الاثنين، 15 يونيو 2015

الرسول إسماعيل عليه السلام

الرسول إسماعيل عليه السلام

إن إسماعيل عليه السلام كان من الصفوة من أنبياء الله المرسلين، قال تعالى:
{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55)} مريم.
وإسماعيل عليه السلام هو رسول نبي، وهؤلاء هم الأعلى في الدرجة، قال تعالى:
{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً{54} وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً{55}} مريم.
فهو بذلك أعلى درجة من إسحاق ويعقوب عليهما السلام، فقد كانا نبيين فقط، قال تعالى:
{فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلّاً جَعَلْنَا نَبِيّاً} مريم49.
وتشير آيتا مريم إلى أن إسماعيل هو الذبيح وليس إسحاق كما يزعم اليهود والنصارى ومن اتبعهم من المحسوبين على الإسلام، والوعد المشار إليه هو: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} الصافات102، ولقد أثنى الله تعالى عليه وذكر أنه بالفعل من الصابرين: {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85)} الأنبياء، والقول بأنه كان مرضيا لأنه صبر على البلاء المبين.
ولقد أثنى الله تعالى على موقف إبراهيم في سورة الصافات، وها هو ذا يثني على موقف إسماعيل في سورة مريم التي ذكر فيها الكثير عن أنبياء بني إسرائيل!
والتفريق المنهي عنه هو في أمر الإيمان بالرسل، فيجب الإيمان بكل الرسل مع الإقرار بأن الله فضَّل بعضهم على بعض، فهم متفاوتون في المراتب، فالذي أُرسل رحمة للعالمين وإلى الناس كافة وخُتِم به الأمر هو أفضل ممن كانوا يرسلون إلى أقوامهم خاصة وكانوا ممهدين له يعدُّون له الطريق، كما يجب العلم بأن الرسل الأنبياء خير من الأنبياء فقط.
والنبي هو من يتلقى الوحي الرسمي من الله تعالى، فالنبوة مرتبة من مراتب الذين أنعم الله عليهم.
والنبي قد يتلقى رسالة مستقلة ليبلِّغها إلى قومه ويجعل منهم أمة خيرة، وهذا هو الرسول النبي، ولابد من تحقق الانتصار له في الدنيا، بمعنى هلاك من كفر به ونجاة من آمن، وهذا هو الأعلى درجة.
وقد خُتمت هذه المرتبة بالرسول الأعظم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ.
أما النبي المرسل فهو من يرسل إلى قومه لتجديد رسالة أرسلت إليهم من قبل ونسخ إلقاءات الشيطان فيها ولتطهيرها من التحريفات ولبث الروح فيها، ومنهم أنبياء بني إسرائيل الذين خُتموا بالمسيح عليه السلام، فرسالته استكمال لرسالة موسى عليه السلام وإيذان بانقضائها وبانقضاء دور بني إسرائيل كأمة حاملة للرسالة، وهؤلاء الرسل قد يقتلهم أقوامهم، وهم الذين أنَّب الله تعالى بني إسرائيل بسببهم: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ القُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ }البقرة87.
وهناك رسل بالمعنى اللغوي، وليسوا أنبياء، ومنهم الملائكة.
ورسالة إبراهيم كانت رسالة الإسلام الرسمي الأولى، وكانت تتضمَّن التوحيد وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والصيام والحج فضلا عن الأوامر والنواهي المتعلقة بالسلوك والأخلاق، وقد ظلت صور منها محفوظة عند الصابئين والأحناف.
ولما كان الرسول النبي والنبي المرسل حالات خاصة من النبيين، ولما كان الرسول محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه وسَلَّمَ هو خاتم النبيين، فإن كل هذه المراتب قد خُتمت به بكل ما يحمله ذلك من معنى، فلا نبي بعده، وهو أيضا أعلاهم درجة، وهو زينتهم!
ويجب العلم بأن المسلم ملزم بالإيمان بكتب الله ورسله، والله تعالى يذكر أنه أَنزَل إِلَى النبي الخاتم الْكِتَابَ (أي القرءان) بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ القرءان، وهذا يلزم المسلمين بالإيمان بكل ما ذكره القرءان وبما ورد في التوراة مما لا يتعارض معه، ويجب الحذر بالطبع عندما يتعلق الأمر بالحقوق التاريخية، فاليهود كانوا حريصين دائما على تأكيد أن الوعود الإلهية هي حكر فقط على بني إسرائيل وأنهم أبناء الله وأحبائه وشعبه المختار.  
والقرءان والتوراة يثبتان أن إسماعيل هو ابن إبراهيم وأنه هو الذبيح، قال تعالى:
قال تعالى: {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ{99} رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ{100} فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ{101} فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ{102} فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ{103} وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ{104} قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ{105} إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ{106} وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ{107} وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ{108} سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ{109} كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ{110} إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ{111} وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ{112} وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ{113} الصافات
وقال:
{وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)} البقرة
وجاء في سفر التكوين، الإصحاح 22:
1وَحَدَثَ بَعْدَ هذِهِ الأُمُورِ أَنَّ اللهَ امْتَحَنَ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ لَهُ: «يَا إِبْرَاهِيمُ!». فَقَالَ: «هأَنَذَا». 2فَقَالَ: «خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، الَّذِي تُحِبُّهُ، إِسْحَاقَ، وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ الْمُرِيَّا، وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ الَّذِي أَقُولُ لَكَ».
فالتبشير بإسماعيل تم مباشرة بعد إزماع إبراهيم أن يذهب إلى ربه طلبا للهدى وبعد أن دعا ربه قائلا: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} الصافات 100، فهذا هو دعاء إبراهيم عليه السلام عند ذهابه إلى ربه، وقد استجاب الله تعالى له بمجرد أن دعا، ولذلك سيقول من بعد: {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء} إبراهيم39، ومن الواضح أن إسماعيل كان أول استجابة له، وبذلك أقرت التوراة أيضاً، وإن تعلل بنو إسرائيل بأنه كان ابن جارية، وهذا زعم باطل، فقد كانت مصرية حرة، وكون أم إسماعيل ليست منهم هي مشكلتهم هم، فلا يوجد تمييز عنصري عند الله تعالى!
ولا يجوز القبول بادعاء بني إسرائيل بأنها كانت جارية، فهم هاهنا هم الخصوم، والنصوص كانت عندهم، فزيفوها بالقدر الذي يلزمهم ويقوي حججهم ويجعل الوعد لهم، والتزييف واضح تماما في النص الموجود حاليا، فقد كانوا مزيفين خائبين.
والتبشير هو بما تعدى إليه الفعل بالباء، فهو تبشير بغلام حليم، وقد أثبت في هذه الحادثة بالفعل أنه حليم.
قوله تعالى {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)} البقرة، يبين أن لهما معا ذرية واحدة، وهي التي جاء منها النبي المنتظر.
وقوله تعالى {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَـهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون} [البقرة:133] يبيِّن أن إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ هم آباء يعقوب، ومن المعلوم أن إبراهيم هو والد إسحاق، وهكذا لابد أن يكون إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ أبوين له.
ومن آيات القرءان الأخرى والتوراة وأساليب اللسان العربي يتبين أن إسحاق هو والد يعقوب وأن إسماعيل هو عمه، وأنه كان معلوما وموقرا بين أبناء يعقوب المباشرين.
والتبشير هو بما تعدى إليه الفعل بالباء، فهو تبشير بغلام حليم، وقد أثبت في هذه الحادثة بالفعل أنه حليم.
وقال تعالى: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ{112} وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ{113} الصافات فهذا تبشير آخر بإسحاق، أما الصفة التالية فهي باعتبار ما سيكون بالطبع مثلما هو الحال في التبشير الأول بإسماعيل.
فثمة تبشيران في القرءان وفي آيات الصافات لإبراهيم عليه السلام؛ تبشير أول بغلام حليم، وبعد صبر إبراهيم على الابتلاء وامتثاله لأمر ربه تم التبشير بإسحاق، أي تم التبشير بعد فداء إسماعيل بذبح عظيم.
فالتبشير بإسحاق جاء هدية لإبراهيم بعد نجاحه في الابتلاء، وكان إسماعيل غلاما، وهو البكر.
فأول تبشير لإبراهيم كان بغلام حليم هو إسماعيل، ولأنه ليس ابنا لزوجته العقيم لم يرد لها ذكر عند هذا التبشير، وبعد تمام الابتلاء بشره الله تعالى بإسحاق رغم أنه كان شيخا وأن زوجته كانت عقيما، وكان التبشير في حضورها، بل كان التبشير لها بالأصالة، قال تعالى: {وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} هود71
فالتبشير كان لها بإسحاق ومن ورائه يعقوب، وهذا يعني أن ابنها سيعيش وينجب يعقوب، وهذا ينفي أن يكون هناك أمر -من بعد- بذبح إسحاق فلا تبديل لكلمات الله تعالى، كما أن الأمر بذبح إسحاق هو ابتلاء لها هي أكثر من أن يكون ابتلاءاً لإبراهيم، فإسحاق كان ابنها الوحيد، وبعض الراغبين في جعل إسحاق هو الذبيح حاولوا التغلب على هذه الصعوبات بجعل يعقوب الوارد في هذه الآية أخاً لإسحاق وهذا ما تنفيه التوراة نفسها كما ينفيه القرءان، والقرءان لا يطلق نفس الاسم العَلَمي The proper name على شخصين مختلفين.
وفي النص التوراتي المذكور يتبين ويتضح تزوير اليهود! فلم يكن إسحاق أبدا هو الابن الوحيد لإبراهيم، وقد ارتبك المزورون فأضافوا "الذي تحبه"، ثم صرحوا بالاسم، فكشفوا كذبهم، أما النص الأصلي فكان بلا ريب: "خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ".
والحق هو أن قصتهم والتي تابعهم فيها بعض المفسرين المسلمين –الذين كانوا يثبتون دائما أنهم أكثر يهودية من اليهود- ملفقة، فلم يصدر أمر مباشر من الله تعالى بذبح ابن إبراهيم الوحيد إسماعيل، وإنما هو الذي ظن أن هذا تأويل ما رآه، واعتبره أمرا إلهيا، هذا مع أن الرؤيا عادة تحتاج إلى تأويل، وكان هذا الظن هو البلاء المبين.
-------
إنه طبقا للسان العربي فإن البشارة الثانية هي بإسحاق ذاته وليس بجعل إسحاق الموجود أصلاً نبيا كما يزعم البعض، لا خلاف على ذلك بين من لديه السليقة اللسانية العربية، ولما كانت آيات القرءان يصدِّق بعضها بعضا ويفصِّل بعضها بعضا، فهذه البشارة كانت مقترنة أيضاً بما أظهرته الآية الأخرى، أي بإسحاق ومن ورائه ابنه يعقوب.
وقوله تعالى {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} هود71 يبيِّن أن إبراهيم عليه السلام كان يعلم أن ابنه إسحاق سيعيش وسينجب يعقوب، ولا يجوز الزعم بأن يعقوب أخا لإسحاق، فذلك يتضمن تكذيباً بالقرءان والتوراة، قال تعالى: {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} البقرة133، فالآية تنص على أن إسماعيل هو من آباء يعقوب، ولما كان والد يعقوب هو إسحاق فإن إسماعيل يكون عمه، وكل ذلك يدحض تماماً الزعم بأن إسحاق هو الذبيح.  
والتبشير بإسحاق حدث بعد الابتلاء، وقوله تعالى: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ} الصافات112، هو كقوله تعالى: {فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ}آل عمران39، {إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ }آل عمران45، {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً }مريم7
فالتبشير مفعوله هاهنا هو الشخص ذاته طبقا للسان العربي والأسلوب القرءاني، انظر إلى التبشير بيحيى والمسيح، فالتبشير هو بالكائن ذاته، وليس بإعطاء مرتبة أو درجة لكائن كان موجودا.
ولا توجد أية ضرورة لذكر اسم إسماعيل في آيات الصافات، فهناك منهج قرءاني لإيراد الحقائق والعلوم، وهذا المنهج يأخذ في الاعتبار مفهوم النصوص وإشاراتها وفحواها ومقتضاها، والآيات تتكامل ويصدق بعضها بعضا، وذكر الأسماء في القرءان يخضع لتوازنات عددية محكمة هي من آياته.
قال إبراهيم إبان هجرته: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ{100}} الصافات، يوجد تبشير بغلام حليم بعد الدعاء، {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ{101}} الصافات، كبر هذا الغلام، ذكرت التوراة أنه كان ابن جارية وأن سارة طلبت منه إخراجهما من بيتها، فأكمل القرءان القصة: {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ }إبراهيم37، فهو لم يسكن ذريته كلهم وإنما بعضهم، أكملت آيات الصافات القصة، ابتُلي إبراهيم بموضوع الذبح، كانت ذرية إسماعيل هي التي حفظت الصلاة بالفعل وتحققت بها وفيها دعوة إبراهيم: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء}إبراهيم40، بعد انتهاء البلاء المبين بشره الله تعالى بإسحاق، كان ذلك في منزل زوجته العقيم، لذلك قالت: {قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ }هود72، كانت البشرى هي: {وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ }هود71
واليهود لا يعترفون بوالدة إسماعيل كزوجة وإنما كأَمَة أو جارية، وهذا غير صحيح، فقد كانت حرة، ولكنهم يعترفون مضطرين بإسماعيل كأكبر أبناء إبراهيم، وإن كانوا يقولون إن ابن الجارية لا يرث لكي يخرجوا من حرج مخالفة قانون البكورية أو يقولون إن إسحاق هو المحبوب ليستبعدوا إسماعيل من هذه المحبة، وهم بذلك يسيئون إلى إبراهيم عليه السلام، وهم يحاولون اختلاق أي مبرر لكي يجعلوا الوعد لإبراهيم مقصورا عليهم.
ورغم أنه مكتوب في التوراة: "خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ"، فقد حاولوا عبثا إثبات أن الذبيح هو إسحاق، وأدرجوا في النص "الَّذِي تُحِبُّهُ، إِسْحَاقَ"، وتابعهم على ذلك أكثر المفسرين، فقول المجتهدين أو الضالين الجدد ليس بجديد، فقد سبقهم إليه اليهود والضالون من السلف.
ولم يذكر الله صراحة أنه أمر إبراهيم بذبح ابنه إسماعيل، القرءان ذكر أنه رأى في المنام أنه يذبحه، وكتاب اليهود هو الذي أورد الأمر الصريح له بذبح ابنه الوحيد! وتابعهم المفسرون على ذلك! وهم قد زعموا ما زعموه ليجعلوا الأمر القرءاني هو عين الأمر الوارد عند اليهود! وهكذا كان دأبهم دائما؛ فهم يقدمون ما أورده أي مصدر ثانوي على ما أورده القرءان!
والحق هو أن الرؤيا بحاجة دائمة إلى تأويل! وكونه رأى في المنام أنه يذبح ابنه لا يعني أنه كان عليه بالفعل أن يذبحه، فكان ظنه هذا هو عين ابتلائه!
ورؤيا يوسف عليه السلام كان لها تأويل، والتأويل هو الذي تحقق!، وليس ما رآه بالضبط!
إن كل إنسان مهما علا قدره معرض للابتلاء، بل إنه كلما علا قدره كان عرضة لابتلاء أشد، ولكن الله تعالى لا يأمر بمخالفة أوامره أبدا.
إن رؤيا الذبح التي رآها إبراهيم عليه السلام كان يجب تأويلها مثل كل الرؤى ومنها الرؤى الواردة في القرءان، ولكن إبراهيم عليه السلام لورعه الشديد بادر بالشروع بالتنفيذ، خاصة وأن ابنه إسماعيل الغلام الحليم قال له: {....يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)} الصافات، وكان بالفعل من الصابرين كما شهد له الله تعالى في القرءان: {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85)} الأنبياء، وكان بالفعل صادق الوعد: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54)} مريم، وفي كل ذلك إثبات لمدى سمو ورقي ورفعة شأن هذا النبي الكريم.
وإبراهيم عليه السلام قد صدَّق الرؤيا والتزم بها كما هي، ولم يلجأ إلى طلب التأويل، وذلك مخافة أن يبدو كمن هو مرتاب في الأمر، واكتفى بعرض الأمر على ابنه إسماعيل الذي أبدى إيمانا وشجاعة واستسلاما لما ظنه أمرا إلهيا، ولذلك حُقَّ له أن يكون جدا لأول المسلمين.
وبالنسبة لإبراهيم كان هذا هو البلاء المبين! ومن الابتلاءات التي تعرض لها فنجح فيها ومن الكلمات التي أتمها فجعله الله تعالى للناس إماما، ولم يكن الله تعالى ليأمر والدا بأن يقدم ولده أضحية بشرية وقد منعها الدين المنزل من لدنه من قديم! فلا أضحيات بشرية في الدين الإلهي، وإنما هي في أديان أهل الأرض مثل أديان أوروبا وسكان أمريكا اللاتينية القدماء!
أما في كتب اليهود فكان الأمر مباشرا، وهذا تحريف كعادتهم ودأبهم، وكان المفسرون المحسوبون على الإسلام كالعادة هاجرين للقرءان مؤمنين إيماناً لا يتزعزع بما لدى اليهود وأكثرا تعصبا للتراث الإسرائيلي من الإسرائيليين أنفسهم!!
أما من تابعهم من الضالين والمجتهدين الجدد في هذا العصر فالأمر عندهم صار عقيدة وكرامة، لذلك لا أقبل من أحدهم جدلا في هذا الموضوع، لأنهم كما لمسنا دائما في مثل هذه الأمور لن يقيموا للقرءان ولا لأي برهان وزنا وسيظهرون شيئا مما لديهم من سوء الأدب وسيرفعون شعار "لا تفرقوا بين الرسل" لينكروا به أية فضيلة للنبي الخاتم وجده المظلوم إسماعيل!
-------
جاء الوعد لإبراهيم في سفر التكوين، الإصحاح الخامس عشر:
18فِي ذلِكَ الْيَوْمِ قَطَعَ الرَّبُّ مَعَ أَبْرَامَ مِيثَاقًا قَائِلاً: «لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ، مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ. 19الْقِينِيِّينَ وَالْقَنِزِّيِّينَ وَالْقَدْمُونِيِّينَ 20وَالْحِثِّيِّينَ وَالْفَرِزِّيِّينَ وَالرَّفَائِيِّينَ 21وَالأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْجِرْجَاشِيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ».
وجاء في سفر التكوين؛ الإصحاح الحادي والعشرين:
9وَرَأَتْ سَارَةُ ابْنَ هَاجَرَ الْمِصْرِيَّةِ الَّذِي وَلَدَتْهُ لإِبْرَاهِيمَ يَمْزَحُ، 10فَقَالَتْ لإِبْرَاهِيمَ: «اطْرُدْ هذِهِ الْجَارِيَةَ وَابْنَهَا، لأَنَّ ابْنَ هذِهِ الْجَارِيَةِ لاَ يَرِثُ مَعَ ابْنِي إِسْحَاقَ». 11فَقَبُحَ الْكَلاَمُ جِدًّا فِي عَيْنَيْ إِبْرَاهِيمَ لِسَبَبِ ابْنِهِ. 12فَقَالَ اللهُ لإِبْرَاهِيمَ: «لاَ يَقْبُحُ فِي عَيْنَيْكَ مِنْ أَجْلِ الْغُلاَمِ وَمِنْ أَجْلِ جَارِيَتِكَ. فِي كُلِّ مَا تَقُولُ لَكَ سَارَةُ اسْمَعْ لِقَوْلِهَا، لأَنَّهُ بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ. 13وَابْنُ الْجَارِيَةِ أَيْضًا سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً لأَنَّهُ نَسْلُكَ».
وفي الإصحاح الثاني والعشرين:
1وَحَدَثَ بَعْدَ هذِهِ الأُمُورِ أَنَّ اللهَ امْتَحَنَ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ لَهُ: «يَا إِبْرَاهِيمُ!». فَقَالَ: «هأَنَذَا». 2فَقَالَ: «خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، الَّذِي تُحِبُّهُ، إِسْحَاقَ، وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ الْمُرِيَّا، وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ الَّذِي أَقُولُ لَكَ».
طبقا لكتب اليهود: "لأَنَّهُ بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ"، والوعد كان بإسحاق قبل الأمر بالذبح، ولذلك لا يمكن أن يأمره بذبحه! والنص الآمر بالذبح: "خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، الَّذِي تُحِبُّهُ، إِسْحَاقَ"، من الواضح أنهم لم يتمكنوا من حذف كلمة "وحيدك"، وإسحاق لم يكن أبداً ابنه الوحيد، فرأوا أن من الأسهل أن يطعنوا في إبراهيم عليه السلام، فجعلوا كلمة "وحيد"، أنه الوحيد الذي يحبه!!
ومن الواضح هنا مصدر اعتقادات المفسرين المحسوبين على الإسلام والضالين من السلف المقدس، فالنص التوراتي يتحدث عن أمر مباشر، وليس عن رؤيا تستلزم تأويلا!!!
وكان قد جاء في الإصحاح الثامن عشر:
15وَقَالَ اللهُ لإِبْرَاهِيمَ: «سَارَايُ امْرَأَتُكَ لاَ تَدْعُو اسْمَهَا سَارَايَ، بَلِ اسْمُهَا سَارَةُ. 16وَأُبَارِكُهَا وَأُعْطِيكَ أَيْضًا مِنْهَا ابْنًا. أُبَارِكُهَا فَتَكُونُ أُمَمًا، وَمُلُوكُ شُعُوبٍ مِنْهَا يَكُونُونَ». 17فَسَقَطَ إِبْرَاهِيمُ عَلَى وَجْهِهِ وَضَحِكَ، وَقَالَ فِي قَلْبِهِ: «هَلْ يُولَدُ لابْنِ مِئَةِ سَنَةٍ؟ وَهَلْ تَلِدُ سَارَةُ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِينَ سَنَةً؟».
18وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ ِللهِ: «لَيْتَ إِسْمَاعِيلَ يَعِيشُ أَمَامَكَ!». 19فَقَالَ اللهُ: «بَلْ سَارَةُ امْرَأَتُكَ تَلِدُ لَكَ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ إِسْحَاقَ. وَأُقِيمُ عَهْدِي مَعَهُ عَهْدًا أَبَدِيًّا لِنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ. 20وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَقَدْ سَمِعْتُ لَكَ فِيهِ. هَا أَنَا أُبَارِكُهُ وَأُثْمِرُهُ وَأُكَثِّرُهُ كَثِيرًا جِدًّا. اِثْنَيْ عَشَرَ رَئِيسًا يَلِدُ، وَأَجْعَلُهُ أُمَّةً كَبِيرَةً. 21وَلكِنْ عَهْدِي أُقِيمُهُ مَعَ إِسْحَاقَ الَّذِي تَلِدُهُ لَكَ سَارَةُ فِي هذَا الْوَقْتِ فِي السَّنَةِ الآتِيَةِ». 22فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْكَلاَمِ مَعَهُ صَعِدَ اللهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ.
فثمة إصرار على أن العهد بإسحاق وعلى أن نسل إبراهيم منه، وهناك وعد لسارة: "وَأُبَارِكُهَا وَأُعْطِيكَ أَيْضًا مِنْهَا ابْنًا. أُبَارِكُهَا فَتَكُونُ أُمَمًا، وَمُلُوكُ شُعُوبٍ مِنْهَا يَكُونُونَ"، ومن قبل أن يولد إسحاق كان هناك نص على أن الله سيقيم عَهْدًا أَبَدِيًّا لِنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ وأن به سيدعى لإبراهيم نسلا!! فكيف يقولون إنه جاءه أمر بذبحه؟؟
وتناقضات كتابهم لا حصر لها، وبالتأكيد كانت مباركة إسماعيل وجعله أمة كبيرة بعد صبره في مواجهة البلاء العظيم، وسؤال إبراهيم بخصوصه يبين أنه كان يحبه، وهذا هو الشعور الفطري الطبيعي من والد لابنه البكر.
وكل من يحاولون نفي أن إسماعيل هو الذبيح إنما يستندون إلى مرويات هي محض إسرائيليات فجة، وبعض المجتهدين الجدد يفعلون ذلك رغم أنه ضد منهجهم، فهم يأخذون بالمرويات الضعيفة هنا ويرفضون المرويات القوية الصحيحة المنسوبة إلى الرسول هناك!! وهذا مما يكشف حقيقة أمرهم!! وهم يسلِّمون بكلام بني إسرائيل رغم أنهم هنا هم الخصوم، فهم الذين يزعمون أن إسحاق هو الذبيح، وإسماعيل كان بالفعل أباً ليعقوب لأنه عمه: {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} البقرة133، ولا يوجد أية ضرورة لتكرار ذكر ذلك في كل الآيات.
-------
عندما كان إبراهيم وإسماعيل يرفعان القواعد من البيت شرعا يدعوان الله تعالى، ومن هذا الدعاء:
{رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} البقرة128
فهذه الآية تثبت أن إسماعيل هو ابن إبراهيم، فذريتهما واحدة، وقد أقَّرت التوراة بذلك أيضاً، فلا يستقيم ولا يجوز التشكيك في شيء من ذلك.
ومن دعائهما أيضاً:
هذه الآية: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} البقرة129، بالإضافة إلى: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} البقرة128 تقطعان بأن الذرية واحدة! (ردا على من زعموا ان إسماعيل ليس ابناً لإبراهيم)!!
وهذا هو الدعاء الذي أعلن الله تعالى في عدة آيات أنه استجاب له كما طلبا تماما: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ{1} هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ{2} الجمعة، {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ }البقرة151، {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ }آل عمران164.
وكل ذلك يثبت أن النبي الخاتم هو من ذرية إبراهيم وإسماعيل، ويلاحظ أن نفس الاسم الذي توجها إليه بالدعاء هو الذي حقق لهما ما أرادا، وهو الاسم العَزِيزُ الحَكِيمُ.
ولذلك صدق الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ عندما أعلن أنه دعوة أبيه إبراهيم عليه السلام.
قال تعالى: {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} البقرة133
لا يوجد هنا إلا احتمال واحد: هو أن إسماعيل عم يعقوب! ولا يجوز المراء في ذلك.
ويُلاحظ أن كل الآيات التي اجتمع فيها ذكر النبيين إسماعيل وإسحاق قد قدمت إسماعيل بالذكر، بل إنها نصت على أنه رسول نبي، وهو بذلك متقدم من حيث الدرجة والمرتبة فضلا عن السنّ على إسحاق:
{أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }البقرة133، {قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }البقرة136، {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }البقرة140،  {قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }آل عمران84، {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء }إبراهيم39، {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً{54} وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً{55} مريم.
ويُلاحظ أن آيات سورة مريم تذكر صفتين تؤكدان أن الذبيح هو إسماعيل: أنه كان صادق الوعد، وأنه كان من الصابرين، والوعد هو قوله لأبيه: {...قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} الصافات102، وقد شهد له ربه بالفعل أنه من الصابرين، قال تعالى: {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85)} الأنبياء.
والفعل الإلهي المترتب على الصبر على البلاء هو الرضا، ولذلك كان إسماعيل عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً كما جاء في سورة مريم.
وبالطبع سيعلق بعض الضالين من المجتهدين الجدد ويقولون: "لا يجوز التفريق بين الرسل"، والحق هو أنه لا يجوز التفريق بين الرسل في أمر الإيمان بمعنى أنه يجب الإيمان بهم كلهم، هذا مع الإقرار والإيمان بأن بعضهم أفضل من بعض كما ذكر الله تعالى في القرءان، هذا بالإضافة إلى أن الرسول النبي هو أفضل من النبي مطلقا، وأن إسماعيل هو رسول نبي بينما كان إسحاق نبيا فقط!
والذي يفرق بين الرسل فعلا هم أهل الكتاب لرفضهم الإيمان ببعضهم وخاصة خاتمهم، وكذلك المجتهدون الجدد الذين يفضلون الرسال والأنبياء الآخرين على النبي الخاتم بلسان الحال ويحاولون محاباة إسحاق على حساب إسماعيل!!! إنه لا يجوز استعمال قاعدة "لا تفريق بين الرسل" التي لا يفقهون معناها لتكذيب القرءان ولإنكار فضائل بعض الأنبياء.
-------
قال تعالى: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ{100} فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ{101} فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ{102} فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ{103} وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ{104} قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ{105} إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ{106} وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ{107} وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ{108} سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ{109} كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ{110} إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ{111} وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ{112} الصافات
التبشير بإسحاق جاء هدية لإبراهيم بعد نجاحه في الابتلاء، وكان إسماعيل غلاما، وهو البكر.
كان أول تبشير بغلام حليم هو إسماعيل، ولأنه ليس ابنا لزوجته لم يرد لها ذكر هنا، وبعد تمام الابتلاء بشره الله تعالى بإسحاق رغم أن زوجته كانت عجوزا عقيما.
-------
دعا إبراهيم ربه قائلا: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} الصافات 100
فاستجاب له ربه وبشره بغلام حليم هو إسماعيل ثم بغلام عليم هو إسحاق، فقال: {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء} إبراهيم39

فالاثنان موهوبان له بفعل واحد فاعله واحد هو الله تعالى، فالاثنان سواء في أنهما ابنان لإبراهيم عليهم السلام، ومع ذلك فقد أنكر ذلك بعض الضلين والمضلين الجدد فكشفوا للناس عن حقيقة توجهاتهم فلا يتبعهم من بعد إلا من هو مثلهم.
فاستجاب له فقال: {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء} إبراهيم39
عندما كان إبراهيم وإسماعيل يرفعان القواعد من البيت أخذا يدعوان الله تعالى، ومن هذا الدعاء:
{رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} البقرة128
فهذه الآية تثبت أن إسماعيل هو ابن إبراهيم، فذريتهما واحدة، وقد أقَّرت التوراة بذلك أيضاً، فلا يستقيم ولا يجوز التشكيك في شيء من ذلك، ولا يجوز الالتفات إلى أقوال الضالين الجدد، فلا همَّ لهم إلا إثارة البلبلة وشغل الناس بالباطل ليضلوهم عن الحق.
-------
من ردودنا على بعض المجادلين:
-           من الثابت بالقرءان أن الرسول كان مأمورا باتباع ملة إبراهيم، وذلك منصوص عليه في آيات مكية منها: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} النحل123، وأنه كان يصلي كما كان يصلي النبي إبراهيم؛ وقد كان يصلي ثلاث صلوات، والصلوات الخمس التي فُرِضت قبيل نهاية العصر المكي تتضمن هذه الصلوات الثلاث في أوقاتها وتضيف عليها، فلا نسخ، فالنسخ يعني الإلغاء، وهذا ما لم يحدث.
-           عندما قلنا إن القرءان هو الكتاب المهيمن والناسخ لبعض أحكام الشرائع السابقة والمصحح لما في الكتب المنزلة الأخرى قلتم: "وما بال الكتب الأخرى؟ هذا تفريق وتعصب"، وعندما نأتـيكم بما يقوض آراءكم مما ورد في الكتب الأخرى تقولون: ألا تعلم أنها محرفة ومزورة؟؟!
-           الذي أضاع الصلاة هم بنو إسرائيل كما ذكر القرءان، وليس بنو إسماعيل ولا الصابئة، ويوجد بعض من يسمون بالإسحاقيين يصلون صلاة هي أشبه بصلاة المسلمين، ولقد حفظها الله تعالى في ذرية إسماعيل استجابة لدعوة إبراهيم وإسماعيل المذكورة في القرءان.
-           أكثر العرب الآن لا يدركون مواطن الجمال البلاغي في القرءان لأسباب عديدة، من الأفضل للدعوة الآن تحديد المواضيع الرئيسة التي تكوِّن أي دين والمقارنة بين ما يقوله الإنسان بشأنها وما تقوله الأديان الأخرى، أو ما يعرفه هو.
-           طبقا للسان العربي البشارة الثانية هي بإسحاق ذاته، وليس بجعل إسحاق الموجود نبيا، لا ريب في ذلك، ولما كانت آيات القرءان يصدق بعضها بعضا ويفصل بعضها بعضا، فهذه البشارة كانت مقترنة أيضاً بما أظهرته الآية الأخرى، أي بإسحاق ومن ورائه ابنه يعقوب: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ}هود71 ، ولذلك كان إبراهيم يعلم أن إسحاق سيعيش وينجب، ولا يمكن أن يقال له وقد علم ذلك: "اذبح إسحاق وهو الغلام الذي سيولد له يعقوب عندما يكبر ويتزوج!"، فالتبشير بإسحاق حدث بعد الابتلاء!
-           هل سنكون مضطرين للتكرار؟ البُشرى هي بالشخص ذاته طبقا للسان العربي والأسلوب القرءاني، انظر إلى التبشير بيحيى والمسيح، قال تعالى: {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً} مريم7، {إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} آل عمران45.
-           ولا توجد أية ضرورة لذكر اسم إسماعيل هنا، فهناك فحوى النصوص ومقتضياتها، والآيات يكمل بعضها بعضا، وذكر الأسماء في القرءان يخضع لتوازنات عددية محكمة هي من آياته، يوجد تبشير بغلام حليم بعد الدعاء، كبر هذا الغلام، ذكرت التوراة أنه كان ابن جارية وأن سارة طلبت منه إخراجها من بيتها، فأكمل القرءان القصة: {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ }إبراهيم37، فهو لم يسكن ذريته كلهم وإنما بعضهم، أكملت آيات الصافات القصة، ابتُلي إبراهيمُ بموضوع الذبح، كانت ذرية إسماعيل هي التي حفظت الصلاة بالفعل وتحققت بها وفيها دعوة إبراهيم: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء }إبراهيم40، بعد انتهاء البلاء المبين بشره الله تعالى بإسحاق، كان ذلك في منزل زوجته العجوز، لذلك قالت: {قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ }هود72، كانت البشرى هي: {وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ }هود71، والقول بأن إسماعيل كان ابن جارية أي ابن فتاة شابة صغيرة في السن، وليس ابن أمة!
-           لا علاقة لهذه القصة بالتلمود!، وأنت تعترف بالتوراة ككتاب إلهي، واليهود لا يعترفون أيضا بوالدة إسماعيل كزوجة بل كجارية أو أمة، ولكنهم يعترفون مضطرين بإسماعيل كأكبر أبناء إبراهيم، وإن كانوا يقولون إن ابن الجارية لا يرث لكي يخرجوا من حرج مخالفة قانون البكورية! ورغم أنه مكتوب في التوراة: "خذ ابنك بكرك لتذبحه"، فقد حاولوا عبثا إثبات أن الذبيح هو إسحاق، وتابعهم على ذلك أكثر المفسرين، فهذا القول ليس بجديد.
-           قرأت منشورك يا أستاذ، وللأسف كل المرويات التي وجدتك تستشهد بها هي محض إسرائيليات فجة، كيف تستشهد بها مع أن هذا ضد منهجك؟ ألا تسخر علنا من كل من يستشهد بالمرويات وتسميهم عبيد المثناة؟
-           وكيف تستشهد بكلام اليهود رغم أنهم هنا هم الخصوم، فهم الذين يزعمون أن إسحاق هو الذبيح، وإسماعيل كان بالفعل أباً ليعقوب لأنه عمه: {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} البقرة133، ولا يوجد أية ضرورة لتكرار ذكر ذلك في كل الآيات، فالقرءان يقتصد ويوجز في التعبير.
*******
وجاء في سفر الخروج، الإصحاح 22:
1وَحَدَثَ بَعْدَ هذِهِ الأُمُورِ أَنَّ اللهَ امْتَحَنَ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ لَهُ: «يَا إِبْرَاهِيمُ!». فَقَالَ: «هأَنَذَا». 2فَقَالَ: «خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، الَّذِي تُحِبُّهُ، إِسْحَاقَ، وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ الْمُرِيَّا، وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ الَّذِي أَقُولُ لَكَ».
وفي النص التوراتي المذكور يتبين ويتضح تزوير اليهود! فلم يكن إسحاق أبدا هو الابن الوحيد لإبراهيم، وقد ارتبك المزورون فأضافوا "الذي تحبه"، ثم صرحوا بالاسم، فكشفوا كذبهم، أما النص الأصلي فكان بلا ريب: "خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ" فقط.
وقولهم من بعد أنه ابن الجارية لا ينفي البنوة، وتشكيكك في المصرية الحرة التي أنجبته هو تشكيك في إبراهيم نفسه، والزعم بأنه لا يحب ابنه البكر هو أيضا طعن فيه، والموقف الذي اتخذه مع زوجته وابنها جعل النقاد الغربيين الأحرار يقولون فيه ما قالوا!!

إن آيات القرءان تثبت أن الذبيح هو إسماعيل، وكذلك التوراة (خذ ابنك بكرك وخذ ابنك وحيدك، وهم يتلاعبون هاهنا!!)، فثمة تبشيران؛ تبشير أول بغلام حليم بمجرد نجاته من قومه وهجرته، قال تعالى: {قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ{97} فَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ{98} وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ{99} رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ{100} فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ{101} فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ{102} فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ{103} وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ{104} قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ{105} إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ{106} وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ{107} وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ{108} سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ{109} كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ{110} إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ{111} وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ{112} الصافات
فلقد بشره ربه بغلام حليم بمجرد طلبه بعد هجرته، وبعد صبر إبراهيم على الابتلاء وامتثاله لأمر ربه تم التبشير بإسحاق (الغلام العليم)، أي تم التبشير بعد فداء إسماعيل، وإسحاق موصوف بالغلام العليم في القرءان:
{قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} الحجر53، {فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} الذاريات28.
-------
المثاني الخاصة بإسماعيل عليه السلام
ولإسماعيل عليه السلام المثاني السميع العليم والتواب الرحيم والعزيز الحكيم، قال تعالى:
قال تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}البقرة127  *  {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}البقرة128  *  {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} البقرة129.
وبذلك كان هو الوارث الأكبر لأبيه إبراهيم عليه السلام، وكان من ذريته خاتم النبيين، وكان من ذريته من تحقق به الوعد القديم الذي خصّ الله تعالى به إبراهيم عليه السلام.
-------
لقد جعل الضالون الجدد من الرسول الكريم إسماعيل عليه السلام هدفا لسهامهم، يريدون أن يجردوه من كل فضيلة هي له، بل يريدون أن يقطعوا أي صلة بينه وبين إبراهيم عليه السلام، وهو ما لم يجرؤ بنو إسرائيل على فعله!!!!!
وبالطبع فالهدف هو التشكيك في النبي الخاتم وتقويض الإسلام كله أو تقديم نسخة منه تحظى بقبول شياطين الإنس والجن.

*******
لم يختلف السلف أبدا في أن إسماعيل هو ابن إبراهيم، هذا مجمع عليه فلا يمكن أن يخالفوا القرءان، وهذا أمر ثابت بالتوراة أيضا ولا يخالفه إلا من هو أكثر يهودية منهم.
وقد اختلفوا بالفعل فيمن يكون الذبيح، فهاتان قضيتان مختلفتان، ولكن بعض المدلسين يحاول إيهام الناس أنهما قضية واحدة، فهو يسرد أقوال من قال بأن الذبيح إسحاق في سياق إثبات أن إسماعيل ليس ابنا لإبراهيم!!
ولم يصح أي حديث مرفوع يقول بأن الذبيح هو إسحاق، وأكثر أهل العلم والمفسرين يقررون أن الذبيح هو إسماعيل، وعلى كل حال فإيرادهم لمرويات تقول بأن الذبيح إسحاق في مقابل مرويات تقول بأنه إسماعيل يرجح القول بأن كل هذه المرويات باطلة ووضعت من بعد من قِبَل أنصار كل قول للانتصار لوجهة نظرهم، فلا يُعتد بها.
ولا يبقى إلا القرءان، وهو يقرر أن الذبيح هو إسماعيل، وتؤكد ذلك أدلة توراتية لم يستطيعوا إخفاءها.
ومن المضحك أن يحاول المكذبون بالمرويات الساخرون ممن يأخذ بها أن يحتجوا بها إذا وافقت أهواءهم.


هل كان الضالون الجدد أول من شكك في كون النبي الخاتم من سلالة إبراهيم؟ كلا بالطبع، فالمستشرقون هم أول من قال بذلك، وأخذ هذا القول منهم د. طه حسين وأحدث به ضجة كبرى في مصر، ولكن طه حسين كان أمينا مع نفسه عندما قال بأن البحث في التاريخ يجب أن يسير وفق مناهجه الخاصة به دون التأثر باعتقاد ديني.
والحق هو أن ما أورده القرءان عن الأنبياء وقصصهم هو من الأمور الغيبية التي يجب على المسلم الإيمان بها، فالإيمان مجاله الغيب، وليس له أن يقول إنه لن يؤمن بالنبي شعيب مثلا إلا إذا وجد الأثريون كتابا يحكي قصة حياته بالتفصيل ويكون مدوناً فيه حواراته مع قومه!!!! أو كتابا باللغة الهيروغليفية به قصة موسى وفرعون!!!!
وبافتراض أنهم وجدوا كتبا كهذه فإن الأمر لم يعد بذلك مجال إيمان، وإنما مجال علم، ولا قيمة لإيمان ذلك المتعنت بعد ذلك، فلقد سُجِّل عليه كفره، وسيحاسب عليه بالضرورة، ولو استمر في الإنكار بعد ذلك فإنه يكون كافرا جاحدا، وهذا شر أنواع الكفر.
ويجب أولا العلم بأن أكثر من 99% من أخبار العالم القديم قد اندثرت، وأن الأمور الثابتة ثبوتا قطعيا قليلة جدا ولا تصلح لكتابة تاريخ متصل ذي مصداقية وأن المؤرخين ملئوا الفراغات بالكثير من الافتراضات والظنون والأوهام والنظريات التي يعتبرها الناس الآن كحقائق، ويحكمونها في القرءان، وبالطبع فإنه يضيِّع نفسه من كفر بالقرءان من أجل تاريخ بهذه الحالة التي يُرثى لها.
أما منهجنا نحن فهو منهج جديد فريد، فهو مبني على اعتبار آيات القرءان مسلمات وبديهيات (Axioms and Postulates) وأنه لا اختلاف في القرءان ولا تعارض، فهو كتاب متسق اتساقا تاما A completely self-consistent book، ولذلك إذا قرر بوجود صلة بين خاتم النبيين وبين إبراهيم فيجب الإيمان بذلك وبناء النظرية التاريخية على هذا الأساس.
ونحن على ثقة تامة بأن التقدم العلمي سيأتي دائما مصدقا للقرءان، وبالنسبة للصلة بين العرب وبين الإسرائيليين فلقد أثبتها التحليل الجيني الحديث، فقد ثبت أن أنقى اليهود وهم سلالة الكوهين لهم نفس الهابلوجروب مثل العرب وهو J1-m267، وبذلك يتبين أن من كفروا بدينهم بسبب تشكيكات المستشرقين أو طه حسين أو غيره قد خسروا كل شيء!
والتقدم العلمي يدحض أيضا أساطير الطوائف المختلفة، وعلى سبيل المثال كان المسيحيون في مصر ومازال أكثرهم يشككون في مصرية المسلمين!! وقد أثبت التحليل الجيني أن نسبة الهابلوجروب العربي الإسرائيلي هو عند المصريين بصفة عامة 20% فقط بينما عند الأقباط يبلغ 39%!!! وهي أعلى نسبة في الشمال الأفريقي، وهي أعلى أيضا من النسبة في سوريا ولبنان وفلسطين والعراق والإمارات العربية وعمان، وبذلك يتضح أن نسبة المصريين المسلمين الذين ينتمون إلى السلالة غير العربية أعلى بكثير منها عند المصريين المسيحيين!!!!!  ومن الجدير بالذكر أن أعلى نسبة لهذا الهابلوجروب هي في اليمن 76%، ثم في السعودية 64%، فاليمن أكثر بلاد العالم عروبة.

*******



هناك تعليقان (2):

  1. إسماعيل عليه السلام كان من الأنبياء المرسلين، وهي أعلى طبقة من عباد الله المخلصين

    ردحذف