلق منه، ولكن هذا أمر قد فصَّلته آيات أخرى، أما هذه الآية فتعبر عن فناء كل من عليها بجملة اسمية؛ أي أن فناء من عليها أمرٌ واقع وحاصل ولازم وغير مقيد بزمان ما، كما تعبر الآية عن بقاء الوجه بصيغة الفعل المضارع الذي يفيد التحقق والاستمرار، فالآية تقرِّر الفناء اللازم لكل الأشياء بما فيها النفس والكائنات اللطيفة، وتـقرِّر أيضا أن بقاء وجه الله من سماته اللازمة التي تقتضي تحققـاً وفعلاً، فهذا الفعل هو إبقاء كل ما هو دونه من كائنات حال فنائهم بدفع عوامل الفناء عنهم وحفظِ أسباب الوجود عليهم، فكل الكائنات أشباح علي صفحة العدم المطلق، فهم من حيث ذواتهم فانون وبوجهه باقون، ذلك لأن وجهه -وهو ذاته من حيث ألوهيته الجامعة لأسمائه الحسنى- يقتضي بقاء الكائنات لأنها مجالي الأسماء بها تظهر وتتميز ويتم جلاؤها واستجلاؤها.

فوجه الله تعالى هو ذاته من حيث اتسامها بالسمة الجامعة لكل سماتها المؤثرة في العوالم الظاهرة وهى سمة الألوهية، والسمات المؤثرة في الوجود الظاهر هي المعاني التي تشير إليها الأسماء الحسنى، ولذا كان هذا الاسم يشير إلى السمة العظمى للوجه، وكل سمة من السمات التفصيلية لها تقتضي الإفاضة على من هم من دونه من المخلوقات، وليس صحيحاً أن سمات الجلال لا تقـتضي إلا الهيبة والرهبة والخشية، بل هي تـقـتضى أيضا الأنس والمحبة، فكل صورة مادية أو معنوية إذا نسبت إليه سبحانه؛ أي إذا نظر إليها الإنسان من حيث هي آية من آياته وجد فيها إبداعاً وجمالاً لا يخفى، والإنسان ينظر إلى التجلي الواقع عليه من حيث أثره في نفسه فإذا كان هذا الأثر هيبة ورهبة اعتبره تجليا جلالياً وإذا أورثه محبة وأنساً وفرحاً أعتبره تجليا جماليا، والتجلي واحد، والسمة واحدة، وإنما فصَّلها استعداد الإنسان فهو أداة التفصيل والتميـيز، فحقَّ عليهم جميعا أن يعرفوا لهذا الاسم الجليل قدره المبارك، وأن يعلموا أنه تعالى وتبارك، وأن يؤدوا لآيته الجليلة الآتية حقها: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ }الرحمن78.
وللمفردة (وجه) معانٍ عديدة في لسان العرب، أي كانت معلومة للعرب قبل الرسالة، لذلك فالمقصود بهذا اللفظ إنما يحدده السياق الذي ورد فيه، فلا يجوز القطعُ بأنه دائماً هو الجزء المعلوم من الجسم، قال تعالى:
{بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}البقرة112، {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً}النساء125، {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}الأنعام79، {وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}يونس105، {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}الروم30.
فالمقصود أنه أخلص كيانه كلَّه لله أو أقامه كله للدين القيم وليس وجهه فقط، وخص الوجه لأنه أشرف الأعضاء وسيدها، وهو الذي يتضمن أكثر الكيان المادي المناظر للقلب الإنساني.
قال تعالى:
{فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ }آل عمران20 {وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}لقمان22
والمقصود أنه أسلم كيانه كله لله وليس وجهَه فقط، وخص الوجه لأنه أشرف الأعضاء؛ فغيره أولى.
قال تعالى: {وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }البقرة115، إشارة إلى إحاطته بكل الجهات أي بالإطارات المكانية، وبالتالي فهو منزه عنه، والآية إشارة أيضاً إلى إحاطته بكل المحسوسات والمعنويات والظواهر والبواطن، فلا مفر منه إلا إليه، فمن فر من رضاه فسيقع في غضبه، وكل من طلب أمراً فإنما هو من آثار ومقتضيات اسم من أسمائه.
قال تعالى:
{لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ }البقرة272، {وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ}الأنعام52، {وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ }الرعد22، {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً }الكهف28، {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }الروم38، {وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ }الروم39، {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ }الروم43، {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً }الإنسان9، {إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى }الليل20.
أي إنهم حالَ صدور أي عمل صالح منهم مثل إنفاق المال أو الدعاءِ أو الصبر يكونون مخلصين تماماً لربهم لا يبتغون ثناءً من الناس.
قال تعالى فيما يرويه على لسان إخوة يوسف: {اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ} يوسف9.
والمراد بالتعبير "يخل لكم وجه أبيكم" أنه سيقبل عليكم ولن يلتفتَ من بعد لغيركم لأنه لن يجد من يشغله عنكم.
قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} الحج11
فالمقصود بالتعبير "انقلب على وجهه" أنه رجع إلى الكفر، فالتعبير مجازي؛ فهو لن ينقلب على وجهه بالمعنى الحسي الدارج المعلوم.
قال تعالى: {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} القصص88، {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ{26} وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}الرحمن.
الوجه هاهنا هو الذات أي الكيان الإلهي، والذي يتوجه إليه بالعبادة المحض أكابر المقربين، فلا يجوز أن يكون غير ذلك وإلا للزم هلاك اليد والساق والرجل والقدم.... وغير ذلك مما أثبته السلفية المشبهة، وإذا كان الوجه صفة كما يقولون للزم هلاك سائر الصفات الأخرى، وهم –بلا ريب- من القائلين بالصفات.

إن المفردة (وجه) عندما تضاف إلى الله فهي تشير إلى الكيان الكبير العظيم الذي له كل الأسماء الحسنى أي السمات والقوى والإمكانات والذي له الإحاطة بكل شيء والذي له مع ذلك الغيب المطلق، ولذلك لا يجوز القول بأنه محض صفة، ويجب العلم بأن الله تعالى ليس محض صفة أو معنى أو نظام من القوانين بل إن له كيانا حقيقيا يعلو علوا كبيرا على كل المدارك والحواس والتصورات البشرية، وله الكينونة المطلقة والوجود المطلق. 

والاسم الجليل كرمز يتضمن الجيم التي تشير إلي ما هو له من الكمالات العظمي والخيرات الكبرى التي لا تتناهي عددا، واللام الأولي إشارة إلي ضرورة التفصيل بعد الإحكام والتعين بعد الإبهام والانتقالِ من غيب إلي شهادة ومن باطنٍ إلي ظاهر، واللام الثانية يشير إلي اتصال الكمالات بمجالاتها ولوازم تفصيلها، ووجود الياء بين اللامين إشارة إلي أن إحياء الكائنات والكيانات إنما هو من لوازم ما سبق ذكره وإلي الافتقار الذاتي لتلك الكائنات إلي سمات الكمال وفعلها، والرمز كله يشير إلي علوه الذاتي المطلق علي كل ما اقتضي من مجالات وعلي ما ظهر من الكمالات.

ولقد أثار بعض من حاول إحصاء الأسماء زوبعة لا مبرر لها عندما زعم أن الاسم الإلهي "ذو الجلال والإكرام" ليس من الأسماء الحسنى متذرعا بأن اللفظ "ذو" من الأسماء الخمسة وليس من الأسماء الحسنى!!!!!!!!!! وليست المشكلة في البحث في اللفظ (ذو) وتصنيفه اللغوي، فهو مجردا هكذا لا يستقل بمعنى، ولكن بإضافته إلى سمة (صفة) يصبح له معنى الاسم، فـ (ذو الرحمة) يعني المتسم بالرحمة اتساماً ظاهرا بيَّنا، فهو اسم مثل الاسم (الرحيم)، وذو المغفرة يعني المتسم بالمغفرة اتساماً ظاهرا بيَّنا مثل الاسم (الغفور) أو (الغفار)، و(ذو الجلال) يعني المتسم بالجلال اتساماً ظاهرا بيَّنا، فهو يعني بذلك "الجليل"، ولذلك فالاسم (ذو الجلال والإكرام) هو من الأسماء الحسنى لوروده نصَّاً ولفظاً في القرءان، ويمكن بل يجب على الإنسان أن يدعو ربه بهذا الاسم الجليل: ذو الجلال والإكرام.

=====================


هناك 3 تعليقات:

  1. لاتعليق.
    بل نظر وفهم وتدبر لما قلتم.
    الله المستعان
    رب اشرح لي صدري.

    ردحذف
  2. لاتعليق.
    بل نظر وفهم وتدبر لما قلتم.
    الله المستعان
    رب اشرح لي صدري.

    ردحذف