الجمعة، 29 يناير 2016

التحريم

التحريم

التحريم هو جعل موضوع التحريم منطقة ممنوعٌ على الناس منعًا باتًّا انتهاكُها، فالمنطقة المحرمة هي الشيء المقدس ماديا أو معنويا، وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ يُذِقْهُ ربه مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، قال تعالى:
{قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ{151}} الأنعام
فالأمور المحرمة عليهم هي الأوامر المقدسة والممنوع انتهاكها:
1.                 لا تُشْرِكُواْ بِاللهِ شَيْئا.
2.                 بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانا
3.                 لاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ.
4.                 لاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.
5.                 لَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ
6.                 لَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ
7.                 أَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ
8.                 إِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى
9.                 بِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا
10.            اتباع الصراط المستقيم وليس اتباع السبل الأخرى.
وقال تعالى:
{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُون} [الأعراف:33]
فالأمور المحرمة هنا هي الأمور الممنوع ملابستها أو اقترافها هي وما يكون مصداقا لها:
1-  الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ
2-  الإِثْمَ
3-  الْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ
4-  أَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا
5-  أَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُون
فالنص على أن الشيء محرم يعني بالضرورة أن يكون منهيا عنه هو وكل ما يمكن أن يكون مصداقا له أي عنصرا من عناصر مجاله، فالنص مثلا على أن في الخمر والميسر إثما كبيرا يعني بالضرورة أنهما محرمان.
ومن المحرمات الكيانات كالنفس مثلا، فهي في ذاتها كيان مقدس أي محرم بالنسبة لمن حُرِّمت عليه، ولا يجوز لأحد شيء منها إلا بشرع الله تعالى، ومن المحرمات بعض البلدان مثل مكة، وتحريمها يقتضي أنه: وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} الحج25
والأصل في حقوق الإنسان الحرمة على الناس، فماله ودمه وعرضه حرام على غيره من الناس، وهذا المبدأ تصدقه الأوامر والتشريعات القرءانية، فلا يجوز أن يأخذ أحدٌ من ماله إلا بالحق، ومن يأخذ من ماله بغير حق يكون سارقا أو مفسدا، ولا قيمة هاهنا لتفريعات وأقوال وتبريرات (الفقهاء)، وما ينطبق على الإنسان ينطبق على أي كيان إنساني كبير، ومن يأخذ من أموال جماعة بغير حق هو شرٌّ مكانا ممن يأخذ مال فردٍ واحد، فنهب المتسلط للمال العام لا يمكن أن يكون حلالا بحجة أن له شبهة ملكٍ فيه، والسارق علنا شرٌّ مكانا من السارق خلسة أو في الخفاء.
ولذلك أيضا كان الأصل في الفروج الحرمة، فلا تُستحل إلا بنص وبموجب ميثاق غليظ مبني على أصل شرعي راسخ، كذلك من الأمور المحرمة تحريما باتا سفك الدماء، فمَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا، فقتل الإنسان هو جريمة ضد السنن الإلهية الكونية والسنن الشرعية، ومن قتل كافرا فقد حرمه من فرصته ليؤمن، ومن قتل مؤمنا فقد حرمه من فرصته ليكتسب المزيد من الكمال، فالقتل جريمة بشعة توجب الخلود في النار.
والإفساد في الأرض المنهي عنه نهيا باتا يتضمن انتهاك كل ما هو محرَّم على الناس، فالإفساد في الأرض يتضمن بالضرورة انتهاك حقوق الناس وسفك دمائهم ونهب أموالهم والاعتداء على أعراضهم، ولكن لما كان سفك الدماء أبشع الأمور فإنه لا يُكتفى بالنهي عنه ضمنا بالنهي عن الإفساد في الأرض بل إنه ينصّ عليه معه صراحة، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُون} [البقرة:30]
وليس لأحد سلطة التحريم إلا الله تعالى، والتحريم المنسوب إلى غيره هو بالأصالة له، وإنما لمن هو من دونه سلطة التبيين في الإطار الشرعي المعلوم، قال تعالى:
{قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُون} [التوبة:29].
وقال:
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيم} [التحريم:1]
ولا اختلاف في القرءان ولا تعارض، فالمقصود بالتعبير "اللّهُ وَرَسُولُهُ" هو الرسالة ذاتها؛ أي القرءان، وكان الرسول بالنسبة لقومه هو القرءان الحي، وهو الذِكْر، من حيث أنه كان يحيا فيهم، يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ، ومن هنا كان نائبا عن الله تعالى في الفعل بحيث يمكن أن يُنسب إليه فعله، وهذا الأمر شائعٌ في القرءان، وفي اللسان العربي، قال تعالى:
{أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُون} [البقرة:75] {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُون} [التوبة:6]
فهؤلاء لم يسمعوا الله تعالى وهو يتكلم، وإنما سمعوا كلامه الذي يتلوه واحد من البشر، أما الرسول فلا يحرم من تلقاء نفسه، ولو كان التحريم لا يمس إلا نفسه، فهو لا يحرم شيئا على الناس إلا بأمر ربه، والأمر هو كما قال الله تعالى:
{....إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (16)} يونس، {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9)} الأحقاف.
*****
إن القول بأنه "لا تحريم إلا بنص" صحيح، ولكن يجب أن يُفقه فقها قرءانيا، وليس طبقا للطريقة السلفية الدارجة، فقد يكون الشيء المحرَّم مثلا معبرا عنه بمصطلح شرعي أو لفظ شرعي ذي مجال قابل للاتساع بمضي الزمن وتطور العصر مثل الظلم والفواحش والخمر مثلا، ولا يجوز القول بأنه لا اجتهاد مع النص، بل إن الاجتهاد يجب أن يكون بالاستناد إلى نص قرءاني، هذا النص يجب اعتباره بمثابة بينة أو بديهية أو مسلمةEvidence, axiom or postulate  بالنسبة إلى أي نظرية دينية. 
 

*******

هناك تعليقان (2):