الأحد، 10 يناير 2016

حفـظ القرءان

حفـظ القرءان

قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون} [الحجر:9]
إن الله تعالى كما ذكر في هذه الآية قد تكفل بحفظ الذكر أي بحفظ القرءان حفظا تاما، ولقد ذكر ذلك في هذه الآية المحكمة التي يتحدث عن نفسه فيها بصيغة الجمع مما يعنى أن هذا الحفظ سيتم بواسطة كل أسمائه وقواه وإمكاناته وبكل آلاته التي تشمل كل ما خلق من كائنات وكيانات، لذلك فإن وجود بعض المرويات التي تلقى بظلال من الشك على ما نصت عليه الآية فتقول مثلا إن ثمة سورا لم تكتب أو أن أجزاءا من سوره قد فقدت ولم تُدون أو أن ثمة أخطاءا لغوية أو نحوية في القرءان أو أن فيه لحنا ستقيمه العرب بألسنتها هي مرفوضة تماما مهما بلغت درجة صحتها لدى المحدثين ومهما كانت مكانة من نسبوا إليه هذه المرويات وحتى لو صحت طبقا لمعاييرهم نسبتها إليه، ذلك لأن الله سبحانه لم يضمن العصمة لأحد من الناس إلا للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ في إبلاغه ما أنزل إليه من ربه وهو سبحانه الأصدق حديثا، ويجب دائما تذكر أن المطلوب من المسلم هو الإيمان بالقرءان وبكل ما جاء فيه.
و"الذكر" بالمعنى الاصطلاحي هو القرءان بكافة صوره وليس الصيغة الصوتية فقط كما يتصور البعض، وتسمية القرءان أو الكتاب العزيز بالذكر؛ أي استعمال اسم المعنى "ذِكْر" علما على ما أُنزل على الرسول هو للتشديد على أهمية هذه السمة وعلى أهمية المقصد، فالقرءان يذكِّر الناس بربهم وأسمائه وسماته وسننه وشؤونه، فالمداومة على تلاوته وقراءته هي من لوازم القيام بركن الدين الجوهري "ذكر الله"، أي الإحساس القلبي الصادق بالحضور الإلهي، وذلك يؤدي إلى تحقق الإنسان بالتقوى التي هي مناط التفاضل والأكرمية عند الله بين الناس، فالتقوى هي جماع المشاعر والأعمال المترتبة على التحقق بذكر الله تعالى بالمعنى المذكور.  
ولقد أتت إنجازات العصر الحديث مصدقة للإنباء الإلهي وأثبتت وجود توازنات وتوافقات عددية لا سبيل إلى المماراة أو التشكيك فيها، وكذلك ثبت صدق ما تضمنه الكتاب من معلومات.
ولم يجد أعداء القرءان من سدنة المذاهب المحسوبة التي حلت محل الإسلام حيال هذا التأكيد الإلهي إلا القول بأنه ليس مقصودا بالذكر في الآية القرءان، أو قالوا إن المقصود بالذكر هو القرءان وما يسمونه بالسنة (المرويات الظنية)، والرد عليهم يأتي من نفس السورة في آية سابقة، قال تعالى:
{وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُون} [الحجر:6]
وهذا القول يقصه الله تعالى عما قاله كفار قريش في مكة، وهم لم يكن لهم أية دراية بما سيحدثه سدنة المذاهب من بعد، فهم المقصودون بالآيات:
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)} فُصِّلَتْ
فكلمة "الذكر" هي في كل هذه الآيات مستعملة بمعناها الاصطلاحي المنصوص عليه في هاتين الآيتين من سورة "فُصِّلَتْ".
ويلاحظ أن الله تعالى قد سخَّر كل الناس بما فيهم غير المسلمين للحفاظ على القرءان الكريم، فالناس منذ صغرهم يتبارون في حفظه وتجويد تلاوته، وكل علوم العربية تتمحور حوله، وهذه الأعمال تمضي قدما بغض النظر عن التدهور العام والتخلف الذي ضرب ويضرب المحسوبين على الإسلام.
وعندما اخترعت المطبعة كان الغربيون قبل الشرقيين حريصين على طباعته والتفنن في ذلك، وكانوا سباقين في عمل معاجم مفهرسة لألفاظه.

*****

هناك تعليق واحد: