الخميس، 4 يونيو 2015

ملخص التاريخ السياسي للأمة في عصرها الأول

ملخص التاريخ السياسي للأمة في عصرها الأول

1.           كان منوطاً بالرسول تحقيق المقصد الديني الأعظم الخاص بالأمة وهو إعداد وبناء أمة خيرة صالحة تحكم نفسها بنفسها وليس بناء دولة أو مملكة أو إمبراطورية يتسلط عليها فرد أو عائلة، وهو نفسه لم يكن ملكا ولا جبارا عليهم ولا حفيظا عليهم ولا رقيبا عليهم ولا مصيطرا عليهم، وكل فردٍ من هذه الأمة يقوم بكل ما يستطيع القيام به من أعمال.
2.           كانت مهام الرسول المنوطة به محددة بكل دقة في القرءان، وهي: التبشير، الإنذار، الدعوة إلى الله، الشهادة عليهم، تلاوة آيات الله عليهم، تزكيتهم، تعليمهم الكتاب والحكمة، تعليمهم ما لم يكونوا يعلمون، قيادتهم عند القتال كلما أمكن ذلك، إمامتهم في الصلاة، تصريف أمورهم، الحكم (القضاء) بينهم...الخ، وكان لابد لهم من إمامٍ من بعده يقوم بكل هذه الأمور ويعد أئمة فرعيين للقيام ببعضها، خاصة وأن أكثر من دخلوا الإسلام دخلوه في السنة الأخيرة من العصر النبوي أي بعد الفتح فلم تُتح لهم الفرصة ليتزكوا ويتعلموا على يد النبي نفسه، وأمور مثل التزكية تتطلب أئمة متفوقين على المستوى الجوهري الباطني.
3.           أثبت عليُّ ابن أبي طالب أنه خليق بالإمامة وأنه سابق الأمة، وكان منوطاً بالرسول إعلان هذه النتيجة على الناس فأعلنها عليهم في يوم مشهود بعد شيء من التردد حرصاً على مشاعر الشيوخ من أتباعه، وهذه الإمامة كما قلنا هي إمامة أمة وليست رئاسة دولة بالمعنى السياسي، وهي تتضمن أمورا وجدانية (باطنية) وأموراً ظاهرية.
4.           كان الرسول بالطبع على علمٍ بطباع قومه وعلى تنافسهم الشديد فيما بينهم وعلى حب العرب المعروف للفخر والمجد، وكان يعلم أنهم تقبلوا إعلانه هذا على مضض، ولا غرابة في ذلك، فقد تقبلوا أمر توريث النساء على مضض وجاهروا بذلك، وكانوا يتمنون أن يُنسَى، فلما اقترب أجله أصر على إرسال جيش أسامة إلى الشمال، وكان الشيخان أبو بكر وعمر جنديين في هذا الجيش، وكان لجعلهما كذلك مع العلم بحقيقة أنهما ليسا من البارعين في أمور القتال مغزاه، فقد كان يريد تجنيب الأمة الفتن.
5.           دعته شدة حرصه على أمته أن يكتب لهم كتابا موثقا ينص فيه على قراره المعلن وبعض الأمور الهامة الأخرى ليجنبهم الشقاق والفتن فأبى عليه بعضهم ذلك، وعندها علم أن القضاء سبق، وأنه لابد من تحقق ما استعاذ بالله منه من قبل فقيل له سبق القضاء، وهو أن يُلبَسوا شيعا يذوق بعضهم بأس بعض، قال تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66)} الأنعام، لذلك لم يصر من بعد على أن يكتب الكتاب.
6.           بمجرد أن توفي الرسول هُرع الأنصار إلى السقيفة ليتشاوروا في كيفية إدارة مدينتهم (مدينتهم فقط)، علم بالأمر شيوخ المهاجرين فهرعوا إلى هناك وتمكنوا من استغلال النزاع القديم بين الأوس وبين الخزرج وكذلك طيبة الأنصار ورقة أفئدتهم لصالح أحدهم، وكان هو أبا بكر الصديق، كان الحِجاج محض حجاج دنيوي.
7.           بالطبع وجدت عترة الرسول وأنصارهم أنفسهم مضطرين إلى معارضة أمرٍ تمَّ تدبيره بمعزلٍ عنهم.
8.           كان أبو بكر هو الوحيد الذي أدرك مدى الحاجة إلى إقامة كيان مركزي موحد، أي دولة موحدة، كان ذلك يعني إخضاع كل العرب المتمردين لسلطة قريش في المدينة، وتمكن من فرض قوله عليهم جميعا بما فيهم عمر بن الخطاب الذي كان من المعارضين، قراره هذا قد يكون صحيحا من الناحية السياسية والاستراتيجية، ولكنه غير صحيح من الناحية الدينية، وبذلك بدأ الانفصال بين الدين وبين السياسة، واكتسب الإسلام بذلك طابعه الحربي، وأصبحت الحرب هي الحل الذي يهرع إليه البعض عند أي اختلاف، وتأسست دولة شعارها هو: "السيف هو الوسيلة الوحيدة للتعامل مع المختلفين عنك".
9.           أثار قرار الحرب حماس القرشيين ورأوه فرصة لزيادة التمكين لأنفسهم، أما الأنصار فرأوه فرصة لاستئناف القتال في سبيل الله، ولم يكن الأنصار بالطبع يدركون أن كل الأمور أصبحت تجري في اتجاه استفحال التسلط القرشي وأنهم سيكونون غرباء في الدولة الجديدة، سيدفعون من بعد ثمن ذلك غاليا.
10.       بالطبع ازداد الصدع بين العترة وبين أنصار الاتجاه الجديد، وازداد اقتناع شيوخ قريش بأهمية الدولة وضرورة حمايتها من أي خطر، كان هذا الخطر متمثلا بالنسبة لهم في عترة النبي، بدئوا في إجراءات تجريدهم من كل مصادر القوة من مال ومن أي منصب تنفيذي حقيقي، وبذلك حرموا السيدة فاطمة من ميراثها وحاصروا بيتها وهددوا بحرقه، أدركت العترة خطورة الأمر، وعلموا أن الأمر فتنة، فقرروا الالتزام بالصبر والإيثار والجنوح للسلم والتعاون بما فيه نفع المسلمين، وهنا أيضاً غلَّب شيوخ قريش الجانب السياسي ومصلحة الدولة على الجانب الديني.
11.       كان أبو بكر مدركاً تماماً لحقيقة ما تورط فيه، ولكنه من وجهة نظره كان يرجو من ذلك النفع للأمة وحمايتها من الفتن.
12.       رغم كل ذلك فقد أصبحت قريش تنظر بريبة إلى الإمام علي خاصة وأن حمية الجاهلية التي كانت مازالت حية في نفوسهم أو ازداد تأججها جعلتهم لا ينسون من قتلهم من شيوخهم ورجالهم، والعرب لا ينسون ثاراتهم، وهكذا حيل بينه وبين أداء المهام التي كان من الممكن أن يقوم بها حتى لا يزداد أنصاره، أدى الموقف القرشي إلى الاندثار المبكر للجانب الوجداني من الدين الذي أصبح أقرب إلى أيديولوجية سياسية، بقيت الحمية الجاهلية عند المسلمين الجدد واستفحلت عند أكثر القدامى، سيؤدي ذلك إلى نشأة المذهب القرشي الأعرابي الذي اعتبر –من بعد- الصورة الأرثوذكسية للإسلام.
13.       كان أكثر قادة جيوش الفتح ثم العمال على الولايات وجامعي الخراج من القرشيين أو من الموالين لهم فازدادت أسباب قوتهم وتمكنهم، كان الأعراب يسلمون لقريش بهذه المكانة، ازدادت بذلك غربة أهل البيت والأنصار.
14.       تدفقت الأموال على المدينة من خيرات البلدان المفتوحة، وأدت سياسة عمر ومن بعده عثمان إلى نشوء طبقة أسطورية الثراء من مصلحتها الإبقاء على الأوضاع القائمة.
15.       كان معاوية في الشام يدرك حتمية انقضاء النظام القائم، وأن المدينة -التي كانت بلا موارد كافية والتي يصعب الدفاع عنها- لا يمكن أن تكون عاصمة للدولة الجديدة التي نشأت بعد الفتوحات، فأخذ يعد العدة للاستيلاء على الدولة، تعلم الكثير من نظم الروم البيزنطيين عن طريق نصارى الشام، أنشأ جيشاً نظاميا محترفا يدين له وحده بالولاء قوامه القبائل البدوية في الشام مثل بني كلب ومن والوه من أهل الكتاب الذين أسلموا.
16.       بذلك أصبحت المسألة محسومة!

=======

هناك تعليقان (2):