النسيء الكفري والتقويم
قال تعالى:
{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ
عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ
فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً
كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ
(36) إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ
كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا
حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ
أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37)} التوبة
الآية 36 تؤكد اعتماد الأشهر الاثني عشر العربية
المعلومة وتقرّه، وكذلك تؤكد حرمة أَرْبَعَة أشهر معلومة منها، وهي تنهى عن الظلم
في الأشهر الحرم، والظلم منهي عنه في كل وقت، ولكن النهي عنه مؤكد في هذه الأشهر
بالذات، أي لا يجوز بالأولى أن يتظالم المسلمون في هذه الأشهر الحرم.
فقوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ
اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} يعني أن الأشهر المعتمدة هي الأشهر
القمرية التي تتحدد بالأهلة وأنها هي المعول عليها في العبادات التي وردت فيها
كلمة شهر أو أشهر، فالإسلام أقرَّ واعتمد اختيار العرب للدورة القمرية لتحديد
الشهر، وهذا ما تؤكده أو تتضمنه الآيات:
{يَسْأَلُونَكَ
عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ
بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى
وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُون} [البقرة:189]، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ
فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ
وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ
أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ
عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ
وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ
وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون} [البقرة:217]، {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ
وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ
فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ
يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن
تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى
الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب} [المائدة:2]،
{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقرءان هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ
مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن
كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ
بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ
وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون} [البقرة:185]
والقتال في الشهر الحرام من الكبائر.
وكون الشهور اثنا عشر شهرا هو أمر مقرر ومقدر منذ
خلق الله السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، ولذلك كان لابد من اقتران ذلك بظواهر فلكية
ثابتة بحيث تصل البشرية جمعاء ومن كافة الاتجاهات إلى نتائج متشابهة، والنص على أن
ذلك كان فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ يتضمن أن
اهتداء الإنسان إلى ذلك كان بوحيٍ إلهي.
والتقويم The calendar
هو حاجة أساسية وملحة لكل حضارة نشأت في الأرض، وكان لابد بالطبع
من ارتباط الوحدات الزمنية
الرئيسة (يوم-شهر-سنة) بظواهر فلكية دورية مناسبة، وكون هذه الظواهر مختلفة
ومستقلة
يجعل الحاجة إلى التقويم (بمعنى التصحيح Correction)
أمرًا ملحا، واختلاف الطرق التي اتبعتها الشعوب على مدى التاريخ لمعالجة هذه
المشكلة هو الذي تسبب في وجود تقاويم عدة.
فكل
وحدة زمنية لابد من ارتباطها بدورة فلكية، وكل دورة كبيرة لا تتضمن بالطبع أعدادا
صحيحة من الدورات الأصغر، وهذا ما يستلزم التقويم (بمعنى التصحيح)، ولولا التقويم
لتراكمت الفروق وخرجت بالتقويم عن مقاصده.
والوحدة الأولي الظاهرة لكل الناس هي اليوم المكون
من الليل والنهار، فهو ناتج أو معبر عن دوران الأرض حول نفسها بينما هي (تدور) حول
الشمس أيضا، فهذا اليوم ناتج من دوران الارض حول نفسها مرة كل 24 ساعة تقريبا من منظور
شمسي، وهي تدور في الحقيقة مرة كل 23 ساعة و56 دقيقة و4 ثواني من منظور نجمي، ودوران
الارض حول نفسها يتباطأ بمرور الوقت، فاليوم في الماضي كان أقصر مما هو عليه الآن،
وذلك بسبب تأثيرات المد والجزر التي يسببها القمر على دوران الأرض.
أما الشهر الطبيعي فهو ناتج أو معبر عن اكتمال دورة
للقمر حول الأرض، والقمر يدور حول الأرض في فترة زمنية مقدارها 27 يوما و7 ساعات و43
دقيقة و 11.87؛ أي حوالي 27 يوما وثلث اليوم، وهذه الفترة الزمنية تُعرف بالشهر القمري
النجمي، ولكن بعد انقضاء هذه المدة الزمنية من عمر القمر الوليد، لا يعود القمر للاقتران
مرة أخرى، وذلك لأن الأرض تكون قد سبقت القمر بحوالي 27 درجة، وبما أن القمر يقطع في
اليوم الواحد مقدار 13 درجة في المعدل، فإن القمر يحتاج لأكثر من يومين حتى يصبح في
الاقتران، لذلك تصبح المدة الزمنية للشهر القمري الوسطي 29 يوما و12 ساعة و44 دقيقة
و3 ثوان، وليست هذه هي المدة الزمنية للشهر القمري الاقتراني دائما، بل هي معدل مدة
الشهر القمري الاقتراني، حيث تتغير مدة هذا الشهر من شهر لآخر، وذلك بسبب عدة عوامل
مثل تغير سرعة القمر في دورانه حول الأرض، وتغير سرعة دوران الأرض حول الشمس، ....
الخ، وذلك يبين أنه لابد من تقويمٍ ما، وذلك يظهر في اختلاف عدد أيام الشهر من 29
إلى 30 يوما، فلا يمكن أن يبدأ الشهر في منتصف النهار مثلا، فلابد دائما من
التقريب أي التقويم.
أما السنة الطبيعية فهي السنة الشمسية، وتنتج عن
دوران الأرض حول الشمس، ومدتها 365 يوما و5 ساعات و48 دقيقة و46 ثانية، أي ما يعادل
365.2425 يوما، وهي السنة المتسقة مع الفصول المناخية، وفي السنة الشمسية تتناوب
الفصول لتعود إلى حيث بدأت عند البداية.
ففي تتابع الأشهر الشمسية
توجد نقطة محددة يمكن الرجوع إليها، فالوضع الفلكي المناخي في نهاية السنة الشمسية
هو مثل بدايتها، والحديث هو طبعا عن الأوضاع الفلكية النسبية حيث أن الشمس تجري
ومعها كواكبها.
وتتابع الأشهر القمرية لا يرتبط بظاهرة طبيعية أو
فلكية متكررة، فلا توجد أية دورية Periodicity
في ذلك، ولا يمكن القول بأن السنة تساوي 12 شهرا إلا في إطار
تقويم حقيقي يحقق الدورية المطلوبة ولو كان ذلك على مدى أطول؛ فلا معنى لهذا الرقم
إلا أنه أكبر عدد صحيح من الأشهر القمرية داخل السنة الشمسية.
ولذلك فإضافة ما يلزم
للتقويم (بمعنى التصحيح اللازم) لا يعني تغيير عدد الأشهر، فالأشهر العربية الاثنا
عشر تبقى كما هي.
فارتباط الوحدات الزمنية الرئيسة
(يوم-شهر-سنة) بظواهر فلكية دورية مختلفة يجعل
الحاجة إلى التقويم Correction أمرًا ملحا،
واختلاف الطرق التي اتبعتها الشعوب على مدى التاريخ لمعالجة هذه المشكلة هو الذي
تسبب في وجود تقاويم عدة، فبدون التقويم Correction
لا معنى للتقويم Calendar.
فعِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عَندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْرا،
هي الشهور القمرية المعلومة، فبها يتم تحديد الصيام والحج والأشهر الحرم، فمن هذه
الشهور القمرية أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ويوجد اختلاف فيما يتعلق بتحديدها، ولكن القرءان
ينص صراحة على أنها متصلة.
وكذلك اختلفوا فيما يتعلق بأول شهر من الأشهر
العربية، وقد ورد في الآثار أن اختيار التقويم واختيار بدايته كانا محلا جدال بين
المسلمين فيما بينهم وكذلك فيما بينهم وبين غيرهم.
إنه لما كانت الأشهر
القمرية متكافئة وأن تتابعها وعددها غير مرتبط بظاهرة فلكية دورية فإنه كان يمكن
اختيار أي عدد من الشهور ليكوِّن السنة القمرية، وتحديد عدد الشهور باثْنَي
عَشَرَ شَهْرًا يبين أن السنة شمسية-قمرية، فهذا العدد هو العدد الصحيح الوحيد
الذي يعطي أقرب عدد من الأيام إلى عدد أيام السنة الشمسية بحيث يمكن التقويم
بسهولة، فهذا العدد هو أكبر عدد من الأشهر القمرية يمكن أن تتضمنه السنة الشمسية
مما يجعل التصحيح أمرا ممكنا.
والسبب الثاني هو أنهم
عندما كانوا يستعملون النسيء كانوا حريصين على بقاء عدد الأشهر الحرم سليما، ولذلك
كانت أشهر السنة تتجاوز العدد 12، ولقد منع القرءان مسلكهم هذا بتحديد عدد الأشهر.
جاء في روح المعاني للألوسي: ((وفي بعض «شروح البخاري»
أن أبا موسى الأشعري كتب إلى عمر بن الخطاب إنه يأتينا من أمير المؤمنين كتب لا ندري
بأيها نعمل، وقد قرأنا صكا محله شعبان فلم ندر أي الشعبانين الماضي أم الآتي. وقيل:
إنه هو رضي الله تعالى عنه رفع إليه صك محله شعبان فقال: أي شعبان هو؟ ثم قال: إن الأموال
قد كثرت فينا وما قسمناه غير مؤقت فكيف التوصل إلى ضبطه فقال له ملك الأهواز وكان قد
أُسر وأسلم على يده: إن للعجم حسابا يسمونه ماه روز يسندونه إلى من غلب من الأكاسرة
ثم شرحه له وبين كيفيته فقال رضي الله تعالى عنه: ضعوا للناس تاريخا يتعاملون عليه
وتضبط أوقاتهم فذكروا له تاريخ اليهود فما ارتضاه والفرس فما ارتضاه فاستحسنوا الهجرة
تاريخا)).
وهذا يبين أن أمر التقويم لم يكن بالصورة الأسطورية
المهولة الراسخة الآن في قلوب التراثيين وأنه كان من الممكن أن يرتضي عمر بن
الخطاب التقويم الفارسي أو اليهودي!! ولو فعل لكان ما ارتضاه هو الساري إلى
الآن!!!!
ويقدم الألوسي في روح المعاني شرحا مفيدا ووافيا
للمقصود بكلمة "شهر" وأنه ينقسم إلى شرعي وحقيقي واصطلاحي، فيقول:
((والشهر عندهم ينقسم إلى شرعي وحقيقي واصطلاحي؛
فالشرعي معتبر برؤية الهلال بالشرط المعروف في الفقه،
وكان أول هلال المحرم في التاريخ الهجري ليلة الخميس كما اعتمده يونس الحاكمي المصري
وذكر أن ذلك بالنظر إلى الحساب، وأما باعتبار الرؤية فقد حرر ابن/الشاطر أن هلاله رؤي
بمكة ليلة الجمعة.
والحقيقي معتبر
من اجتماع القمر مع الشمس في نقطة وعوده بعد المفارقة إلى ذلك، ولا دخل للخروج من تحت
الشعاع إلا في إمكان الرؤية بحسب العادة الشائعة، قيل: ومدة ما ذكر تسعة وعشرون يوما
ومائة وأحد وتسعون جزءاً من ثلثمائة وستين جزءاً لليوم بليلته، وتكون السنة القمرية
ثلثمائة وأربعة وخمسين يوما وخمس يوم وسدسه وثانية وذلك إحدى عشر جزءا من ثلاثين جزءا
من اليوم بليلته، وإذا اجتمع من هذه الأجزاء أكثر من نصف عدوه يوماً كاملاً وزادوه
في الأيام وتكون تلك السنة حينئذٍ كبيسة وتكون أيامها ثلثمائة وخمسة وخمسين يوما، ولما
كانت الأجزاء السابقة أكثر من نصف جبروها بيوم كامل، واصطلحوا على جعل الأشهر شهرا
كاملاً وشهرا ناقصا، فهذا هو الشهر الاصطلاحي، فالمحرم في اصطلاحهم
ثلاثون يوما وصفر تسعة وعشرون وهكذا إلى آخر السنة القمرية الأفراد منها ثلاثون وأولها
المحرم والأزواج تسعة وعشرون وأولها صفر إلا ذا الحجة من السنة الكبيسة فإنه يكون ثلاثين
يوماً لاصطلاحهم على جعل ما زادوه في أيام السنة الكبيسة في ذي الحجة آخر السنة.
وحيث كان مدار الشهر الشرعي على الرؤية اختلفت الأشهر
فكان بعضها ثلاثين وبعضها تسعة وعشرين في بعض آخر منها.))
فهذا الكلام المعلوم والمتبع بالفعل لا يكاد
المحسوبون على الإسلام يعلمون عنه شيئا.
والآية توضح أن وجود الأشهر الحرم واحترامها وتعظيم
شأنها من ٱلدِّين ٱلْقَيِّم؛ أي المستقيم ذي القيمة والهيمنة، دين إبراهيم وإسماعيل
عليهما السلام.
والمسلمون مأمورون بألا يَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَهمْ
بهتك حرمتهن وارتكاب ما حرِّم في الأشهر الحرم، وتخصيصها بالنهي لتعظيمها، ولله سبحانه
أن يميز بعض الأوقات على بعض فاقتراف المعصية فيهن أعظم وزرا كاقترافها في الحرم وحال
الإحرام أو كاقتراف كبيرة في أحد المساجد مثلا، فالآية تؤكد على تحريم الظلم في
الأشهر الحرم، وإلا فالظلم محرم في الشهور كلها.
والجمهور على أن حرمة المقاتلة في الأشهر الحرم منسوخة
وأن الظلم مؤول باقتراف المعاصي، وهذا غير صحيح، القتال في الأشهر الحرم من
الكبائر إلا إذا كان ردًّا لعدوان، وذلك طبقًا للأوامر القرءانية:
{الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ
وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ
بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ
مَعَ الْمُتَّقِين} [البقرة:194]، {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ
يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِين} [البقرة:190].
والأمر {وَقَاتِلُواْ
ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً} هو موجه بالأصالة إلى أمة
المؤمنين التي آمنت بالرسول واتبعته، ولذلك لحسم الأمر معهم وفق السنن المتعلقة
بأقوام الرسل، فالمشركون هاهنا هم المشركون المعهودون؛ أي هم المشركون بالمعنى
الاصطلاحي الذين لم يكتفوا برفض الرسالة الإلهية إليهم، وإنما انخرطوا في حربٍ
عدوانية ومصيرية ضد الأمة المؤمنة.
فالأمر مندرج في سياق كل الآيات التي تتحدث عن
القتال وشروطه الشرعية، ولا يجوز استعماله لإلغاء أية آية قرءانية، ولقد أعلن
القرءان أن أكثر الناس بما فيهم الذين آمنوا مشركون، قال تعالى:
{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم
مُّشْرِكُون} [يوسف:106]، {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ
الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ
الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ
إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ
(31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا
لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)} الروم
فلو كان الأمر مطلقا لوجب على المسلمين مقاتلة أكثر
الناس بل مقاتلة أنفسهم، ومن بعد تفريق الدين أصبحت كل شيعة تعتبر المسلمين
الآخرين كفارا ومشركين، وهذا يعني طبقا للتفسير المغلوط حتمية نشوب حروب متداخلة
متشابكة متبادلة، وهذا هو المحال، ولا تكليف بالمحال، والأصل هو السلم، والأمر هو
بالجنوح إليه وتفضيله على غيره.
وللقتال شروطه في القرءان، وأهمها أن العدوان منهيٌّ
عنه نهيا باتا إلا ردا لعدوان، ويحب ألا يتجاوز الردّ المثل، وهو لا يكون إلا
لاسترداد الديار والأموال وللقضاء على الفتن والاضطهاد الديني ولنصرة المستضعفين.
وكلمة { كَآفَّةً } الواردة في الأمر هي مصدر في موضع
الحال من ضمير الفاعل في { قَاتِلُواْ } أو من المفعول وهو لفظ المشركين، ومعناها:
جميعا، فكأن الأمر هو: قاتلوا جميعا المشركين جميعا بقلوب مجتمعة وعزيمة صادقة كما
يقاتلونكم جميعا.
ثم تعلن الآية أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ،
فهذه هي المعية الخاصة؛ معية العناية الخاصة والنصر والتأييد.
*******
{إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ
يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا
لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّهُ
زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِين}
[التوبة:37]
الآية
واضحة تمام الوضوح، والنسيء المذموم مشروح في الآية، فهو تأخير شهر من الأشهر
الحرم عن موضعه المعلوم بقصد انتهاك حرمة الشهر باقتراف ما حرمه الله فيه من قتال
أو غزو، فالآية تتحدث عن نسيء معهود ومعلوم لهم كانوا يتعمدون فيه تحليل شهر -محدد
بالاسم- على الأقل من الأشهر الحرم وتحريم غيره.
وقد زعم
بعض الباحثين دون أي مبرر أنه يوجد خطأ في تشكيل الآية! ولا شك أن كلمة "زِيَادَةٌ"
هي خبر للنسيء بغض النظر عن تشكيل الفعل يُضَلُّ، وتشكيله لن يغير من الحكم الوارد
شيئا.
ومن
الواضح أن الرسول كان يلتزم في أمر التقويم بما كان عليه العرب، فطوال أكثر فترة
البعثة قبل فتح مكة لم يكن للرسول سلطة على كافة القبائل العربية، وكانت الأمور
وتوزيع المهام بين القبائل العربية وبطونها كما كانت عليه في العصر الجاهلي، بل
إنه بعد فتح مكة ظلت بعض الأمور مثلما كانت عليه في العصر الجاهلي إذا لم تكن
متعارضة مع الإسلام، ولذلك حجَّ أبو بكر بالناس في ذي القعدة نتيجة تلاعبهم بالشهر
الحرام بالتقديم والتأخير.
فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ لم يحاول أن ينزع من أية قبيلة ما كانت مختصة به أو جرت
عادة العرب أن يوكل إليها، وكان ما يختص بالتقويم والنسيء في بطن من بطون قبائل
العرب، وكان تدخله الوحيد هو ليبيِّن أن حجته حدثت في شهر ذي الحجة الحقيقي، وكان
ذلك عندما قال: "إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ
اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ"، وهذا يعني أنه كان يجب اعتماد هذا الشهر
من حينها فصاعدا كشهر صحيح؛ أي إن شهر ذي الحجة –وهو من الأشهر الحرم- قد عاد إلى
موضعه الطبيعي بعد كل تلاعبات العرب من قبل، هذا الموضع الطبيعي لا يمكن إلا أن
يكون مرتبطا بمناخ معين، فلابد من مرجع ثابت للتحديد، ولو كان التقويم قمريا بحتا لما
كان هناك موضع محدد يمكن القول بأن شهر ذي الحجة يجب أن يأتي فيه أو يعود إليه!
وهذا
مثل القول بأن شهر رمضان الذي أتى في سنة 1974 م كان شهرا صحيحا رغم خطأ اللاتقويم
المستحدث المسمى بالهجري، وكان يمكن عندها اعتماده هكذا والبدء في استعمال التقويم
الصحيح منذ ذلك الحين.
لذلك
فقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ
وَسَلَّمَ "إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ
خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ" يعني أن سلسلة تراكمات تلاعب العرب
بالأشهر الحرام قد تمخضت عن عودة شهر ذي الحجة وبالتالي كافة الأشهر العربية إلى
مواضعها المناخية الصحيحة، ومن الظاهر أن ذلك كان أمرًا واضحا لهم فلم يسأل أحد عن
كيفية التيقن من استدارة الزمان، وقد كان معلومًا لدى العرب أن شهر ذا الحجة هو
أحد شهري الخريف وفق اصطلاحهم.
ومن
المعلوم أن اللاتقويم المستعمل الآن يستدير هو الآخر لتعود الشهور إلى مواضعها
الأصلية في دورات مقدار الدورة 33 سنة، ولذلك أيضًا يمكن القول مثلا عندما تعود
بداية رمضان لتكون في سبتمبر في الخريف إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ
الأصلية أو الصحيحة.
ومن الجدير بالذكر أن رمضان المزيف يأتي متزامنا مع
رمضان الحقيقي كل حوالي 32-33 سنة، ويستمر كذلك لمدة ثلاث سنوات، وعلى سبيل المثال
تأتي بداية رمضان صحيحة في السنوات 1974، 2007، وكانت
كالتالي:
18 سبتمبر 1974، 13 سبتمبر 2007، وسيأتي كذلك صحيحا سنة
2040 وستكون بدايته: 8 سبتمبر، وفي سنة 2073، وستكون بدايته في 3 سبتمبر.
والجدول الآتي يبين بعض السنوات الميلادية التي أتى أو سيأتي فيها توقيت شهر
رمضان صحيحا:
جدول
السنوات الميلادية التي أتى أو سيأتي فيها توقيت شهر رمضان صحيحا
توقيت شهر رمضان
|
السنة الميلادية
|
توقيت شهر رمضان
|
السنة الميلادية
|
توقيت شهر رمضان
|
السنة الميلادية
|
26/8/1976
|
1976
|
7/9/1975
|
1975
|
18/9/1974
|
1974
|
20/9/2009
|
2009
|
2/9/2008
|
2008
|
13/9/2007
|
2007
|
28/8/2041
|
2041
|
8/9/2040
|
2040
|
19/9/2039
|
2039
|
24/8/2074
|
2074
|
3/9/2073
|
2073
|
14/9/2072
|
2072
|
وكلمة {ٱلنَّسِيۤءُ} هي مصدر للفعل الماضي نسأ بمعنى أخَّر، وهو على وزن فعيل
مأخوذ من نسأ الشيء إذا أخره، ومنه أنسأ الله في أجل فلان؛ أي: أخره، ومن مصادر
نفس الفعل: النَسْي والنسْء كالبَدء والنِساء.
وكلمة "نسِيۤء" هي أيضًا اسم مفعول على وزن فعيل، مثل جريح بمعنى
مجروح، ومن المعلوم أن اسم المعنى (المصدر) يمكن أن يُستعمل للدلالة على المفعول
في العربية، وكل ذلك يعني الشيء الذي يؤخَّر، وكمصطلح يعني تأخير حرمة شهر إلى آخر،
وذلك أن العرب كانوا إذا جاء شهر حرام وهم محارِبون أحلوه وحرموا مكانه شهرا آخر فيستحلون
المحرم ويحرمون صفرا، فإن احتاجوا أيضا أحلوه وحرموا ربيعا الأول، وهكذا كانوا يفعلون
حتى استدال التحريم على شهور السنة كلها، وكانوا يعتبرون في التحريم مجرد العدد لا
خصوصية الأشهر المعلومة، وربما زادوا في عدد الشهور بأن يجعلوها ثلاثة عشر أو أربعة
عشر ليتسع لهم الوقت ويجعلوا أربعة أشهر من السنة حراما أيضا، ولذلك نص القرءان على
أنَّ عِدَّةَ
الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا وأنَّ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، وكان يختلف وقت حجهم بسبب تلاعبهم هذا، ولذلك حجَّ أبو
بكر بالناس في ذي القعدة في السنة التاسعة للهجرة.
فالنسيء المعهود عندهم زِيَادَةٌ فِى ٱلْكُفْرِ الذي هم عليه، ذلك لأنه تحريم
ما أحل الله تعالى وقد استحلوه واتخذوا التحليل شريعة وذلك كفر ضموه إلى كفرهم،
وهذا يشير إلى أن تحريم ما أحل الله تعالى هو لونٌ من الكفر، وقد كان من فوضوا
إليه هذا الأمر يزعم أنه يفعل ذلك باسم الله.
فهذا النسيء يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إضلالاً زائدا على إضلالهم القديم،
وقُرِئ الفعل أيضًا { يُضِلَّ } ولا اختلاف في المعنى، وليس من الضروري معرفة
الفاعل المسكوت عنه، وللإجابة مستوياتها المتعددة، ولكن الذي يعني هو أن فعلهم هذا
يجلب عليهم المزيد من الضلال أو يضلون به أو بسببه عن الحق.
قال الكلبـي عن النسيء: ((أول من فعل ذلك رجل من كنانة يقال له نعيم بن ثعلبة
وكان إذا همَّ الناس بالصدور من الموسم يقوم فيخطب ويقول لا مردّ لما قضيت أنا الذي
لا أعاب ولا أخاب فيقول له المشركون: لبيك ثم يسألونه أن ينسئهم شهرا يغزون فيه فيقول:
إن صفر العام حرام فإذا قال ذلك حلوا الأوتار ونزعوا الأسنة والأزجة وإن قال حلال عقدوا
الأوتار وركبوا الأزجة وأغاروا)).
وبالطبع هو لم يفعل ذلك من تلقاء نفسه، وإنما في إطار نظمهم.
وعن الضحاك أنه جنادة بن عوف الكناني وكان مطاعا في الجاهلية وكان يقوم على
جمل في الموسم فينادي بأعلى صوته "إن آلهتكم قد أحلت لكم المحرم فأحلوه"،
ثم يقوم في العام القابل فيقول: "إن آلهتكم قد حرمت عليكم المحرم فحرموه".
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس: "كانت النساءة حي من بني مالك بن كنانة
وكان آخرهم رجلاً يقال له القلمس وهو الذي أنسأ المحرم وكان ملكا في قومه وأنشد شاعرهم:
ومنا ناسىء الشهر القلمس.
وقال الكميت:
ونحن الناسئون على معدّ شهور
الحل نجعلها حراما
وكان النسيء منهم ليُوَاطِئُواْ؛ أي
ليوافقوا، عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ من الأشهر الحرم، واللام متعلقة بيحرمونه أي
يحرمونه لأجل موافقة ذلك أو بما دل عليه مجموع الفعلين؛ أي فعلوا ما فعلوا لأجل الموافقة،
فكان يعنيهم أن يحافظوا على العدد دون خصوصية كل شهر، وهذا يقوِّض المفهوم الشائع
عن التقويم العربي، فلو كان الأمر كما هو الآن لما كان هناك أية خصوصية لأي شهر من
الأشهر الحرام أو الحلال منها!
والعبارة {وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَـٰفِرِينَ} تتضمن سنة
إلهية كونية خاصة بالمخيرين، فمن تعمد الكفر حتى أصبح سجية ثابتة له لا يمكن أن
يهتدي، وذلك لتراكم آثار الأفعال الكفرية على قلبه بمقتضى السنن.
وقد أشار الزمخشري في الكشاف إلى الأسباب التي جعلت المشركين يحلون الأشهر الحرم
فقال: " كانوا أصحاب حروب وغارات، فإذا جاء الشهر الحرام وهم محاربون شق عليهم
ترك المحاربة، فيحلونه ويحرمونه مكانه شهرا آخر - وكان يشق عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر
لا يغيرون فيها - حتى رفضوا تخصيص الأشهر الحرم بالتحريم؛ فكانوا يحرمون من شتى شهور
العام أربعة أشهر.
فالنسيء الذي كان يفعله العرب المشركون هو تأخيرهم حرمة شهر إلى آخر، وهو زِيَادَةٌ
فِي ٱلْكُفْرِ، ذلك لأنهم قد ضموا إلى كفرهم بالله كفرا آخر، هو تحليلهم لما حرمه الله
وتحريمهم لما أحله وبذلك يكونون قد عملوا على تغطية وحجب حكم الله في الأشهر
الحرم، وذلك بلا شك لونٌ من الكفر، فضلا عن تضمنه اعتداءً على حقٍّ إلهي.
وقوله تعالى {يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ} بالبناء للمجهول هو لتعدد
المراتب والمستويات، ولكون الإضلال يتم وفق سنن لا تبديل لها ولا تحويل، وهو لا
إكراه فيه بأي حال من الأحوال، فمظاهر الإضلال هم أنفسهم ووساوسهم وحرصهم على
ضلالهم وكذلك شياطينهم من الجن والإنس، ولكن في النهاية لا يضلّ إلا من اختار
الضلال بنفسه لنفسه.
وقوله تعالى: {يُحِلُّونَهُ عَاما وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا} بيان وتفسير للمقصود
بالنسيء المذموم، وفي ذلك حصرٌ له وتحديد دقيق له، فما هو قابل ليحلونه لابد أنه
محرمٌ أصلا، وما هو قابل لأن يحلوه هو شهر عادي أصلا، وبذلك فلا علاقة لذلك بموضوع
التقويم.
فالمفعول في الفعلين "يُحِلُّونَهُ" وَ"يُحَرِّمُونَهُ"
هو النسيء أو الشهر الذي غيروا صفته.
والمعنى أن هؤلاء الكافرين من مظاهر ضلالهم، أنهم يحلون الشهر المؤخر عن وقته
عاما من الأعوام، ويحرمون مكانه شهرا آخر ليس من الأشهر الحرم، وأنهم يحرمونه أي: يحافظون
على حرمة الشهر الحرام عاما آخر، إذا كانت مصلحتهم في ذلك.
فالمذموم من النسيء هو ما فعلوه من التحليل والتحريم للأشهر وفق أهوائهم، ليوافقوا
بما فعلوه عدة الأشهر الحرم، بحيث تكون أربعة في العدد وإن لم تكن عين الأشهر المحرمة
في شريعة الله.
قال ابن عباس: "ما أحل المشركون شهرا من الأشهر الحرم إلا حرموا مكانه
شهرا من الأشهر الحلال، وما حرموا شهرا من الحلال إلا أحلوا مكانه شهرا من الأشهر الحرام،
لكي يكون عدد الأشهر الحرم أربعة"، وقوله هذا موافق للآية.
فقوله تعالى { لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ
اللّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّهُ } يعني أنهم يحلون الأشهر
المحرمة، وهم إن كانوا وافقوا عددها، فليست العبرة بالعدد، وإنما بالطبيعة الخاصة
لكل شهر من هذه الأشهر، فهم بالنسيء يستحلون أو يحرمون أشهرًا ذات طبيعة خاصة بلا
ريب، ولو كانت الأشهر بحالتها في اللاتقويم المستعمل الآن لكانت كلها سواء، ولما
كان لذمِّ فعلهم من معنى، ولا يمكن أن يكون للشهر طبيعة خاصة إلا إذا كان لا يدور
مع الفصول أو الأزمنة.
وقوله تعالى {زُيِّنَ لَهُمْ سُوۤءُ أَعْمَالِهِمْ} يبين حقيقة كونية
راسخة، فالضالون معجبون وفرحون بما هم عليه من الضلال، وهم إذ يمارسون حياتهم
وتصدر عنهم أعمالهم وفقا لذلك ترتد عليهم آثار سيئة تزداد أحوالهم تدهورا بها،
فهكذا يُزيَّن لهم التمادي في أعمالهم السيئة بمقتضى السنن، فالمبادرة والاختيار
كان أصلا منهم، وبالطبع فآلات الإضلال وتزيين سوء الأعمال لا حصر لها.
وكل ما ورد من روايات وآثار تثبت أن النسيء لا يعني إلا التلاعب بالأشهر
الحرم بالتأخير استجابة لطلبات القبائل.
وقد ذكر المفسرون روايات في أول من أخَّر حرمة شهر إلى آخر، فعن مجاهد قال:
كان رجل من بنى كنانة يأتي كل عام إلى الموسم على حمار له فيقول: أيها الناس. إني لا
أعاب ولا أخاب ولا مرد لما أقول. إنا قد حرمنا المحرم وأخَّرنا صفر. ثم يجئ العام المقبل
بعده فيقول مثل مقالته ويقول: إنا قد حرَّمنا صفر وأخَّرنا المحرم.
وقد كان بعض أهل الجاهلية يتفاخر بهذا النسيء، ومن ذلك قول شاعرهم:
ومنا ناسئ الشهر القلمس
قال آخر:
ألسنا الناسئين على معد---شهور الحل نجعلها حراما
وَقَدْ تَكَلَّمَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَلَى النسيء فِي كِتَابِ السِّيرَةِ
فَقَالَ:
كَانَ أَوَّلَ مَنْ نَسَأَ الشُّهُورَ عَلَى الْعَرَبِ فَأَحَلَّ مِنْهَا مَا
حَرَّمَ اللَّهُ وَحَرَّمَ مِنْهَا مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ القلمس وهو حذيفة
بن عبد فُقَيْمُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ عَامِرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ
بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نَزَارِ
بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ: ثُمَّ قَامَ بَعْدَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُهُ عَبَّادٌ
ثُمَّ مِنْ بَعْدِ عَبَّادٍ ابْنُهُ قَلَعُ بْنُ عَبَّادٍ ثُمَّ ابْنُهُ أُمَيَّةُ
بْنُ قَلَعٍ ثُمَّ ابْنُهُ عَوْفُ بْنُ أُمَيَّةَ ثُمَّ ابْنُهُ أَبُو ثُمَامَةَ جُنَادَةُ
بْنُ عَوْفٍ وَكَانَ آخِرَهُمْ وَعَلَيْهِ قَامَ الْإِسْلَامُ فَكَانَتِ الْعَرَبُ
إِذَا فَرَغَتْ مِنْ حَجِّهَا اجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ فَقَامَ فِيهِمْ خَطِيبًا فَحَرَّمَ
رَجَبًا وَذَا الْقَعْدَةِ وَذَا الْحِجَّةِ وَيُحِلُّ الْمُحَرَّمَ عَامًا ويجعل مكانه
صفر ويحرمه لِيُوَاطِئَ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ
يَعْنِي وَيُحَرِّمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ.
*****
ما النسيء إلا زيادة في الكفر، والنسيء على وزن فعيل صرف إليه من مفعول، والنسيء
هو عملية تأخير شهر من الأشهر الحرم، فذلك العمل زيادة في الكفر، فالتأخير الذي يؤخره
الذين كفروا من الأشهر الحرم الأربعة وتصييرهم الحرام منهن حلالاً والحلال من
غيرها حراما هو زيادة في كفرهم وجحودهم أحكام الله وآياته واعتدائهم على سلطاته.
وقد ذكر الطبري عن النسيء أن جنادة بن عوف بن أمية الكناني كان يوافي الموسم
في كل عام، وكان يكنَّى أبا ثمامة، فينادي: ألا إن أبا ثمامة لا يحَابُ ولا يعاب، ألا
وإن صفر العام الأوّل حلال فيحلّه الناس، فيحرّم صفر عاما، ويحرّم المحرّم عاما، فذلك
قوله تعالى: { إنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ... } إلى قوله: { الكَافِرينَ
}. وقوله: {إنَّمَا النَّسِىءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ} يقول: يتركون المحرّم عاما،
وعاما يحرّمُونه.
وقال: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا إدريس، قال: سمعت ليثا، عن مجاهد، قال: كان
رجل من بني كنانة يأتي كل عام في الموسم على حمار له، فيقول: أيها الناس إني لا أُعاب
ولا أُحاب، ولا مردّ لما أقول إنا قد حرّمنا المحرّم، وأخرنا صفر ثم يجيء العام المقبل
بعده، فيقول مثل مقالته، ويقول: إنا قد حرمنا صفر، وأخرنا المحرّم فهو قوله: {لِيُوَاطِئُوا
عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ} قال: يعني الأربعة، فيحلوا ما حرّم الله لتأخير هذا الشهر
الحرام.
وذكر عن ابن عباس: {إنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ} قال: فهو المحرّم
كان يحرّم عاما وصفر عاما، وزيد صفر آخر في الأشهر الحرم، وكانوا يحرّمون صفرا مرّة
ويحلونه مرّة، فعاب الله ذلك.
وقال: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { إنَّمَا النَّسِيءُ
زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ... } إلى قوله: {الكافِرِينَ } عمد أناس من أهل الضلالة، فزادوا
صفرا في الأشهر الحرم، فكان يقوم قائمهم في الموسم، فيقول: ألا إن آلهتكم قد حرمت العام
المحرّم فيحرّمونه ذلك العام. ثم يقول في العام المقبل فيقول: ألا إن آلهتكم قد حرّمت
صفر فيحرّمونه ذلك العام. وكان يقال لهما: الصفران. قال: فكان أوّل من نسأ النسيء بنو
مالك بن كنانة، وكانوا ثلاثة: أبو ثمامة صفوان بن أمية أحد بني فقيم بن الحرث، ثم أحد
بني كنانة.
وقال: حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن
أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: { إنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ } قال:
فرض الله الحجّ في ذي الحجة. قال: وكان المشركون يسمون الأشهر: ذو الحجة، والمحرّم،
وصفر، وربيع، وربيع، وجمادى، وجمادى، ورجب، وشعبان، ورمضان، وشوّال، وذو القعدة، وذو
الحجة، يحجون فيه مرّة ثم يسكتون عن المحرّم فلا يذكرونه، ثم يعودون فيسمون صفر صفر،
ثم يسمون رجب جمادى الآخرة، ثم يسمون شعبان رمضان، ثم يسمون رمضان شوالاً، ثم يسمون
ذا القعدة شوّالاً، ثم يسمون ذا الحجة ذا القعدة، ثم يسمون المحرّم ذا الحجة فيحجون
فيه، واسمه عندهم ذو الحجة. ثم عادوا بمثل هذه القصة، فكانوا يحجون في كل شهر عامين،
حتى وافق حجة أبي بكر رضي الله عنه الآخر من العامين في ذي القعدة. ثم حجّ النبي صلى
الله عليه وسلم حجته التي حجّ، فوافق ذا الحجة، فذلك حين يقول النبي صلى الله عليه
وسلم في خطبته: "إنَّ الزَّمانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ
السَّمَوَاتِ والأرْضَ".
وقال: حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن أبي
نجيح، عن مجاهد: {إنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ} قال: حجوا في ذي الحجة
عامين، ثم حجوا في المحرّم عامين، ثم حجوا في صفر عامين، فكانوا يحجون في كل سنة في
كل شهر عامين، حتى وافقت حجة أبي بكر الآخر من العامين في ذي القعدة قبل حجة النبي
صلى الله عليه وسلم بسنة. ثم حجّ النبي صلى الله عليه وسلم من قابل في ذي الحجة. فذلك
حين يقول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته: "إنَّ الزَّمانَ قَدِ اسْتَدَارَ
كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ والأرْضَ"
وقال: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمران بن عيينة، عن حصين، عن أبي مالك: {إنَّمَا
النَّسِىءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ} قال: كانوا يجعلون السنة ثلاثة عشراً شهراً، فيجعلون
المحرّم صفراً، فيستحلون فيه الحرمات. فأنزل الله: {إنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي
الكُفْرِ}، وذلك هو الأمر الذي نهاهم الله تعالى عنه عندما قال: {إِنَّ
عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ
خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ
الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ...} [التوبة:36]
وقال: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { إنَّمَا
النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا... } الآية. قال:
هذا رجل من بني كنانة يقال له القَلَمَّس، كان في الجاهلية، وكانوا في الجاهلية لا
يغير بعضهم على بعض في الشهر الحرام، يلقى الرجل قاتل أبيه فلا يمدّ إليه يده. فلما
كان هو، قال: اخرجوا بنا قالوا له: هذا المحرم. فقال: ننسئه العام، هما العام صفران،
فإذا كان عام قابل قضينا فجعلناهما محرمين قال: ففعل ذلك. فلما كان عام قابل، قال:
لا تغزوا في صفر حرّموه مع المحرّم، هما محرّمان المحرم أنسأناه عاماً أوّل ونقضيه
ذلك الإنساء. وقال شاعرهم:
وَمِنَّا مُنْسِيءُ الشَّهْرِ القَلَمَّسْ
وأما قوله تعالى: {لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ
اللّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّهُ} فهو يعني ليوافقوا العدد المعلوم للأشهر الحرم، وهو أربعة، بمعنى أنهم كانوا
يوافقون بعدة الشهور التي يحرّمونها عدة الأشهر الأربعة التي حرّمها الله، لا يزيدون
عليها ولا ينقصون منها، وإن قدّموا وأخَّروا وإن غيروا عدد أشهر السنة، فذلك المقصود
بمواطأة عدتهم عدّة ما حرّم الله.
وقد ذكر ابن هشام في كتابه عن السيرة النبوية أن أبا ثمامة جنادة بن عوف، كان
آخر الناسئين، وعليه قام الإسلام، وكانت العرب إذا فرغت من حجها اجتمعت إليه، فحرم
الأشهر الحرم الأربعة: رجبا، وذا القعدة، وذا الحجة، والمحرم، فإذا أراد أن يحل منها
شيئا أحل المحرم فأحلوه، وحرم مكانه صفر فحرموه، ليواطئوا عدة الأربعة الأشهر الحرم،
فإذا أرادوا الصدر قام فيهم فقال: اللهم إني قد أحللت لك أحد الصفرين، الصفر الأول،
ونسأت الآخر للعام المقبل.
وقال البغويّ في تفسيره،
وفي شرح السُّنَّة: ومعنى النَّسيء: "هو تأخير شهر إلى شهر آخر"، ثمَّ
بيَّن سبب فعلهم هذا فقال: «وذلك أنَّ العرب كانت تعتقد تعظيم الأشهر الحرم، وكان
ذلك ممَّا تمسَّكت به من ملَّة إبراهيم عليه السَّلام، وكانت عامَّة معايشهم من
الصَّيد، والغارة، فكان يشقُّ عليهم الكفّ عن ذلك ثلاثة أشهر على التَّوالي، وربما
وقعت لهم حرب في بعض الأشهر الحرم فيكرهون تأخير حربهم، فنسأوا: أي: أخَّروا تحريم
ذلك الشَّهر إلى شهر آخر، وكانوا يؤخِّرون المحرَّم إلى صفر، فيحرِّمون صفر
ويستحلُّون المحرَّم، فإذا احتاجوا تحريم صفر أخَّروه إلى ربيع، هكذا شهرًا بعد
شهر حتى استدار التَّحريم على السَّنة كلِّها.
وذكر أن النسيء قد استمر بهم، فكانوا ربما يحجون في بعض السنين في شهر ويحجون
من قابل في شهر آخر، قال مجاهد: كانوا يحجون في كل شهر عامين، فحجوا في شهر ذي الحجة
عامين، ثم حجوا في المحرم عامين، ثم حجوا في صفر عامين، وكذلك في الشهور، فوافقت حجة
النبي صلى الله عليه وسلم شهر الحج المشروع وهو ذو الحجة، فوقف بعرفة يوم التاسع، وخطب
وأعلمهم أن أشهر النسيء قد تناسخت باستدارة الزمان، وعاد الأمر إلى ما وضع الله عليه
حساب الأشهر يوم خلق الله السماوات والأرض، وأمرهم بالمحافظة عليه لئلا يتبدل في مستأنف
الأيام.
وقال ابن كثير: كانوا قد
أحدثوا قبل الإسلام بمدة تحليل المحرَّم، وتأخيره إلى صفر، فيحلُّون الشَّهر
الحرام، ويحرِّمون الشَّهر الحلال؛ ليواطئوا عدَّة الأشهر الأربعة.
وأورد
البيهقي في السُّنن الكبرى ما يشير إلى هذا التَّأويل، فقال: عَنِ ابْنِ عَبَّاس فِي قَوْلِهِ تَعَالَى "إِنَّمَا
النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ" التوبة: 37 قَالَ: النَّسِيءُ أَنَّ
جُنَادَةَ بْنَ عَوْفِ بْنِ أُمَيَّةَ الْكِنَانِيَّ كَانَ يُوَافِي الْمَوْسِمَ كُلَّ
عَامٍ وَكَانَ يُكَنَّى أَبَا ثُمَامَةَ فَيُنَادِي أَلَا إِنَّ أَبَا ثُمَامَةَ
لَا يُحَابُ وَلَا يُعَابُ، أَلَا وَإِنَّ عَامَ صَفَرٍ الْأَوَّلِ الْعَامَ
حَلَالٌ، فَيُحِلُّهُ لِلنَّاسِ فَيُحَرِّمُ صَفَرًا عَامًا وَيُحَرِّمُ
الْمُحَرَّمَ عَامًا فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى "إِنَّمَا النَّسِيءُ
زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا
وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا" التوبة: 37.
وقد ذكر السِّيوطيّ في
كتابه الدرُّ المنثور عن ابن عباس قال: كانت النّسأة حيًّا من
بني مالك من كنانة من بني تميم، فكان أخراهم رجلا يقال له: القلمس، وهو الذي أنسأ
المحرّم، وكان ملكا، كان يحلّ المحرّم عامًا، ويحرّمه عامًا، فإذا حرّمه كانت
ثلاثة أشهر متوالية ذو القعدة، وذو الحجّة، والمحرّم، وهي العدّة التي حرّم الله
في عهد إبراهيم عليه السّلام، فإذا أحلّه دخل مكانه صفر في المحرّم ليواطئ العدّة.
يقول: قد أكملت الأربعة كما كانت؛ لأنّي لم أحلّ شهرًا إلا وقد حرّمت مكانه شهرًا،
فكانت على ذلك العرب من يدين للقلمَّس بملكه، حتى بعث الله محمدا، فأكمل الحرم
ثلاثة أشهر متوالية ورجب شهر مضر الذي بين جمادى وشعبان.
وقال
مثل ذلك "النَّووي" في شرحه على صحيح مسلم، فقال: ((قَالَ الْعُلَمَاءُ
الْمُرَادُ الْإِخْبَارُ عَنِ النَّسِيءِ الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ وَكَانُوا
يُسَمُّونَ الْمُحَرَّمَ صَفَرًا وَيُحِلُّونَهُ، وَيُنْسِئُونَ الْمُحَرَّمَ،
أَيْ يُؤَخِّرُونَ تَحْرِيمَهُ إِلَى مَا بَعْدِ صَفَرٍ؛ لِئَلَّا يَتَوَالَى
عَلَيْهِمْ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ مُحَرَّمَةٍ تُضَيِّقُ عَلَيْهِمْ أُمُورَهُمْ مِنَ
الْغَارَةِ وَغَيْرِهَا فَأَضَلَّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ فَقَالَ تَعَالَى
{إِنَّمَا النسيء زيادة في الكفر...}.
فلا
علاقة للنسيء بعملية التقويم من قريبٍ أو بعيد، النسيء لا يعني إلا تأخير شهر أو
أكثر من الأشهر الحرم.
ولابن
كثير في "البداية والنِّهاية" كلام يثبت وجود النسأة، قال: ((قال ابن
إسحاق فلمَّا تحدّثت العرب بكتاب أبرهة إلى النّجاشي غضب رجل من النّسأة من كنانة
الذين ينسئون شهر الحرام إلى الحلّ بمكة أيام الموسم)).
وأورد
ابن الأثير في كتابه الكامل، وقال المسعوديّ: «وقد كان العرب في الجاهلية تنسئ
لأجل اختلاف الزّمان والمواقيت، وما بين السّنَة الشّمسيّة والقمريّة».
والمهم هنا هو الإشارة إلى
حرصهم على ومراعاة الفرق
بين السَّنة القمريَّة، والسَّنة الشمسيَّة.
*****
وقد أورد الدكتور "جواد علي" في كتاب "المفصَّل في تاريخ
العرب قبل الإسلام" كلاما مستفيضا عن موضوع النسيء، وهو يذكر فيه مراجعه
القديمة أيضًا يمكن لمن أراد الرجوع إليه، وسنورده هنا مع بعض التعليقات عليه.
ذكر أن النَّسَأة كانت في بني مالك بن كنانة، وكان أولهم القَلمَّس حذيفة
بن عبد بن فُقيم بن عديّ بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة، ثم ابنه
قلع بن حذيفة، ثم عباد بن قلع، ثم "قلع بن عبّاد قلع" ثم "أمية بن
قلع" ثم "عوف بن أمية"، ثم "جنادة بن أمية بن عوف بن قلع"،
وذكر أن أول من نسأ "قلع"، نسأ سبع سنين، ونسأ "أمية" إحدى
عشرة سنة، وذكر عن "ابن إسحاق" أن أول من نسأ عند العرب
"القلمس"، وهو "حذيفة بن عبد فقيم بن عدي بن عامر بن ثعلبة بن
الحارث بن مالك بن كنانة"، ثم قام بعده على ذلك ابنه "عباد"، ثم من
بعد عباد ابنه "قلع بن عباد"، ثم ابنه "أمية ابن قلع"، ثم
ابنه "عوف بن أمية" ثم ابنه "أبو ثمامة" "جنادة بن
عوف"، وكان آخرهم وعليه قام الإسلام.
وذكر "القرطبي" عن "ابن الكلبي" أن "أول من فعل
ذلك رجل من بني كنانة، يقال له: نعيم بن ثعلبة، ثم كان بعده رجل يقال له: جنادة بن
عوف، وهو الذي أدركه رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم. وقال الزهري: حيّ من بني
كنانة ثم من بني فُقيم منهم رجل يقال له: "القلمس"، واسمه حذيفة بن عبيد،
وفي رواية مالك بن كنانة، وكان الذي يلي النسيء يظفر بالرياسة لتريس العرب إياه،
وفي ذلك يقول شاعرهم: "ومنا ناسئ الشهر القلمس"، وقال الكميت: "ألسنا
الناسئين على معد ... شهور الحل نجعلها حراما".
وذكر "اليعقوبي"، أن أول من نسأ الشهور: "سرير بن ثعلبة بن
الحارث بن مالك بن كنانة". وهو والد "هند" التي تزوجها "مرة
بن كعب"، فولدت له "كلابًا" وشرف "كلاب بن مرة" وجلّ
قدره واجتمع له شرف الأب، وهو "كعب بن لؤي"، الذي كان أول من سمى يوم
الجمعة بالجمعة، وكانت العرب تسميه "عروبة"، وشرف الجد من قبل الأم،
لأنهم كانوا يجيزون الحج ويحرمون الشهور ويحللونها، فكانوا يسمون النسأة والقلامس.
وذكر "الزبيري"، أن "سريرًا" أول من نسأ الشهور، وقد
انقرض سرير، ونسأ الشهور بعده ابن أخيه القلمَّس، واسمه "عدي بن عامر بن
ثعلبة بن الحارث بن كنانة"، ثم صار النسيء في ولده، وكان آخرهم "جنادة
بن عوف"، وهو "أبو ثمامة". وورد في رواية أخرى، أن آخرهم هو
"فقيم بن ثعلبة"، أو هو غيره، وقد ذكروا أن "أبا ثمامة"، وهو
"جنادة بن أمية" من بني "المطلب بن حدثان بن مالك بن كنانة"،
من نسأة الشهور على معد، كان يقف عند "جمرة العقبة، ويقول: "اللهم إني
ناسئ الشهور وواضعها مواضعها ولا أعاب ولا أحاب، اللهم إني قد أحللت أحد الصفرين
وحرَّمت صفر المؤخر، وكذلك في الرجبين، يعني: رجبًا وشعبان. ثم يقول: انفروا على
اسم الله تعالى، وفيه يقول قائلهم:
ألسنا الناسئين على معد ... شهور الحل نجعلها حراما
وذكر أن أول من نسأ بعد "القلمين" القلسين: "حذيفة بن عبد
نعيم بن عدي"، و"زيد بن عامر بن ثعلبة" "وهو القلمين بن عامر
بن ثعلبة" "عياد بن حذيفة"، ثم "قلع بن عياد"، ثم
"أمية بن قلع"، ثم "عوف بن أمية"، ثم "جنادة"
فأدركه الإسلام.
وذكر "الطبري"، "أن جنادة بن عوف بن أمية الكناني، كان
يوافي الموسم كل عام، وكان يكنى أبا ثمامة، فينادي: "ألا إن أبا ثمامة لا
يجاب ولا يعاب، ألا وإن صفر العام الأول حلال"، فيحلّه الناس، فيحرِّم صفر
عامًا ويحرم المحرم عامًا"، ودعاه بـ"أبي ثمامة صفوان بن أمية"،
أحد "بني فقيم".
ابن الحارث، ثم أحد بني كنانة"، وذكر أنه "كان رجل من بني كنانة،
يأتي كل عام في الموسم على حمار له، فيقول: "أيها الناس، إني لا أعاب ولا
أحاب، ولا مردّ لما أقول" إنا قد حرمنا المحرم، وأخَّرنا صفر. ثم يجييء العام
المقبل بعده، فيقول مثل مقالته، ويقول: إنا قد حرمنا صفر وأخرنا المحرم، فهو قوله:
{لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّه}، وكان هذا الرجل يقال له: القلمس.
وكان آخر النسأة، "جنادة بن عوف بن أمية بن قلع بن عيّاد
"عباد" بن حذيفة بن عبد بن فقيم بن عدي بن زيد بن عامر بن ثعلبة بن
الحارث بن مالك بن كنانة"، أبو "ثمامة"، "أبو أمامة"
الكناني. نسأ الشهر أربعين سنة، وأدرك الإسلام. وكان أبعد النسأة ذكرًا، وأطولهم
أمدًا، وذكر أن اسمه "أمية بن عوف بن جنادة بن عوف بن عياد بن قلع بن فقيم بن
عدي بن عامر بن الحارث بن ثعلبة"، وذكر أيضًا أنه "القلمس بن أمية بن
عوف بن قلع بن حذيفة بن عبد بن فقيم".
ووردت في خبر ينسب إلى "ابن عباس"، أنه قال: النسأة في كندة، وأنهم
كانوا النسأة الأول، قبل المذكورين، وذهب "الجاحظ" إلى أن النسيء كان في
كنانة، وأما السدانة، فكانت في "مر بن أُدّ" "من رهط صوفة
والرُّبيط منها أصحاب المزدلفة، وكانت عدوان وأبو سيارة عميلة بن أعزل، تدفع
الناس"، ويكاد يكون الإجماع على أن النسيء كان من حق "كنانة"، لم
يتولَّه غيرهم.
وذكر أن الناسئ، كان يحل للمحرمين قتال "خثعم" و"طيء"،
"لأنهم كانوا لا يحرمون الأشهر الحرم، فيغيرون فيها ويقاتلون، فكان من نسأ
الشهور من الناسئين يقوم، فيقول: "إني لا أحاب ولا أعاب، ولا يُردّ ما قضيت
به، وإني قد أحللت دماء المحللين من طيء وخثعم، فاقتلوهم حيث وجدتموهم إذا عرضوا
لكم".
ويذكر أهل الأخبار أن أولئك الناسئين كانوا نابهين في قومهم، لهم مركز عظيم
وشأن، فكان "القلمَّس" مثلًا ملكًا في قومه، وهو من بني كنانة، وكان
عالم قومه وفقيههم في الدين، وكان الذي يلي النسيء يظفر بالرياسة لتريس العرب إياه،
ويظهر أنهم كانوا أصحاب علم ونظر ومكانة محترمة، في أمور الدين، في قومهم وفي
القبائل التي تحج إلى مكة.
وكلمة "قَلَمّس" على ما يتبين من روايات الأخباريين، لم تكن اسم
علم، وإنما هي لفظة يراد بها عند الجاهليين ما يراد من معنى الفقيه والمفتي في
الإسلام.
وقد ذكر علماء اللغة أن من معاني "القلمَّس": البحر والسيد
العظيم، والرجل الخيّر المعطاء والمفكر البعيد الغور، والداهية من الرجال، ونحو
ذلك من معان تشير إلى صفات عالية في الرجل الذي أطلقت عليه، وقد تكون بمعنى العالم
العارف، وقد أطلقت بصورة خاصة على هذه الجماعة، لسعة علمها بهذا الموضوع وغيره،
ولوقوفها على التوقيت وعلى الفلك في تلك الأيام، وقد تكون لفظة من جملة الألفاظ
المعربة التي دخلت العربية قبل الإسلام.
والذي نرجحه أنها ذات أصل لاتيني يعطي معنى القلم اللازم للتصنيف والتمييز.
وطريقة الناسئ في إعلانه النسيء على الناس في الحج، أن يقوم رجل من كنانة
فيقول: "أنا الذي لا يردّ لي قضاء"، فيقولون: "أنسئنا شهرًا"؛
أي: "أخِّر عنا حرمة المحرم واجعلها في صفر فيحل لهم المحرم، وهذا الرجل هو
الناسئ، أو أن يدعو الناسئ الناس في آخر موسم الحج إلى الاجتماع حوله، فإذا
اجتمعوا ارتقى موضعًا مرتفعًا ظاهرًا، أو قام على ظهر جمله ليراه الناس ثم يقول
بأعلى صوته: "اللهم إني لا أعاب ولا أحاب، ولا مردَّ لما قضيت، اللهم، إني
أحللت شهر كذا، (ويذكر شهرًا من الأشهر الحرم، وقع اتفاقهم على شن الغارة فيه)،
وأنسأته إلى العام القابل، (أي: أخَّرت تحريمه)، وحرَّمت مكانه شهر كذا من الأشهر
البواقي"، فكانوا يحلون ما أحل ويحرمون ما حرم، فإذا انتهى من هذا الخطاب وأمثاله،
أباحوا لأنفسهم الغارة في ذلك الشهر، وغزوا من نووا غزوه. فإذا جاء العام القابل،
نهض الناسئ ليقول: "إن آلهتكم قد حرمت عليكم الشهر الفلاني، وهو الشهر الذي
أحله في العام الماضي فحرموه، فيحرمونه.
وورد في بعض الروايات، أنه كان يقوم فيقول: "إني لا أحاب ولا أعاب ولا
يرد ما قضيت به، وإني قد أحللت دماء المحللين من طيء وخثعم، فاقتلوهم حيث وجدتموهم
إذا عرضوا لكم"، وذلك لما ذكر من عدم تحريم طيء وخثعم للشهور الحرم، فكانوا
يغيرون ويقاتلون فيها، ولذلك استثناهم القلامسة من عدم مقاتلتهم في تلك الشهور،
وذلك لضرورات الدفاع عن النفس.
وقد نُسب إلى بعض القلامسة (المتحكمين في النسيء) شعر، قيل: إنهم قالوه
يفتخرون فيه باحتكارهم النسيء، وبإرشادهم الناس إلى مناسك دينهم، وقيادتهم الحجاج،
يسيرون تحت لوائهم، يبينون لهم شهور الحل والشهر الحرم، كما ورد شعر منسوب إلى بعض
كنانة يفتخر فيه بأن قومه ينسئون الشهور على معدّ، فيجعلون شهور الحل حراما
والشهور الحرام حلالًا.
وقد قال "عمير بن قيس بن جذل الطعان"، شعرًا افتخر فيه وتعرض
لأمر النسيء، فكان مما جاء فيه قوله:
ألسنا
الناسئين على معدّ ..... شهور الحل نجعلها حراما
وقال بعض بني أسد:
لهم ناسئ يمشون تحت لوائه ..... يحل إذا شاء الشهورَ ويُحْرِمُ
وقال آخر:
نسوء الشهور بها وكانوا أهلها ... من قبلكم والعز لم يتحول
وقد نسب "القرطبي" البيت:
ألسنا الناسئين على معد ... شهور الحلّ نجعلها حراما
إلى الكميت.
ويضيف د. جواد
وقد استمرت طريقة النسيء هذه إلى أيام الإسلام، فحج أبو بكر في السنة
التاسعة من الهجرة، فوافق حجه ذا القعدة، ثم حج رسول الله في العام القابل الموافق
للسنة العاشرة للهجرة، المصادفة لسنة 631 م، فوافق عود الحج في ذي الحجة، ثم نزل
الحكم بإبطال النسيء في الآيات: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا
عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ
أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ
كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ، إِنَّمَا النَّسِيءُ
زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا
وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا
مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي
الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} التوبة.
وخطب الرسول في جموع الحجاج خطبته الشهيرة التي بين فيها مناسك الحج وسننه
وأمورا أخرى أوضحها لهم، فكان مما قاله لهم: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ}،
وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، {إِنَّ عِدَّةَ
الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا}، فألغى الإسلام منذ ذلك الحين
النسيء، وثبت شهور السنة.
ثم وقع الدكتور "جواد علي" في الخطأ التاريخي الفادح مثله مثل
غيره عندما أضاف: "وجعل التقويم القمري هو التقويم الرسمي للمسلمين"!!!!
فلم يرد في كل ما أورده هو من قبل من قبل من روايات وآثار أية إشارة إلى
عملية التقويم، وإنما كان الكلام عن قيامهم بتحليل شهر من الأشهر الحرم وتأخيره
إلى شهر آخر، فمن أين أتى بالقول بأن الرسول غيَّر ما كان متبعا من التقويم؟!
وكذلك تمَّ التأكيد على عدم التلاعب بعدد الأشهر في السنة، وكانوا يفعلون ذلك لِّيُوَاطِؤُواْ
عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّهُ، ود. جواد بالطبع لم يفعل إلا أن ردد ما هو شائع ومعلوم
من أن التقويم العربي قمري محض!
ويضيف د. جواد:
((وروي كلام الرسول عنه على هذه الصورة: "أيها الناس، {إِنَّمَا
النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ
عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا
مَا حَرَّمَ اللَّهُ}، وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض.
وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم. ثلاثة متوالية، ورجب مضر
الذي بين جمادى وشعبان".
فألغى الإسلام منذ ذلك الحين النسيء، وجعل التقويم القمري الخاص هو التقويم
الرسمي للمسلمين.
ويظهر من القرءان الكريم أن سبب تحريم النسيء في الإسلام هو تلاعب الناسئ بالشهور، بتحريمهم شهرًا حلالًا في عام، ثم تحليلهم له في العام القابل، فأزال الإسلام
ذلك التلاعب بتحريم النسيء واتخذ السنة سنة قمرية ذات اثني عشر شهرًا لا غير، كما
صيرها الجاهليون ثلاثة عشر أو أربعة عشر شهرًا، ولما كان الزرع يعتمد على المواسم
الطبيعية، وعلى الشهور الشمسية، لذلك صار اعتماد المزارعين في الزرع وفي الحصاد
على الشهور الشمسية، أي على السنة الشمسية، أما الأمور الدينية، مثل الحج والصيام،
فالاعتماد بالطبع على الشهور القمرية.
واتخاذ التقويم القمري تقويمًا رسميًّا للإسلام، هو من السمات التي امتاز
بها الإسلام عن الجاهلية، واعتبر من التقاط الفاصلة التي فصلت بين الجاهلية
والإسلام.
وهكذا زال الكبس كما زال النسيء عن السنة القمرية وعن الشهور لتحويلها إلى
سنة شمسية على نحو ما رأينا من فعل الجاهليين.))
وهكذا يخلط د. "جواد" الأمور، فكل ما أورده هو عن النسيء بمعنى
تحليل شهر محرم وتأخيره، ولم يورد أي كلام عن التقويم أصلا ولا عن طبيعته، ومع ذلك
يجزم بأن الإسلام اتخذ التقويم القمري تقويمًا رسميًّا له دون أن يقدم أي دليل،
وكل ما قدمه يؤكد أن الإسلام ترك أمر التقويم على حالته، ولم يُبطل إلا النسيء
الكفري المذكور!
ويضيف د. جواد:
ويرى بعض المستشرقين أن النسيء والناسئ من الألفاظ المعربة عن العبرانية.
وقد دخلت إلى العربية بتأثير يهود يثرب. والناسئ عن اليهود هو الرئيس الديني.
وكان يقوم عندهم بتقديم وتأخير الشهور، ويعين مواعيد الأعياد والصيام،
ويذيع النتيجة بواسطة وفود إلى الطوائف اليهودية المختلفة، والناسئ يقابل رئيس
قبيلة عند بني إسرائيل، وهذا التعريف ينطبق تمامًا مع ما ذكره أهل الأخبار عن
"الناسئ" عند الجاهليين.
وقول المستشرقين صحيح، فالناسي Nasi; Patriarch عند اليهود هو
أميرهم الديني؛ أي "أمير اليهود"، وهو لقب تلمودي يُستخدَم للإشارة إلى رئيس
السنهدرين (على خلاف في ذلك) الذي كان يُعَدُّ قائدا روحيا لليهود في فلسطين وخارجها،
وكانت له بعض الصلاحيات الدنيوية التي كانت تمنحه إيَّاها السلطة الحاكمة، وقد كان
أمير اليهود في العادة من نسل هليل أو من نسل داود.
وفيما بعد، استُخدم اللقب بين أعضاء الجماعات للإشارة إلى الرؤساء الدنيويين
للجماعة كما هو الحال في إسبانيا. وفي نهاية الأمر، أصبح هذا اللقب مجرد اسم عائلة.
وقد بحث عدد المستشرقين في حساب السنين عند الجاهليين وفي النسيء، فجاءوا
بآراء متباعدة غير متفقة، لكل واحد منهم رأي ومذهب في طريقة العرب قبل الإسلام في
حساب الشهور وفي السنين القمرية والشمسية والكبس والنسيء.
وقد ناقشها ولخصها "نالينو" في كتابه: "علم الفلك تأريخه
عند العرب في القرون الوسطى". وهو ممن يرون أن البحث في هذا الموضوع صعب
عسير، وأن البت فيه غير ممكن في الزمن الحاضر، لقلة الموارد وعدم وجود أخبار
وروايات واضحة صريحة يمكن أن يستند إليها في إبداء رأي علمي ناضج في الموضوع.
والذي أراه أن أهل الحجاز كانوا يتبعون التقويم الشمسي مع مراعاة الإهلال،
أي: تقويمًا شمسيًّا قمريًّا، بدليل أن الأسماء الأشهر علاقة بالجو من برد وحر،
وربيع وخريف.
ولا يعقل أن تكون هذه التسميات قد جاءت عفوًا ومن غير ارتباط بحالة من
حالات الطبيعة، وقد انتبه المتقدمون إليها، فقال بعضهم: "وكانت الشهور في
حسابهم لا تدور"، ولكن بعضهم لم يقبل بذلك إذ قال: "وفي هذا نظر، إذ
كانت شهورهم بالأهلة، فلا بد من دورانها"، وقال في تفسير اسم جمادى:
"فلعلهم سموه أول ما سمي عند جمود الماء في البرد".
والذي أراه أن تلك الأشهر كانت ثابتة لا تدور، بمعنى أنها كانت ثابتة في
مواسمها، يسيرون بموجبها في زراعتهم وفي أسفارهم، ولكنهم كانوا يسيرون على
الإهلال، أي: الشهور القمرية في أمورهم الاعتيادية وفي الأعمال المالية، مثل
الديون، حيث يسهل تثبيت المدة بعدد الأهلة، ومن هنا اختلط الأمر على أهل الأخبار
فخلطوا بين التقويمين، بسبب عدم وضوح الروايات، وكان شأنهم في ذلك شأن العرب
الشماليين الذين كانوا يحجون في وقت واحد ثابت، هو في شهر "ذي الحجة"،
الذي تحدثت عنه في مكان آخر، وشأن العرب الجنوبيين الذين كانوا يحجون في شهر
"ذي الحجة" الذي كان وقته ثابتًا أيضًا، فلا يكون في صيف، ثم يكون في
ربيع أو في خريف أو في شتاء، ولا يعقل خروجهم على هذا الإجماع الذي نراه عند العرب
الشماليين، أي: عرب بلاد العراق وعرب بلاد الشأم، وينفردون وحدهم باتخاذ تقويم
قمري بحت.
ومجموعة استنتاجاته سليمة، ويمكن إيجازها فيما يلي:
1. الأشهر كانت ثابتة لا تدور، بمعنى أنها كانت ثابتة في
مواسمها، يسيرون بموجبها في زراعتهم وفي أسفارهم.
2. كانوا يسيرون على الإهلال، أي: الشهور القمرية في أمورهم
الاعتيادية وفي الأعمال المالية، مثل الديون، حيث يسهل تثبيت المدة بعدد الأهلة.
3. اختلط الأمر على أهل الأخبار فخلطوا بين التقويمين
4. كان العرب الشماليون يحجون في وقت واحد ثابت، هو في شهر
"ذي الحجة"، وكذلك العرب الجنوبيون كانوا يحجون في شهر "ذي
الحجة" الذي كان وقته ثابتًا أيضًا، فلا يكون في صيف، ثم يكون في ربيع أو في
خريف أو في شتاء؛ أي كانوا جميعا يحجون في فصل مناخي واحد.
ثم أضاف:
ما ذكرناه عن النسيء وعن الكبس يخص عرب الحجاز، وأهل مكة بصورة خاصة، ولا
يتناول العرب الجنوبيين. ولا عرب بقية أنحاء جزيرة العرب، لعدم وجود أخبار لدينا
عنهما تتناول المواضع الأخرى، لا في النصوص الجاهلية ولا في أخبار أهل الأخبار،
ولكن الذي يظهر من النصوص العربية الجنوبية المتعلقة بالزراعة ومن أسماء الشهور،
أنها كانت شهورًا ثابتة، أي: شهورًا شمسية لا قمرية، وأن السنة التي كانوا يسيرون
عليها سنة شمسية، غير أن هذا لا يمنع مع ذلك من سيرهم على مبدأ الإهلال في حياتهم
الاعتيادية، أي: على الشهور القمرية، بحيث تكون الرؤية مبدءًا للشهور. وذلك لوضوح
الأهلة وإمكان رؤيتها بسهولة وتثبيت الأوقات بموجبها، بمعنى أنهم كانوا يسيرون على
التقويمين: التقويم الشمسي في الزراعة وفي دفع الغلات، والتقويم القمري في الأمور
الاعتيادية. ولا نستطيع أن نتحدث عن كيفية احتساب العرب الجنوبيين للسنة الشمسية،
ولا عن الكبس عندهم، لعدم ورود شيء عنهما في النصوص.
ويظن أن سنة العرب الجنوبيين كانت من "360" يومًا، مقسمة إلى
اثني عشر قسمًا، أي: شهرًا، نصيب كل شهر منها "30" يومًا. وحيث أن هذا
المقدار من الأيام، وهو "360" يومًا هو دون الأيام التي تمضيها الأرض في
دورانها الحقيقي حول الشمس، لذلك كانوا يعوضون عن الفرق إما بإضافة الأيام اللازمة
على أيام السنة لتكبسها فتجعلها مساوية للسنة الطبيعية، وذلك في كل سنة، وإما
بإضافة شهر كبيسة مرة واحدة في نهاية كل ست سنوات.
وبذلك انتهى كلام د. جواد.
ونتائج النظر في الروايات والآثار المتعلقة بالنسيء والتقويم هي كما
يلي:
1. النَّسِيءُ الذي كانوا يفعلونه والذي هو زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ
هو ما يؤدي إلى التلاعب بالأشهر الحرم.
2. أدى حرصهم على الحفاظ على عدد الأشهر الحرام رغم تلاعبهم
بها إلى زيادة عدد أشهر السنة أحيانا.
3. أن الحج لم يكن فقط في ذي الحجة، بل كان يحدث أيضًا في محرم وصفر، ولا يجوز إرجاع ذلك إلى
النسيء وحده.
4. أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ
وَسَلَّمَ حجَّ في شهر ذي الحجة الحقيقي، وأعلن عليهم إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ
اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، وهذا يعني بالضرورة أن لكل شهر
عربي خاصيته وتميزه، وهذا يعني أن التقويم القمري المحض باطل، ففي التقويم القمري لا
يتميز شهر عن آخر بشيء.
5. لم يغير النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ
وَسَلَّمَ من التقويم الذي كانوا عليه شيئا، وإنما أكد على ضرورة تجنب النسيء من
بعد وعلى ضرورة الحفاظ على عدد أشهر السنة وأنه يجب البناء على حقانية شهر ذي
الحجة الذي أدى فيه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ الحج، وهذا
يتضمن ضرورة اتخاذه مرجعا ونقطة أساسية للتقويم الصحيح.
فمن الواضح أنه لم يرد في الآثار
أي شيء يقول بأن النسيء هو إضافة شهر التقويم، بل كان النسيء دائما لا يعني إلا
تأخير شهر حرام وذلك يتم تحليله وتحريم غيره، وكانوا حريصين على عدد الأشهر الحرم،
ولو أدى ذلك إلى زيادة عدد شهور السنة، وهذا ما تمَّ النهي عنه بالتأكيد على أن عِدَّةَ
الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا.
وبافتراض أن العرب استعملت نفس المصطلح للأمرين
فلقد أوضح القرءان المقصود بالنسيء المذموم، وهو خاص فقط بالتلاعب بالأشهر الحرم،
وقد ثبت أنهم كانوا يفعلون ذلك، وأنه كان يوجد فيهم من يُسمَّى بالناسئ
"مأخوذة من كلمة يهودية أفضل ترجمة لها آمر ديني"، وكان لا رادّ لحكمه
في هذا الأمر.
*****
نتيجة وجود قبائل إسرائيلية
عريقة في اليمن وفي مستوطنات في الحجاز، وكان فيهم علماء مشهود لهم فلابد أن العرب
قد تأثروا بهم فيما يتعلق بالتقويم.
ويعتمد التقويم اليهودي على دورتي الشمس والقمر، فالسنة
عندهم شمسية-قمرية، وبسبب نقص السنة القمرية عن الشمسية بأحد عشر يوما تقريبا يعدل
النقص بين هاتين الدورتين من خلال إضافة شهر كامل للسنة إذا تراجع التقويم 30 يوما
مقارنة بمرور المواسم في بعض السنوات.
وفي التقويم
اليهودي المعاصر، الذي يرجع تصميمه إلى سنة 359 للميلاد، يتم تحديد أطوال الأشهر والسنوات
بواسطة خوارزمية وليس حسب استطلاعات فلكية، وقد كانت غرات الأشهر قبل القرن الرابع
للميلاد تُقرَّر حسب رؤية الهلال ولكن بعد انتشار اليهود في أنحاء العالم خشي الحاخامات
من عدم التنسيق بين المهاجر اليهودية في تحديد مواعيد الأعياد فأمر الحاخام هيليل بنشر
الخوارزمية والاستناد عليها فقط.
وهذا
الكلام من مصادر يهودية، وقد تكون تواريخ الكفّ عن تحديد غرات الأشهر حسب رؤية الهلال
قد حدثت بعد التاريخ المحدد بكثير، وليس ثمة ما يؤكد أن اليهود المنعزلين في
الحجاز واليمن والحبشة قد أخذوا بذلك.
والذي
هو لا شك فيه أن العرب استعملوا طريقة التقويم العبرية القديمة، وكان ذلك من خلال إضافة
شهر كامل للسنة إذا تراجع التقويم 30 يوما مقارنة بمرور المواسم في بعض السنوات.
فمن
البديهي أن يكون التقويمان العربي والعبري متوازيين، وأن الاختلاف كان في أسماء
الشهور واستعمال العرب للنسيء، وأن علماء بني إسرائيل كانوا هم الذين كانوا يتولون
أمور التقويم.
وفي
بحثنا عن التقويم قلنا إنه يجب إضافة شهر التقويم عندما يوشك شهر رمضان ألا يتضمن الاعتدال الخريفي، وهذه الظاهرة تناظر تأخر بداية الربيع من ربيع الأول إلى الشهر التالي، وقد أثبتنا أن أساس التقويم هو العمل على إبقاء ظاهرة طبيعية في توقيت معين، وهذه هي الطريقة السهلة والدقيقة
والمنطقية، وهي تغني عن الحسابات الفلكية المعقدة، فهي الطريقة التي كان من الممكن
لأناس كانوا يعيشون بمعزل عن الحضارات المعقدة أن يطبقوها بسهولة ويسر! وبالطبع لا
يمكن لعربي أو أعرابي أن يتبع طريقة ناسا في الحساب!
ومن البديهي
جدا أن أول محلّ في السنة أضيف فيه شهر التقويم كان بعد نهاية السنة، أي في بداية السنة الجديدة.
هذا وقد أثبت
عدد من الباحثين أنه حتى تاريخ موقعة اليرموك على الأقل كان التقويم سليما؛ أي
شمسيا قمريا، وهذا يعني أن 5-رجب-15 هـ = 20-أغسطس-636 م، وحاول آخرون تحديد السنة
التي كفَّ فيها الناس عن العمل بالتقويم السليم، وفي كل الأحوال يجب أن يظل الفرق
ثابتا بين التقويمين؛ العربي السليم والميلادي، فإذا كان الفرق قديما يساوي 621
سنة فإن هذه السنة يجب أن تكون 2016-621 = 1395، أما إذا اتخذت سنة إنزال القرءان
كبداية للتقويم فيجب أن تكون 1408.
ومن كل ذلك وبالنظر
إلى ما قدمناه من قبل بخصوص مسألة التقويم يتبين ما يلي:
1.
النسيء المحرم كان متعلقا بتحليل شهر حرام وتأخيره إلى غيره من الأشهر
الحلال بناءً على طلب الناس.
2.
الذي كان يقوم بذلك هو الناسئ، وكان من قبيلة معينة، وكان عندهم لا رادّ ولا
مردّ لما يقضي به، وذلك لكيلا ينهار نظامهم بالطبع مثلما كانت أمور مكة المختلفة
موزعة على بطون قريش مثلا.
3.
هناك خلط تاريخي بين وظيفتين لوجود مصطلحين: الناسئ والقَلَمَّس.
4.
وظيفة الناسئ محددة بدقة، وهو تحليل شهر حرام وتأخيره بناءً على طلب الناس.
5.
يبقى أن وظيفة القَلَمَّس هي مراعاة التقويم، وقد يجمع أحدهم بين الأمرين.
6.
كانت الشهور قمرية لتسهيل التبادل التجاري والأعمال المالية، مثل الديون، وقد أقّر الإسلام واعتمد
قمرية الشهور عندما جعل الأهلة مواقيت للناس والحج.
7.
كانت السنة شمسية، وذلك لكي يتم الحفاظ على تناسق الشهور مع الفصول
المناخية، وبالتالي يظل التقويم صالحا لتنظيم أمورهم الحياتية، وهذا كان يستلزم
استعمال الكبس لتصحيح الاختلاف بين التقويمين.
8.
من البديهي كما أوضحنا في بحثنا عن التقويم أنهم اختاروا أو اختير لهم أسهل
الطرق الممكنة، ولا شك أنهم استفادوا من وجود علماء بني إسرائيل بينهم لتحديد
التقويم الأفضل.
9.
بسبب نقص السنة القمرية عن الشمسية بأحد عشر يوما تقريبا يعدل النقص بين هاتين
الدورتين من خلال إضافة شهر كامل للسنة إذا تراجع التقويم 30 يوما مقارنة بمرور المواسم
في بعض السنوات، وذلك مثلما كان يفعل بنو إسرائيل المتعايشين معهم.
10.
ألغى الإسلام النسيء الموصوف الذي يتضمن التلاعب بالأشهر الحرم.
11.
ترك الإسلام التقويم على ما كان عليه؛ أي تركه شمسيا قمريا؛ بمعنى أن تحديد
الشهور يتم بالأهلة مع وجوب التقويم ليظل مكان الأشهر ثابتا من الناحية المناخية.
12.
أعلن الرسول أن شهر ذي الحجة الذي حج فيه هو شهر جاء في موضعه الصحيح،
ولذلك كان يجب اتخاذه مرجعا للتقويم من بعد.
13.
وهذا يتضمن أيضًا أن لكل شهر عربي خصائصه المميزة، وهذا يقوض اللاتقويم
المستعمل الآن الذي تتكافأ شهوره.
14.
هذا يعني أن حجة الوداع حدثت في السنة العاشرة للهجرة؛ أي في السنة الثالثة
والعشرين من التقويم العربي الشمسي القمري.
15.
التصحيح يجب أن يتم باعتماد سنة حجة الوداع السنة الثالثة والعشرين من
التقويم.
*******