الخميس، 14 يناير 2016

أهل النار

أهل النار

أهل النار الذين هم أهلها هم المؤهلون بحكم نتائج أعمالهم الاختيارية للعيش فيها، فهم لا يستطيعون العيش في غيرها أبدا، ولا يبغون عنها حولا؛ فهم يستمتعون بالعذاب والألم مثلما يستعذبه المازوشيون من البشر، كما يجب العلم بأن الفترة المتاحة للإنسان في الدنيا هي أشبه بفترة التأهيل لوظيفةٍ ما تتحدد بالصورة النهائية للنفس الإنسانية، فلكل عمل إنساني اختياري في هذه الدنيا تأثيره الشديد على هذه الصورة، ذلك في حين أن العذاب والألم والندم هو الوسائل البديلة في الآخرة عن العمل الإنساني الاختياري الذي انقضى عالمه، وهي تستلزم أحقابا زمنية لتحقق نفس التأثير الذي كان يحققه العمل الاختياري اليسير في الدنيا.
أما المجرمون الظالمون كارهو الحق والحقائق فلهم العذاب الأليم الذي يجعلهم يتمنون الموت ولا يدركونه:
{إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74) لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76) وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78)} الزخرف
ومن المعلوم أن لسمات الرحمة والرأفة واللطف والفضل السبق والتقدم على سمات الغضب والعقاب والانتقام، ولذلك لابد من انقضاء كل عقاب أو انتقام مترتب على فعل بشري، فمهما كانت فداحة الجرم أو الإثم الصادر عن الإنسان فهو محدود من كافة الحيثيات ومقيد، فلا يمكن أن يكون عقابه غير محدود أو مطلق، والخلود هو الخلود مادامت السماوات والأرض؛ أي سماوات وأرض العالم الذي يكون فيه الإنسان، فالسماوات والأرض هما الإطار اللازم لحياة الإنسان في عالمه، ووجودهم مرتبط بوجوده في طور معين.
لذلك فمن سيدخل النار هم أنواع عديدة، فمنهم من سيخرج بعد انقضاء مدة العقوبة، وهو بالضرورة يود الخروج أو يحاول الخروج منها قبل انقضاء مدته ولكن بالطبع دون جدوى، ومنهم من هو مستمتع ببقائه فيها، فهم أهلها، ولكن كلهم مصيره مرتبط بمصير النار أو جهنم ككون من الأكوان.
أما الفضل الإلهي فهو لا يتناهى أبدا، لذلك كان العطاء الإلهي المقابل لكل عمل خيِّر إنساني عطاءًا غير مجذوذ.
وفي قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} هود107، فإن الاستثناء لا يعني فقط التحفظ وإنما يعني النص على أن كل شيء يجري وفق قوانين الله تعالى وسننه.

أما أصحاب السعير فهم أولئك الذين لم ينتفعوا بملكاتهم القلبية الذهنية والوجدانية كما لم ينتفعوا بحواسهم، وبالتالي فإن قلوبهم لا تفقه وأعينهم لا تبصر وآذانهم لا تسمع وإن أبصروا الهيئات وإن سمعوا الأصوات، ذلك لأنه ليس لديهم نور الإيمان بربهم الذي له الأسماء الحسنى؛ فهم يريدون أن يستخدموا حواسهم بمعزل عن ذلك النور، ومسلكهم هذا يؤدي إلي إحباط كل آمالهم في الارتقاء ويجعلهم لا يحصدون في النهاية إلا هباءً منثورا ويهوي بهم إلي الدرك الأسفل من جهنم، فهم الذين كذبوا بآيات الله تعالى وأنكروا الوحي الإلهي ورفضوا أن يعملوا بمقتضى أنهم في اختبار حقيقي في حياتهم الدنيا، والذين رفضوا أن ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وأن يتفكروا في هذا الخلق، إنهم يعيشون أصلاً في جحيم هذه الدنيا على المستوى الجوهري وإن خُدعوا بظواهر الأمور.


*******

هناك 3 تعليقات: