الأحد، 12 يونيو 2016

الاسم الإلهي الرحمن

ٱلرَّحۡمَٰن

قال تعالى:
{قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً{110}} الإسراء  *  {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَـنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} الرعد30  *  {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً} مريم18  *  {يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً }مريم45  *  {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً}مريم58  *  {جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّا} مريم61  *  {ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيّاً }مريم69  *  {قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضْعَفُ جُندا} مريم75  *  {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً}مريم85  *  {لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدا} مريم87  *  {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً-لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّا} مريم88-89  *  {إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً }مريم93  *  {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّا} مريم96  *  {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} طه5  *  {وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي}طه90  *  {يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً }طه109  *  {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ }الأنبياء26  *  {وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ }الأنبياء36  *  {قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ }الأنبياء112  *  {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً } الفرقان59  *  {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً }الفرقان60  *  {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً }الفرقان63  *  {وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ }الشعراء5  *  {إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ}يس11  *  {قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ } يس15  *  {أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونِ }يس23  *  {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ }يس52  *  {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ }الزخرف19  *  {وَقَالُوا لَوْ شَاء الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ }الزخرف20  *  {وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ }الزخرف33  *  {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ }الزخرف36  *  {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} الزخرف45  *  {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ{31} هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ{32} مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ{33} (ق31-33)  *  {الرَّحْمَنُ{1} عَلَّمَ الْقرءان{2} (الرحمن1-2)  *  {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ} الملك3  *  {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ} الملك19  * {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ} الملك20  *  {قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} الملك29  *  {رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً }النبأ37  *  {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً }النبأ38  *  {فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً} مريم26  *  {يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً} مريم44  *  {أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً-وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدا} (مريم91-92)  *  {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً }طه108  *  {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً} الفرقان26  *  {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً }الفرقان60  *  {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ}الزخرف17

فالاسم "ٱلرَّحۡمَٰن" من الأسماء الحسنى، وهو من أسماء النسقين الأول والثاني.
فالاسم "ٱلرَّحۡمَٰن" هو الذي له الأسماء الحسنى؛ ليس بمعنى أنه يعادل مجموعها، وإنما بمعنى أنها تجلياته وتفاصيله ولوازمه، وهو لذلك الذي اقتضى كل السنن الكونية الحاكمة على هذا الوجود الظاهر، ولهذا الاسم الاستواء على العرش بمعني الهيمنة التامة علي كل الأكوان والكيانات والكائنات وممارسة مقتضيات الملك عليها والإحاطة التامة بها والحضور معها والعلم بظاهرها وباطنها والأخذ بكل نواصيها والتحكم التام فيها.
إن الاسم "ٱلرَّحۡمَٰن" المفرد يشير إلى تلك السمة التي اقتضت تحقيق الماهيات أو الكيانات الأمرية وإبرازها إلى الوجود بصياغة مادة الوجود الأولية وفق مقتضياتها أو لتكون حوامل لها، وبذلك التحقق تظهر الكائنات لنفسها ولغيرها، وكلما تعيَّن استعداد كلما استحق الكيان الحامل له كيانا أمريا يفاض على هذا الكيان، وهذا الاسم هو الجامع للأسماء الحسنى، وهو لذلك الذي اقتضى كل السنن الكونية الحاكمة على هذا الوجود الظاهر.
والماهيات التي قُدِّر لها الظهور هي كنقطة من بحر بالنسبة إلى ما بقى في البطون، وهذا العالم بكل ما يتضمنه هو مملكة الرحمـن فهو يطالع فيه كل ما هو له، وله الهيمنة عليه لأن له الأسماءَ الحسنى كما للاسم الله الأسماءُ الحسنى، فالمملكة للرحمـن لأن هذا الاسم يشير إلى السمة التي تفصيلها كل ما يلزم لإدارة شؤون المملكة من السمات والتي اقتضت كل ما يلزم لإدارتها من سنن وهو الذي استوى على عرش الوجود الظاهر يدبر الأمر يفصل الآيات وهو إذ يمارس إمكاناته فإنه يستخدم أيضا آلاته التي هي مخلوقاته وفقا للسنن الرحمانية وما اقتضته من سنن كونية.
واللفظ "الرَّحْمن" له مدلولان:
1.     الاسم "ٱلرَّحۡمَٰن" الوارد في القرءان بمفرده للإشارة إلى إله الكون، وهو الاسم الذي يكون الحرفان "الـ" من حروف الاسم الأصلية كما هما في لفظ الجلالة، والذي يرد علما عليه مثل الاسم "الله" الذي كانوا يعلمونه، وهذا هو الذي أثار استغراب مشركي قريش، فاللفظ "رحمان" عندهم ليس مجهولا، بل هو صيغة مبالغة وصفة مشبهة من اسم الفاعل "راحم"؛ أي من المصدر رحمة مثلما يكون الاسمان "حمدان" و"حسَّان" صيغة مبالغة أو صفة مشبهة من الفعلين "حمد" و"حسُنَ"، وهذا الاسم "ٱلرَّحۡمَٰن" هو الذي له الأسماء الحسنى.
2.      الاسم "الرحمان" الوارد في المثنى "الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ" أو في غير القرءان، وهو من الناحية اللغوية اللفظية صيغة مبالغة وصفة مشبهة من اسم الفاعل "راحم"؛ أي من المصدر رحمة، وفي هذه الحالة فـ"الـ" هي أداة التعريف المعروفة، فيمكن أن يرد الاسم في اللغة بدونها، فيقال "رحمان" مثل العبارة "رحمان الدنيا والآخرة"، أو "رحمان كل شيء".
فالاسم "ٱلرَّحۡمَٰن" من حيث المدلول الأول يشير إلى السمة الجامعة لكل معاني الأسماء الحسنى بما فيها المرتبة الإلهية، وهو يشير إلى الاسم الذي به الاستواء على العرش، وهو من حيث البنية اللفظية ينتمي إلى اللغة العلوية المحكمة؛ وهو يتضمن ثلاثة مقاطع تشير إلى كل الأسماء الحسنى، وهي: (الر) ويشير إلى الحلقات الإلهية، و(حم) ويشير إلى المثاني، و(ن) ويشير إلى الأسماء المفردة، فتلك الرموز الثلاثة هي تفاصيل الاسم وتجلياته، ولذا فالألف واللام من صلب الاسم الرحمـن كلما ورد مفردا في القرءان.
والرمز (حم) ينوب عن كل مثنى من المثاني كما تنوب كلمة (فعل) عن كل فعل ثلاثي من أفعال اللغة العربية، ولما كان الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ قد أوتي سبعا من المثاني كما سبق بيانه في كتبنا ومنشوراتنا فانه أوتي سبعا من الحواميم في القرءان العظيم وذلك في مطالع السور الآتية: غافر وفصِّلت والشورى والزخرف والدخان والجاثية والأحقاف، فإيتاؤه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ سبعا من المثاني اقتضى إيتاءه سبعا من الحواميم والسور التي تتضمنها، ولذا ظن البعض أن تلك السور هي السبع المثاني.
وقد يقولون فكيف يُحذف منه حرف الألف أحيانا فيقال "لِلرَّحْمَنِ"؟ فالجواب هو أن الأمر كذلك بالنسبة للاسم "الله"، فيُقال: "لله"، فالأمور اللفظية والنحوية لا تغير من الحقيقة شيئا.
فذلك الاسم الجليل يشير إلى سمة واحدة هي الرحمانية وتلك السمة تفصيلها كل السمات التي تشير إليها الأسماء الحسنى، وذلك هو المقصود والمراد في القرءان، ولكن لما جهل الإنسان معناه الحقيقي اعتبره صيغة مبالغة من الرحمة، مع أن الآيات القرءانية واضحة وصريحة فهي تبيِّن أن الرحمن له الأسماء الحسنى بما تضمَّنته أيضاً من قهر للعباد ومن مس للعصاة بالعذاب.
أما من حيث المدلول الثاني فاللفظ يأخذ صورة صيغة المبالغة أو الصفة المشبهة العربية، وهو يشير إلى الرحمة الجامعة الشاملة التي لابد لكل موجود من نصيب منها، وفي تلك الحالة فإنه يمكن أن يضاف إلى كلمة أخري أو يأتي مقترنا باسم آخر كما في المثنى "الرحمن الرحيم"، وكذلك الأمر إذا ورد الاسم الرحمن في غير القرءان؛ فإنه يكون مشتقَّـا من الرحمة، وتكون الألف واللام هما أداة التعريف المعلومة والتي يمكن حذفها، فيُقال مثلا: "إن الله هو رحمان الدنيا والآخرة" أو "إنه رحمن كل شيء".
-------
إن الاسم "ٱلرَّحۡمَٰن" هو الذي اقتضى وجود المادة العامة الأصلية المعبر عنها بالماء، وهذا الماء هو الذي فُصِّل بكل صور ما يعرف الآن بالطاقة والمادة، وليس ثمة كائن غيري إلا ومادة كيانه من تفاصيل تلك المادة، ولذلك فالبون بين الله تعالي وبين خلقه لا نهائي وهائل ولا يمكن تصوره أو عبوره وذلك في عين قربه سبحانه منهم، فللسمو المطلق لكيانه وكنهه سبحانه كان هو الظاهر والباطن والقريب المتعالي.
-------
إن الاسم "ٱلرَّحۡمَٰن" هو اسم الله سبحانه من حيث أنه مصدر كل قانون وتحقُّق وتقرُّر، فهو الذي ينـقل الأشياء من بطون إلى ظهور، وهو مبدع المادة الأصلية التي خلـقت منها الأشياء، ولذلك كان عرشه على الماء، فهذا الماء هو المادة الأصلية القابلة للتشكل وبها تكون الحياة الأصلية، فهو مادة اللطائف التي يسميها الناس بالأرواح وكذلك اللطائف الأخرى، ومنه تكون الطاقة الكونية العامة.
والاسم "الرَّحْمن" يشير إلى سمة الرحمانية والتي تفصيلها كل السمات التي تشير إليها الأسماء الحسنى، لذلك فإن له الأسماء الحسنى، وبها استوى على عرش هذا العالم يدبِّر شؤونه ويصرِّف أموره، فإليه تستند القوانين والسنن التي هي في الحقيقة من مقتضيات أسمائه، ولذلك كان هو الذي علَّم القرءان؛ الكتاب الجامع لكل قانون ونظام، وكان عدوه الشيطان أصل كل فوضى وتحلل ونقصان، فالشيطان يتـغذَّى من كل فعل يستند إلى نقص أو عدم أو ازدراء للقوانين والسنن.
و"ٱلرَّحۡمَٰن" هو مبدع المادة الأصلية التي إذا صيغت وفق ماهية كائن معلوم برز هذا الكائن إلى العالم الظاهر، وظهرت منه آثار تكشف عن ماهيته وتتحقق بها الغاية من وجوده، وتلك المادة هي الماء الأصلي المشار إليه بقوله تعالى: {وكَانَ عرشُهُ عَلى المَاءِ}، والذي يشكل الماء المعروف صورة مادية كثيفة له.
والماء هنا أيضا يشير إلى مادة الحياة الأصلية، وكون العرش على الماء يعني الاستواء على كل ما تشكل منه أو كان هذا الماء من مكوناته ولوازمه.
-------
الاسم "ٱلرَّحۡمَٰن" يشير إلى سمة الرحمانية والتي تفصيلها كل السمات التي تشير إليها الأسماء الحسنى، لذلك فإن له الأسماء الحسنى، وبها استوى على عرش هذا العالم يدبر شؤونه ويصرِّف أموره، فإليه تستند القوانين والسنن التي هي في الحقيقة من مقتضيات أسمائه، ولذا كان هو الذي علَّم القرءان؛ الكتاب الجامع لكل قانون ونظام، وكان عدوه الشيطان أصل كل فوضى وتحلل ونقصان، فالشيطان يتـغذَّى من كل فعل يستند إلى نقص أو عدم أو ازدراء للقوانين والسنن، فالرحمن هو أصل كل كمال وتمام ووجود، وهو يدبر أمر مملكته بكل أسمائه الحسنى التي هي قواه وإمكاناته وعدته، فالأسماء للرحمن كالقدرات والملكات والإمكانات والسمات للإنسان، ولذا كان من أسمى مراتب الإنسان أن يكون من عباد الرحمن فيتعلَّم من قرءانه الميزان، ويتعلم من الرحمن البيان الخاص كما تعلم منه البيان العام.
وكان الإعلان بأن الله استوى على العرش بالاسم الرحمن بياناً للناس حتى يعلموا أن الإنسان لن ينال النجاة والسعادة والأمن والكمال إلا بقدر توافقه مع القوانين والسنن التي اقتضاها الاسم الرحمـن.
ولأن للاسم "ٱلرَّحۡمَٰن" الأسماء الحسني فإليه سيحشر المتقون يوم القيامة وفدا، ذلك لأنهم هم الذين جاهدوا للقيام بحقوق الأسماء الحسني، فهذا الاسم يقتضي من الإنسان الأفعال والأخلاق الآتية:
العمل على اكتشاف القوانين والسنن الكونية ومعرفتها والإفادة منها، تعلم القرءان، تعلم البيان، تعلم الميزان وعدم الطغيان في الميزان، وهذا يقتضي إقامة الوزن بالقسط والتعامل مع الآخرين بالحق والعدل، كما يقتضي أن يأخذ كل أمر حجمه الحقيقي كما هو مبيَّن في القرءان.
ويتطلب الاسم "ٱلرَّحۡمَٰن" أيضا القيام بمقتضيات الاستواء الرحماني على العرش وهي: الإيمان بأن الله سبحانه المالك الحقيقي لكل الكون بكل ما فيه، والإيمان بأنه مطَّلِع اطِّلاعاً تاماً على كل ما يجري في مملكته، وكذلك الإيمان بأنه هو المدبِّر والمُصَرِّف لشؤون تلك المملكة.
فالله تعالى من حيث ذلك الاسم يدبِّر شؤون العالم من حيث هو مملكته لا شريك له فيه، ولا سلطان لأحد معه، ولا تدبير ولا تصريف إلا بأمره، فالاسم الرحمن له الأسماء الحسنى التي صدر عنها هذا الوجود وبالتالي فهو الجامع لمعانيها ودلالاتها وهو مصدر كل ما اقتضته من قوانين وسنن، فكل قوانين الوجود وسننه تستند إلى الاسم الرحمن.
وهذا الاسم هو أصل كل الارتباطات والصلات والعلاقات بين المخلوقات، وهو بذلك مصدر القوانين والسنن الكونية والشرعية.
والاسم "ٱلرَّحۡمَٰن" كما هو جامع للأسماء الحسنى فإنه جامع أيضا لكل ما يترتب على تلك الأسماء الحسنى من أسماء وتجليات، ولذا فهو مصدر كل قانون يمكن أن يكتشف ومصدر كل ما يمكن أن يظهر، فبالسمة الرحمانية يملك العرش ويدبِّر أمره بما حواه، وما من ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا وهي عرش له استوى عليه يملكه ويدبِّر أمره ويفصل به آياته ويفصله بآياته.
و"ٱلرَّحۡمَٰن" هو الذي علَّم القرءان، لأن القرءان هو الكتاب الجامع لقوانين الوجود الأساسية، والرحمن هو المشير إلى السمة التي اقتضت بتفاصيلها التي هي الأسماء الحسنى كل القوانين والسنن، ولذا حُقَّ له أن يعلِّم القرءان، والرحمن هو الذي يرعى التطور الكوني ففي كنفه نشأ هذا الكون، وهو الذي خلق الإنسان تاج العالم المادي وعلته الغائية، وهو الذي علَّمه البيان، وسخَّر له الشمس والقمر وأجراهما بحسبان.
ولما كانت القوانين والسنن هي مقتضيات الاسم "ٱلرَّحۡمَٰن" كان هو الذي وضع الميزان، فالميزان هو القانون الأعظم الجامع، كما أنه طوَّر الوجود إلى أن أصبح ملائماً لظهور الكائنات وعلى رأسها الإنسان، ولما كان الاسم الرحمن هو الذي أبدع مادة الوجود الأصلية، ولما كان الشيطان عدوَّاً عصياً للرحمن من كافة الحيثيات ، فإن أصل الشيطان هو كل عدم ونقص وفوضى وتحلل وعدم احترام للسنن والقوانين ، فهو الذي يحثُّ الناس على إهمال القوانين وازدرائها سواء أكانت تلك القوانين متعلقة بأمور كونية أو أخلاقية أو تشريعية، لكل هذا قال تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام: {يَـأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ الشّيْطَانَ إِنّ الشّيْطَانَ كَانَ للرَّحۡمَٰنِ عَصِيّاً * يَـأَبَتِ إِنّيَ أَخَافُ أَن يَمَسّكَ عَذَابٌ مّنَ ٱلرَّحۡمَٰن فَتَكُونَ لِلشّيْطَانِ وَلِيّاً }  (مريم: 44 – 45)، فالعذاب من الرحمن للإنسان أن يكون هذا الإنسان ولياً للشيطان، فكل وليٍّ للشيطان هو معذَّب بتلك الولاية، وإن ظنه الناس في نعيم مقيم أو اعتبروه ذا حظ عظيم، ولذا فكل الأمم بصفة عامة الآن خاضعة لسلطان الشيطان ، فالأمم الغربية عصت السنن الإلهية والأخلاقية ولكنها احترمت سنن الإله الكونية وسعت إلى اكتشافها والاستفادة منها، واحترمت العلماء الباحثين فيها ويسرت لهم البحث ، فتقدمت من كافة النواحي المادية ، فذلك أمر سعوا إليه ونالوه بمقتضى القوانين الإلهية: {وَأَن لّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاّ مَا سَعَىَ * وَأَنّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىَ * ثُمّ يُجْزَاهُ الْجَزَآءَ الأوْفَىَ}، ولكنهم لابد من أن يدفعوا إن عاجلاً أو آجلاً ثمن عصيانهم للسن الإلهية والخُلُقية، أما الأمم الإسلامية فلم تحترم معظم السنن والقوانين الإلهية والخُلُقية، وازدرت السنن الكونية تحت شتَّى المسميات ، فنالها ما نالها، وسُلِّطت عليها الأمم واستعصت عليها أمور دنياها.
ويجب العلم أن ميزان "ٱلرَّحۡمَٰن" موجود في القرءان، قال تعالى: {اللّهُ الّذِيَ أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ وَالْمِيزَانَ} (الشورى: 17)، لذلك فيجب على المسلم أن يزن الأمور بميزان القرءان، وهذا يقتضي منه أن يتمرس بذلك الميزان، وهذا يتطلَّب منه قراءة وترتيل وتدبُّر آيات القرءان، ذلك لأن ما لدى الناس الآن من ميزان قد استقوه مما تراكم لديهم من تراث قد اختلَّ فتضخمت جزئيات على حساب كليات وفروع على حساب أصول وأمور صغرى على حساب مقاصد عظمى .... الخ.
-------
إن الاسم الجليل "ٱلرَّحۡمَٰن" يشير إلى سمة واحدة هي الرحمانية، وهي أكثر إحكاما وجمعا للسمات من سمة الرحمة، فتفصيلها كل السمات التي تشير إليها الأسماء الحسنى، ولكن خلط الإنسان بين معناه الحقيقي وبين الاسم "الرحمان" الذي هو صيغة مبالغة من الرحمة، مع أن الآيات القرءانية واضحة وصريحة فهي تبيِّن أن الرحمن له الأسماء الحسنى بما تضمَّنته أيضا من قهر للعباد ومن مساس للعصاة بالعذاب.
-------
إن الاسم المفرد "ٱلرَّحۡمَٰن" هو الاسم الجامع، فهو يشير إلى السمة التي تفصيلها هو كل السمات الإلهية بما فيها سمة الرحمة، ومن معاني هذا الاسم: الحافظ والمغذي والسبب في العيش والبقاء والرزق والذي له صلات بمخلوقاته يمدهم من خلالها بما يلزمهم وما هم مستعدون له.

*******

هناك 4 تعليقات:

  1. من الأسماء الحسنى
    المراجع:
    كتب أ. د. حسني المتعافي

    ردحذف
  2. كل يوم اقرأ مقالتك في الفيسبوك كلها وعي و تقى و نقاء القلب بارك الله فيك

    ردحذف
  3. بارك الله في مجهوداتكم استاذنا الجليل

    ردحذف