الثلاثاء، 16 يونيو 2015

أمثلة لمنهجنا في التعامل مع المرويات2

أمثلة لمنهجنا في التعامل مع المرويات2

المرويات التي تتحدث عن الأسماء الإلهية:

بالنظرِ إلى المرويات الموجودة والمتعلقة بأمر الأسماء فإنها كلها أجمعت على أن لله تعالى تسعةً وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة، والحديث المتفق عليه هو أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ قال: (إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا -مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا-مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ).

وكذلك رُوي عن أبي هريرة في الجامع الكبير قولَه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: (إن لله تسعة وتسعين اسماً كلهن في القرءان من أحصاهن دخل الجنة).
والمروية ذات أصل صحيح لورود آيات قرءانية عديدة تبين للناس المكانة العظمى لأسماء الله الحسنى وتأمر الناس أن يدعو ربهم بها وتحذرهم من الإلحاد في الأسماء، وهي تحقق الشرط المعلوم، وهي أنه يمكن الاستغناء عنها بالقرءان.
والمروية مع ذلك تقدم معلومة جديدة، وهي أنه هناك 99 اسما من أحصاها دخل الجنة، والوعد بدخول الجنة هو من أساليب الحث على العمل الصالح، وهو سيتحقق أيضا بالفعل في إطار الاعتصام بدين الحق.
ومع ذلك فهذه المعلومة يمكن الاستغناء عنها بالقرءان، فمن سيحصي الأسماء الموجودة فيه سيكون بالضرورة قد أحصي الأسماء التسعة والتسعين.
فالمروية "إن لله تسعة وتسعين اسماً كلهن في القرءان من أحصاهن دخل الجنة" هي القولُ الحقُّ في شأن الأسماء، فالأسماء الحسنى موجودة نصاً ولفظاً في القرءان دون الحاجةِ إلى اشتقاقٍ من فعلٍ أو صفة أو مصدر، وهذه المروية تشير إلى أصل صحيح، ذلك لأنها مؤيدة بكل الآيات التي تعلي من قدر الأسماء الحسنى وتأمر الناس بأن يدعوا الله تعالى بها، ومن البديهي أن تكون الأسماء الحسنى المطلوب إحصاؤها في القرءان، ذلك لأن العلم بها هو أساس هذا الدين، والقرءان هو المصدر الأوحد لكل أمور الدين الكبرى، ولا يمكن أن يؤتمن الناس على الحفاظ على لبّ العقيدة وإنما يجب أن ترد صراحة في الكتاب الذي تعهد الله تعالى بحفظه.
فمما هو معلوم أن الأسماء الحسنى هي أكبر أمور هذا الدين، فالمصدر الأوحد لها هو القرءان الكريم، ولا يجوز أن يماري أحد في ذلك أبدا.
ولا يوجد أبدا ما يمنع أن يكون هناك 99 اسما لها أهمية خاصة، لما يلي:
1.     وجود مروية ذات سند (بغض النظر عن مدى قوته، والنص الأول قوي لاتفاقهم عليه).
2.     زيادة "كلهن في القرءان" في النص الثاني صحيحة تماما، فالأسماء الحسنى هي لب العقيدة الإسلامية، ويجب أن يكون منصوصا عليها في المصدر الأوحد لأمور الدين الكبرى.
3.     النص على عدد لا يتعارض أبدا مع أي أصل قرءاني، فلا يوجد أي سبب يُعتد به لرفضه طالما ورد في مروية منسوبة إلى الرسول، ويمكن بالإضافة إلى ذلك، وإن كان ذلك ليس ضروريا، القول بأنه لا يوجد أي سبب لاختلاق مروية كهذه.

والمروية الصحيحة المتفق عليها لا تتضمن ذكراً لأية أسماء، وقد وردت مرويات تقدم قوائم بهذه الأسماء، فهذه القوائم من إدراج الرواة، وهذا من المعلوم والثابت عند علماء الحديث، وهذا هو الأمر البديهي والمنطقي، فالوعد الكبير بدخول الجنة هو ثواب عمل عظيم، وفي الاختبار الجاد الذي يترتب عليه نتائج هائلة لن يقوم المعلم بإعطاء حل مسائل الاختبار للناس.
والأمر ليس بحاجة إلى آراء علماء الحديث، فالقوائم التي توردها المرويات مختلفة فيما بينها، فهي بذلك ليست من عند الله، وفيها أسماء لم ترد في القرءان، فهي بذلك أيضا ليست من عند الله.
فالمروية الصحيحة لا تتضمن ذكراً لأية أسماء، فالأسماء المشهورة من إدراج الرواة، وهذا من المعلوم والثابت عند علماء الحديث.
فالأسماء التي يتغنى بها الناس ويزخرفون بها مساجدهم وبيوتهم هي الواردة في مروية الترمذي، وهي في الحقيقة مدرجة (ملحقة) بالمروية الصحيحة، ويجب العلم بأنها غير ثابتة وأنها تتضمن أسماء لم ترد أبداً في كتاب الله تعالى، ومنها: القابض، الباسط، الخافضُ، الرَّافِعُ، المعزُّ، المذِل، العَدْلُ، البَاعِثُ، المُحْصِي، المُبْدِيءُ، المُعِيدُ، المُمِيتُ، الوَاجِدُ، المُقْسِط، المَانِعُ، الضَّارُّ، النَّافِعُ، الرَّشِيدُ، الصَّبُور، وبعض هذه الأسماء لا يصح إطلاقها علي الله تعالى أصلا.
ومروية ابن ماجة (وهي أقل شهرة من مروية الترمذي) قد أوردت أيضاً أسماء لم تثبت منها: الْمَاجِدُ، الرَّاشِدُ، الْبُرْهَانُ، الْمُبْدِئُ، الْمُعِيدُ، الْبَاعِثُ، الضَّارُّ، النَّافِعُ، الْوَاقِي، الْخَافِضُ، الرَّافِعُ، الْمُعِزُّ، الْمُذِلُّ، الْمُقْسِطُ، الْمُمِيتُ، الْمَانِعُ، الأَبَدُ، الْمُنِيرُ، التَّامُّ، الْقَدِيمُ.
وورود الفعل الإلهي مذكورا في القرءان لا يبرر اشتقاق اسم منه يُصبح بمثابة علم عليه Proper name.
والمروية (إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا -مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا- مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ) لا تقصد إلى القول بأن لله تسعة وتسعين اسماً فقط وإنما تؤكد الأهمية القصوى لهذا النسق من الأسماء بالأسلوب المعلوم، وهو تبشير من أحصاها بالجنة، فالمقصود الإخبار عن دخول الجنة بإحصاء الأسماء التسعة والتسعين وليس تحديد عدد الأسماء الحسنى.
والإحصاء لا يعني العدّ فقط ولا السرد فقط، قال تعالي: {لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً } مريم94، وبذلك ميَّز بين الاثـنين، فالإحصاء  يتضمن مع العدّ إدراك ما يلزم عن مفردات موضوع الإحصاء من بيانات ووظائف وآثار وأفعال ومقتضيات وعلاقات بين الأشياء التي يتم إحصاؤها مع حفظها وتقديرها التقدير اللائق، قال تعالى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمْ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (المجادلة:6)، فالإحصاء هو الإحاطة الممكنة بالأمر من كافة جوانبه، أما إذا نُسِب الإحصاء إلى الله تعالى فإنه يعني الإحاطة الحقانية المطلقة بالأمر من كافة جوانبه.
فالإحصاء يتعلق بالأمر المحصي من حيث كل ما يمكن من جوانبه النوعية والكمية في حين أن العد لا يتعلق إلا بالجانب الكمي فقط.
ومن البديهي أن من يأمر أحداً بإجراء إحصاءٍ ما لا يفـترض فيه أنه يعرف نتائج الإحصاء مُسبَّقـاً، وليس عليه هو أن يخبره بها كلها وإلا لما أمره بإجراء الإحصاء ولما وعده عليه بمكافأة قيمة، لذلك فإن إحصاء الأسماء هو استخراجها هي وكل ما يتعلق بها من دلالات ومعانٍ وسنن من القرءان، والأمر بالإحصاء يعني الأمر بالإدراك مع التحقق بقدر الوسع بالمقتضيات.
وبالطبع فإن إحصاء الأسماء يتضمن العلم الحقيقي بها والإيمان بها والعمل بقدر الإمكان وفق ذلك، فالعلم الحقيقي يوجب العمل، وإلا لو كان الأمر مجرد العلم بألفاظها لكان من الممكن للكافر الذي علمها من مؤمن أو من أحد الكتب أن يدخل الجنة.
والإحصاء يتضمن العلم بالاستجابة المناسبة للاسم، فبعضها يقتضي صفات يجب أن يتحلى الإنسان بها، وبعضها يشير إلى سمات إلهية تقتضي من الإنسان الخضوع والاستسلام والخوف والهيبة والإخبات، وبعضها يقتضي قوانين يجب أن يعلمها الإنسان بقدر وسعه لكي يتوافق معها.
ورُبَّ سائل يسأل ولماذا لم يتم في القرءان سرد كل الأسماء مرة واحدة سردا أو لماذا ترد قائمة بها كلها في سورة واحدة مثلاً؟ فالجواب هو أن الله سبحانه ليس ملزما باتباع المنهج الذي ابتدعه البشر لترتيب معلوماتهم وتقديمها، فلديه منهجه الإلهي ومنطقه الإلهي وسنته الإلهية، لذلك فإن تصريف وترتيب الآيات وما تضمَّنته لم يأت عبثا وإنما جاء بالحق، وكل معلومات الله ماثلة عنده حاضرة لديه، فهو لا يحتاج  إلى منهج أو منطق لاستنباطها، أما منهجه في إبلاغ الناس ما يريده منهم فهو يوافق ما فطرهم عليه وتركَّب كيانهم منه، ولذا جاء القرءان فريداً في نظمه متميزاً في سرده، وجاءت آياته وسوره جامعة لمواضيع شتَّى قد لا يبدو للبعض أن ثمَّة ما يربطها، ولكنها بنظمها هذا تكون نوراً وبرهاناً وشفاء لما في الصدور وتزكية للنفوس، لذلك فالقرءان بنظمه ومنهجه ومنطقه وبما تضمَّنه من علوم وقوانين وسنن وأنباء هو موعظة للناس وهدىً ورحمة ونور مبين، فهُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء أما الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فهو فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى.
ولذلك فكل الأسماء الحسنى بل كل أمور العقيدة والأخلاق والشريعة والأحكام قد أتت موزعة على الآيات والسور القرءانية لتحقيق غايات ومقاصد معلومة لديه سبحانه، ولذا قد تتضمن الآية الواحدة أو مجموعة الآيات المتلاصقة تشريعاً أو بياناً لخلق رفيع أو أمرا إيمانيا أو حثَّاً على التقوى أو قانوناً أو سنة إلهية أو كونية أو حكما شرعيا أو أمراً أخلاقيا ثم ثناءً على الله باسم من أسمائه الحسنى يكون كل ما سبق من مقتضياته أو من آثاره أو من أفعاله.
وفي الحقيقة إن أسلوبه سبحانه في القرءان هو الأسلوب المتبدِّي والمتجلي في الظواهر الطبيعية، فإن نسق كتابه المقروء وهو القرءان يتسق ويتفق مع نسق كتابه المشهود وهو الكون، فكما لا يمكن تجريد الأمور الكونية وتقسيمها إلا نظرياً، فكذلك الأمر بخصوص القرءان، فالإنسان مثلاً يشمل كيانه حقائق متعددة مادية ومعنوية كثيفة ولطيفة، وكلها مترابطة متداخلة متشابكة، يؤثر بعضها في البعض، ويتفاعل بعضها مع البعض، ولكنها رغم تعددها واختلاف وظائفها تشكل كياناً واحداً له شخصيته المتميزة، فكذلك السور القرءانية، فآيات الله الكتابية كآياته الكونية يمكن أن تصنف كل آية من حيثيات عديدة ويمكن أن تدخل مع آيات أخرى تحت عناوين متعددة، ولكن للكتاب كله كيان أمري واحد بلا ريب، فالقرءان كتاب أحدي متسق متشابه مثان.
ولقد أثار بعضهم مشكلة أخرى وهي: وهل الأسماء تسعة وتسعون اسماً فقط؟ وهنا تجرأ بعضهم وتجاوزوا حدودهم وزعموا أن العدد لا مفهوم له! وهم يزعمون أن هذه قاعدة سارية في لسان العرب، ويقصدون بهم أهل الجاهلية، وهم بهذه القاعدة يكذبون بآيات القرءان والأحاديث فيما أوردته وحددته من أعداد ويفرغون القول من دلالاته ويحاولون إلزامه بتصورات الأعراب، وللرد عليهم يجب القول بأن الله تعالى أنزل هذا الكتاب بالحق والميزان، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ} (الشورى: 17) ، وقال: {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} (الرعد:8)، لذلك فإن للأعداد الواردة في القرءان الكريم أو في الحديث الشريف مفاهيمها ومعانيها ودلالاتها، وعلى الناس تدبُّر الآيات لاستنباطها، فإن عزَّ عليهم ذلك فلا أقلَّ من ألاَّ يصدُّوا الناس والأجيال القادمة عن ذلك، إن الحديث مشهور وبيِّن وواضح، وهو ينصّ على أن لله تسعة وتسعين اسماً وُعِدَ من أحصاها بالجنة، ولقد أكد الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ هذا العدد بقوله (مائة إلا واحداً) في صيغة أخرى، فكيف يمكن أن يردَّ قوله من زعموا أنهم من رواة حديثه والمتمسكون بسنته؟ أم كيف يصرفون الحديث عن معناه ويفرغونه من محتواه، وإذا كان العدد لا مفهوم له عند الأعراب فكيف يحاولون إلزام الدين العالمي والبشرية جمعاء بتصوراتهم؟
والنصّ على عددها يتسق تماما مع روح الآيات التي تتحدث عنها وتأمر الناس بأن يدعو الله تعالى بها، فالآيات تتحدث –بلا ريب- عن طائفة معلومة من الأسماء الحسنى.
ويجب العلم بأن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها وإلا ما آتاها، ولقد أمر الناس بأن يدعوه بأسمائه الحسنى، فهذا يتضمن أن عددها معلوم وأنها موجودة في الرسالة الخاتمة الملزمة للعالمين وهي القرءان الكريم، فوجود مروية تذكر عدد الأسماء هو في اتساق تام مع المقاصد الإلهية أي مع دين الحق الماثل في القرءان الكريم، هذا مع العلم بأن المروية لا تحصر الأسماء في هذا العدد فقط وإنما تبشر من أحصى طائفة معينة من الأسماء لها هذا العدد بالجنة، فهي بذلك تؤكد على أهمية نسق معين من الأسماء.
فالحديث يبين أن ثمَّة تسعة وتسعين اسماً لها أهمية خاصة، وأهميتها أنها تمثل واسطة العقد والبرزخ بين الأسماء العظمى التي استأثر الله تعالى بعلمها ولكن عامة المسلمين ليسوا مطالبين بمعرفتها وبين الأسماء الأشد تفصيلاً المترتبة عليها، والأسماء التفصيلية كثيرٌ منها موجود في القرءان، ويمكن لمن عرف الأسماء الحسنى أن يتعرف عليها لأنها هي أصولها، وما الأسماء التفصيلية إلا تجليات لها، فالأسماء التسعة والتسعون لها أهمية بالغة ولذا يجب إحصاؤها، أما أسماؤه سبحانه فهي لا تـتـناهى عددا.
ولقد اتفق المحدثون على أنه لم يمكن تعيين الأسمـاء الحسنى من وجه صحيح وأن المرويات الواردة فيها كلها مضطربة ولا يصح منها شيء، وكذلك اتفق الجمهور علي أن العقيدة لا تؤخذ إلا من نصوص قطعية الورود والدلالة، ومع كل ذلك فإنهم قرروا مروية الترمذي علي الناس وتصدوا بكل شراسة لكل من تسوِّل له نفسه إظهار الحق للناس، وعُدَّتهم في ذلك هو جهل الناس وجبنهم وهلعهم وخضوعهم المطلق لنظرية القطيع والتماسهم الأمن بمجرد الالتصاق بالآخرين.
وهذا يبين أيضا التناقض والخلل في المنطق لدى سدنة وأتباع المذاهب، فهم يرفعون رايات العقلانية على المستوى النظري أو الكلامي، أما على المستوى العملي فلا يجرؤون ولا يريدون إعمال الشعارات المرفوعة ولا العمل بمقتضاها.
إن من زعموا أن من أسماء الله الحسنى الضار والمانع والمذل والخافض.....الخ تحرجوا من أن تطلق عليه سبحانه تلك الأسماء بمفردها أي بدون ذكر ما يقابلها لعلمهم أن الأسماء الحسنى إنما يُثنى بها على الله ويُحمد بها ويُدعى بها وينادى بها، وقال الكثيرون منهم: "إن من الأدب ألا نطلق تلك الأسماء عليه سبحانه بمفردها دون اقترانها بأضدادها لأن إطلاقها هكذا يوجب نقصا"، وقولهم هذا حجة عليهم لأن الاسم الأحسن هو الأحسن بذاته دون حاجة إلي اقترانه باسم آخر ويمكن الدعاء به بمفرده بل كل مؤمن مأمور بنص القرءان أن يدعو الله تعالى به، وقال ابن القيم إن الأسماء التي أسماها بالمزدوجة مثل المعطى المانع أو الضار النافع أو المعز المذل تجرى الأسماء منها مجرى الاسم الواحد الذي يمتنع فصل بعض حروفه عن بعض، فمن أين له هذا الزعم؟!! وما هو دليله عليه من كتاب الله تعالى وهو الذي لم ترد فيه أسماء كهذه أصلا؟ ولو صح ما زعمه ابن القيم لنقص عدد الأسماء في قائمة الترمذي عن العدد المشار إليه في الحديث، ومن العجب أن يقولوا إن إطلاق بعض الأسماء كهذه يوجب نقصه ثم يقول إن أسماءه هي أحسن الأسماء وأكملها!!!
إنه لا يجوز أبداً إطلاق بعض الأسماء الزائفة عليه سبحانه مثل الضار أو المضل مثلاً، ذلك لأن الاسم "الضار" لا يمكن أن يطلق علي كائن ذي إرادة واختيار إلا إذا كان تعمد إلحاق الضرر بالآخرين من سماته اللازمة التي عُرِف بها واشتهرت عنه، أو إذا قُصِد بذلك شتمه وإهانته، كذلك لا يجوز أن يُشتق من فعل منسوب إليه اسماً كالمضل مثلاً، ولقد كان ذلك من الأسباب التي قادت البعض إلى القول بالجبرية أو بوحدة الأديان وبصحة كافة المعتقدات وبنجاة كل الطوائف، لذلك يجب القول بأن أمثال هذه الأسماء لم ترد أبدا في الكتاب العزيز، وليس من الأدب أن يسمَّى الله بها، ولا يجوز ذلك أبدا، ولا يطلق الاسم المضل مثلا إلا على من كان تعمد الإضلال سمة لازمة له يتحراها ويتعمدها ويحرص عليها حتى أصبحت علماً عليه، أما الله سبحانه فهو لا يضلّ إلا الفاسقين ومن اختار الضلال لنفسه واستمرأه وكان حريصا عليه لزيغ في قلبه فهو يحقق له ما اختاره لنفسه بمقتضى القوانين والسنن، فلا يمكن أن يتحقق شيء إلا بمقتضى قوانين الله وسننه، وهو لا يضل من كان حريصا على طلب الهدى والرشاد، فالإضلال لم يُنسَب إليه أبدا إلا كفعل من أفعاله، ولم يسمِّ نفسه بالمضل أبدا، وإنما ألقى إليهم الشيطان ذلك ليحملهم على الإساءة إلى ربهم!!
إن كثيرا من الأسماء المشهورة والتي يتغنى بها الناس الآن لم ترد في القرءان، وبعضها لم يرد حتى الفعل الذي يمكن أن تشتق منه منسوبا إلى الحق سبحانه مثل الرشيد، الصبور، الضار، المانع، الخافض، المقسط، العدل، كما وردت اسماء متعددة رغم أنها تشير إلى سمة واحدة مثل: (القادر، المقتدر)، (الولي، الوالي)، (الماجد، المجيد)، (الملك، مالك الملك)، (الغفور، الغفار).
ولقـد أمـر الله تعالى عباده أن يدعوه بأسمائه الحسنى، ومن معاني الدعاء النداء، فهل يجوز أن يناديه الناس قائلين "يا ضار" مثلاً؟ وهو اسم من الأسماء الواردة في قائمة الترمذي، ولقد علَّم الله تعالى عباده كيف يتأدَّبون معه فلا ينسبون إليه الضر مباشرة، قال تعالى على لسان أيوب : {وَأَيّوبَ إِذْ نَادَىَ رَبّهُ أَنّي مَسّنِيَ الضّرّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ } (الأنبياء : 83)، فجعل الفاعل في الجملة هو الضرّ نفسه، وقال تعالى على لسان إبراهيم:  { الّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } (الشعراء: 78 – 80)، فنسب المرض إلي نفسه ونسب كل خيرٍ إلى ربه، وتوجد أمثلة أخرى، أما الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلقد علَّمنا أن نقول: (والخير كله بيديك والشر ليس إليك) ، فكيف اشتقوا له سبحانه من الفعل يضرّ اسماً ولم يشتقوا له اسم كاشف الضرّ مثلا مع أنه ورد في القرءان: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاّ هُوَ} ( الأنعام: 17 – يونس 107 )، وكذلك : {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرّ} (الأنبياء: 84)، وهكذا فإن هذا الاسم (الضار) قد ورد في رواية الترمذي مع أنه لا يصح أن يُدعَى به الله تعالى أصلاً أدباً معه ولا أن يُخاطب به طبقاً للأدلة القرءانية المذكورة، بل إنه لا يصح أن ينادي المسلم إنساناً آخر بهذا الاسم وإلا لعدَّ ذلك من التنابز بالألقاب المنهي عنه!
وفى المقابل هناك اسم لله تعالى هو أكثر الأسماء وروداً في القرءان بعد لفظ الجلالة، وهو أيضاً أكثر الأسماء التي يُدعى بها في القرءان الكريم وفيما نسب إلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ من مرويات، كما أنه أكثر الأسماء جرياناً على ألسنة الناس، ومع ذلك لم يرد في قائمة الترمذي، إنه الاسم ( الربّ)، فذلك الاسم يشير إلى أكثر السمات تجلياً وظهوراً، حتى إنه لا يمكن أن يخفى على مؤمن أصلاً بل لا يخفى على مشرك أيضاً كما أوضح الله تعالى في القرءان، ولذا فإن هذا الاسم يستعمل في القرءان اسم عَلَم للدلالة على الله سبحانه، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ }الأنعام71، {وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبّ الْعَالَمِينَ} (غافر: 66)، { وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ عَلَىَ رَبّ الْعَالَمِينَ } (الشعراء: 109، 127، 145، 164، 180)، {تَنزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ }السجدة2.....، كما أن كافة عباد الله الصالحين إنما يدعون الله تعالى بهذا الاسم، فالله سبحانه جعل خاصَّة عباده يدعونه بهذا الاسم ليعلم الناس جميعاً أنه من الأسماء الحسني التي أمرهم أن يدعوه بها.
ويجب العلم بأنه لا يجوز لأحد أن يشتق لله تعالى اسماً من فعل منسوب إليه ثم يعتبر هذا الاسم علما عليه أو اسماً من الأسماء الحسنى، كذلك ليس من حق أحد نفى الاسمية عن اسم ورد في القرءان أو عن مجموعة من الأسماء جاءت متلاصقة في القرءان، لقد قال الله تعالى مثلاً : {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ}الشعراء217، وقال: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ }الشعراء9، وقال: {تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ }يس5، فهذا يعني أن "الْعَزِيز الرَّحِيم" اسم واحد، إن كلَّ اسم من الاسمين الْعَزِيزِ والرَّحِيمِ يمكن أن يكون اسماً لله تعالى، ولكن هذا لا يعطى لأحد الحق في نفى أن يكون "الْعَزِيز الرَّحِيم" اسماً واحداً لله تعالى طالماً ورد هكذا في القرءان، وهذا يعني أن نظرية إحصاء الأسماء يجب أن تكون منطقية صورية محض لا مجال فيها للاستثناءات ولا للميول الخاصة.
وكل اسم سمَّي الله عز وجل به نفسه هو من الأسماء الحسني، وكل اسم لابد من أن يشير إلي سمة من سمات الحسن الإلهي، وكل اسم منها هو عَلَم علي ذات الإله وهو أيضاً علم علي السمة التي يشير إليها، وتلك الأسماء تنتظم في أنساق لكل نسق منها شروطه الخاصة المتعلقة بطريقة وروده في الكتاب، ولابد أن يوفي الاسم بشروط معينة لكي يقال إنه ينتمي إلي نسق معين، وتلك الشروط يجب أن تكون واضحة ومحددة بحيث يمكن لكل امرئ أن يتحقق منها بنفسه كما هو الأمر فيما يتعلق بأية نظرية علمية.
فلاستخراج الأسماء كان لابد من وجود نظرية علمية تتضمن مسلمات ومقدمات وتعريفات وشروط، ولابد من اتصاف النظرية بالاتساق التام وبالقدرة على تفسير كل ما يقع في نطاقها، ولابد أيضاً أن يتمّ إعمالها بصرامة وحيادية، وأن تنجح في تحقيق المقصود منها، ولابد من صمود هذه النظرية ضد محاولات الدحض، وأن يمكن نقلها للآخرين ليتحققوا منها بأنفسهم، كما لابد أن تفسر ما كان موجوداً وأن تكون مثمرة؛ أي بأن تعطي نتائج جديدة.
ولقد تم في كتب سابقة للمؤلف تقديم منهج أو نظرية استخلاص الأسماء وتفصيلات عديدة متعلقة بهذا الأمر، وكان أول الكتب المنشورة كتاب (الأسماء الحسنى والسبع المثاني، 2002).

والمروية هي مثال للمرويات المثمرة، فطالما هناك حث قوي على إحصاء الأسماء التسعة والتسعين كان لابد من استخلاصها، وقد حاول ذلك على مدى التاريخ بعض المجتهدين، ولكن من الواضح أنهم لم يكونوا يتبعون منهجا للإحصاء، ولم يؤت عملهم أي ثمار تُذكر.
ولقد تم انطلاقاً من استخراج الأسماء اكتشاف الكثير من الأمور في القرءان الكريم وتقديم تفسيرات ونظرات جديدة للكثير من آياته وتقديم نظرية كاملة ومتسقة للإسلام تشمل بالإضافة إلى منظومات الأسماء الحسنى منظومات الشؤون والأفعال الإلهية وكذلك منظومات القيم والأخلاق والمقاصد والأركان والسنن الكونية والشرعية والتشريعية كما وردت في القرءان الكريم، هذا بالإضافة إلى اكتشاف الكثير من الحقائق الدينية وتقديم نظرات جديدة للآيات القرءانية واكتشاف الكثير من الحقائق والعناصر الدينية وحل الكثير من الألغاز والمعضلات الفلسفية، وعلى رأس ما تمّ اكتشافه كثير من العلوم المتعلقة بالأسماء الحسنى الحقيقية، وهذه العلوم تقدم للمسلم أسس وعناصر عقيدته وتغنيه عن كل ما يُسمى بعلم الكلام وأصول الدين.
وبالإضافة إلى ذلك فإنه نظراً للارتباطات الوثيقة بين كل تلك المنظومات فإنه يمكن انطلاقاً من أيٍّ منها صياغة نظرية كاملة متسقة للدين، وهذا مما يبين مدى خصوبة النظرية واتساقها ومتانة بنيانها.

إن المروية: (إن لله تسعة وتسعين اسماً كلهن في القرءان من أحصاهن دخل الجنة) ذات أصل صحيح، ونحن نأخذ بها ونعمل بها، وقد اهتدينا بفضل الله تعالى إلى منهج حقاني لإحصاء الأسماء، وقدمناه في كتب عديدة، وكان ذلك أساس اكتشاف علم الأسماء الحسنى الذي هو علم العقيدة الإسلامية الحقيقي، والذي يغني عما يسمونه بعلم الكلام.
أما قوائم الأسماء الواردة في بعض المرويات فهي غير صحيحة وغير ثابتة، ويغني عنها الأسماء المذكورة في القرءان الكريم.

*******



هناك تعليقان (2):