الأربعاء، 15 يونيو 2016

الاسم الإلهي الملك القدوس العزيز الحكيم

الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ الْعَزِيزُ الْحَكِيم

قال تعالى:
{يُسَبّحُ لِلّهِ مَا فِي السّمَـوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ الْمَلِكِ الْقُدّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} (الجمعة: 1).
فالاسم (الْمَلِك الْقُدُّوس الْعَزِيز الْحَكِيم) هو بذلك من أسماء النسق الأول من الأسماء الحسنى؛ أي نسق الأسماء المطلوب إحصاؤها، وهو اسم واحد يشير إلى سمةٍ واحدة، تفصيلُها تلك السمات الأربعة التي يشير إلى كل سمةٍ منها واحدٌ من الأسماء المتضمنَّة، والتي يُفضي كل سابقٍ منها إلى اللاحق ويفضي آخرُها إلى أولها في شكل حلقة إلهية محكمة تحيط بكل المملكة الإلهية.
فهو سبحانه الملك لأن له كلَّ شيء في هذا الوجود وله وحده بالأصالة حقُّ التصرفِ فيه، وكلُّ من لديه تصرفٌ ما فهو بسماحٍ أو بتفويضٍ أو باستخلافٍ منه، وله في مملكته الأمرُ والنهي والتشريعُ والتدبيرُ والتفصيل، كما أنه الملِك لكل عالَم من العوالم، ولكل عالَمٍ في كافة أطواره، فهو ملك يوم الدين، كما أنه هو القاهر فوق عباده وله الحكم المطلق على كل شيء وفي كل أمر.
فهو سبحانه الملك، ولكنه ليس كمثله ملِك، إذ هو المتقدس المنزه في ملكه هذا عن كل ما يظهرُ فيه من تجلياتٍ وآلاء فهي تشير إليه وتدلّ عليه، ولكنها لا ترقى أبدا إليه وإن كانت كلها تستند إليه، وهو بالأحرى منزَّهٌ عن كل ما هو لخلقه، وعن كل تصوراتِهم له وعما يجول في خواطرهم نحوه وعما يسبغونه من صفات عليه مهما كان سمو ورقي هذه الصفات، وهو المقدس عن كل ما يجري في مملكته مما هو مترتب على النقص الذاتي الذي لدى الناس، فالشرُّ ليس إليه، ذلك لأن الشر هو مقتضى ما تتسم به الكائنات من صِبغة عدمية هي من أخص خصائصِهم الذاتية، أمَّا الخيرُ فهو منجذب انجذابا ذاتيا إليه، لذلك فالخيرُ يصعدُ دائما إليه، إذ هو سبحانه أصلُ ومصدرُ كل خير في هذا الوجود، كما أن لديه دائماً ما هو خير منه، ولديه دائما المزيد، كما أنه أعلى من كل ما يتجلَّى به من كمالات، وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى.
فهو بقدسيته المطلقة التامة العزيز الذي ليس كمثله شيء، فلا شيء كمثله ولا إمكان لوصفه، ولا تبلغ الأوهام كنه ثنائه ومجده، فهو ذو الثـَّـناءِ الْفاخِرِ وَالْعِزِّ وَالْمَجْدِ وَالْكِبْرِيَاءِ َفلا يَزولُ عِزُّهُ، ولا ندَّ له ولا كفءَ له، ولا مطمعَ لأحدٍ في الإحاطةِ به أو إدراكِ كنهه أو الوصولِ إلى مقامه، فالساعي إليه يسعى على طريق لا نهائي يبقى دائماً أمامه بقدر ما ترك وراءه، مع أنه قد يسبق غيره بما لا يتناهى من الدرجات، ولذلك يسبِّح لله ما في السموات وما في الأرض تسبيحاً ذاتياً، حتى من تمرَّد على أوامره التكليفية، فإن ذلك التمرد لا يعنى أكثر من التخبُّطِ الموضعي المحلى والمرحلي، لذلك فإن التيار العام يجرفه إليه، فالأرض بكل من عليها تسعى طوعاً إليه، والأكوان التي ليست السماوات والأرض إلا من لبِناتها تسبح إليه.
وبعزته سبحانه كان هو الحاكم المطلق عليهم بكل ما يعنيه ذلك، فهو الحكيم بمعنى أنه مصدر الأوامر والتعليمات الملزمة، وهو الحكيم الذي يسن ما يشاء من السنن والقوانين، وهو الحاكم الذي يقضي عليهم وفيما بينهم، وهو الحاكم الذي يقيم ويقوم أفعالهم ويحكم عليها ويصدر الأقضية الخاصة النافذة عليهم.
وبذلك التقى طرفا الحلقة؛ فكان الحكيم عين الملك.
وعين تسبيحِهم له وسعيهم ورجوعهم إليه هو عين عبادتهم له، أما الكائنات المخيرة فعليهم أن يتوجهوا إليه وفق ما لديهم من إرادة حرة واختيار؛ طوعا لا كرها، وذلك هو من مقتضيات الحكمة وتجلياتها، فعليهم أن يتوجهوا إليه بالعبادة، ولكنه بحكمته أيضا لا يكلفهم إلا بما هو في وسعهم، ولا يطالبهم إلا بما هو في مقدرتهم.
وقد اقتضى ذلك أن يتولى هذا الاسم بعثَ الرسلِ بالدين الذي بأوامره الحكيمةِ يبلغ بكل فرد إلى كماله المنشود، والحكيم هو من له الحكمة المطلقة؛ السابقة على كل أمر واللاحقة، فهي محيطة بكل أمر من حيث البداية والنهاية، ومن حيث المصدر والمرجع والمآل، فكل أمر له محاط بالحكمة بل هو من مقتضياتها؛ بل هو عينها، وبذلك كان الحكم له، بل لم يكن بالأصالة إلا له، فله الحكم على كل ما خلق وعلى الناس، بكل ما يعنيه ذلك، فله الحكم بمعنى أن له حق التقويم المطلق وحق إصدار الأحكام وحق تقدير وإصدار الأوامر، وله بذلك حق الحكم عليهم كما له حق حكمهم، فالحكيم لغويا هو أيضا صيغة مبالغة من الحاكم، فهو حاكمهم، وهو بذلك مالكهم والملِك عليهم، وللملك إرسالُ الرسل بالتعليمات والأوامر، فهذا من فعل الملك مع رعيته، وبذلك اكتملت الحلقة الإلهية، فبحكمته وحكمه يدبر أمر مملكته ويحكم على كل فعل صدر عن غيره.
فذلك الاسم هو الذي يقتضي أن يسبِّح له ما في السماوات وما في الأرض، ومن حيث هذه السمة هو الذي أجاب دعوة إبراهيم عليه السلام وبعث في الأميِّين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم، وزاد عليهم بأن علمهم الكتاب والحكمة كما علمهم ما لم يكونوا يعلمون، فتعلموا بذلك كيف يقدِّسون الله ويمجدونه، وكيف يكونون خلفاءه في الأرض، وكيف يحملون رسالته إلى الناس أجمعين، وهذا الاقتضاء يعني أن لنسق السنن الخاص بهذا الاسم الهيمنة على الأنساق الأخرى فيما يتعلق بهذا الأمر.

والاسم "الْمَلِك الْقُدُّوس الْعَزِيز الْحَكِيم" يقتضي أن يُقرَّ الإنسان لربه بأن الملك ملكُه، فلا يحاول أن ينازعه فيه أو أن يشرك معه غيرَه، كما يحاول أن يلتزم بما شرعه وأن يثني عليه بقدر استطاعته بما هو أهله، كما يقتضي أن يتحلَّى الإنسان بالطهارة والعزة والحكمة، وأن يتجنب كل ما يجلب عليه النقمة، فإن عزته سبحانه تقتضي تعذيب من يخالفه ويتمرد على أوامره، كذلك عليه أن يوقِّر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حيث أنه مرسل من لدن من له الملك المطلق، وأن يتأسَّى به وأن يقتدي بهديه، وأن يتمسَّك بسنته من حيث أنه معلِّم الناس كتاب ربه، تالٍ لآياته، ومزَكٍّ لأنفس عباده.
وعلى الإنسان الذي يتطلع إلى تطهير نفسه من الصفات الرديَّة وجعلها راضية مرضية وأن يحظى بالدرجات العلية أن يلوذ بالاسم "الْمَلِكِ الْقُدّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ"، وأن يلهج بذكره ظاهرا وباطنا مستحضرا معانيه ومتدبرا في آياته، ومن التسبيحات العظمى ما هو وارد في الآية التي تتضمن هذا الاسم، لذلك فعلى الإنسان أن يتلو هذه الآية وأن يقول أيضا: "سبحان الله الْمَلِكِ الْقُدّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ"، وبذلك يتسق الإنسان مع قوى الوجود وجنود المملكة الرحمانية والسنن الإلهية والكونية.
وهذا الاسم من عناصر حلقات من النوع الثاني:
الْمَلِك الْقُدُّوس الْعَزِيز الْحَكِيم-الحكيم-الحكيم العليم-العليم-العليم الحليم-الحليم-الحليم الغفور-الغفور-الغفور الشكور-الشكور-الشكور الحليم-الحليم
الْمَلِك الْقُدُّوس الْعَزِيز الْحَكِيم-الحكيم-الحكيم العليم-العليم-العليم الحليم-الحليم-الحليم الغفور-الغفور-الغفور الحليم-الحليم
الْمَلِك الْقُدُّوس الْعَزِيز الْحَكِيم-الحكيم-الحكيم العليم-العليم-العليم الحكيم-الحكيم

وهذا الاسم من عناصر حلقات من النوع الثالث:
الْمَلِك الْقُدُّوس الْعَزِيز الْحَكِيم-الحكيم-الحكيم العليم-العليم-العليم الخبير-الخبير-الخبير البصير-البصير
الْمَلِك الْقُدُّوس الْعَزِيز الْحَكِيم-الحكيم-الحكيم الحميد-الحميد-الحميد المجيد
الْمَلِك الْقُدُّوس الْعَزِيز الْحَكِيم-الحكيم-الحكيم العليم-العليم-العليم الحليم-الحليم-الحليم الغفور-الغفور-الغفور الشكور-الشكور
الْمَلِك الْقُدُّوس الْعَزِيز الْحَكِيم-الحكيم-الحكيم العليم-العليم-العليم الحليم-الحليم-الحليم الغفور-الغفور-الغفور الرحيم-الرحيم
*******

هناك 3 تعليقات:

  1. مقالات حضرتك يا دكتور، مثل النور يضيئ للناس طريقهم..

    ردحذف
  2. سبحان الله الْمَلِكِ الْقُدّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ

    ردحذف