الخميس، 2 يوليو 2015

الموقف من التراث

الموقف من التراث

التراث يشمل أمورا عديدة، منه ما هو متعلق باللسان العربي، وما هو متعلق بالآداب العربية، وما هو متعلق بالتاريخ، وما هو متعلق بالدين، .... الخ
والتراث الديني يشمل كل ما أضيف إلى المعطيات الدينية الأصلية، والمعطيات أو البيانات الأصلية هي كتاب الله تعالى والسنن العملية وما يصدقه مما نسب إلى الرسول من قول أو فعل أو سيرة أو خلق أو تدبير، والتراث يشمل كل ما هو دون ذلك من المرويات الظنية وأقوال أهل القرن الأول واجتهادات وآراء واصطلاحات وتقسيمات الأسلاف والتفسير ومقولات المذاهب، فكلها تندرج تحت مسمى التراث، وهذا التراث إنما جُعِل من أجل الأمة ولم تُجعَل الأمة من أجله، ويجب ألا تسمح الأمة بوجود سدنة لهذا التراث يتولون قهر الأمة باسمه والقضاء على الدين بحجة الدفاع عنه، إن الدين لم ينزل لكي يظل المسلمون إلى قيام الساعة يتقاتلون بسبب اختلافهم مثلا في أمر إمام الفئة الباغية الذي قضى على كل مثل الإسلام وسننه في ولاية الأمر، ولم ينزل ليقوم المغاربة بإحراق كل ما يخالف ما قاله مالك بن أنس أو ليقوم الحنابلة باضطهاد الشافعية أو ليقوم السلفية بالتطاول على الأشاعرة وتكفيرهم، كذلك لم ينزل لكي يقوم الخلف بالدفاع عن كل ما دُسَّ في عهد السلف من إسرائيليات ونصرانيات ومجوسيات وهنديات ويونانيات ....الخ أو للدفاع عن مرويات تزعم أن عميلا لليهود سحر النبي أو أن داجن الحي أكلت أوراقا فيها آيات قرءانية فلم تدون أو أن الشيطان قد ألقى إلى النبي ما شاء أو أن سورة الأحزاب كانت أكبر بكثير مما دون وكذلك سورة البينة أو أن هناك سورا كاملة لم تدون إلى آخر ما حفلت به عيون الكتب التراثية من افتراءات، إنه يجب على الكهنة والسدنة أن يرفعوا أيديهم عن الإسلام وأن يتركوه ليبرز وجهه العالمي النوراني الحقيقي.

إنه يجب العلم بما يلي:

1.             يجب أولا التمييز بين الأمور الدينية وبين الأمور التاريخية، ومن حيث الأمور الدينية، فإن كل المسلمين على اختلاف أطيافهم ومذاهبهم وزمنهم ومكانهم يؤمنون بالقرءان، لذلك عليهم أن يعملوا حقا بمقتضى هذا الإيمان، ومن يريد التشكيك في القرءان أو الزعم بأنه نص تاريخي ليس من المسلمين أصلا، فقد أخلَّ بركن الإيمان.
2.             لا يجوز إلزام الناس بالإعراض عن أجزاء من القرءان بإطلاق مسميات محدثة عليها، ومن يفعل ذلك فهو كافر كفرا جزئيا، والكفر الجزئي يؤدي لا محالة إلى الكفر على المستوى الجوهري، ولا يعني ذلك تكفيرهم الكفر الذي يؤدي إلى استبعادهم من الأمة، فمثلهم كمثل المنافقين، ولكن يجب بيان الحقيقة للناس، وتبيين الحقيقة للناس لا يعني المطالبة بحرمان أحد من حقوقه.
3.             لسان القرءان هو لسان عربي مبين، وتوجد نصوص قرءانية محكمة تقول بذلك، فلا يجوز الزعم بخلاف ذلك، ولا يجوز محاولة صرف الألفاظ عن معانيها اللغوية، وبعض المجتهدين يحاولون تحريف معنى "عربي" وصرفها عن معناها، هذا المسعى منهم خاطئ، ولا يجوز ابتلاع طعم ما قد يقدمونه من اجتهادات صحيحة أو معسول الكلام أو دماثة الأخلاق! ولا يجوز لهم التعلل بالحروف أو الرموز الموجودة في أوائل بعض سور القرءان، فهي من آياته المتشابهات، كذلك لا يجوز لهم الاحتجاج بالكلمات ذات الأصل الأجنبي الموجودة في القرءان طالما دخلت اللغة واستوعبها الناس وأصبحت ذات دلالات معلومة لديهم عند إنزال القرءان، ولم يرد أي أثر يفيد باعتراض العرب أو أهل الكتاب عليها في العصر النبوي، ولو كانوا قد اعترضوا لأورد القرءان كلامهم، فلقد أورد كل اعتراضاتهم بلا حرج.
4.             القرءان هو المرجع الأعلى لمعاني الكلمات العربية، فإذا تبيَّن المعنى من القرءان فلا يجوز العدول عنه إلى غيره، ولاستخلاص المعنى القرءاني يجب النظر في كل الآيات التي ورد فيها هذا اللفظ، فهي يبين بعضها بعضا.
5.             كون كلمات القرءان بلسانٍ عربي مبين يبين مدى أهمية المعاجم اللغوية، فهي تبين بصفة عامة المعاني الأصلية للكلمات، هذه المعاني قد تكون قد تعرضت للتحريف عرضًا أو عمدا، وبذلك يتبين أهمية هذا الجانب من التراث، ونحن إذ نفسر بعض الكلمات لغويا نرجع إلى المعاجم اللغوية، ونرى ذلك أمرا بديهيا طبيعيا ومفهوما ضمنا ولا يحتاج إلى التذكير به، ومن البديهيات أنه لا يجوز لأحد إحداث معانٍ لكلمات مستعملة بالفعل عند الناس بمعانٍ أخرى معلومة لديهم، ولقد أدَّى تحريف دلالات المصطلحات أو إحداث مصطلحات لا أصل ها في القرءان إلى نتائج كارثية، منها ظهور المذاهب التي حلت محل الإسلام.
6.             كون القرءان كتابا عربيا يعني أن قواعد تلك اللغة وأساليبها متضمنة فيه، هذه القواعد لازمة لفقه النصوص، ومرجعها بالطبع هو كتب التراث، ونحن نرى مع ذلك وجوب إعادة صياغة النحو العربي بالأخذ بالقرءان كمرجع حقيقي أعلى، أما ما قد يسمونه "أخطاء نحوية في القرءان" فإن ذلك في الحقيقة يعبر عن قصور هذه القواعد ويوجب ما نقول به وهو: "وجوب إعادة صياغة النحو العربي بالأخذ بالقرءان كمرجع حقيقي أعلى"، وكذلك يجب في بعض الأحيان استعمال تسميات أكثر دقة، وإلى أن يتم ذلك فنحن نحاول بقدر الإمكان الالتزام بما هو معلوم، فإذا سألنا أحد الناس مثلا عن إعراب آية فكل ما سنفعله هو تطبيق القواعد المعروفة على الآية كنصٍّ عربي، وسيظل الفاعل مرفوعا والمضاف إليه مجرورا ... الخ.
7.             توجد لعلماء اللغة مخارج من المشكلة المزعومة المسماة "وجود أخطاء نحوية في القرءان"، هذه الحلول موجودة في الكتب التراثية، وهي ملك للجميع، فلا يجوز لأحد أن يدعيها لنفسه أو لغيره، ولا يجوز لأحد أن يزعم أن من نقلها قد ادعاها لنفسه، والفيسبوك ليس مؤتمرا للأبحاث ولا دورية علمية لكي يتم دائما ذكر مرجع الكلام. 
8.             القرءان أكسب بعض الكلمات اللغوية معاني اصطلاحية، لذلك فإنه يجب أن يكون القرءان وحده هو المرجع الأوحد في تحديد مدلولات هذه المصطلحات، وبالطبع هذه المعاني ذات صلة بالمعاني اللغوية الأصلية.
9.             أما الأمور التاريخية فهي شيء آخر، والكتب التراثية حافلة بمادة تاريخية هائلة مكتوبة من شتى وجهات النظر، وقد كان المؤرخون المسلمون أشبه بالصحفيين الآن، فهم لم يحاولوا بصفة عامة تلوين الأخبار ولم يكونوا مثل الأوروبيين ذوي خيال خصب، هؤلاء قد أدوا ما عليهم بقدر وسعهم، ولا يجوز الزعم بأنهم اجتمعوا جميعا على تباعد بلادهم وعصورهم واختلاف مذاهبهم وقرروا افتعال التاريخ الإسلامي أو اتفقوا على تزويره وتحريفه.
10.        والتاريخ هو علم، يجب أن يدرسه وأن يحكم على مادته علماء التاريخ المحايدون، ولا يجوز أبدا تركه للمتمذهبين المتعصبين، كما لا يجوز تركه للمجتهدين الجدد الذين سيتعاملون معه كالصبية، وقد يضربون به عرض الجدار، وقد ثبت لدينا أنهم أجهل شيء بالأمور التاريخية باستثناء يسير، وثبوت المعلومة التاريخية ليس كثبوت الأمر الديني، ومن حق عالم التاريخ أن يشك في كل المعطيات وأن يقلب النظر فيها، أما المسلم فهو ملزم بالإيمان بالقرءان ككتاب إلهي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، بينما المؤرخ المحايد ليس ملزما بذلك بالطبع، والتراث التاريخي هو ملك للبشرية جمعاء، وليس من حق أية طائفة أن تتخلص منه لكونه يدينها أو لا يروق لها، ومن كل ذلك يتبين أنه لا غنى عن التراث في الأمور التاريخية وأن المنادون بإلقائه في القمامة هم جهلة لا يفقهون.
11.        النظر في عواقب من سلف؛ أي بلغة العصر الحديث دراسة التاريخ وفلسفته (بالأحرى عبره وحكمه) هو أمر قرءاني راسخ ومؤكد وكبير يتفوق على الأوامر بالصيام والحج بكثير، وهو في دين الحق من لوازم ركنٍ دينيٍ كبير، ذلك لأنه يؤدي إلى العلم ببعض سنن الله الكونية المتجسدة في الحقائق التاريخية، والويل لمن لم يبالِ بهذه الحقائق أو يتنكبها، والمادة التاريخية التي يقدمها التراث هي حصيلة عمل من حاولوا الالتزام بهذا الركن، والنظر في هذه المادة هو أمر ملزم لكل الناس بقدر الاستطاعة، ومن هنا يتبين أهمية التراث وأهمية من ينظرون فيه بطريقة ربانية قرءانية.
12.        نحن لنا منهجنا التاريخي الفريد، وقد ثبت أنه منهج بناء ومثمر، هذا المنهج يعتبر ما يقدمه القرءان من معلومات تاريخية هو بمثابة بديهيات ومسلمات Axioms and postulates، وينظر في المادة التاريخية بناءً على هذا الأساس، وبالطبع لابد هاهنا من المادة التاريخية، وهذا يبين أيضا أهمية التراث، ومنهجنا لا ينكر حق علماء التاريخ المحايدين في البحث أيضا وفقا لمناهجهم.
13.        التراث يتضمن كتب المرويات، ونحن لنا منهجنا في التعامل مع هذه الكتب، وقد شرحناه كثيرا، وطبقا لهذا المنهج فالمرويات تشكل ثروة دينية قيمة وضخمة، لا يجوز التفريط فيها، ولا يجوز لأحد أن يضرب بها عرض الجدار، ولا يجوز لأحد أن يرفض مروية منسوبة إلى الرسول إلا إذا ثبت تعارضها المطلق مع أصل قرءاني، وهذا المنهج هو الذي تسبب في أن يتحالف ضدنا النقيضان: (القرءانيون) وعبيد المرويات، وعداوة عبيد المرويات لنا أشد من عدائهم للـ(القرءانيين)!!! فالشيطان يدرك جيدا من أين يأتيه الخطر.
14.        والتراث يتضمن تسجيلا للسنن العملية مثل كيفية إقامة الصلاة وما يتعلق بالصيام وشعائر الحج والمعاملات، هذه السنن تستمد مصداقيتها من القرءان وما فيه من أوامر باتباع ملة إبراهيم ومن النص على وحدة الدين، فكيف يطالبون بعد ذلك بالتخلص من التراث؟ كل ما يمكن عمله هو النظر في هذا التراث على ضوء منهج دين الحق لاستبعاد ما يمكن أن يكون شابها من تحريفات الناس ولوضع كل أمر في وزنه الحقيقي.
15.        والتراث يتضمن مجهودات علماء الدين واجتهاداتهم في التفسير والأحكام والقضايا على مدى التاريخ، وهذه تشكل ثروة هائلة إذا تم النظر إليها من خلال دين الحق، والصحيح منها من الممكن أن يأخذ مكانه فيه بلا حرج، وهو سيندرج في إطار الدين وفقا لوزنه المقرر في دين الحق.


*******

هناك تعليقان (2):

  1. كل تنظير انا اريد احدا ياتى بكتاب مكتوب من زمن الصحابه وبخط يدهم ويقول هذه هى الاحادث التى كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. لماذا لا تقوم بعمل حفريات وبحوث عمليه فى المنطقه التى عاش فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبحث عن مقتنياتهم واثارهم وتاتى بشىء عملى. نتيجه البحث فى الاهرامات اسطاع العلماء ان يعرفوا الكثير عن حياة الفراعنه بل ان هنالك عالما اثبت ان فرعون مات غرقا دون ان يعرف ذلك مسبقا. نحن نريد جهودا كهذه لكن التنظير والله كل الناس شاطرين جدا فى التنظير وماى حد احسن من حد.

    ردحذف