الخميس، 7 يناير 2016

المعلم والأسد

المعلم والأسد

كان أحد المعلمين الفائقين يلقي الدرس على طلبته عندما توقف فجأة وقال:
هل تثقون بي وتصدقون كل ما أقول؟ صاحوا جميعاً: نعم، نعم، قال: ولماذا؟
قالوا: أنت معلمنا المشهود له بالكفاءة والصدق، إن كلامك هو عنوان الحقيقة بالنسبة لنا، قال لهم: لقد فرَّ الآن أحد الأسود من الحديقة الدولية القريبة من هنا، وسيكون في مدرستنا بعد عشرين دقيقة من الآن!
ما إن قال هذا حتى علا اللغط:
-                    وكيف عرفت ذلك؟
-                    إنك لم تغادر هذه القاعة منذ ساعة، ولم تتلق أي اتصال تليفوني!
-                    لابد أن الإجهاد الشديد قد أثر على المعلم!
-                    هذا ما يبدو جيدا على ملامح وجهه!
-                    كلا، كلا، هو لا يقصد ما يقول بكل تأكيد!
-                    هو يريد فقط أن يشد اهتمامنا لأنه لاحظ أننا لسنا منتبهين لما يلقيه علينا!
-                    لنعتبر ما قاله كبوة جواد!
-                    أو إنه يريد أن يلقي بحجر في الماء الراكد
-                    وبافتراض أنك عرفت بطريقةٍ ما أنه هرب الآن، ما الذي يجعلك تجزم بأنه سيأتي إلى هنا؟
-                    وكيف حسبت زمن وصوله؟
-                    لا، لا، يبدو أننا بالغنا في تقدير كفاءتك فضربك الغرور في مقتل!

أعرض المعلم عن سوء أدبهم وقال: لم يتبق وقت كثير، ومن الأفضل أن نفكر فيما يجب عمله، من يصدقني ويبدأ في التفكير معي؟
لم يستجب له إلا واحد منهم فقط، كان هو أزكاهم نفسا وأطيبهم قلبا والمقدم عليهم لتفوقه، قال: أنا أصدقك في كل ما تقول، نظروا إليه شذرا، انقلب الأمر إلى هجوم شخصي يستهدف هذا المصدق، نسبوا إليه كل نقيصة ونفوا عنه كل فضيلة.
أخذوا يتصايحون:
-                    الآن أدركنا سر تقديمه إياك علينا!
-                    بالفعل، لم يكن تفوقك علينا منطقيا أبدا.
-                    نعم، نعم، كيف كان يتفوق علينا هذا المغفل الساذج؟!

أعرض عنهم المعلم ثانية، التفت إلى الطالب النجيب، وقال له: اخرج بسرعة، ستجد حمَّارا يقترب من باب المدرسة، اشتر منه حماره، خذ هذا المبلغ من المال وأعطه إياه، اجعل الحمار عند باب المدرسة، هذا الحمار سيتصرف أفضل من كل الموجودين هنا!

أثناء انشغالهم بأمر هذا المصدق كان زئير الأسد قد بدأ يُسمع من بعيد، أخذوا يتصايحون:
-                    ما هذا؟
-                    يبدو أن هذا المعلم قد أثَّر علينا!
-                    إنه يملك بلا شك قدرة غريبة على الإيحاء!

ولكن أخذ زئير الأسد يعلو أكثر فأكثر.
صاح بعضهم: يبدو أن المعلم كان صادقا، بينما استمر الأكثرية على عنادهم، قالوا: بل هو يملك قدرة شديدة على الإيحاء!
علا الزئير بشدة، أخذ صراخ الطلبة يتصاعد من المدرسة كلها، هرع الطلبة إلى النافذة، رأوا الأسد بأعينهم، صاحوا الآن آمنا بأنك كنت محقا أيها المعلم، ماذا نفعل؟!
قال لهم: لا معنى لإيمانكم ولا جدوى منه، لقد فشلتم فشلا ذريعاً عند الاختبار على كافة المستويات كما ظهر انحطاطكم الخلقي بهجومكم غير المبرر على زميلكم الذي نجح في الاختبار ووثق بي، هذا الحمار بالخارج سيتصرف أفضل منكم جميعا! والآن اثبتوا في أماكنكم!
قال أحدهم:
-        يبدو أنه يريد أن يقدمنا وجبة دسمة للأسد.
-        لقد أخطأنا عندما أبدينا اعتذارا له.
لم يستجب له إلا بعضهم، ألقى أحدهم بنفسه من النافذة فكسرت ساقه وصرخ، هرع آخرون على السلم، منهم من صعد ومنهم من نزل.... عمَّت الفوضى المبنى، تساقط بعضهم، وداسهم الآخرون بأقدامهم، أصيب العديدون بكسور.
كان الأسد يقترب من المدرسة، لمح ذيل الحمار الواقف بداخلها عند الباب، أحس به الحمار، أطلق ساقيه للريح داخل فناء المدرسة، جرى الأسد وراءه، أخذ الحمار يجري بقوة في فناء المدرسة ويناور حتى يتجنب هجوم الأسد، كان المعلم قد أخطر المسئولين بوجود الأسد في المدرسة، أصبح مصير كثير من الطلبة معلقا بمدى قدرة الحمار ومهارته، تمكن الأسد بعد لأي من الحمار، انقض عليه وأنشب مخالبه فيه، أثناء انشغاله بأكله أتى المسئولون وتمكنوا من السيطرة عليه واقتادوه إلى الخارج.
أما الطلبة فعندما عادوا إلى القاعة من بعد أدركوا أن الأمور لا يمكن أن تعود لما كانت عليه، ثمة صدع هائل حدث ولا سبيل إلى إصلاحه كانت مشاعرهم مزيجا من الندم والخزي والحقد والغل والخيبة والخجل، ولكن تبين لهم رغم أنف أكثرهم مدى سموّ معلمهم ومَن هو أفضلهم!


*******

هناك تعليقان (2):