الثلاثاء، 9 يونيو 2015

الرسول والغيب

الرسول والغيب

يزعم المجتهدون الجدد أن الرسول لم يكن يعلم شيئا من الغيب، ويعتبرون القول بذلك من فتوحاتهم الكبرى وإنجازاتهم العظمى، وذلك بالطبع لجهلهم بالمنهج القرءاني والمصطلحات القرءانية وتصرفهم بمقتضى أن القرءان فيه اختلاف كثير.
لذلك عليهم أن يعلموا ما يلي:
1.           النبي هو أصلا الإنسان الذي اصطفاه الله تعالى ليكشف له الكثير عن عالم الغيب ويأتيهم بالأنباء من هناك، فالنبي هو على اتصال بالعالم العلوي القدسي، وهو من عالم الغيب، فنفي العلم بالغيب مطلقا عن نبي يعني التكذيب بنبوته، والنبي هو أعلم الناس بالله تعالى وملائكته والدار الآخرة، لذلك فهو أعلم الناس بما عظم أمره من الغيوب، فالنبي يعلم الكثير من الغيب بالضرورة.
2.           الرسول النبي يحقق ما سبق ذكره في البند السابق، وهو أيضاً المكلف بحمل رسالة من عالم الغيب إلى الناس في عالم الشهادة، فهو الذي يخبرهم بما أوحاه الله تعالى إليه من الغيب.
3.           قد يعلم بعض الناس بعض الغيوب، ولكن الرسول النبي والنبي يتميزان بأن مصدر علوم الغيب بالنسبة لهما هو الله تعالى وملائكته، بينما باقي الناس قد يتلقون علم بعض الغيب النسبي من كائنات كالجن، وهم بلا شك يعلمون بعض الغيوب النسبية التي تغيب عن الإنسان.
4.           مصطلح الغيب يجب أن يُفقه وفق السياق في الآية أو في مجموعة الآيات، مثال: قال تعالى على لسان نوح عليه السلام: {وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْراً اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ }هود31، فكلمة الغيب هنا من العموميات التي تخصص بالمناسب، وإلا فإن نوحا كان يتلقى الوحي من ربه، وسيعلم غيبا لم يكونوا يعرفونه، بل وأبوا تصديقه وهو نبأ الماء الذي سيغرقهم، فالغيب هنا هو ما يحاول الناس معرفته عادة والمتعلق بأمورهم الشخصية الجزئية، وكذلك قال الله تعالى لخاتم النبيين: {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ }الأنعام50، فالغيب هنا هو من العام المخصص بما يناسب، وهو جماع الأمور الجزئية المتعلقة بالأفراد، ونفي علمها عن النبي ليس نفياً مطلقاً، وإنما يمكن أن يعلمها بالوحي الإلهي، فهو لا يبحث عنها بالأصالة،
5.           نفي العلم بالغيب عن الرسول يعني أن الإنسان لا يعلم شيئا من تلقاء نفسه ولا يستقل بعلم الغيب من تلقاء نفسه، وإنما يعلمه بإعلام الله تعالى.
6.           قد يختص الله تعالى بعض الأنبياء والعباد الصالحين بعلم بعض الغيوب النسبية مثل المسيح عليه السلام والعبد الصالح المذكور في قصة موسى عليه السلام، وهذا الاختصاص لا يعني بالضرورة أنهم أفضل من غيرهم؛ فالمزية لا تقتضي الأفضلية!
7.           قد يكون لدى بعض الناس بحكم تكوينهم أو بالتريض تيقظ لبعض الملكات تجعلهم أقدر على الاتصال بالكائنات الخفية أو بعالم البرزخ، وهذا العالم يعج بالأنباء الصحيحة وغير الصحيحة والاحتمالات المتعلقة بالأمور التي لم تتحقق بعد، فهؤلاء يعلمون بعض الغيوب النسبية، وهذه لا تعني علو مراتبهم على الناس، ومثل هذا الاتصال لا يصحح عقيدة خاطئة لديهم، فهم لا يتلقون إلا ما يتوافق معهم!
8.           القرءان هو المصدر الأوحد لما يجب الإيمان به من الغيوب، ونكرر "لما يجب الإيمان به من الغيوب"، بل إن الإيمان متعلقه هو عالم الغيب، والدين أصلا إنما نزل داعياً إلى مثل هذا الإيمان؛ فهو الإيمان بالغيب اللازم معرفته للإنسان!
9.           ولما سبق بيانه كان الرسول يتلقى بالوحي العلم بكثير من الغيوب غير المذكورة في القرءان وينبئ بها قومه، وهذه العلوم لم تصل إلى الناس بطريقة قطعية الثبوت وإنما عبر المرويات الظنية، فيجب التعامل معها وفق هذا المنهج للتعامل، فيجب رفض ما يتعارض مع دين الحق الماثل في القرءان تعارضا لا يمكن دفعه، ويجب قبول ما يتسق معه، أما ما لم يتبين أمره فالناس مخيرون بشأنه! ولكن لا يجوز رفض أية مروية منسوبة إلى الرسول بطريقة عشوائية أو اعتباطية أو لمجرد الاستجابة للاتجاهات العصرية.
10.       التاريخ والواقع العملي يثبتان أن بعض الأمور المستقبلية المذكورة في المرويات قد تحققت بالفعل، ومنها أن هذه الأمة ستتبع سنن من قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع، وفتح مصر وأن أهلها سيكونُون للمسلمين عُدَّةً وأعواناً في سبيل الله، والمروية عن خيرية جند مصر وأنهم في رباط إلى يوم القيامة، وتطاول رعاء الشاء في البنيان والمروية عن خروج قرن الشيطان ... الخ.

*******


هناك تعليق واحد: