السبت، 3 ديسمبر 2016

سورة الممتحنة 1

سورة الممتحنة 1

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ(1)
من المعلوم أن أحد مسلمي القرن الأول أرسل إلى قريش يخبرهم بعزم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ الزحف عليهم مخالفا بذلك عن أمره مخالفة صريحة لا ريب فيها ومعرضا المسلمين لمخاطر جمة كانت ستؤدى إلى سفك دماء الكثيرين منهم وكذلك سفك دماء كثيرين من المشركين ممن كان يرجى إسلامهم، وكان في ذلك متعللا بحجج وهمية واهية لا وزن ولا قيمة لها، وكلها لا تمثل أكثر من تفضيل مصلحة شخصية مشكوك في إمكان تحققها أو جدواها على مصلحة الدين نفسه وعلى مصلحة الأمة جمعاء، بل إن المرء ليتعجب كيف يمكن أن ترد كل هذه الأمور ببال إنسان أصلا وتدفعه إلى ارتكاب هذه الخيانة العظمى، ولكن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ عفا عنه وصفح صفحا جميلا، وبهذا تجلت للناس عظمة أخلاقه ورحمته وحلمه وظهر للكافة أنه القائد الفذ الفريد والرؤوف الرحيم، ومن المعلوم أن من اقترف هذا العمل كان بدريا أي أنه من خاصة السابقين الأولين، ولقد اقترفه بعد أن أعلن الله تعالى رضاه عن السابقين الأولين ممن حضروا البيعة تحت الشجرة، فلم يعصمه كل ذلك من ارتكاب هذا الأمر الإدّ، فحضور بدر وإعلان الرضوان عنه وانتماؤه إلى خاصة رجال القرن الأول كل ذلك لم يجعله معصوما من الخطأ أو من الذنب، وإنما كان من باب الوعد الحسن والبشرى ينالها الإنسان إذا ما تمسك بما أوصله إلى مكانته.
والبشري بالرضوان والجنة هي لكل من آمن وعمل عملاً صالحا ولله الفضل والمن على الجميع، فهو إنما وعدهم بالمغفرة والرضوان والتجاوز عن سيئاتهم، أما عمر بن الخطاب فلقد شتم هذا الرجل ورماه بالنفاق وطلب الإذن لضرب عنقه، فدل ذلك على أنه من المسموح به النظر في تصرفات السابقين الأولين وانتقاد ما يخالف الشرع منها، فهم لم يكونوا مثل أرباب الأوليمب المزعومين يفعلون كل ما يحلو لهم دون أن يسمح للرعاع الفانين بالنظر في تصرفاتهم، أما الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ فلم يلم الفاروق على ما فعل بل اعتذر عن الرجل بحضوره بدرا، ولقد نصت الآية صراحة علي أن أحد رجال هذا القرن لم يأخذ في اعتباره أن الله تعالي عليم بما أخفي وأن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ يوحَي إليه.
ولقد خاض مسطح في حديث الإفك مع من خاض بدون أدنى مسوِّغ أو مبرر فلم يعصمه كونه بدريا من خوضه في أمر كهذا مع ما فيه من خطأ جسيم في حق الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ وفى حق أهل بيته ودون مراعاة لإحسان أبي بكر إليه أو لقرابته منه، لقد أتى أمر إدّا وجُلِد عقابا على ما فعل، ومع ذلك فلقد أنزلت آية تحث أبا بكر على الاستمرار في الإنفاق عليه بل ووُعِد بالمغفرة جزاء على ذلك.
ويبين كل هذا أن الزعم بعصمة أهل القرن الأول من الخطأ هو خطأ محض، وقد يقولون هنا إنه لم يقل أحد بهذا، وهذا بالطبع من باب النفاق العريق الذي بزَّت به الأمة غيرها من الأمم، ذلك لأنهم ادعوا لهم ما هو أفدح منها، فكل قول منسوب إليهم عبر سلسلة عدلوها هم يعتبر عندهم مصدرا من مصادر الدين يقضون به علي كلام رب العالمين، ولم يكتفوا بذلك بل أحاطوا مزاعمهم بسياج من الإرهاب؛ وويل لمن تسول له نفسه ان يراجعهم في مزاعمهم هذه، وبالطبع فشياطين الإنس والجن يعلمون جيدا أن أية مراجعة جادة لأباطيلهم ستتمخض لا محالة عن انهيار مذاهبهم التي حلَّت محلّ الإسلام والتي هي مبلغ علمهم ومصدر رزقهم، لذلك هم يسخرون كل جهودهم للتصدي لهم، بينما هم لا يتصدون لأعداء الإسلام الحقيقيين من عتاة الملحدين، ويزعمون أن ذلك هو الأفضل حتى لا تنتشر أفكارهم!!!؟؟؟!! أما الحقيقة فهي أن قضية الإسلام الحقيقي لا تشغل مثقال ذرة من اهتماماتهم!
ولا معنى للقول بمرتبة اسمها الصحبة، ولقد كان ذلك من البدع التي أدت إلى تحريف الصياغة الموجودة للمعطيات الدينية، ولقد دفعت المغالاة في أمر من أسموهم بالصحابة وتوثينهم إلى تحريم تمثيل أدوارهم في السينما أو المسرح فدل ذلك على حقيقة أمر رجال الكهنوت وحقيقة عقيدتهم وفهمهم لدينهم، وقدموا بذلك أمرا وهميا مفتعلا على أقدس واجبات الأمة وهو الدعوة إلى الإسلام، فلا يستطيع أحد تجاهل دور السينما والتليفزيون في العصر الحديث، وما حدث لفيلم الرسالة ومخرجه ليس ببعيد، كذلك أدي هذا القول إلي إثقال كاهل الإسلام وتحميله بأوزار من نص الكتاب نفسه علي أن فيهم منافقين غير معروفين وكذلك أعراب غير مؤمنين…إلخ، ولا جدوي من القول اللفظي بأنهم كانوا بشرا بعد تجريده فعلياً من دلالاته الحقيقية، إن الله تعالي قد بشَّر كل من آمن وعمل عملاً صالحاً بالجنة، ومن هؤلاء كان السابقون الأولون، والبشري لهم بالجنة والرضوان تعني أنه سيختم لهم بالسعادة فإن أخطئوا فلن يصروا علي ما فعلوه بل سيبادرون بالتوبة، وكذلك أثقل عباد الأسلاف كاهل الإسلام بما تناقله رجال لا يمكن لأحد أبداً القطع بحقيقة أمورهم في كل أحوالهم وتقلباتهم علي مدي أعمارهم، والمطلوب من عبيد نعال السلف أن يشرحوا للمسلمين ما الذي سيحدث للإسلام إذا إظهروا واحدا من كبار السلف في فيلم من الأفلام لشرح وبيان الإسلام للناس في العالم؟ بل ماذا سيحدث لهذا الكبير، هل سيتم طرده من الجنة مثلا؟!
إنه مطلوب من المؤمنين ألا يكونوا عملاء لأعداء الأمة، ولكن ليس المطلوب منهم معاداة كل شعوب الأرض، وأعداء الأمة هم أعداء ما تمثله تلك الأمة والرسالة التي تحملها, كما أنهم أعداء مقاصدها وأهدافها وهم الذين يعملون علي إحباط تلك الأهداف و منع الأمة من أداء رسالتها، وهم أيضاً أولئك الذين يضطهدون من لديهم من المؤمنين ولا يمكنونهم من أداء شعائره ويعملون علي إخراجهم من ديارهم، ومن المعلوم بالضرورة الآن أن أشد الناس تطرفا في الدين هم العملاء السريون لألد أعداء الدين، وهم يعتمدون على حمايتهم لهم مقابل تسليمهم أكثر موارد شعوبهم.


*****

هناك تعليق واحد: