الأربعاء، 1 أكتوبر 2025

حكم الله

 

حكم الله

الله تعالى لا يشرك في حكمه أحدا، وهو يحكم ولا معقب لحكمه، ومن حكمه:

1.   توصيف الفعل الإنساني، بمعنى أن يقرر أن فعلًا ما هو طاعة، والآخر معصية مثلا، أو أن أمرًا ما هو حلال، وأمرًا آخر هو حرام.

2.   الحكم على مدى ونوعية استجابة الإنسان للأمر الشرعي؛ أي الحكم على الفعل الصادر.

3.   الحكم على الإنسان الذي صدر عنه الفعل.

4.   الحكم العام على كل إنسان.

5.   الحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه من القضايا الكلية أو الجزئية.

فليس لإنسان أن يقيِّم أو يقوِّم حكم الله، ولا أن يحكم على حكم الله، وإنما يجب عليه أن يسلم لله تسليما.

وليس لأولي الأمر في هذا المجال إلا النظر في مدى دخول أمور مستجدة تحت حكم شرعيّ حقيقي.

ويجب الإيمان بأن الله تعالى هو العليّ الكبير والعزيز الحكيم، فهو غير مسبوق بأحد، وأحكامه غير مسبوقة بأحكام أحد، فحكمه هو الميزان والمعيار.

 

الحكم الديني بالمعنى العام هو الأمر الديني ذاته، وهو أيضًا توصيف هذا الأمر وإعطاؤه وزنه الديني، ومن ناحية أخرى هو الحكم على أمرٍ أو فعل إنساني أو على الإنسان نفسه، أي إثبات أمرٍ لأمر أو نفيه عنه عن طريق القرءان الكريم.

قال تعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيم} [الممتحنة:10]

فالآية توضح أن الأوامر الدينية المذكورة هي حكم الله.

والخطاب الموجود في مصادر الدين، وهي كتاب الله وما يتسق تماما معه من المصادر الثانوية، هو دليل الحكم، وإنما يُسمَّى حكما لتضمنه إياه.

قال تعالى:

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُون} [آل عمران:23]

مثال:

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيد} [المائدة:1]

الآية تتضمن حكما من أحكام الله وأمرًا دينيا هو الوفاء بالعقود، فهذا أمر ديني يجب الالتزام به، والدليل على وجوده هو هذه الآية القرءانية.

هذا الأمر الديني يمكن أن يندرج في إطار أمر كبير جامع يلزم الناس بالتعامل فيما بينهم وفق الأمور الدينية الحاكمة على هذا التعامل.

قال تعالى:

{وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلا} [الإسراء:32]

هذا أمر ديني يتضمن نهيًا عن الاقتراب من الزنى، وبالأولى نهيا عن اقترافه، والحكم على الزنى أنه فاحشة، واجتناب كبائر الإثم والفواحش هو ركن ديني كبير.

 

إن الحكم على شيء هو نسبة صفة إلى هذا الشيء، أي إلحاق صفة شرعية بهذا الشيء، والحكم هو أمرٌ نسبي بمعنى أنه يجب تحديد الأصل الذي يرتكز إليه الحكم، والذي يعني هنا هو الدين أو بالأحرى القرءان، ويمكن التعبير عن ذلك بالشرع أيضًا، فيقال الحكم القرءاني أو الديني أو الشرعي على فعلٍ ما أنه حلال أو أنه وسيلة إلى الله أو أنه أمرٌ كبير أو مقصد (غاية) لأمرٍ شرعي، أو طاعة أو معصية أو إثم أو لمم أو محرم أو مأمور باجتنابه .... الخ، أمثلة:

إقامة الصلاة أمر قرءاني كبير ومؤكد، ذكر الله هو ركن جوهري كبير، وهو مقصد لأمرٍ كبير هو إقامة الصلاة.

ولا مشكلة في التعبير عن معنى شرعي يستغرق بيانه عبارات أو كلمات عديدة بكلمة واحدة على سبيل الاصطلاح إذا لم يتضمن ذلك أي مساس بمصطلح قرءاني آخر ولم يترتب عليه إلزامات دينية جديدة غير متضمنة في دين الحق، مثال:

ركن = أمر قرءاني كبير أو مؤكد أو جامع لتضمنه أوامر عديدة مترابطة.

فلابد من برهان لإثبات أن أمرًا ما هو من الدين، والبرهان يجب أن يكون في القرءان الكريم، فقد يكون البرهان هو وجود نص قرءاني صريح، وقد يستلزم الأمر شيئا من الاستنباط.

وهم يستعملون كلمة "دليل" بدلا من برهان، ونحن نفضل بالطبع استعمال المصطلح القرءاني، وهو يؤدي ما هو مطلوب بطريقة أفضل من غيره، ولا يستلزم أي تغيير للمعنى اللغوي، قال تعالى:

{.... قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِين} [البقرة:111]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا} [النساء:174].

ويلاحظ أن آية النساء قد جعلت القرءان نفسه برهانا، هذا بالإضافة إلى أن من أسمائه النور، فهو الكاشف عن أمور الدين الحقيقية. 

والبرهان (الدليل) القرءاني هو بالطبع عبارة أو أكثر من القرءان الكريم؛ أي نص قرءاني A Qur’anic text، وذلك بالمعنى اللغوي للنصّ.

فالقرءان هو المصدر الأوحد لكل أمور الدين الكبرى، والمصدر الأعلى لكل الأمور الثانوية، هذا القول هو مسلمة كبرى A major postulate من مسلمات دين الحق، والمصدر الديني الآخر هو الآثار العملية والقولية المنسوبة إلى الرسول إذا كانت مصدقة لكتاب الله ولعناصر الدين الماثلة فيه أو المستخلصة منه.

 

ومن مصادر العلوم الدينية الأخرى السنن الكونية العامة، والسنن الكونية الخاصة بالإنسان.

وترتيبهم للمصادر أو الأصول الدينية غير صحيح أصلا، وهم يقحمون فيها ما ليس منها، ويرفعون من شأن ما يفضلونه من المصادر الثانوية، ويجعلون لها الحكم والهيمنة على القرءان الكريم، كما أنها يعتبرونها عمليا وواقعيا مصادر مستقلة للدين، ولا قيمة لمزاعمهم المخالفة لذلك، فلقد أصبح من مكوناتهم الأساسية النفاق والكذب واللامنطق، وهم يقرون بأنهم يأخذون من المصادر الثانوية جلّ الدين.

إن كل مصادر الدين الأخرى إنما تستمد مصداقيتها من القرءان الكريم، وبالتالي فيجب أن تحقق شرط الاتساق التام The condition of perfect consistency معه.

وهذه المكانة للقرءان هي ثابتة بالقرءان نفسه، وهي ما يجب أن يسلم بها كل من آمن بالقرءان، فالقرءان هو البرهان والنور والكتاب المبين والمبيِّن، ولا يجوز لأحد أن يزعم أنه يعتبر القرءان الأصل الأول أو المصدر الأول ثم يقدم عليه غيره بكل وقاحة وتبجح مثلما يفعل من يقولون إن (السنة) -ويقصدون بها المرويات- قاضية على القرءان وحاكمة عليه وناسخة لآياته عند التعارض وأنها هي جلّ الدين، دون أن يدركوا ما في كلامهم وسلوكهم من خلل!!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق