الأحد، 10 يناير 2016

الوحي

الوحي

الوحي هو صورة من صور الكلام أو التكليم لإلقاء المعلومات من كائن إلى آخر بطريقة غير ظاهرة تخفي عادة على الكثيرين وربما تخفي على المتلقي نفسه فلا يدري من ألقي إليه المعلومات ولا كيف جاءته، فالموحِي هو الملقي والموحَي إليه هو المتلقي، ويتضمن الوحي إمكانية برمجة المتلقي أو أعضاء التحكم فيه أو كيانه اللطيف لكي يتصرف بطريقة نمطية ثابتة.
والوحي هو من الأفعال الإلهية، وهو من مقتضيات أسماء عديدة مثل العزيز الحكيم والحكيم العليم، والاسم العلي الحكيم يشير إلى الصفة اللازمة لإتمام الوحي وتحقيقه إذ أن الموحِي هو العلي ولا بد من مراعاة حال الموحَى إليه، ولا يمكن أن يتحمل مخلوق وطأة الكلام الإلهي بدون وجود ما يخفف عنه.
قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} الشورى51
فالوحي هو فعل من تفاصيل فعل التكليم، ويكون بأن يستعمل الله سبحانه ما لدى الإنسان من ألفاظ ومفردات وتصورات ليوصل إليه ما يريد من المعاني والتعليمات والأوامر والمعلومات بحيث يعلم الموحي إليه بالضرورة أن ما وصل إليه هو من ربه، وكما يمكن له سبحانه أن يمثِّل في نفس الموحى إليه كلاما فإنه قادر على أن يحدث من التأثيرات النفسية والكونية ما يمكن أن يجعل هذا الكلام مسموعاً في بعض الأحيان.
ولفظ "الوحي" يُطلق أيضا على الأمر الموحَي به كالقرءان مثلا.
ومن الوحي الخفي برمجة الكائن أو فَطْره بحيث يفعل ما يريده الله تعالى له أو منه فيستعمله كآلة أو أداة لتحقيق ما يريد.
والإلهام هو أيضا صورة من صور الوحي أو التكليم يقوم فيها كائن غيبي غير منظور عادة بإلقاء ما يشاء في روع إنسان ما أي في إدراكه، وبالطبع فإن مدي حقانية الأمر المُلقى يعتمد على طبيعة كل من المُلقي والمتلقي، أما إذا أيقن الإنسان أن الإلهام آت من لدن ربه فعليه أن يلتزم به في نفسه، فإذا رأي نفسه ملزما بإبلاغه إلى غيره فعليه أن يقدم الحجج على صحته من الآيات الكتابية ومن مصادر المعرفة التي يعتد بها.
وليس من حق أحد أن يلزم الناس بما وصل إليه من أخبار أو أحكام عن طريق الكشف أو الإلهام وإن ثبت ذلك لديه بيقين، وإنما له أن يبحث عن الأدلة الشرعية في الأحكام أو أن يجتهد – إذا كان يحكم في قضية ما مثلا – ليستخرج ما أخفاه الشهود أو تواطئوا على كتمانه، فإن عجز فلا مناص من أن يحكم بما دلت عليه ظواهر الأمور.
*****
إن الوحي هو أن يتلقى الإنسان في قلبه من عالم الغيب معاني وعلوما وأقوالاً بطريقة خفية مبهمة، وليس بالطرق المألوفة، أما مادة الوحي فتكون عادة مجملة مبهمة محكمة فيحاول الإنسان بقدر وسعه تحويلها إلى صورة قابلة للإدراك يستطيع أن ينقلها للآخرين، أو قد يحولها هو بسلوكه إلى عمل مشهود ملموس، أما كائنات عالم الغيب فربها ومالكها والموحي إليها هو الله تعالى نفسه، وهذا العالم يتضمن الملائكة والجنود والشهداء، أما العالم البرزخي فيتضمن صورا لكل شيء، كما يتضمن الجن والشياطين وغيرهم، وكل كائن من الكائنات الغيبية يصدر عنه من الكلمات ما يتوافق معه ويعبر عن سماته، وكائنات عالم الشهادة تتلقى هذه الكلمات بقدر وسعها وطاقتها، وهي لا تستقبل إلا ما يتوافق مع طبيعتها الجوهرية.
والوحي الاصطلاحي هو الفعل الإلهي الذي يترتب عليه أن يتلقى الرسول النبي أو النبي كلاما إلهيا يُسمَّى أيضاً بالوحي، ففي اللسان العربي يُطلق اسم المعنى أو المصدر على الفعل وعلى مجاله أو ما نتج عنه أو مفعوله، وقد يتضمن هذا الوحي أوامر وتعليمات يكون عليه أن يبلغها لقومه أو أمته. 
والقرءان هو من الوحي الذي تلقاه الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، ولقد تلقاه مفصَّلاً عربيا مبينا؛ بمعنى أنه كان يتلقاه في قلبه بنفس كلماته وألفاظه وحروفه فيكون دوره هو بيانه للناس بتلاوته عليهم ولا يكون من حقه تغيير أي شيء فيه، فهو لم يتلقه مجملاً ثم اجتهد ليتخير أفضل الألفاظ للتعبير عنه، والذي أوحى إليه القرءان هو الله تعالى نفسه، وهو سبحانه يكلم عباده وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ، وذلك من مقتضيات أنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ، لذلك فلقد أوحى إلى رسوله القرءان من حيث أسماؤه ومن حيث ملائكته الموكلون بذلك، ولقد أوحي القرءان إلى الرسول بلفظه ونظمه ورسمه، ولقد ألزم كتبة الوحي بكتابته تماما كما أوحي إليه، وكان هذا من لوازم وكذلك مظاهر نجاحه في الوفاء بما نيط به من مهام.
ومن الآيات التي ورد فيها الفعل الإلهي "الوحي":
{إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا}[النساء:163]، {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُون}[المائدة:111]، {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُون}[الأنعام:19]، {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِين}[الأنعام:106]، {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيم} [الأنعام:145]، {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُون} [الأعراف:117]، {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ مُّبِين}[يونس:2]، {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِين}[يونس:87]، {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُون}[هود:36]، {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِين}[يوسف:3]، {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَـنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَاب}[الرعد:30]، {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُون}[النحل:68]، {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين}[النحل:123]، {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا}[الإسراء:39]، {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلا}[الإسراء:73]، {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا}[الكهف:27]، {إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى}[طه:48]، {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لاَّ تَخَافُ دَرَكًا وَلاَ تَخْشَى}[طه:77]، {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِين}[الأنبياء:73]، {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُون}[المؤمنون:27]، {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيم}[الشعراء:63]، {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون}[العنكبوت:45]، {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِير}[فاطر:31]، {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين}[الزمر:65]، {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيم}[فصلت:12]، {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لاَ رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِير}[الشورى:7]، {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيب}[الشورى:13]، {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم}[الشورى:52]، {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم}[الزخرف:43] {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى}[النجم:10]، {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا}[الجن:1]،{بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا}[الزلزلة:5]
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُون} [الأنعام:112]، {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُون} [الأنعام:121]

وآيات القرءان تتحدث عن الأنواع الآتية من الوحي:
1.     ما يتلقاه الأنبياء والرسل من الأوامر والعلوم الإلهية والأنباء الغيبية.
2.     ما يتلقاه بعض العباد الصالحين من إلهامات يعلمون يقينا أنها من الله تعالى.
3.     ما هو مودع في فطرة المخلوقات غير المخيرة من برامج تجعلهم يتصرفون وفق أنماط ثابتة.
4.     الوحي الشيطاني، وهو الوسوسة وإلقاء الضلالات في أفئدة الناس، وهي تثمر في قلوب الذين أعرضوا عن الحق وطلبوا الباطل.
والوحي الشيطاني أو إلقاءات الشيطان هي الآفة أو (الفيروس) الذي أدى إلى ظهور الأديان والمذاهب التي حلت محل الرسالات الحقيقية، ولم يفلت من ذلك إلا القرءان الكريم، فهو الذِّكْر الذي تعهد الله تعالى بحفظه باعتباره الرسالة الخاتمة ورحمة للعالمين.
=======
إن الوحي هو صورة ومظهر من مظاهر الكلام الإلهي، ومفردة "الوحي" في القرءان هي فعل إلهي من صور تكليمه للبشر، كما تطلق نفس المفردة على نتاج ومضمون هذا الوحي وهو القرءان ذاته.
------
إن الوحي هو صورة من صور التكليم يقوم فيها كائن غيبي غير منظور عادة بإلقاء ما يشاء في روع كائنٍ آخر كالإنسان مثلا أي في إدراكه، وبالطبع فإن مدي حقانية الأمر المُلقَي يعتمد على طبيعة كل من الملقي والمتلقي، أما إذا أيقن الإنسان أن الإلهام آت من لدن ربه فعليه أن يلتزم به في نفسه، فإذا لم يكن نبيا ورأي نفسه ملزما بإبلاغه إلى غيره فعليه أن يقدم الحجج على صحته من الآيات الكتابية ومن مصادر المعرفة التي يعتد بها.
وليس من حق أحد أن يلزم الناس بما وصل إليه من أخبار أو أحكام عن طريق الكشف أو الإلهام وإن ثبت ذلك لديه بيقين، وإنما له أن يبحث عن الأدلة الشرعية في الأحكام أو أن يجتهد – إذا كان يحكم في قضية ما مثلا – ليستخرج ما أخفاه الشهود أو تواطئوا على كتمانه، فإن عجز فلا مناص من أن يحكم بما دلَّت عليه ظواهر الأمور.
وإذا تبيَّن له عن طريق الإلهام مثلاً أن أحد الناس هو منافق في حين يعلن هو تمسكه بالإسلام وانتمائه إلى الأمة المسلمة فليس له أن يرميه بالكفر ولا أن يطالب بطرده من الأمة.
-------
إن كلمة الوحي هي مصدر، وكما هو مألوف في اللسان العربي فالمصدر يُطلق على الفعل أو السمة كما يُطلق على المفعول ومجال الفعل أو ما نتج عن الفعل أو على مقتضيات السمة؛ أي يُطلق اسم المعنى على مجال السمة أو مفعولات الفاعل، لذلك فالوحي المنسوب إلى الله تعالى هو فعل إلهي ينتج عنه تعيُّن معلومات وعبارات في قلب المتلقي أي في كيانه الجوهري، وكل صور الإلهام والتعليم والبرمجة الفطرية هي من الوحي، والوحي الإلهي هو صورة من صور التكليم الإلهي والكلام الإلهي.
-------
إن كلمة "وحي" كرمز تشير إلى صلة تؤدي إلى اكتساب أمور وصفات وإلى تأثير محسوس يترتب عليه إحياء أو استثارة جانب معنوي في كيان المتلقي أو تزويده بأمر معنوي أو كيان أمري.
-------
إن صور الوحي عديدة، ومن بينها ما يسميه الناس بالإلهام، ولكن الناس غير ملزمين إلا بالوحي الرسمي الاصطلاحي في صورته المنزَّلة، أي هم ملزمون بالإيمان بالكتاب المنزَّل على رسول قدَّم للناس ما يلزم من الحجج والبينات والبراهين، ولقد خُتِم هذا الباب بختم النبوة، وليس لأحد من بعد ذلك أن يطالب الناس باتِّباعه بزعم أنه يتلقى وحياً ما.
-------
قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} الشورى51
إن كون الله سبحانه يتكلم يعنى أنه بفعلٍ منه يوصِّل ما يشاء من أوامر ومعلومات وتعليمات ومعان إلى الكائنات التي خلقها، فنسبة الكلام أو التكليم إليه هي فعل ورد في جمل فعلية، وبالتالي فالاسم المتكلم ليس من الأسماء الحسنى، ولم يرد أبداً في القرءان، فكونه سبحانه يتكلم يعنى كونه يمارس من حيث منظومة أسمائه إحدى إمكاناته وقدراته كذات فاعلة.
أما لفظ "الكلام" المنسوب إلى الله تعالى فقد ورد في الآيات الآتية:
{أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُون}[البقرة:75]، {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُون}[التوبة:6]، {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلاَمَ اللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً}[الفتح:15]
فهذا اللفظ يعبر عمَّا هو في الكتب السماوية مثل القرءان والتوراة، أما تحريفهم فهو منصبّ على المعاني والمباني.
والله سبحانه إذ يكلِّم كائنا ما فإن كلامه يكون كما يليق بذاته كما أنه بمقتضى حكمته يراعى حال المتلقي، فكونه سبحانه يتكلم يعنى أنه يؤلف معاني ويدبر تدابير ويقتضى قوانين ويصدر أحكاما، وهو القادر على أن يكلم الملك مثلا بمعنى أن يصب في باطنه المعلومات كما يليق بذات الملك، ويكون هذا الملك قادرا بحكم تكوينه على أن ينقلها إلى باطن المتلقي البشري بعد تفصيلها التفصيل اللازم، وهو سبحانه القادر على أن يؤثر في جسيمات الهواء لتمثل أصواتا بلغة بشرية تشير إلى ما يريد إيصاله من المعاني إلى المكلم يتلقاها بجهازه السمعي، والحق سبحانه يستخدم لذلك ما خلقه كآلات لإنفاذ مراده، بيد أنه لا يستطيع كائنٌ ما تلقى المعاني كما هي قائمة بذات الله تعالى ولا قبل لأحد بذلك إذ لا سبيل إلى إدراك كنه ذاته.
فهو سبحانه يكلم عباده بمعني أنه يوصل إليهم ما يريد من المعاني وذلك باستخدام من يشاء من مخلوقاته من حيث هم آلاته وأدواته، وهو سبحانه لا يكلم عباده إلا من وراء الحجب التي تكون هي هذه الآلات والأدوات، فضلا عن علوه وتعاليه المطلق على نطاق الملكات والإمكانات البشرية وغيرها.
وهو سبحانه أيضا يكلِّم مخلوقاته بأن يفطرها (يبرمجها) على ما فيه بقاؤها والحفاظ على نوعها، وبالطبع فهذا منسوب إليه من حيث أن من يقوم بذلك من الجنود والملائكة إنما يعملون بمقتضيات مشيئته وإرادته، فهو ينسب إلى نفسه ما يترتب على سريان قوانينه وسننه.
والله سبحانه يتكلم كما ذكر ذلك في القرءان، والذي ينتج عن ممارسته فعل الكلام هو كيان أمري يُسمَّى أيضاً بالكلام، ومفردته الكلمة، وجمعها الكلمات، فكل مخلوق من حيث حقيقته هو كلمة من كلمات الله، فالله سبحانه بالكلام أيضا يقتضي حقائق وماهيات الكائنات والكيانات، ولذلك لا تتناهى كلماته عددا.
ومن الكيانات الأمرية الناتجة عن الكلام القوانين والسنن بكافة أنواعها، وهذه لا يملك مخلوق لها تبديلا، وإنما يمكنه فقط أن يتوافق معها لينتفع بآثارها.


*******

هناك تعليق واحد: