الأحد، 28 يونيو 2015

سنن الفطرة

سنن الفطرة

لقد أعلن الله تعالى أن الإسلام هو الدين القيم وأنه دين الفطرة، وأعلن أنه سبحانه يجب المتطهرين، وما هو من أمور الفطرة لا يلزم النص عليه بالطبع، فالدين لا يعلِّم الناس ما يعلمونه بالضرورة مثل الأكل والشرب والتنفس والجماع، لذلك فالمسلم ملزم بالأخذ بكل ما يتوافق مع الفطرة وإن لم يعلم السلف عنه شيئا، فالتطهر يكون على كافة المستويات الظاهرة والباطنة، وعملا بذلك كان على الرسول أن يزكى نفوس قومه بتطهيرها من ضلال الجاهلية وأن يعلمهم ضرورة الحرص على نظافة الجسم أيضا؛ فأمرهم بالمواظبة على الاستحمام رغم ندرة المياه عندهم وأمرهم بالعمل على نظافة الفم والأسنان ونتف الإبط وتقليم الأظفار وغسل اليدين والوضوء لكل صلاة وقبل النوم والتطيب……إلخ، وكل كذلك كان تفصيلا للآيات القرءانية وعملا بمقتضياتها.
والإسلام يرفض ما هو مضاد للفطرة، فهو يأمر الناس بالأكل والشرب ولكن بدون إسراف، وهذا يشير بالفحوى إلى الأمور الأخرى مثل النكاح، ولقد نص القرءان على أن متاع الدنيا قليل حتى لا يجعلها الإنسان أكبر همه ومبلغ علمه، ولكونه يرفض ما هو مضاد للفطرة فقد أمر بالنكاح ونهى عن الرهبانية وندد بالممارسات الجنسية غير السوية وأمر بمعاقبة مقترفيها.
والتطهر هو اصطلاح شرعي قابل لاتساع مصاديقه باتساع العصر والمصر، وفى العصر الحديث تعلم الإنسان أنه يجب أن يتطهر أيضا من آثار الجراثيم والميكروبات والفيروسات والطفيليات…. الخ، فكل ذلك أيضا مترتب على إعمال النصوص القرءانية.
إن الله تعالى أعلن أنه يحب المتطهرين وأنه يريد أن يطهِّـر المسلمين لذلك سن للناس الغسل والوضوء وبيَّـن الرسول للناس بطريقة عملية كيف يمكن أن يتم ذلك، وهو لم يقصد أبدا إلزام الناس بطقوس دقيقة صارمة وإنما عمل بمقتضي خاصية رئيسية من خصائص الدين وهي أنه دين رحمة لا حرج فيه، فلا ينبغي استعمال المرويات الظنية لاسترهاب الناس بخصوص الغسل والوضوء ولا لترويعهم ولا لإصابتهم بشتى الأمراض النفسية.
ومن هذا الباب أيضا كان حرصه على نظافة وصيانة فمه وأسنانه فكان يستخدم ما هو متاح لذلك في عصره وبيئته كالسواك، فالسنة هي الحرص على الطهارة ومن ذلك نظافة الجسم الظاهر، أما استخدام السواك بعينه فلا إلزام فيه إذ أن ذلك يتنافى مع صفات الدين الثابتة وهي عالميته وكونه لا حرج فيه.
أما سنة الرسول بخصوص الثياب فهي ارتداء مثل ما كان يرتديه قومه ويألفونه مع استبعاد ما يتعارض مع قيم الدين وسننه ومكارم أخلاقه؛ فيتجنب مثلا ما كان في عرف الناس من باب الفخر والخيلاء على أن يؤخذ في الاعتبار أن الأعراف تتغير بتغير الزمان والمكان، أما ارتداء الجلباب القصير بالذات فلا إلزام فيه لأنه يتنافى مع خصائص دينية ثابتة ومنها عالمية الدين وصلاحيته لكل زمان ومكان وأنه لا حرج فيه ولا قداسة فيه لأزياء وملابس قوم معينين، ويجب الحرص على طهارة هذه الثياب بكل ما يعنيه ذلك من معنى.
إنه بالنسبة للزي فإن السنة التي سلكها الرسول والتي يجب على المسلمين اتباعها تقتضي أن يرتدي المسلم ما يحقق الغرض الشرعي وما يوافق عصره ومناخ بلده وعادات قومه وإلا لأثار ذلك العداوة والبغضاء من حوله ولجلب على نفسه عداءا لا مبرر له ولا قبل له به ولصدهم بذلك عن سبيل ربه دون اجتناء فائدة تذكر، وعليه بالإضافة إلى ذلك ألا يتخذ من لباسه وسيلة للفخر والخيلاء والتعالي على الناس وأن يكون بحيث يسهل الحفاظ على نظافته وطهارته.
أما بالنسبة لموضوع ملابس النساء والذي جعله المحسوبون على الإسلام شغلهم الشاغل وركن الدين الأعظم على مدى العصور فهو خاضع أساساً للأعراف والتقاليد، ومن الناحية الدينية على المرأة ألا تتعمد إظهار مواضع الفتنة منها وألا تستثير غرائز الرجال بالتصنعِ أو الخضوعِ بالقول وعليها أن تتحفظَ في زيها وسلوكها، ولكنها غير ملزمةٍ بزىٍّ أعرابِ القرن السابع الميلادي، بل لها أن ترتديَ ما يناسب عصرها وبيئتها وفقاً للعرف السائد وعليها ألا تعتدي بالمغالاة في هذا الأمر.
أما بخصوص المأكل والمشرب فكان الرسول يأكل بصفة عامة مثل قومه ومن طعام قومه، وكان لا يحرِّم إلا ما حرم الله تعالى، ولقد سن للناس ما يذكرهم بالله تعالى أثناء الطعام قياما بأركان دينية ركينة وتفصيلا لها ومنها ركن ذكر الله وركن إقامة صلة وثيقة به والذي يتضمن ذكر نعمته والقيام بواجب الشكر له، فأمر بالبدء باسم الله وأمر بحمده عند الانتهاء من تناول الطعام.


*******

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق