الخميس، 1 ديسمبر 2016

أهل الكتاب ج2

أهل الكتاب ج2

زعم بعض المجتهدين الجدد أن اليهود والنصارى مسلمين طبقا لتعريفه هو للإسلام، وقد تابعهم في ذلك دراويشهم المؤمنون بهم إيماناً لا يتزعزع، وهذا الزعم باطل، بل إن اليهود والنصارى بنص القرءان ليسوا من ملة إبراهيم وهي الشرط الأول ليكون المرء مسلما حقا، قال تعالى: {وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين} [البقرة:135]، فهذه الآيات تبين أنهم مشركون بالإضافة إلى كونهم ليسوا من ملة إبراهيم، فالشرط الأساسي ليكون الإنسان مسلما أن يتبع مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا، ففحوى القول: {وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين} أنهم هم كذلك.
فهم بانحرافهم عن ملة إبراهيم لم يعودوا مسلمين، ويجب العلم بأن الديانة اليهودية لم تظهر إلا بعد العودة من السبي البابلي، وأن القرءان لم يسم أبدا من آمن بموسى باليهود وأن النصارى هم من أطلقوا على أنفسهم هذا الاسم، وكذلك فعل المسيحيون، فهذه أسماء ما أنزل الله بها من سلطان. 
فمصطلح الإسلام يُطلق على متبع الدين الصحيح الذي بدأ بإبراهيم واتبع كل نبي مرسل جاء مجددا لهذا الدين أو مضيفاً إليه برسالة جديدة، لذلك فهو يُطلق على من اتبع إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والمسيح وخاتم النبيين، أما من نأى بنفسه عن هذا الدين الصحيح فهو غير مسلم.
لذلك لا يجوز أن يُسمَّى اليهود والمسيحيين بالمسلمين لأنهم رفضوا اتباع خاتم النبيين وكفروا به وبرسالته، فالذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين هم اليهود والنصارى، وقد قال الله تعالى فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّة} [البينة:6]
ومن يسمهم بذلك يسيء إلى النبي الخاتم ويوافقهم على موقفهم منه. 
ومع كل ذلك فالإسلام الحقيقي يكفل لهم حرية العقيدة رغم كفرهم به ويأمر المسلمين ببرهم والإقساط إليهم واحترام حقوقهم الإنسانية وكرامتهم.
والدين عند الله واحد، هو الإسلام بالمعنى الاصطلاحي الأعلى، وهو الذي بلغ ذروة كماله بالرسالة المحمدية؛ وهي القرءان الكريم، أما اليهود والمسيحيون فهم الذين نأوا بأنفسهم بعيدا عن هذا الدين الواحد؛ فلا يجوز اعتبارهم مسلمين رغم أنوفهم، ولا يجوز تمييع الفواصل بدعوى العصرانية فإنها لن تكون إلا على حساب دين الحق.
ولليهود والمسيحيين وغيرهم من أتباع شتى الديانات والمذاهب كافة حقوقهم الإنسانية المقررة في الإسلام ومنها حرية الإيمان، والمسلم الحق يتعبد إلى ربه بالحفاظ على حقوق الناس واحترام كرامتهم، فكل إنسان هو خليفة ومكرم ومفضل وحامل للأمانة.
والإسلام له معانٍ عديدة، منها معاني لغوية مثل الانقياد والإذعان والدخول في السلم، ومنها هذا الدين الذي الواحد الذي بدأ رسميا بإبراهيم عليه السلام وبلغ ذروة كماله بالرسالة المحمدية، أما اليهود فقد كفروا برسالة المسيح عليه السلام، وخرجوا بذلك عن الخط العام للإسلام، أما المسيحيون فقد رفضوا رسالة خاتم النبيين، وخرجوا بذلك عن الخط العام للإسلام، ولذلك فاليهود والنصارى ليسوا مسلمين، وهم لا يقولون بذلك ولا يزعمونه لأنفسهم ولم يسمهم الله تعالى بالمسلمين في كتابه.
ومع ذلك ظهر من بين المحسوبين على الإسلام من يصرون على أنهم مسلمون ضاربين بالاسم القرءاني لهم عرض الجدار! والأدهى والأمر هو أنهم يعتبرون أن من يقول بغير ذلك هو المطالب بشرح موقفه!!!!
وعظمة الإسلام المعلوم تتجلى في اعتباره اليهود والنصارى من أهل الكتاب وأنه يأمر بالعدل والإحسان واحترام حقوق الناس وببرهم والإقساط إليهم رغم كفرهم به وإنكارهم له.
وليس لدى المؤمنين باليهودية أو المسيحية أو بالمذاهب المحسوبة على الإسلام من السنن أو الآليات ما يسمح لهم بالتعايش السلمي فيما بينهم في نفس البلد، ولا أمل في أن يتحقق ذلك، وإنما يمكن أن يسود السلام لما يلي:
1.      أن يتخلى الجميع عن أكثر تعليمات وأوامر أديانهم ومذاهبهم أو ألا يأخذوها على محمل الجد.
2.      وجود نظام علماني قوي، وقد توصل الإنسان إلى مثل هذا النظام بعد أن دفع الثمن غاليا من حروب دينية ومذهبية إجرامية قاسية هلك فيها الملايين وانتشر بسببها الدمار والخراب، وبعد أن فرضت الضرورة وفرض التطور والتقدم على المستوى الإنساني قيمه ومبادئه.
3.      وجود نظام دكتاتوري وطني يقمع هؤلاء الهمج المتعصبين ويلزمهم الأدب.
4.      اتباع دين الحق، فهو الوحيد الذي يملك من الآليات والسنن والقيم والمقاصد التي تجعل من التعايش السلمي مع الآخرين ليس مجرد ضرورة بل عبادة ومقصدا من مقاصده العظمى.
ولكن حتى إن تحقق السلام بين الكائنات المتدينة داخل بلد واحد فستظل كل طائفة تتربص بالأخرى الدوائر وتنتهز أية فرصة سانحة للفتك بها! وبالطبع إذا كان لهذا البلد أعداء فلن يقصروا في استعمال هذا السلاح الفتاك؛ العداء الكامن في نفوس كل طائفة دينية تجاه الآخرين!
------- 
ردود:
-        يظن بعض المجتهدين الجدد أن الجنة هي دار أبيه يوزعها كيف يشاء، وأن الإسلام هو إرث له من أبيه فيوزعه على من يشاء، أنت طبقا للمسيحية ستذهب إلى عالم البكاء وصرير الأسنان، هنيئا لك.
-        أنت كزميلك المحذوف قد أصابكم خلل في المنطق والإدراك، أنت تفترض أن اليهود والنصارى مسلمون ضد كل ما في القرءان الكريم!! ودون أي دليل!! ثم تطالبنا بتقديم الدليل على أنهم غير مسلمين!!! هذا اسمه خلل في المنطق! 
-------
رغم أن صفات اليهود والنصارى والأحكام عليهم مذكورة في القرءان الكريم في نصوص قطعية الدلالة إلا أنه ظهر بعض الحداثيين وزعموا أن اليهود والنصارى مسلمين، وتلقف قوله هذا مجموعة من المولعين بالغرائب وتدروشوا في محرابه ورتبوا على قوله مقتضياته، ثم يجيئون إلى صفحتنا ليحاكمونا إلى هراء سيدهم، ورغم أن قول سيدهم يتضمن كفرا بالكثير من الآيات القرءانية بل بمجمل القرءان ورسالته فإنهم يعتبرون أقواله بمثابة عقائد راسخة، ويطالبوننا نحن بالبرهان على بطلانها!!! فما أشبههم بمن يشير إلى قط ويقول: "هذا أسد"، فإذا ما قلت له "بل هو قط طبقا لكل ما هو معلوم من العلوم" يقول لك: عليك أنت أن تثبت أنه ليس بأسد!!!!
وعظمة دين الحق تتجلى في أنه رغم كفر أهل الكتاب به فإنه يأمر ببرهم والإقساط إليهم واحترام حقوقهم وكرامتهم. 
وكما قلت من قبل، نحن أشد الناس شراسة في الدفاع عن كتاب الله وآياته، ولن نقبل أن يحاول أحد أن يفرض عليه هراءه، وإذا كنا قد هاجمنا أشد الناس بأساً -من السلفية وأتباع الإجرام السياسي وتجار الدين- دفاعا عن كتاب الله تعالي فلن نبالي بحداثي مهرج، أوصاف أهل الكتاب معلومة في القرءان، يمكن لكل مسلم يجيد اللسان العربي أن يستخلصها بنفسه، وهذا هو ما يجب الإيمان به! 
ما رأيك فيمن يشير إلى قط ويقول: "هذا أسد"، فإذا ما قلت له "بل هو قط طبقا لكل ما هو معلوم من العلوم" يقول لك: لا داعي للسخرية، عليك أن تثبت فورا أنه ليس بأسد، مع أن القط لم يدَّع أنه أسد؟!
إن عظمة الإسلام تتمثل في وجود قيم وسنن وآليات في بنيته تلزم المسلم بالتعايش السلمي مع الآخرين رغم أنهم يقولون بكفره وهلاكه، ورغم أنه هو يؤمن بأنبيائهم ويعتبرهم أهل كتاب، كما أن المسلم ملزم أيضا بالتعايش السلمي مع أتباع الأديان الأخرى غير الإبراهيمية، أما اليهود والنصارى فليست لديهم آليات أو قيم مثل التي هي للإسلام، والدول الغربية تقبل الآن الإسلام والمسلمين لأنها أصبحت دولا علمانية، ولو ارتدت عن علمانيتها لعادت الحروب الصليبية على نطاق أشد وأوسع.
إن المسلم يتعبد إلى ربه باحترام حقوق الإنسان ومنها حرية الإيمان، ولكن ذلك لا يعني تمييع الفروق بين الإسلام وبين غيره من المذاهب والأديان، ولا يعني إلغاء مضمون ومعاني آيات القرءان مجاملة لأية طائفة، فيجب أن يكف من تنكب الطريق من الحداثيين عن خلط الأوراق واستغلال أخطاء السلفية والوهابية ليضرب الإسلام في عقائده الراسخة!
وقد نفاجأ بأحد صبية أو دراويش من حققوا شهرة إعلامية مدوية من الحداثيين يحاول أن يجادلنا بمحدثات ومختلقات أربابه وأسياده، ونحن لا نقيم أصلا للشهرة وزنا وهي لن تصنع من التراب تبرا، وإذا كنا لا نقبل أن يجادلنا أحد بكلام ابن تيمية أو البربهاري أو الأشعري ... الخ فنحن لن نقبل أن يجادلنا الصبية بكلام المحدثين الجدد، وسنرد بكل قوة عن هذا الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، وكلام المتحدثين في الدين موجود في الكتب، فعندما يشتد خطر الكلام أو تعمّ به البلوى سننظر فيه ونرد عليه، فالنقد ليس مقصدنا الأساسي، أما من أراد الحوار فليحاور بكلام من عنده هو على بينة منه، ويستطيع أن يدافع عنه بالأدلة المعتبرة وليس بإسناده إلى أي شخص!
وما أضعف حجج المبطلين!! لا يمكن أن يقرر القرءان حقانية من كفروا به ولا أن يصفهم بأنهم مسلمون:
قال الحق: وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آَمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (54) القصص
فآيات سورة القصص تتحدث عمن آمنوا بالقرءان من أهل الكتاب؛ فلهم أجرهم مرتين.
وآية سورة الرعد كان يجب أن تُقرأ في سياقها وهو: أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) الرعد
فهي تتحدث عمن يعلمون أنما أنزل إلى الرسول هم الحق! ولا تتحدث عمَّن لا يعترفون به نبيا ويقولون فيه ما يقولون.
وأيات سورة البقرة: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)} البقرة 
تؤكد ما نقوله، وهو أن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا مسلمين! وكذلك كان الحواريون مسلمين، ما الغرابة في ذلك؟ فالدين واحد؛ وهو الإسلام!
أما الذين كفروا بالرسالة الخاتمة بعد أن بلغتهم فمصيرهم مقرر بأجلى بيان:
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) البينة.
فمن رفض الرسالة المحمدية ليس مسلما! أما موضوع من هو الأحسن أخلاقا أو من هو المسالم فتلك مسألة أخرى، وقد يكون الكافر أحسن الناس في التعامل مع الناس وفي إتقان عمله، ولكن هذا لا ينفي عنه صفة الكفر، والكفر هو خطأ في حق الله الخالق، وأكثر المجتهدين الجدد لا يعنيهم حق الله في شيء!! وهم يظنون أن الدين مذهب للإصلاح الاجتماعي!!!
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولا} [النساء:47]
ألا يكفي هذا التهديد والوعيد الشديد؟!
ولذلك من أركان الإسلام الدعوة إلى سبيل الله أي إلى دين الحق بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن؛ أي بوسائل سلمية فقط.
والبلاغ المبين هو الفيصل بين قبول الأعذار وبين رفضها، ووجود المحسوبين ظلما على الإسلام والمؤسسات الكهنوتية المحسوبة عليه أيضا خير عذر لمن لا يؤمن بالإسلام.
ومع كل ذلك يجب على المسلم التعايش السلمي مع الآخرين والتعبد إلى الله تعالى باحترام حقوقهم وكرامتهم وبرهم والإقساط إليهم، ويجب الإيمان بأن الله تعالى سيفصل بين الناس في يوم القيامة في الأمور العقائدية بالحق وسيحكم بالعدل، وهو لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء، وأنه عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وأنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور.
ولكن المشكلة هي أن بعض الدجالين الجدد لا يريدون الإسلام من القرءان ولا من سنة الرسول، هم يريدون دينا مائعا كمسيحية الغرب مع بعض الشكليات والطقوس، يريدون أن يصنعوه على أعين أسيادهم من شياطين الغرب ثم يلغون من القرءان ما يتعارض معه بأية ذريعة!!! وهم أحقر وأخسّ المضلين! لا يخفى علينا أمرهم!
-------
قال تعالى:
{وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِير}[البقرة:120]، {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِير}[الحج:78]، {وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين}[البقرة:135]، {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِين}[البقرة:130]، {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَـؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِين}[النحل:89]
هل بعد كل هذه الآيات يمكن القول بأن اليهود والنصارى مسلمين؟ إن هذه الآيات تقرر بطريقة قطعية ما يلي:
1.      المسلمون متبعون لملة إبراهيم.
2.      لكلٍّ من اليهود والنصارى ملتهم، وهم لا يتبعون ملة إبراهيم.
3.      لا يجوز اتباع ملة اليهود أو النصارى، وهم مشركون.
4.      لا نجاة لمن لم يتبع ملة إبراهيم.
5.      الكتاب المنزل على خاتم النبيين هو هُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِين.
ومن كل ذلك فاليهود والنصارى ليسوا مسلمين، ورغم هذا الأمر البديهي فإن أتباع الديانة الشحرورية يؤمنون إيمانا لا يتزعزع بأن اليهود والنصارى مسلمون رغم أنوفهم وأنف كل شيء، ورغم أنهم لا يعتبرون الإسلام شرفا ليدعوه، ومهما قيل لهم من آيات أو أقيمت عليهم الحجج فهم معتصمون بما قاله إمامهم، لقد قضى شحرور وحكم بذلك فلا رادّ لقضائه ولا معقب لحكمه، أما الآيات السابقة فسيحاولون أن يضربوها بآيات لا يفقهون لها معنى ولا علاقة لها بهذه المسألة.
-------
من أكبر عجائب الدنيا أن يختلس أحدهم لنفسه سلطات ربه وأن يعلن على الناس بكل ثقة أن اليهود والمسيحيين مسلمون وأنهم سيدخلون الجنة، وكأن هذه الجنة هي دار أبيه يوزعها على الناس كيف يشاء، إنه طبقا للقرءان فإن اليهود والنصارى رفضوا الإيمان بخاتم النبيين وبالقرءان الكريم، فهم من هذه الحيثية كافرون بلا شك، وهم سعداء بكفرهم هذا ولا يبغون عنه حولا، والمسيحيون بالإضافة إلى ذلك قد أشركوا بالله تعالى واتخذوا المسيح إلها واتخذوا الروح القدس إلها، وقولهم بل إن الإله يتضمن ثلاثة شخصيات هي الآب والابن والروح القدس لا يغني عنهم شيئا، بل هو كفر بشع وشرك شنيع، وهم أحرار فيما اختاروه لأنفسهم، ولهم كافة حقوقهم الإنسانية، ولكن هذا لا يقتضي الكفر من أجلهم، ومن أراد أن يسبغ عليهم ألقابا فليسبغها مما يملك وليس مما لا يملك.
والعدل المطلق لابد من تحققه إن عاجلا أو آجلا، وكل إنسان مكلف بقدر وسعه، وبقدر ما آتاه ربه، ولا يجوز لأحد أن يطرح على ربه أسئلة مثل: وما هو ذنب هؤلاء؟ فكل أمور الدنيا تجري على هذا المنوال، فهناك من يولد فقيرا غير جميل المنظر، وهناك من يولد جميلا ولأسرة غنية، وهناك من يولد لأسرة مسلمة، وهناك من يولد لأسرة كافرة، فلا يجوز لأحد بسبب عدم فهمه لتدابير ربه أن يكفر بربه، فالإنسان مبتلى بنفسه وبغيره، ويجب تذكر دائما أن الدنيا دار فناء وابتلاء، وليست بدار بقاء.
-------
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} البقرة62، {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} المائدة69.
الآيتان تبشران كل من آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً بالأجر والأمن والسعادة، فالمطلوب من المسلم أن يعمل على تحسين وتزكية ما لديه من تصور عن ربه بالنظر في القرءان والتفقه في العلم الإلهي الذي يتضمنه والخاصة العلم المتعلق بالأسماء الحسنى والأفعال والشئون والسنن الإلهية، وعلى المسلم أن يؤمن باليوم الآخر، وهذا يتضمن الإيمان بكل ما ذكره القرءان عنه.
وعلى المسلم أن يعمل بمقتضى ما علم من القرءان، ومن ذلك أن يقوم بما يجب عليه كخليفة في الأرض وحامل للأمانة، وكل عمل بمقتضى أمر قرءاني هو عمل صالح.
والآية تذكر ثلاثة أركان دينية كبرى: الإيمان بالله تعالى، الإيمان بالغيب المذكور في القرءان ممثلا بالإيمان باليوم الآخر والعمل الصالح.
والآية تذكر أربع فئات: الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ، والمقصود بالَّذِينَ آمَنُواْ من آمنوا بخاتم النبيين.
أما الَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئونَ المذكورون في الآية فهم المؤمنون بالرسالات الأصلية قبل أن يلحقها التغيير والتبديل والتحريف، ولذلك اشترطت الآية الإيمان بـ"الله"، ولا يعلم أكثر الناس أن هذا الاسم الجليل قد تم حذفه من كتبهم!!!! وقد كان موجودا فيها، وهو الاسم الحقيقي الذي يشير إليه اليهود بالـ The tetragrammaton))  من الكلمة اليونانية (τετραγράμματον)     والتي تعني أربعة حروف، فاليهود منذ أن دعوا أنفسهم بهذا الاسم لا يعرفون "الله"، وإنما يعرفون بعض صفاته، وقد كانوا يتصورونه دائما ربا خاصا بهم، ولو قالت الآية "الإله" أو "الرب" لكان ثمة أمل لهم في النجاة.      
ومن أركان دين الحق الإيمان باليوم الآخر، وهذا ما ينكره بعض طوائف اليهود مثل الصدوقيين، ذلك لأنه لا ذكر له في توراتهم أو باقي أسفارهم، ولم يرد إلا على استحياء في سفر دانيال، فلا توجد في كتب العهد القديم الأولى أية إشارات إلى بعث الموتى أو الحياة الأبدية، وحتى بعد أن ظهرت فكرة خلود الروح، فإن هذه الفكرة لم تكن بعد مرتبطة بفكرة البعث والخير والشر والثواب والعقاب، ذلك لأن الروح كانت تذهب بعد الموت إلى مكان مظلم يُسمَّى "شيول" حيث تبقى إلى الأبد، فلا تظهر فكرة البعث بشكل واضح لا إبهام فيه إلا في سفر دانيال الذي كُتب أثناء السبي البابلي وربما أثناء الحكم الفارسي؛ جاء في الإصحَاحُ الثَّانِي عَشَرَ من هذا السفر:
1«وَفِي ذلِكَ الْوَقْتِ يَقُومُ مِيخَائِيلُ الرَّئِيسُ الْعَظِيمُ الْقَائِمُ لِبَنِي شَعْبِكَ، وَيَكُونُ زَمَانُ ضِيق لَمْ يَكُنْ مُنْذُ كَانَتْ أُمَّةٌ إِلَى ذلِكَ الْوَقْتِ. وَفِي ذلِكَ الْوَقْتِ يُنَجَّى شَعْبُكَ، كُلُّ مَنْ يُوجَدُ مَكْتُوبًا فِي السِّفْرِ. 2وَكَثِيرُونَ مِنَ الرَّاقِدِينَ فِي تُرَابِ الأَرْضِ يَسْتَيْقِظُونَ، هؤُلاَءِ إِلَى الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ، وَهؤُلاَءِ إِلَى الْعَارِ لِلازْدِرَاءِ الأَبَدِيِّ. 3وَالْفَاهِمُونَ يَضِيئُونَ كَضِيَاءِ الْجَلَدِ، وَالَّذِينَ رَدُّوا كَثِيرِينَ إِلَى الْبِرِّ كَالْكَوَاكِبِ إِلَى أَبَدِ الدُّهُورِ.
فلا يوجد في فرقهم الشهيرة من يؤمن باليوم الآخر بالمفهوم السليم، ففرقة الصدوقيين تنكر قيام الأموات، وتعتقد أن عقاب العصاة وإثابة المتقين إنما يحصلان في حياتهم. 
أما فرقة الفريسيين فتعتقد أن الصالحين من الأموات سينشرون في هذه الأرض؛ ليشتركوا في ملك المسيح الذي يأتي آخر الزمان، وهم يؤمنون بالثواب والعقاب الأخروي وبخلود الروح في الحياة الآخرة. 
ومن نظر أدنى نظرة في كتاب اليهود التوراة والكتب الملحقة بها يجد أن الوعود الواردة فيه مقابل الإيمان برب الجنود (Lord of Hosts) والأعمال الصالحة تدور حول متاع الحياة الدنيا من انتصار على الأعداء وكثرة الأولاد ونماء الزرع، إلى غير ذلك، كذلك الوعيد الوارد على المعاصي والكفر، كله يدور حول إذلالهم وانتصار الأعداء عليهم وسبي ذراريهم وموت زرعهم وماشيتهم إلى غير ذلك من العقوبات الدنيوية، مما يدل على عدم إيمانهم باليوم الآخر حسب التوراة والكتب الملحقة بها. 
وهذا يختلف عما لديهم في التلمود، حيث صرَّحوا بالنعيم والجحيم، فقد ورد فيه: أن الجنة مأوى الأرواح الزكية لا يدخلها إلا اليهود، والجحيم مأوى الكفار، ولا نصيب لهم فيه سوى البكاء؛ لما فيه من الظلام والعفونة والطين، وأن الجحيم أوسع من النعيم ستين مرَّة. 
كما ورد في نص الأصول الثلاثة عشر التي وضعها موسى بن ميمون، وجعلها أركان الإيمان اليهودي، قولهم في الركن الثالث عشر: (أنا أؤمن إيماناً كاملاً بقيامة الموتى، في الوقت الذي تنبعث فيه بذلك إرادة الخالق- تبارك اسمه وتعالى ذكره- الآن وإلى أبد الآبدين)، وهذا ليس فيه تصريح باليوم الآخر؛ لاحتمال أن يقصد بذلك بعثاً دنيويًّا على نحو عقيدة الفريسيين السابقة، ولكن ذلك يدل على تغير في العقيدة لديهم عما كان عليه كثير من أسلافهم المتقدمين، ولعله من تأثرهم بعقيدة المسلمين؛ لاحتكاكهم بهم؛ لأن موسى بن ميمون كان طبيباً للأيوبيين في مصر، ومن المعلوم أنه تأثر تأثرا شديدا بعلم الكلام الإسلامي.
وترى اليهودية الحاخامية أن الإيمان ببعث الموتى أحد العقائد الأساسية في اليهودية، وأحد أُسُس الإيمان، كما ترى أن البعث بعث للروح والجسد، ولكن التفكير الأخروي اليهودي يتضمن عنصرين: أحدهما زمني وهو العصر المشيحاني، والآخر لا زمني هو صيغة من صيغ آخر الأيام، كما أن علاقة البعث بيوم الحساب وجهنم والجنة لم تتحدد كما أن فكرة البعث تكتسب بُعداً قومياً وتظل مرتبطة بالعودة القومية إلى الأرض، وحتى بين هؤلاء الذين يؤمنون بفكرة البعث، هناك خلاف حول من يُبعَث من البشر إذ قال موسى بن ميمون إن الأبرار وحدهم هم الذين سيُبعَثون، وذهب آخرون إلى أن كل أفراد جماعة يسرائيل سيُبعَثون، وقال فريق ثالث إن الجنس البشري بأسره سيُبعَث في آخر الأيام. وثمة بعض المفكرين من اليهود من ينكرون حتى الآن عقيدة البعث، وتنكر اليهودية الإصلاحية فكرة أن البعث هو عودة الروح إلى الجسد وحسابها، مكتفيةً بتأكيد عقيدة خلود الروح، وقد تم تعديل كتاب الصلوات ليتفق مع العقائد الجديدة.
ويجب دائماً العلم بأن الأخلاقيات اليهودية الحلولية أخلاقيات جماعية قومية لا تميِّز بين الخير والشر بقدر تمييزها بين اليهود والأغيار. وإنكار البعث تعبير مباشر عن هذه النزعة، فإذا كان الإله يحل في الأمة والأرض ولا يتجاوز المادة والتاريخ ويجمع بينهما، فإن البعث الفردي (والمسئولية الخلقية) تصبح أموراً مستحيلة وغير مرغوب فيها، فالبعث هو التوحد مع الأمة المقدَّسة والبحث عن الاستمرار والخلود من خلالها، وربما الدفن في الأرض المقدَّسة، ومن هنا كان الاهتمام المتطرف في إسرائيل بالدفن والمدافن، وباستعادة جثث الموتى من الجنود الإسرائيليين، بل من الشائع لدى بعض الجماعات اليهودية شراء تراب من أرض فلسطين (ومن القدس بالذات) ليُنثر على رأس المتوفي أملاً في أن يحوز بذلك البركة الخاصة بالبعث. وفي إطار الحلولية الصهيونية بدون إله ووحدة الوجود المادية التي تقدِّس الأرض، بدأ بعض الشباب الإسرائيلي يشعر بأن هذه الأرض المقدَّسة أصبحت تطالب بمزيد من المدافن وصناديق دفن الموتى. ولعل ما يدعم إحساسهم هذا، رفض يهود العالم الهجرة إليها وحرص الكثيرين منهم في الوقت نفسه على أن يدفن فيها.
وفي كل الأحوال فلا يظهر لليوم الآخر تلك المكانة الهائلة ولا التفاصيل السامية الراقية التي يعطيها له القرءان والذي يقرنه بالإيمان بالله، ومن العجيب أن تخلو كتبهم رغم تأثرهم الشديد بالمصريين القدماء من إشارات صريحة إلى اليوم الآخر! وربما كان ذلك رد فعل عكسي تجاه المصريين وديانتهم.
أما المسيحيون فهم يعبدون كائنا يسمونه بالثالوث، والثالوث في اللاهوت المسيحي يعني أن الإله الواحد ثلاث أقانيم (Hypostases) أو ثلاث شخصيات(Persons)  متساوية في الجوهر، فالإله عندهم ثلاث شخصيات متساوية في الجوهر (Three consubstantial persons)، ولكنها متميزة (The three persons are distinct) ، ويعتقد المسيحيون أنه لا يمكن قبول أحد الأقانيم منفردًا بل يجب التسليم بها جميعا، فكل واحد من الأقانيم إله كلي كامل، فالأقانيم الثلاثة الإلهية: الأب والابن والروح القدس، لا يمكن فصلها عن بعضها البعض، وتوجد علاقات ثابتة بينها فالأب هو الذي وَلد والإبن هو الذي وُلِد والروح القدس هو الذي ينطلق أو ينبثق (It is the Father who generates, the Son who is begotten, and the Holy Spirit who proceeds) ، ولا يجوز الخلط بين هذه الشخصيات أو الأقانيم وبين الصفات الإلهية(Divine attributes) أبدا، بل إن لكل عضو من الثالوث أن يتصف بكل الصفات الإلهية، وكذلك كل فعل إلهي هو عملية واحدة مشتركة بين الثلاث شخصيات الإلهية، وقد قالوا إن هذه هي الطريقة التي عبّر فيها الإله عن طبيعته التي لا يمكن تسميتها ولا التحدث عنها، ويتكيف مفهوم الإنسان عنها وفقًا لمحدودية قدراته، ويقولون إن كل الأشياء من الأب من خلال الابن وفي الروح القدس؛ (All things are "from the Father", "through the Son" and "in the Holy Spirit".
وبالطبع، فكل هذا الكلام لم يأت به نص في أي كتاب منزل، وإنما هو من عمل المجامع المسكونية، وفي كل الأحوال لا يرد اسم "الله" أبدا عندهم في النص اليوناني الأصلي، وإنما يتحدثون دائماً عن الرب والأب والابن! فهم يعبدون إلها يسمونه الثالوث أو حقيقته هي الثالوث، ولا يجوز أن يُترجم كل هذا التعقيد باسم لفظ الجلالة، فلفظ الجلالة له مضمونه ومفهومه القرءاني الذي لا يجوز المساس به.
أما اليوم الآخر بالمفهوم الصحيح الصريح وما يتضمنه من بعث جسدي فلا وجود له عندهم، وإنما هي قيامة المسيح ليدين الناس ويرسل من لا يؤمن بأنه المخلص إلى عالم البكاء وصرير الأسنان! 
ولقد نصّ القرءان –وهو الرسالة الخاتمة المهيمنة- على أنهم قد غيَّروا وبدلوا وحرفوا، والدليل على ذلك ما لديهم من تصورات عن الله تعالى تتعارض مع ما ذكره القرءان، ولو كان ثمة واحد من الذين هادوا أو َالنَّصَارَى يحتفظ بنسخ أصلية من التوراة أو الإنجيل لوجد النبي الأمي مذكورا فيها ولآمن به.
ومع ذلك يجب الإقرار بأن حال الطوائف المذكورة أفضل من حال الذين كفروا تماما بالرسالات الإلهية أو أنكروا وجود الإله مطلقا.
ومع كل ذلك قد ينجوا الذين لم تبلغهم الرسالة القرءانية البلاغ الكافي من بعد البعثة النبوية، فهم مؤاخذون بما لديهم من الرسالات، فلا تكليف إلا بعد البلاغ المبين، وبذلك يتحمل عنهم العذاب في الدنيا والآخرة من قصروا في مهمة التبليغ من المحسوبين على الإسلام.
ولا يوجد أدنى تعارض أو اختلاف بين هذه الآية وبين الآيات التي تتوعد أهل الكتاب بالعذاب الأليم، فبعد ختم النبوة ونزول الرسالة الكاملة التامة المهيمنة أصبح كل من بلغته الرسالة البلاغ المبين ملزماً بالإيمان وفق المفهوم القرءاني، فالإيمان بالله تعالى مثلا يعني الإيمان بالإله الذي له الأسماء الحسنى والشئون والسنن الموجودة في القرءان، والإيمان باليوم الآخر أصبح بعد الرسالة الخاتمة الإيمان به وفق ما أورده القرءان وليس وفق ما لدى أهل الكتاب. 
والمراد من اصطلاح "الَّذِينَ آمَنُواْ" الآن هم من يعرفون بالمسلمين الآن، وكان هذا الاصطلاح خاصاً بمن آمن بالرسالة الخاتمة في العصر النبوي، ولذلك طولبوا أيضاً بالإيمان، وهم مطالبون قبل غيرهم بالوفاء والعمل بمقتضى الأركان المذكورة، ولا يجوز أبداً أن يظنوا أنهم قد ضمنوا الجنة لمجرد أنهم ولدوا لآباء مسلمين.
ويجب العلم بأنه من بعد الرسالة الخاتمة فإن المصطلحات المذكورة في الآية يجب الإيمان بها وفق المفهوم والمعاني والدلالات القرءانية، وثمة حدّ أدنى لا يجوز ولا يُقبل النزول عنه، وقد لا يستطيع حتى المحسوب على الإسلام الوفاء بمقتضيات ولوازم الحد الأدنى؛ ولقد بيَّن القرءان بأجلى بيان ما هي المفاهيم والمعاني غير المتسقة مع المفهوم القرءاني.
وأحكام الآية سارية، وستظل سارية، ومن وفي بالشروط المذكورة فله ما بشرت به، والشروط هي:
1.      الإيمان بالله.
2.      الإيمان باليوم الآخر.
3.      العمل الصالح.
ومن بعد نزول الرسالة الخاتمة فلا يمكن الوفاء بهذه الشروط إلا بالإيمان بدين الحق والعمل به! فالمسيحيون مثلا لا يؤمنون بالإله الذي يتحدث عنه القرءان، ولكن يؤمنون بالثالوث الذي صنعته لهم المجامع، ولا يؤمنون أيضا باليوم الآخر بالمعنى الصحيح، فهم لا يؤمنون بالبعث الجسدي! واليهود لا يكادون يعرفون شيئا عن اليوم الآخر، وأسفارهم لم تذكر شيئا عنه إلا متأخرا، ويختلط مفهومه عندهم بظهور المسيح المنتظر وقيام مملكة إسرائيل والألفية السعيدة!
-------
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} البقرة62، {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}المائدة69.
إن المعاني التي تتضمنها الآية الأولي ثابتة ثبوتاً مطلقاً لأنه لا نسخ في القرءان، ولقد تكرر ذكر نفس المعاني في آية المائدة وهي من أواخر السور نزولا، والآية تعني أنه لا يكفي أن ينتمي المرء إلى إحدى تلك الطوائف لينجو بل لابد أيضاً من الإيمان بالله واليوم الآخر ولابد من العمل الصالح، والطوائف المذكورة هم من كانوا على الأديان الأصلية وليس المحرفة، وهؤلاء هم من آمن بالرسل وآزروهم ومن تمسك بما أنزل عليهم وما أتوا به ولم يبدل تبديلا، ولا يوجد الآن أحد من الذين هادوا والنصارى والصابئين ممن بقوا على أصل الأديان الحقيقية المنزلة، ولقد نص القرءان على أن اليهود والنصارى قد حرفوا ما لديهم ونسوا حظاً مما ذكروا به، وكذلك نص على كفر من قالوا ما تقوله شتى مذاهب البولسيين الآن. 
أما الذين آمنوا فهم من اتبع الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لأي سبب من الأسباب ولمَّا يصبح مؤمناً بعد؛ أي لم يتحقق بالإيمان بعد، ومنهم من أسلم لأسباب قبلية أو لكونه ولد لأبوين مسلمين....، فأولئك لابد لهم أيضاً من الإيمان الحقيقي بالله واليوم الآخر ولابد لهم من العمل الصالح، واللقب مسلم لن يغني عنهم شيئا طالما لم يؤمنوا بالله واليوم الآخر بالمعاني القرءانية وطالما لم يصدِّق ذلك عملٌ صالح منهم؛ أي عمل بمقتضى هذا الإيمان، أما من أصبح مؤمناً حقاً فله البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فالآيات تؤكد أهمية الإيمان الحقيقي والعمل الصالح وتبين أن مجرد الانتماء إلى طائفة ما لا يكفي للنجاة، وهي لا تنص أبداً على نجاة اليهود والنصارى الموجودين حالياً، أما هؤلاء فالقول الفصل فيهم ورد في الآية: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ }البينة6، ومما لا شك فيه أن اليهود والنصارى الموجودين حالياً قد كفروا بخاتم النبيين وبالكتاب الذي أنزل عليه وبالدين الكامل رغم أنه مكتوب عندهم في الكتب المنزلة الحقيقية، هذا فضلاً عن كفرهم الذي ذكرته الآيات بالتفصيل، فهؤلاء مخلدون في نار جهنم، ومن قطع بغير ذلك فسيكون بلا شك معهم، ومما هو معلوم من التاريخ بالضرورة أن البشرية لم تبتل بكائنات أشد إجراماً وخسة وصلفاً ودموية من الصليبيين، وأن هؤلاء هم المسئولون عن إبادة أكبر عدد من الجنس البشري في العالمين القديم والجديد، أما الآن فلقد أصبح هؤلاء الصليبيون دمى يحركها الصهاينة اليهود كما يشاءون.
ومن اليهود الناجين الذين ينطبق عليهم منطوق وفحوى الآية مخيريق الذي رغم كونه يهودياً وبقائه على دينه أقر بأن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حق وقاتل معه في أحد.
ورغم ما عليه أهل الكتاب من كفر وشرك فإن كفرهم وشركهم أخف وطأة من كفر من أنكر الكتب الإلهية تماما أو من اتخذ أصناماً كأرباب من دون الله تعالى، لذلك لا يجوز الاعتداء على حقوقهم المقررة في كتاب الله تعالى، ومن المعلوم أن كتاب الله قد ذكر أن أكثر المؤمنين مشركون، ولكنهم يجب أن يعاملوا أيضاً كمسلمين لهم ما لهم من الحقوق وعليهم ما عليهم من الواجبات.
-------
إنه يجب العلم بأن الإيمان المؤدي إلى النجاة هو الإيمان بالله واليوم الآخر، وبالطبع فهذا الإيمان ليس بالألفاظ وإنما بمدلولاتها؛ أي بما لدى الإنسان من مفاهيم وتصورات عنها، فليس لأحد أن يقول مثلا: "إن اليوم الآخر هو بعث للـ(الروح) فقط وهي تتنعم تنعما روحانيا"، فهذا التصور لا يحقق الحد الأدنى المطلوب، وكذلك الأمر فيما يتعلق بما لديهم من مفهوم عن إله الكون، فلن يُقبل الإيمان إذا لم يعلو ما لديهم من تصور عن الحد الأدنى المقبول أو على الأقل يساويه.
ما لدى الإنسان من تصور عن الإله يجب أن يتجاوز حدا معينا ليقال إن هذا الإنسان آمن بالله:
Your concept about God must exceed some certain predetermined level to be acceptable. This level is determined by the verses of the Qur'ân.
ولكن يجب العلم بأن الفصل في مثل هذه الأمور مؤجل إلى يوم القيامة وليس لبشر أن يجعل من نفسه محكمة تفتيش في ضمائر الناس.
وتبيِّـن الآية سبل النجاة والأمن والحصول على الأجر منه سبحانه فلا بد من الإيمان بالله واليوم الآخر وما يقتضيه ذلك من عمل صالح يصدقه. 
والمقصود بالذين آمنوا هم من اتبع الرسول الأعظم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والمقصود بالإيمان بالله تعالى هو الإيمان بالإله كما سمى نفسه ووصف نفسه في خاتم كتبه لا الإيمان بإله اختلقته مخيلاتهم وإلا فإنهم كافرون ومشركون كما نصَّت على ذلك آيات أخرى مثل قوله تعالي: {وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ(64)}( المائدة)، {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ(6)} ( البينة )، {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ(72)لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(73)} ( المائدة). 
فلا يكفي الإنسان أن يزعم أنه يؤمن بالله ثم يصفه بما لم يصف به نفسه أو ينسب إليه ما لم ينسبه إلى نفسه أو يسميه بما لم يسمِّ به نفسه، كذلك لن يقبل منه أن يشرك معه غيره أو أن يشبهه بخلقه أو أن يجزئ كيانه، أما العمل الصالح فهو الذي اقتضاه إيمان سليم، فإنه لا يمكن أن يتساوى عمل من يزعم لله شريكا بعمل من آمن أنه إلـه واحد أحد، ذلك لأن المشركين عادة ما يتوجهون بالعبادة الحقيقية إلى شريكهم المزعوم، أما من نسب إلى الله صفة لم ينسبها إلى نفسه فإنما أساء الظن به فسيرديه سوء ظنه، وكذلك من ظنه ربا خاصا بقبيلته أو طائفته، فمثل هذا إنما أنكر كونه ربا للعالمين.

*****

هناك تعليق واحد: