الخميس، 18 يونيو 2015

مقارنة بين سمات دين الحق وبين سمات الدين الأعرابي الأموي العباسي الذي حل محله

مقارنة بين سمات دين الحق وبين سمات الدين الأعرابي الأموي العباسي الذي حل محله

1-           إن دين الحق يأمر الناس بالإيمان بالإله الذي له الأسماء الحسنى والشؤون والأفعال المنصوص عليها في القرءان والذي تحدث عن نفسه فيه، فهو يقدم للناس العلم الصحيح بالإله الذي يجب أن يعبد، وهو يقدمها بحيث ينتفع بها كل الناس كلٌّ بحسب قدراته وإمكاناته وبحيث تفتح لهم أبواب الرقى والتقدم والتزكي أما المذهب القرشي السني فيقدم للناس معرفة قاصرة قوامها المرويات الظنية الضعيفة مثل مروية الترمذي ومروية ابن ماجة وكذلك المرويات التلمودية البدائية المجسمة المنقولة عن بنى إسرائيل والمدسوسة في التراث الديني وكذلك أقاويل وتخرصات المتكلمين بشتى طوائفهم، وبالتالي فإن معتنقي هذا المذهب بشتى صوره يؤمنون بتصور للإله هو أقرب إلى تصورات أهل الكتاب بقدر ما هو أبعد عن سمات الإله الذي أنزل القرءان.
2-           إن الحكمة تسرى في دين الحق وتحف بكل أمر من أوامره، لذلك فهو دين مقاصد؛ يتكلم عن الأمر الكوني والتشريعي مرتبطا بالحكمة أو المقصد منه، وهو يندد بالأداء الشكلي للعبادات كما يندِّد بالمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون والذين هم يراءون ويمنعون الماعون، وكذلك يندد بالذين يقولون ما لا يفعلون، ويعلن أن أسباب التفاضل أساسا هي الأمور القلبية، أما المذهب القرشي السني فهو إما أن ينكر الحِكم والمقاصد إنكاراً تاما وإما أن يختزلها إلي أمور عامة لا علاقة لها بالمقاصد الدينية، وبخصوص الأمور والسنن الكونية فلقد أنكرت بعض مذاهبهم السببية فقطعوا على الناس سبل البحث والنظر في الآيات الكونية وقوضوا المقاصد الدينية وجعلوا الناس فريسة سهلة للخزعبلات والخرافات.
3-           إن دين الحق يقصد إلى إعداد الإنسان الصالح الرباني الفائق، ولما كان الكيان المركزي الجوهري للإنسان هو القلب بشعبتيه الوجدانية والذهنية فإن هذا الدين يقدم له ما يروى ظمأ الشعبتين ويزكيهما، فهو يجعل النجاة منوطة بسلامة القلب، كما يجعل المكانة العظمى ومناط الأكرمية للتقوى بما تستلزمه من حب الله وإجلاله وتعظيم قدره واحترام جنابه كما يجعل الإمامة على المتقين لأولي الألباب منهم، وهو يسمح للإنسان بالتعامل المباشر مع ربه بل يلزمه بذلك، أما منظرو الصياغة السنية القرشية فلقد استبعدوا منها تماما الأمور الوجدانية بحجة أنها غير منضبطة فركزوا على الأمور الشكلية والأوصاف الظاهرية فجاءت صياغتهم للدين مادية وأشبه بمدونة قانونية مثلما آل إليه الأمر في اليهودية؛ فانصب الاهتمام أساسا على الشكليات والإجراءات والطقوس والأوصاف الظاهرية، فالصوم صحيح لمجرد الامتناع عن الأكل والشرب والجماع لوقت معلوم دون النظر إلى كافة الأمور الأخرى التي تفسد الصوم على المستوى الجوهري مثل الغيبة واللغو والكذب والظلم والإفساد في الأرض، وكذلك الصلاة عندهم صحيحة إذا ما أدى المصلى حركاتها الظاهرية المعلومة وإن كان ساهياً عنها أو مرائياً بها أو غافلاً عن ذكر الله فيها، أما من حيث الجانب الذهني فلقد حالوا بين الإنسان وبين استخدام ملكاته إلا في الأمور اليومية الجزئية وضربوا عرض الحائط بكل أمر قرءاني يحث علي استخدام تلك الملكات ويندد بمن لا يستعملها وأنكروا السببية والارتباط بين الأفعال ونتائجها فلم يعد ثمة مجال لإعمال الملكات الذهنية فيه، ومنهم من يكاد يجرِّم استعمال الملكات الذهنية! وقد جعلوا الفقه الذي هو ملكة قلبية مجرد معلومات متعلقة بالنواحي الشكلية من الأحكام الشرعية العملية وأدلتها التفصيلية الجزئية فصرفوا الناس بذلك عن إعمال ملكة الفقه في مجالاتها الحقيقية وهى الآيات الكتابية والكونية الآفاقية منها والنفسية وكذلك السنن الإلهية والكونية.
4-           في دين الحق فإن المرجع الوحيد في الأمور الكبرى هو الكتاب العزيز، أما في الأمور الثانوية فهو المرجع الرئيس، أما المراجع الأخرى فإنما تستمد شرعيتها منه؛ وهى ما أحال إليه من السنن والآيات الكونية الآفاقية والنفسية وكذلك السنن والوقائع التاريخية الثابتة وما نقل عن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ  بالتواتر العملي الحقيقي وما ثبتت نسبته إليه من سيرة أو أقوال أو أفعال أو أخلاق، ومن شروط الثبوت وجود سند ووجود أصل لمضمون المتن في القرءان الكريم وإمكان اندراج مضمون المتن في الإطار العام لدين الحق، أما المذهب القرشي السني فمراجعه هي كتب المرويات الظنية وأقوال أئمتهم وما توافق مع ذلك من آيات الكتاب، أما ما خالف ما لديهم فهو إما منسوخ أو مؤوَّل، فالمنسوخ لا يقرأ إلا للتبرك، أما المؤول فإن لديهم وحدهم تأويله ولابد أن يتفق تأويله مع ما لديهم، والكتاب عندهم مبجل وموقر، ومن فرط توقيرهم لمقامه وتعظيمهم لقدره فإنهم لا يقحمونه في أمور حياتهم ولا يسمحون له بالتدخل في شؤونهم، وليس له عليهم إلا أن يتلوه وأن يجودوه وأن يزخرفوه وأن يتغنوا به وأن يقبلوه وأن يذرفوا الدمع الهتون عندما يتلونه وأن يتوارثوا ما زعم الأسلاف أنه تفسيره، وكيف يعملون به ولماذا يلجئون إليه وقد أغنت المرويات الظنية عنه، وهم يفخرون بأنها تشكل 80% من مادة الدين عندهم، ولم يكتفوا بذلك بل تمادوا إلى أن أصبحت أقوال مشايخهم تشكل كل الدين، فدين الحق يتخذ كتاب الله المرجع الأوحد في الأمور الكبرى والمرجع الأعلى فيما دونها، أما المذهب القرشي فيتخذ القرءان مهجورا ويجعل مرجعه الرئيس ما نسب إلى عدد محدود من أهل القرنين الأول والثاني كانت لهم مواقف وميول معروفة وهم بالتحديد السيدة عائشة من بين كل زوجات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن عباس وأبي هريرة وأنس بن مالك، ولو أنصفوا لعلموا أن ما ثبت من أفعال وأقوال الصديق والفاروق والإمام وأبى ذر وحذيفة وسليمان وأبى عبيدة وسعد بن عبادة وقيس بن سعد وبلال وابن مسعود وأبي عبيدة وغيرهم من أكابر السابقين الأولين لأدل على سنة الرسول الحقيقية من كل ما نسبوه إليه عن طريق كل من اشتهر بالتحديث عنه، ولم يخطئ مالك بن أنس عندما قدم عمل أهل المدينة على المرويات المتداولة، وكذلك لم يخطئ أبو حنيفة عندما اعتبر ما توارثه معلموه الصادقون من أقوال وأفعال منسوبة إلى الإمام علي وإلى ابن مسعود أدلّ علي السنة مما كان متداولا من المرويات الآحادية.
5-           دين الحق يجعل للكتاب العزيز الهيمنة على كل ما هو من دونه ولا توجد فيه آيات منسوخة، ذلك لأن الآية الكتابية بحكم تعريفها لا تنسخ وليس ثمة مصدر أعلى من الكتاب العلي الحكيم لينسخه ولا ليقرر أن فيه نسخا فهو الكتاب الكامل الخاتم الذي لا يمكن أن ينسخ بكلام أي إنسان كائنا من كان، والقرءان الكريم يسمى فيه بالكتاب العزيز وهذا ما ينفي إمكانية نسخ أي شيء منه، ولقد وصف الله كتابه ببعض سماته، واتصاف القرءان بصفات قائله ينفي إمكان نسخه، أما مذهب قريش فيزعم أن هنالك آيات قرءانية منسوخة وأن المرويات الظنية يمكن أن تنسخ آيات الكتاب بل زعم بعضهم أن إجماعهم يمكن أن ينسخ الآيات فحكَّموا جهلهم في كتاب الله ودفعوا الناس إلى هجران الكتاب خوفا وهلعا من فزاعة الناسخ والمنسوخ.
6-           ليس ثمة كهنوت في دين الحق وليس ثمة أدنى فرصة لاستنباته، فدين الحق يقضى عليه أينما كان ويتتبعه في كل مظان وجوده ويبيده، أما دين قريش فهو دين النفاق؛ يزعم ألا كهنوت فيه وهو يعطى كل السلطات الكهنوتية لمن لم يبذل الجهد الذي يبذله الناس في الأديان الأخرى ليأخذوها، فالصياغة القرشية صياغة كهنوتية تحاصر الإنسان بشبكة محكمة عنكبوتية حتى يكاد المسلم المتحمس ألا يحرك يده أو ينبس بكلمة إلا بفتوى كهنوتية وهو يظن أنه بذلك يتقرب إلى ربه.
7-           دين الحق يهدف إلى إعداد وبناء الأمة الخيرة الفائقة التي يكون كل فرد فيها رجل دين يقوم بكل ما يمكنه لإعلاء كلمة الحق، أما صياغة قريش فتحرف الكلم عن مواضعه وتتخذ من الأوامر الدينية الخاصة بإعداد الأمة ذريعة لاستحداث وافتعال هيئة كهنوتية تحتكر لنفسها كل ما يتعلق بأمر الدين وهى بالطبع لن تفعل إلا كل ما يؤدى إلى استمرار تقويض مقاصد الدين في سبيل استمرار هيمنة الصياغة القرشية وترسيخ نفوذها.
8-           دين الحق هو دين عالمي لا يتقيد بعادات أو تقاليد أمة معينة فهو دين حقاني موضوعي لا عبرة فيه للأمور الشخصية والذاتية أما صياغة قريش فلا هم لها إلا الحفاظ على عادات وتقاليد وتراث عرب وأعراب القرن السابع الميلادي وفرضها على العالمين.
9-           دين الحق لا يظلم الناس شيئا ويجعل الأمر لمن كان أهلاً له ولا فضل فيه لأحد على أحد إلا بالتقوى والعمل الصالح ولا إمامة فيه لظالم ولا ينال عهد الله فيه الظالمين، أما دين قريش السني فالإمامة وولاية الأمر فيه لقريش؛ فقريش عنده فوق الجميع أما كل من هم سواهم فهم أجلاف الأعراب أو الأعاجم أو العلوج.
10-       دين الحق لا إسراف فيه ولا تكالب على حطام الدنيا ولا تهالك على متاعها القليل، أما دين قريش فيمكِّن الرجل من اقتناء ما استطاع إليه سبيلا مما لا يحصى عدده من النساء من شتى الأنواع والسلالات ولا يجعل على الناس وخاصة السلاطين من حرج في أن يغترفوا من الدنيا وأن يتقلبوا في متاعها ظهراً لبطن كما قال سيدهم ومهجة قلوبهم معاوية أحد أكابر أئمة هذا المذهب، ولقد تفوق السلاطين القرشيين ومشايخهم علي سليمان عليه السلام الذي أوتي ملكاً عظيما في عدد ما كانوا يقتنونه من النساء، فكيف كان يمكن لأمة كهذه أن تقتحم العقبة وأن تحقق مقاصد الدين العظمي؟
11-       دين الحق هو دين الحرية وكرامة الإنسان، دين التوحيد النقي الخالص، دين كلمته السواء التي يدعو الناس إليها هي: {أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ}، أما دين قريش هو دين الجواري والرق والغلمان واستعباد الإنسان للإنسان، هو الدين المليء بالأرباب من شتى الأنواع، وهم يتزايدون كلما أصبحوا سلفا!!
12-         دين الحق يعول على ما في القلوب ويجعل التقوى وهي صفة قلبية مناط التفاضل، أما دين قريش فالمعول فيه على الأداء الشكلي للشعائر.
13-       دين الحق يجعل للناس حقوقا علي القائمين علي أمورهم ويحرم الظلم ويجرمه ويلعن الظالمين وأهل البغي ويتوعدهم بالعذاب الأليم ويلزم الناس بالانتصار منهم وعليهم ويندد بمن يسكت عليهم ويجعل الظلم هو الإثم الأعظم ولا إمامة فيه لظالم ويحذر من موالاة الذين ظلموا ومن الركون إليهم ويتوعد من يفعل ذلك، أما دين قريش فيعطى للمتسلط على الأمر من السلطات ما لم يحلم به فرعون أو كسرى أو قيصر طالما لم يدع الربوبية أو الألوهية بالقول وإن ألزم الناس باتخاذه رَبـّـاً وإلها بالفعل، بل ويلزم الناس بالدعاء لهم وبالطاعة المطلقة لهم مهما فعلوا، بل يحرم عليهم أن يخطر ببالهم أي تشكيك في مصداقيتهم، فدين قريش فيعطى كل الحقوق والامتيازات للمتسلطين على الأمر ويفرض على الناس الذين يسمونهم بالرعية الصبر عليهم والدعاء لهم وإن سفكوا دماءهم ونهبوا أموالهم وجلدوا ظهورهم، أما رجال الكهنوت منهم فيقتاتون بما يلقيه إليهم الظلمة من الفتات وفى مقابل ذلك يقوضون مقاصد الدين ويحققون مآرب الشياطين.
14-       دين الحق يجعل ولاية الأمر مسؤولية جسيمة ويرتب على ولى الأمر واجبات فوق ما يرتبه على المسلم العادي ولا يجعل له من تسلط أو قهر على الناس وإنما جعل له عليهم حق الطاعة في الأمر الذي فوض إليه وليس في غيره ما لم يخل بشرط من شروط أهليته وجدارته بالأمر أو من شروط العقد المبرم بينه وبين الأمة، وولاية الأمر متعلقة بكافة أمور الحياة بما في ذلك ما يستجد منها، وهذا الأمر قد يكون أمراً تشريعياً أو قضائياً أو تقنياً أو علمياً أو فنياً … الخ، ودين الحق لا يجعل من الأفضلية أو التفوق في مجال ما وسيلة للتعالي على الناس والتسلط عليهم وإنما يضاعف المسؤولية علي من حظي بهذا التفوق، فدين الحق يجعل ولاية الأمر للمؤهل لها، ومن شروط التأهيل لولاية الأمر التنفيذي مثلا القبول من سائر الناس، والآليات اللازمة لقياس وتقدير هذا القبول تختلف باختلاف العصور والأمصار، ولأولي هذا الأمر حق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلي الخير وحشد كل الطاقات لتحقيق مقاصد الدين العظمى، ومن الوسائل الحديثة لإنجاح كل المهام المنوطة بولاية هذا الأمر حرية الإعلام وحرية تداول المعلومات وبها يمكن تفعيل آليات الشورى والتناصح.
15-       دين الحق لا يجعل من العلاقة بالصالحين أو الانتساب إليهم وسيلة للتربح أو تحصيل شيء من حطام الدنيا أو التعالي على الناس وإنما يضاعف المسئولية على هؤلاء فيما تترك الصياغات الأخرى دائما ما يسمح بذلك.
16-       دين الحق يجعل من أركانه الحفاظ على حقوق وكرامة الإنسان وكذلك من أركانه القيام بواجبات ومقتضيات الاستخلاف في الأرض.
17-       دين الحق يعلن أن من أسماء الله "السلام"، فيجعل السلام بذلك من قيمه المقدسة، ويجعل السلام هو الحالة السائدة التي يجب التمسك بها، وهو لذلك يجنح إلى السلم ويلزم الناس بالدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة والحوار فيما بينهم، وهو يعلن بكل وضوح أن الله لا يحب المعتدين وينهى عن العدوان بشدة، أما الدين القرشي السني فيريد أن يشعلها حربا شعواء على الإنسانية جمعاء ولا يعرف إلا السيف وسيلة للدعوة؛ فكل السبل الأخرى للدعوة منسوخة عنده، وهو يجعل قتال الآخرين هو الحالة الطبيعية التي لا يجوز العدول عنها إلا لأحوال استثنائية أو طارئة.
18-       دين الحق هو دين أمور حقانية موضوعية يعول على الإنجازات والصفات الحقيقية فينسب الناس إلى إنجازاتهم وصفاتهم، أما مذهب قريش فهو دين أمور شخصية غير موضوعية فينظر إلى من قال وليس إلى ما قال ويجعل للرجال الحجة على الحق، لذلك فعباد المذاهب الضالة لا ينكرون بل يتفاخرون بأنهم ينتمون إلى البخاري ومسلم والترمذي ومالك بن أنس وابن حنبل والأشعري وابن تيمية وابن قيم الجوزية وابن عبد الوهاب…. الخ، فإذا ما ذُكِر الله وحده أو ذكر كتابه وحده اشمأزت قلوبهم وكشروا عن أنيابهم واستعدوا لإطلاق كل ما في جعبتهم من تهم، أما إذا ذكر واحد من أولئك إذا هم يستبشرون، وإذا ما دعوا إلى كتاب الله ليحكم بينهم تولوا وهم معرضون، فليس لكتاب الله عندهم إلا أن يجودوه ويرددوه ويزخرفوه وأن يقيموا المسابقات لتكريم من يحفظونه ثم لا يسمحون له من بعد ذلك بالتدخل في أمور حياتهم أو بتكدير صفو لذاتهم.
19-       دين الحق هو دين جاد فأركانه الكبرى الملزمة للفرد عديدة ومتنوعة منها معرفة الله تعالى بأسمائه الحسنى والعمل بمقتضيات ذلك وإخلاص العبادة لله تعالى وذكر الله وإقامة صلة وثيقة بالله والعمل علي دعم تلك الثقة والإيمان بالغيب الذي يتضمنه الكتاب والإيمان بخاتم النبيين وتعظيم قدره وتزكية الكيان الإنساني (بتزكية الملكات القلبية والتحلي بمكارم الأخلاق والتطهر من الصفات الذميمة) وتلاوة الكتاب وإعمال الملكات القلبية في آياته وإقامة الصلاة والإنفاق في سبيل الله وإيتاء الزكاة والعمل الصالح والجهاد…..إلخ، بينما يختزل المذهب القرشي الدين إلى مجرد الأداء الشكلي للأركان الخمسة، ولقد ألقى الكهنوت في روع الناس أن أمورا كاستعمال السواك والهرولة إلى المساجد عند سماع الأذان والإكثار من أداء العمرة وارتداء الجلباب وإطلاق اللحية والتفنن في تغطية جسم المرأة…. إلخ ستغنيـهم عن القيام باركان الدين العظمى التي نص عليها الكتاب العزيز الذي هجروه، ولكن هيهات، إن أمرهم لأشبه بمن يريد تحقيق النجاح بالمذاكرة الشكلية للقليل من المقررات الثانوية وبالإهمال التام لمعظم المقررات الأساسية في حين أن الاختبار صعب وجاد والرقيب محيط بكل شيء علما.
20-       دين الحق يبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالجنة ويعدهم بأن يثبتهم ربهم وبألا يضيع إيمانهم ويجعل الفوز بالدرجات العلي نتيجة مترتبة على حياة حافلة بالأعمال الصالحة، أما دين قريش فيجعل من دخول الجنة أمرا عشوائياً اعتباطيا يمكن أن يناله إنسان ما بمجرد التلفظ بالشهادتين مهما طغى وبغى وظلم وأفسد في الأرض وارتكب الكبائر وقد لا يناله المؤمن الصالح الذي قضى عمره في طاعة الله بل قد يجد نفسه ملقى في النار.
21-       دين الحق يخاطب الإنسان ككائن مريد مختار ويجعله مسؤولاً عن كل ما يصدر عنه ولا يحمل الله سبحانه مسؤولية أخطاء الإنسان ولا يقول بجبرية صريحة أو مقنعة ولا يشكك في العدالة الإلهية مثلما يفعل المذهب القرشي.
22-       دين الحق أنزل ليقوم الناس بالقسط وليتحاكموا فيما بينهم بالعدل وليكون أمرهم شورى بينهم ولينتصروا إذا أصابهم البغي، أما مذهب قريش فهو يفرض على الناس الخضوع المطلق لكل متسلط على الأمر مهما طغى وبغى وظلم وأفسد في الأرض وتجعل من الانتصار منه بابا للفتنة وخروجا على الجماعة وخلعا للربقة حتى قال أحد المغفلين المهرجين من أئمتهم أن الحسين قتل بسيف جده؟!! أما ابن عمر فلقد رمى أهل المدينة بالغدر عندما خلعوا يزيد اللعين.
23-       دين الحق يجعل من أركانه العظمى ذكر الله تعالى في كل الأحوال وبقدر وسع الإنسان فيلزم متبعيه بالعمل بالأوامر القرءانية بالتسبيح لله وبالتسبيح بحمده وباستغفاره وبالدعوة بأسمائه الحسنى بينما يحرّم دين قريش على الناس العمل بالأوامر القرءانية بإلزامهم بألا يذكروا الله إلا بما ورد في مروياتهم الظنية ويعتبر ما لم يرد فيها بدعة وإحداثاً في الدين.
24-       دين الحق يجعل من أركانه العظمى الإيمان بالرسول الخاتم وتعظيم قدره ومن لوازم ذلك الالتزام بالأمر القرءاني المطلق بالصلاة والسلام عليه بينما يأمر دين قريش الناس بألا يتجاوزوا ما ورد في مروياتهم الظنية ويتداولون مرويات تنال من قدر النبي وتعرِّض به وتظهر عمر بن الخطاب معلما ومصححا له وتجامل من أسموهم بأصحابه على حسابه.
25-       دين الحق يؤمن بأن الله تعالى قد حقق ما وعد به وحفظ الذكر للناس بينما يشكك دين قريش في ذلك الوعد الإلهي فيقول إن ثمة سورا لم تدون وأنه قد ضاع الكثير من سور أخرى وأن داجن الحي قد أكلت وثائق كان مدونا فيها آيات قرءانية ففقدت.
26-       دين الحق يقرر ألا يتولى أمر الناس إلا من هو منهم، فلا يكفي أن يكون الإنسان مسلما، فليس من السنة أن يتولى أحد الأتراك أمر المسلمين في اليمن مثلا، ولقد جلب تجاهل تلك السنة الكوارث على الأمة مهما حقق من فوائد جزئية محدودة.
27-       في حين تنكر الصياغة السائدة العلاقات السببية فلا تدع مجالاً لإعمال الملكات الذهنية ولا لإمكانية التطور العلمي فإن دين الحق يجعل القوانين المعبرة عن الارتباطات بين الوقائع والظواهر من مقتضيات السنن الإلهية التي لا تبديل لها ولا تحويل، ويجعل من النظر في تلك السنن ركناً دينياً لازما به تتزكي النفس وتتحقق مقاصد الدين.
28-       دين الحق لا يرى في نتائج إعمال الملكات الذهنية والوجدانية في شتي المجالات العلمية والفلسفية والأدبية خطراً عليه، وإنما يجعلها من أركانه التي تتقدم على الصيام والحج، وينظر إليها على أنها من لوازم تحقيق الغايات الوجودية وارتقاء البشرية، ذلك لأنهم يعلمون أن الله سبحانه ما خلق شيئاً باطلا فذلك ظن الذين كفروا وإنما خلق كل شيء بالحق، فدين الحق يؤكد دائما اتساقه مع الفطرة البشرية لأنه هو دين الفطرة، وإن من أسباب فشل كل الصياغات الموجودة رغم ما أدخل عليها من إصلاحات حديثة هو إصرارهم علي تجاهل ما أحرزته البشرية من تقدم في مجال العلوم والقوانين والسنن الطبيعية والنظر إلي ذلك بتوجس وظنهم أنه يمكن إحراز التقدم بمجرد استيراد ما لدي المتقدمين من أشياء وتقنيات، أما دين الحق فيعتبر كل هذه العلوم علوماً دينية تزيد من معرفة الإنسان بخالقه ويلزم المنتمين إليه بالإسهام فيها.
29-       المذهب السني الحقيقي يشترط القرشية في ولاية الأمر ويلزم الناس بطاعة المتسلط عليها مهما طغى أو بغى أو ظلم أو فجر طالما سمح لهم بأداء الصلاة، أما دين الحق فيجعل الظلم والبغي من كبائر الإثم المخلة بالأهلية وبجدارة الإنسان بالأمر ولكنه أيضا لا يكلف إنساناً إلا بما هو في وسعه، وهو يجعل ولاية الأمر للأجدر به أي لمن هو أهل له والتأهيل بالطبع يختلف باختلاف الأزمان طبقا لطبيعة الدين الخاتم وعالميته وكماله، ولكن يبقى ولى الأمر دائما ملزما بقيم الدين وسننه والتي تحرم الظلم تحريماً باتا، ولابد للناس من أولى أمر منهم ولابد من طاعتهم، فتلك الطاعة ركن ديني ملزم، والقائل بغير ذلك إنما يسعى للقضاء علي الأمن وإشاعة الفوضى، ولقد أرسل الله تعالى رسله لهداية الناس بمعنى الدلالة على سبل الرشاد، فلا يجوز لأحد أن يرفض ما أتوا به بحجة أنه لا هادى إلا الله مثلا، وولى الأمر ليس إلهاً معبودا وإنما هو إنسان تلقى التأهيل اللازم للقيام بأمر معين وخاض كافة الاختبارات اللازمة لإثبات ذلك، وهو المسؤول الأول عن كل اجتهاداته وقراراته والمحاسب عليها، وعليه إعمال الشورى اللازمة بين أولى الأمر مثله ولابد من إيجاد الآليات اللازمة لتفعيل ذلك وكذلك لتفعيل أركان الدين ذات الصلة مثل الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والنصح لأولى الأمر وللناس.
30-       إن دين الحق يفسح مكانا لكل اجتهادات (الفقهاء) وكذلك لأهل الحديث ولا يبخس الناس أشياءهم ولكنه لا يسمح أيضاً لأمر بأن يتجاوز حده وقدره ووزنه ويعطى لكل أمر وزنه القرءاني فلا يسمح للأمور الفرعية الجزئية بالتضخم على حساب الأمور الأصلية الكلية ولا يسمح لأحد بالتستر وراء أية عباءة مهما كانت محببة للمسلمين للقضاء على مستقبل الأمة والدين.

وها هو مثال يبين الفرق بين دين الحق وبين ما هو موجود وسائد من الصيغ:

قال تعالى: { أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ(17)وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ(18)وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ(19)وَإِلَى الأرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ(20)} (الغاشية)، وسيتم الآن بيان موقف كل صياغة من هذه الآيات:

المذهب العامي الشعبي: لن يفعلوا إلا الاستماع إلى تلك الآيات يتلوها عليهم قارئ متفنن، وسيتصايحون إعجاباً بالجمال والجلال اللغوي وبالتفنن في الأداء ثم ينصرف كلُّ إلي حال سبيله، وربما تصور بعضهم أنه سينال قدراً من الرضى يتناسب مع قوة صياحه.

المذهب السلفي: سيركز بعضهم عل الأمور اللغوية والنحوية وأسلوب التعبير والصور البلاغية، وسيقول آخرون إنه ليس المقصود إلا لفت أنظار الناس إلي بديع صنع الله، وسيكتفي البعض بترديد ما هو موجود في التفسيرات القديمة، وقد يتعجب بعضهم بالفعل من الأمور المذكورة فيمصمص شفتيه ويصيح قائلاً: يا سبحان الله ثم ينصرف إلي حال سبيله.

دين الحق: إن تلك الآيات ذات جلال وجمال لغوي ولابد من إعمال الملكات الذهنية والوجدانية فيها، ولكنها تتضمن بالإضافة إلي ذلك أوامر ملزمة وحثاً قوياً علي النظر في الظواهر الكونية المذكورة والتي اعتبرتها آيات قرءانية ذات صلة بنفس الأمر آيات كونية، وطبقاً لدين الحق فالنظر إلي أمر يعني توجيه الملكات القلبية الذهنية إليه وإعمالها فيه لتحقيق مقاصد إلهية، ولكي يتم ذلك لابد من اتباع الأساليب والمناهج القرءانية الحقانية والتي تجد أصدق تمثيل لها في مناهج البحث العلمي الحديث، أما المجالات المأمور بالنظر إليها فيتضمنها الآن ما أصبح يعرف بعلوم الحياة والفلك والجيولوجي والجيوجرافي، فكل ذلك لازم لكي يدرك الإنسان أن ما ألفه من الأمور المذكورة هو آيات إلهية، وبالطبع فإنه لم يقم بمقتضيات تلك الآيات إلا أهل أوروبا، ولقد حاول بعض العلماء المسلمين أن يفعلوا ذلك ولكن الجو العام الذي خلقته المذاهب السائدة كان جواً خانقا قضى علي محاولاتهم في مهدها ولم يسمح بأن يتابعهم في أبحاثهم أحد ولا أن يتحول النظر في العلوم الطبيعية إلي تيار عام يجد من يرعاه ويموله كما سيحدث في أوروبا من بعد، إنه تحت تأثير المذهب السني بالذات قد انصرف الناس عن تنفيذ الأوامر القرءانية بالسير في الأرض والنظر في الآيات الكونية والتعرف على السنن الكونية وفقهها والإفادة منها.

*******

هناك تعليقان (2):