الخميس، 7 يناير 2016

الشورى 21

الشورى 21

أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {21} الشورى    
إن التشريع في الدين هو لله تعالى وحده، وقد نسبه إلى نفسه بجماع أسمائه، وأعلن أنه وصَّى به المرسلين من الرسول نوح عليه السلام إلى خاتم الرسل الأنبياء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، قال تعالى:
{شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيب} [الشورى:13].
ووجود أي مذهب من المذاهب التي حلَّت محل الإسلام إنما كان بسبب اتخاذ الناس شركاء من دون الله زعموا لهم سماته ونسبوا إليهم أعماله وتحدثوا باسمه من دون إذنه، وهم بذلك يعرِّضون أنفسهم للفتنة والاستدراج، وسدنة كل مذهب يتبعون أقوال أئمتهم مهما ثبت بطلانها وهم يتواصون بالثبات عليها، وسيكون قولهم لكل داعٍ إلى دين الحق مثلما كان قول الذين من قبلهم: "إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا".
ومن يشرِّع أمرا ويعتبره من الدين ويفرضه على الناس فرضا من حيث ذلك فقد جعل من نفسه شريكا لله تعالى، ذلك لأن التشريع هو شأن إلهي يترتب عليه كيانات في عالم الأمر فلا سلطان لإنسان عليه، أما من ارتضى لإنسان أن يشرِّع في الدين من دون الله فقد اتخذه شريكا مع الله، فلا تشريع في الدين إلا لله تعالى، ولا حكم في الدين إلا لله تعالى، والرسل والأنبياء أنفسهم مأمورون باتباع ما شرعه الله تعالى من الدين وببيان ذلك للناس بعملهم وسلوكهم.
ومن المعلوم أنه طبقا لآيات عديدة فإن الرسل منوط بهم مهمة ضبط بعض التشريعات الجزئية المتعلقة بالعبادات العملية، وذلك عن أمر الله تعالى أي بمقتضي قوانينه وسننه وبتكليف منه، ومن ذلك مثلا أن الرسول اختار لأمته أن يكون الحج مرة واحدة لا أكثر، ولقد خُتم هذا الأمر بختم النبوة وإتمام استخلاف الإنسان في الأرض، ولكن هذا لا يعني أن يتخذ الناسُ الرسلَ أو الأنبياء أربابا من دون الله تعالي، ولم يكن من حق أحد ولن يكون أن يجعل من نفسه ربًّا للناس، قال تعالى:
{مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80)} آل عمران
وبين قوله تعالى {وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} أن البتّ في كثير من الأمور مؤجل إلى يوم القيامة، ذلك لأن الدنيا هي دار ابتلاء وهى أضيق نطاقا من أن تكون دار الجزاء الأوفى، فإعطاء الإنسان الإرادة الحرة والاختيار وكون الابتلاء أمراً لازما له ليتحقق بكماله المنشود وحتمية أن تظل بعض الأمور غيبا عنه ليتم الابتلاء كل ذلك اقتضى تأجيل البت والحكم في كثير من الأمور إلى يوم الدين، وفى ذلك قال سبحانه: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ }الرحمن31، ولذلك أيضا سُمِّي يوم القيامة بيوم الفصل، قال تعالى: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ }الدخان40، {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ}المرسلات38، {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً }النبأ17. 

ولقد اقتضت رحمة الله تعالى وكذلك رأفته بالناس أن يحذرهم من الظلم ذلك لأن الشرك هو الظلم العظيم ولا بد لكل ظالم من العذاب الأليم.

هناك تعليقان (2):

  1. جزاك الله كل خير يا دكتور
    نريد أن نفهم الفرق بين الجن والجان

    ردحذف