سورة الحشـــر 7
مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ
أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ
مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(7)
هذه الآية من الآيات المظلومة التي انتزع الناس جزءًا
من أجزائها واستعملوه لإبطال رسالة القرءان ولاختلاق دين بديل.
والآية تتعلق أساسا بموضوع توزيع الفيء، ولكن حاول
السلف الطالح المدلس والخلف الضال المفلس إيهام الناس أن إعمال هذه الآية يعنى
إلزام الناس إلزاما قاطعا بما جمعه بعض المجتهدين في القرن الثالث الهجري من
مرويات ظنية وفق مذاهبهم الأرضية وطبقا لمقاييسهم البشرية وبمجهوداتهم الذاتية
وعلى مسؤوليتهم الشخصية، وقد سوَّل الشيطان لهم اعتبار تلك المرويات وحيًا ثانيا
أو مثلا للقرءان، بل جعلوها حاكمة وقاضية عليه وناسخة لآياته عند الاختلاف، وأحوجوه
إليها، وهذا مثال صارخ لمسلكهم في إحداث الآراء ثم حمل الآيات عليها، والآية بريئة
من تأويلهم فهي موجهة أساسا إلى أهل القرن الأول وتلزمهم بالطاعة المطلقة للرسول
من حيث أنه وليّ أمرهم، ولذلك فعليهم الرضا بحكمه في أمر توزيع الغنائم، أي أن
عليهم أن يأخذوا ما آتاهم ولا تمتد أيديهم وأبصارهم إلى ما نهاهم عنه، وخصوصية
الآية تأتى من قوله تعالى (ولذي القربى)، فالمراد هم ذوو قرباه وحده كرسول وليس
لغيره ولا لمن سيلي الأمر من بعده.
فَمَا ءاتَـٰكُمُ ٱلرَّسُولُ، أي ما أعطاكم من الفيء،
فَخُذُوهُ، ذلك لأنه حقكم الذي قرره الله تعالى وأحله لكم، وَمَا نَهَـٰكُمْ
عَنْهُ، أي عن أخذه منه، فَٱنتَهُواْ عنه، فلا يجوز لكم أن تطمعوا فيه أو أن
تتطلعوا إليه، ولما كان هذا قد يعظم على بعضهم فقد ذكر الأمر الثابت؛ { وَٱتَّقُواْ
ٱللَّهَ }، وذلك تحذيرا لهم من المخالفة عن أمره، ثم ذكرت الآية الاسم الذي يراقب الالتزام بذلك:
{إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ}، وذلك لخطورة الموقف، فالعرب والأعراب كانوا
دائما مولعين بالفيء والغنائم، وقد تسبب ذلك في التقليل من حجم الانتصار في بدر،
كما تسبب في هزيمة أحد، وسيتسبب من بعد في تحريف الدين، ولم يكن بعضهم يتورع عن
الإساءة إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ
وَسَلَّمَ بل وتعريضه للخطر الشديد من أجل حطام الدنيا.
ولما بدأت تشتد حركة الكذب على الرسول واختلاق
تعليمات ونسبتها إليه لتصبح جزءا من الدين كان الناس يطالبون بالدليل من القرءان
الكريم، ووجد أصحاب المصالح والأهواء ضالتهم في هذه الآية، فباسمها تم اختلاق دين
بديل.
والآية تبيِّن أن أهل القرن الأول لم يكونوا ملائكة
بل كانوا بشرًا يحرص كل منهم على الفوز بأكبر قدر من الغنائم، ولقد حرص الكتاب علي
تسجيل ذلك، وكان هذا بيانا للناس رحمة بهم حتى لا يغلوا في أمرهم غير الحق، ويجب
القول بأن ذلك لا يقلل من شأنهم، ذلك لأن الإيجابية والفعالية والقوة ومتانة
البنيان النفسي من الأمور اللازمة للأمة القوية الفتية، ولقد توفر كل ذلك فيهم،
وكان الحرص علي الغنائم من لوازم ذلك وأعراضه، وإن كان يجب عليهم الحد من جماحهم
في هذا الأمر.
وبعد بيان ذلك فإن كل مسلم ملزم بطاعة الله ورسوله
بمعني أنه ملزم بالعمل وفق مقتضيات الرسالة التي جاء بها وهي القرءان الكريم وما
يصدقه من الآثار المنسوبة إلي الرسول، أما الحكم العام الذي تضمنته الآية فهو أنه
لابد من وجود آليات تسمح بتداول الثروة في الأمة وتمنع تكديس الأموال لدي طائفة
خاصة.
ويجب العلم بأن أكثر معايير جهابذة المرويات هي
معايير شخصية ذاتية مذهبية غير
موضوعية، وهي بصفة عامة لا ترفع المرويات فوق درجة الظنية، وأن هذه المرويات تفتقد
الشرعية اللازمة، وهي وجود وثيقة مكتوبة بمحضر من شهود عدول في الوقت المناسب،
ولذلك لابد من قرينة حقيقية للقبول بالمروية خاصة وقد ثبت أن المرويات الموضوعة
كانت تعادل حوالي مائة ضعف المرويات
الصحيحة، وقد أقرَّ بذلك جامعو المرويات أنفسهم، فأقاموا الحجة على من جاء من
بعدهم، أما القرينة المطلوبة فهي وجود أصل للمروية في القرءان والاتساق التام مع
دين الحق المستخلص منه.
ورغم الآيات القرءانية العديدة التي تمنع الغلوَّ في
أمر أهل القرن الإسلامي الأول فإن المذهب السائد، أو بالأحرى الدين الأعرابي
الأموي، يقدسهم ويكاد يلزم الناس بعبادتهم، بل هو يتخذهم عمليا وواقعيا أربابا
مشرعين في الدين يكون كل ما يُنسب إليهم نصًّا دينيا يعتبرونه الوحي الثاني والسنة
الحاكمة على القرءان والقاضية عليه ... الخ، وهم يتخذون من يوم الجمعة عيدا
أسبوعيا لتقديسهم والتسبيح بحمدهم وترسيخ ما هو منسوب إليهم في أذهان الناس، وفي
هذه الخطب لا يملون من تكرار بعض القصص الساذج عن مآثرهم ومنها مثلا حكمهم بالعدل
مع أن الأمم المتحضرة قد جعلت العدل روح قوانيتها التي لا يجرؤ حاكم على مخالفتها،
ولكنهم يتجاهلون كل الفتن والمجازر البشعة وكبائر الإثم التي تورطوا فيها، بل
يتجاهلون آيات القرءان التي تذكر بعض كبائر الإثم التي اقترفوها في العصر النبوي.
ولم تكن بداية ذلك المنزع حبًّا لهم وإنما رغبة في
فرض الطلقاء والمنافقين على الأمة وإعطاء الشرعية لهم، وهكذا فإنه على المستوى
النظري صار معاوية مكافئاً للإمام علي، وصار تمرده السافر على إمام الأمة مجرد
اجتهاد يثاب عليه، وصارت جرائمه الكبرى أيضا من قبيل الاجتهاد الذي يثاب عليه، أما
على المستوى العملي فلقد صار معاوية هو الإمام الفعلي للأمة وصارت محدثاته سننا
يتمسك بها الناس من بعده وخاصة القائمون على أمورهم ويعضون عليها بالنواجذ،
والصياغة السائدة هي تماماً الصياغة التي ارتضاها معاوية لهذا الدين.
والآية تنص على الأمر بتقوى الله، وهو من أكثر
الأوامر ورودا في القرءان، والتحقق بالتقوى هو أمر ديني لوازمي كبير، وركن فرعي من
أركان الدين، وهو مقصد الكثير من الأركان ومن لوازم وتفاصيل المقصد الديني الأعظم
الخاص بالفرد.
وتُختم الآية بالاسم الإلهي "شَدِيدُ الْعِقَابِ"، وذلك لإعلام الناس بعاقبة المخالفة
عن الأوامر الواردة في هذه الآية.
*****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق