الثلاثاء، 17 نوفمبر 2015

آل عمران: 104-105

آل عمران: 104-105

وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ *

إن الأمة كلها ملزمة بالسعي إلى الفلاح، فهو ليس حكرا على طائفة كهنوتية تختص نفسها بكل ما يتعلق بالأمور الدينية، وتلك الآية تتضمن أمراً إلى المؤمنين بأن يكونوا أمة داعية إلى الخير آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر، فهي تنص بذلك على المقصد الديني الأعظم الخاص بالأمة وهو إعداد وبناء الأمة الخيرة كما تنص على وظائفها ومهامها وواجباتها المنوطة بها، أما من قام بمفرده بكل ذلك فهو أمة وحده، كما أن الأقليات المسلمة في البلاد الأخرى ملزمون أيضا بتلك الآية.
ومن المؤسف أن يكون كل ما يشغل الأقليات المسلمة أو المعنيين بأمرهم هو الأحكام الجزئية الشكلية الفرعية الثانوية، هذا بالإضافة إلى أنهم كما هو ديدنهم في اتباع سنن من قبلهم جعلوا من أنفسهم شعبا مختارا كما فعل بنو إسرائيل من قبلهم بدلا من أن يندمجوا في شعوب البلدان التي آوتهم فإنهم لا يكفون عن إثارة المشاكل معهم.
والأقليات المحسوبة على الإسلام هي من ناحية واحدة على الأقل مظلومة، فهي لا تجد دعاة يعلمونهم الدين إلا دعاة الديانة الوهابية، وأتباعها هم الأكثر ثراءً الآن، فهم يمولون تحويل المحسوبين على الإسلام إلى وهابية في كل مكان، والوهابي يؤمن بوجوب قتل أي مسلم يختلف عنه، ولا يستطيع التعايش السلمي مع الآخرين.
إنه على المسلم الذي يحيا حياة كريمة في بلد غربي مثلا أن يتعلم مقاصد دينه العظمى ومنظومة قيمه ومنظومات سننه مثلما يتعلم كيف يؤدي الشعائر، وأن يعلم أن لب هذا الدين وجوهره هو علاقته بربه والتي لابد لها من أن تحوله إلي إنسان رباني صالح خيَّر مفلح يجتذب إلى دينه البشر الذين يحيا بينهم، إن المسلم ينبغي أن يعرف مسؤولياته تجاه من جاوره ومن يحيا بينهم وأن يعلم أنه شهيد عليهم وأن يدعوهم بمسلكه ومظهره وكلامه وفعله وجوهره إلى رب العالمين وأن يحببه إليهم، ولكي يفلح مسعاه لابد له من التحلي بالحب والود والسلام ومكارم الأخلاق والرأفة والشفقة فكل ذلك يجتذب القلوب وإن لم تنطق الألسنة، وعليه أن يعلم أنه ليس مطالبا بأن يفرض عليهم الصيغة الأعرابية أو السلفية للدين ولا أن يفرض عليهم ما أتى به من بلاده الأصلية من جهل وانحطاط وتخلف ونفاق وأمراض نفسية واجتماعية، إنه من الجرائم الكبرى أن يتحول المسلمون من هداه مهديين ورحمة للعالمين إلى فتنة للقوم الظالمين وإلى وسيلة لصدهم عن سبيل ربهم.
-----
إن معظم الدول التي تصدت تاريخيا للإسلام قد أصبحت الآن دولا علمانية تسمح بحرية العقيدة ولا تمنع أحدا بصفة عامة من نشر عقائده والدعاية لها والدعوة إليها، وكثير من المسلمين يعيشون في كنف تلك الدول معيشة أفضل من معيشتهم في بلادهم الأصلية، ولقد آوتهم تلك الدول وحمتهم من بطش حكومات بلادهم بل ومن الأحكام القضائية الصادرة ضد بعضهم، وأتاحت لهم الفرص ليتعلموا وليستوعبوا إنجازات الحضارة الحديثة، ولكنهم نظرا لأفكارهم الخاطئة ونفوسهم الفاسدة ونفاقهم العريق وتخلفهم المريع وفقرهم القيمى المدقع بدلا من أن يكونوا خير دعاة للإسلام وخير نماذج للمسلم الصادق أصبحوا حربا على المجتمعات التي آوتهم، إن هؤلاء قد اختلط عليهم الأمر وخدعوا وغرر بهم ثم أصبحوا هم أدوات للخداع والتضليل وأصبحت كل أفعالهم وبالا على الإسلام والمسلمين، أما البعض الآخر فلقد عقد العزم على أن يقدم للإسلام صورة فلكورية سيئة بإصراره على تقديم عادات وتقاليد وملابس قريش والأعراب في القرون الوسطى على أنها هي الإسلام، ولا يريد الشيطان وأعداء الإسلام أكثر من هذا، فهم بذلك ينفون عن الإسلام عالميته وصلاحيته لكل البيئات يثبتون ويؤكدون كما يريد الأعداء أن الإسلام هو دين محلي خاص بأعراب الشرق الأدنى، ويبدو أن كلمة المحسوبين ظلما على الإسلام لم تجتمع إلا على تقديمه للعالم في الصورة التي يريدها أعدي أعدائه، وأن ذلك هو ما يتواصون به، وهم في ذلك ليسوا إلا أقدام الشيطان؛ يقذف بهم الناس بعيدا عن الإسلام.
إنه على المسلمين في كل دولة من الدول العلمانية التي يعيشون فيها أن يكونوا خير دعاة للإسلام بسلوكهم وتفوقهم الخلقي والعلمي والمهني وإتقانهم عملهم وأن يندمجوا في حياة تلك المجتمعات وأن يضاعفوا من قواهم الذاتية ولهم في ذلك أسوة باليهود الذين تخلصوا من مساوئ دينهم المحرف بنقلها إلى السلفية والوهابية، وعليهم أن يعتصموا بدين الحق لا بدين الكهنوت، إنه ليس من الخلق الإسلامي الرفيع أن يصبح المسلم مصدر ترويع للبلد الذي وفَّر له المأوى وفرصة التعلم والعمل والتقدم ولم يحل بينه وبين الاعتصام بدينه والدعوة إليه، وإنما جاء الخطأ من القائلين بالنسخ الذين زعموا أن العالم ينقسم إلى دارين دار إسلام ودار حرب وأنه على المسلمين أن يظلوا في صراع دام ودائم مع كل الشعوب الأخري إلى يوم الدين، إنه على هؤلاء أن يتفقهوا في دينهم حتى لا يدمروا أنفسهم بأيديهم وأيدي الكافرين، وعلي المسلمين ألا يبالغوا في ردود أفعالهم وألا يتشنجوا بسبب أفعال أهل الغرب التي يدفعهم إليها جهلهم الإسلام أو تأثرهم بالصورة المقيتة التي يقدمها له أولئك المحسوبون عليه.
أما ما نهت عنه الآية فهو بالضبط ما فعلوه، بل هو أشد ما يحرصون عليه، فلقد تفرقوا بالفعل واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات ورأوا بأعين رؤوسهم اندحار الإمبراطوريات القديمة أمامهم لاعتصامهم كمؤمنين بكتاب ربهم، ولكنهم بدلاً من أن يزداد تمسكهم بما كان سببا لانتصارهم فإنهم تصرفوا كمهزومين مدحورين أمام أهل الكتاب المنهزمين.
ولقد اتخذ رجال الكهنوت من تأويلهم الخاطئ للآية ما يبرر وجودهم، والحق هو أن الأمور المذكورة في الآية هي من أركان الدين مثلها مثل إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وهي ملزمة لكل فرد على حدة وللأمة الإسلامية في حال وجودها بالمعني المقصود في القرءان.


*******

هناك تعليق واحد: