الأربعاء، 1 يونيو 2016

العليّ العظيم

الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ


قال تعالى: {اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}البقرة255، وقال: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ }الشورى4. 

فالمثنى "الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ" هو اسم من أسماء النسق الأول من الأسماء الحسنى.

الاسم"الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ" يشير إلى العظمة الذاتية للكيان الإلهي، والتي كان له بها ملك السماوات والأرض وما فيهما وكان له الهيمنة عليهما، وكان هو القائم بأمرهما ولا يئوده حفظهما، ذلك لأن حفظه لهما كمعلومات لديه هو عين بقائهما علي ما هما عليه، فهو يحفظهما لأنه لا يسهو أبدا عنهما، وهو يدبر أمورهما من حيث الأسماء، ويظهر فيهما ما هو له من الآلاء.
ومن حيث هذا الاسم له الهيمنة على اللطائف والكثائف، وبالتالي فإنه ليس كمثله شيء منهما بل له العلو المطلق عليهما، ولما كان للطائف الهيمنة على الكثائف كان هو اللطيف المطلق المهيمن علي اللطائف والكثائف.
وهذا الاسم يشير إلى ذاته ومرتبته، فآثاره ذاتية وجودية؛ أى لابد له من آثار على المستوى الوجودى العينى، فهو يملك الأشياء كأعيان وجودية، فهو سبحانه من حيث هذا الاسم عظيم بماله من العلو المطلق  وعلىٌّ بما له من العظمة المطلقة، فإنما هى سمة واحدة بها يحفظ الكائنات حفظا ذاتياً فلا يئوده حفظها لأن به حياتها وهو قيومها، وبحفظه للكائنات وللذوات فإنه يظهر ويفصِّل ما له من سمات.
وهذا الاسم يشير بالأصالة إلى علوه الذاتي على الكائنات من حيث أن له الكيان الذاتي المطلق وأن لهم ذوات وكيانات مستقلة عن بعضها البعض، في حين يشير الاسم العلي الكبير إلى علوه المطلق على الكائنات من حيث المرتبة والدرجات.
فهذا الاسم يشير إلى سمته سبحانه من حيث أنه كيان حقيقي، هذا الكيان له العظمة المطلقة التي يترتب عليها ما يستحقه من كيان، فالله سبحانه هو الكائن الأعظم الذي جمع بين العظمة المطلقة لكيانه والعلو المطلق لمرتبته، أما مخلوقاته من البشر مثلا فقد يكون أحدهم عظيما في بنيانه وكيانه ولكنه ضئيل في مكانته أو مرتبته، أو يكون ضئيلا في بنيانه وكيانه ولكنه عظيم في مكانته أو مرتبته.
وهذا الاسم يعبر عن علوه سبحانه فوق أكوانه وإطاراتها الزمانية المكانية، فليس من حق أحد أن يظن أنه مقيد بشيء من هذه الإطارات أو أنه منحصر فيها مقيد بها.
*****
هذا الاسم يشير بالأصالة إلى علوّ الله الذاتي المطلق على الكائنات من حيث أن له الكيان الذاتي الأعظم المطلق، فهو الذي لا تدرك ذاته من حيث الكنه، فلا يعرف لهذا الكنه مدى أو طبيعة ولا يمكن أن يعبر عنه بعبارة أو تشير إليه إشارة فلا يمكن أن يخطر شيء عنه ببال مخلوق له، فلذاته سبحانه العظمة الحقيقية المطلقة، وبذلك فله أيضا القوة الذاتية المطلقة.
*******

الْعَظِيمُ

قال تعالى:
{فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} الحاقة52، الواقعة74، الواقعة96 * {إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ} الحاقة33
فهذا الاسم من الأسماء الحسنى، وهو من أسماء النسقين الأول والثاني.
هذا الاسم يشير إلى جلال ومجد وشرف ذاته سبحانه من حيث أنه كيان حقيقي قائم بنفسه وذلك عند مقارنته بما هو سواه من الذوات والكائنات، فهذا الاسم يشير إلي سمة هي لذاته قبل أن تكون لمرتبته.
فهو سبحانه الذي لا تتناهي ذاته من حيث الإطلاق والإحاطة والوجود وكذلك هو الذي لا تتناهي سماته الخاصة بنفسه أو بكيانه.
والعظمة الذاتية لله تعالى تقتضي أن يسبحه الإنسان، وهذا يعني أن يخبت إليه وأن ينيب إليه وأن يسبح في فلكه وأن يوقرّ قوانينه وسننه وأن ينزه ربه عن أفكاره ومفاهيمه وتصوراته مهما ارتقت.        
والرمز يشير إلى الكيان الذي لا سبيل إلي الوصول إليه ولا للإحاطة بشيء عنه لأن له البطون المطلق الذي من أبرز تجلياته الظلام الدامس المطبق أو النور الهائل المبهر، والإشارة هنا إلي كليهما، وفي ايٍّ منهما لا يمكن لكائن أن يري شيئا ولا أن يميز شيئا، وهو الذي له التمام والكمال المطلق، وهو مع كل ذلك أصل كل كمال ونور وظهور.
والإنسان بركوعه يعمل بمقتضى ما يجب عليه تجاه اسم الله "العظيم"، فركوعه هو عين تسبيحه بهذا الاسم لهذا الاسم وعين تسبيحه بحمد هذا الاسم، وهو إذ يسبح بلسانه مستحضرا معنى التسبيح في قلبه يوثِّق صلته بربه ويهيئ نفسه لتلقي كيانات أمرية من لدنه، وبذلك يزداد رقيه وتزكيه على المستوى الجوهري، والركوع ينبغي أن يكون على كافة المستويات، وما ركوع الجسد إلا واحدا منها هو بدايتها وأولها، فينبغي أن يكون سبيلاً إليها لا شاغلاً عنها.
وهذا الاسم يقتضي من الإنسان أن يقر بالعظمة الذاتية للإله الأقدس والتي خضع لسطوتها كل من هم دونه، فلا مهرب لهم من الخضوع لقوانينه وسننه، ولا مفر لهم منه إلا إليه، وعليه أن يقر بأنه لا سبيل إلى معرفة قدر ربه العظيم، ولكن عليه أن يبذل ما فى وسعه لأداء حق لتلك العظمة؛ فهو أمامها لا يملك إلا الركوع والخشوع والإخبات والإجلال، ولذا فإنه يقدم رغباً على طاعة ربه ويكف رهبا عن معصيته.
كما أنه على الإنسان أن يعرف للرسول الكريم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فضله، وأن يقر له بعظمة قدره، وأن يقر بعجزه عن الوفاء بحقه، وأن يصلى عليه ويسلم تسليما ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وليحذر الإنسان من المخالفة عن أمره ومن رفع صوته فوق صوته!
وعلى الإنسان أن يسعى لكي يجعل لنفسه مكانة فى أمته وقومه، وأن يحمل الناس على احترامه بعظيم إنجازاته وفعله، وعليه ألا يتصاغر أو يتماوت بل عليه أن يكون قوى الإرادة عظيم الهمة بعيد المدى شديد القوى، وكل ذلك يصل إليه الإنسان بالثقة بربه وطلب العون والنصر والتأييد منه والإخلاص له والتحقق بذكر الله والتقوى والصبر والفقه، كذلك على الإنسان أن ينمى وأن يزكى قدراته وإمكاناته الذاتية وأن يستعملها الاستعمال الأمثل.


*******

هناك 3 تعليقات:

  1. ما الفرق بين الاسم العظيم والاسم المجيد؟

    ردحذف
  2. زادك الله من العلم الحقيقي النافع يادكتور ... نريد شرح الاسم (الأعلى) فى هذه المقالة يادكتور ... وتجليات سبحان ربى الأعلى فى السجود .. وبذلك يكون اكتمال الصورة والحلقة الوجودية .. (العلى - العظيم - العلى العظيم)

    جازاك الله خيرا وعلما نافعا يادكتور ..

    ردحذف