السبت، 12 ديسمبر 2015

من الرد على ما أُثير بخصوص المسجد الأقصى 1

من الرد على ما أُثير بخصوص المسجد الأقصى

يأخذ د. يوسف زيدان على المسلمين أنهم بتبجيلهم مكان المسجد الأقصى في القدس (أورشليم أو إلياء قديما) فإنهم يشتركون بذلك مع اليهود ويثبتون لهم حقهم في القدس!!! وكأنه يجب على المسلمين أن يكفروا بكل ما يمكن يتفقوا فيه مع اليهود وبحقائق التاريخ حتى يثبتوا زيف كلام اليهود!! ومن يقل بذلك كأنه يلزم المسلمين بالكفر بالكثير من آيات القرءان وحقائق الدين وأكثر الأنبياء لكي يفند مزاعم اليهود!!! إن الإسلام يلزم المسلم بالإيمان بكل أنبياء بني إسرائيل وبكل الأنبياء المذكورين في القرءان، وكلهم تقريبا يؤمن بهم اليهود أيضا، والمسلم ملزم أيضا بالإيمان بما ذكره القرءان من أن الله تعالى قد غضب عليهم للأسباب المذكورة والمفصلة في القرءان.
والمكان الذي كان يقع فيه الهيكل أو المعبد المقدس هو مقدس ومبارك عند المسلمين، ومن وجود أنبياء بني إسرائيل بالذات وصلاتهم واعتكافهم فيه استمد قداسته، وكان آخرهم زكريا ويحيى والمسيح عليهم السلام، وهو المكان الذي كانت السيدة مريم عليها السلام تخدمه وتعتكف فيه أيضا، هذا الهيكل هو الذي تنبأ المسيح عليه السلام بأنه سيتم تقويضه، وجاء في إنجيل مرقص الإصحاح 13:
1وَفِيمَا هُوَ خَارِجٌ مِنَ الْهَيْكَلِ، قَالَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ: «يَامُعَلِّمُ، انْظُرْ! مَا هذِهِ الْحِجَارَةُ! وَهذِهِ الأَبْنِيَةُ!» 2فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ:«أَتَنْظُرُ هذِهِ الأَبْنِيَةَ الْعَظِيمَةَ؟ لاَ يُتْرَكُ حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ لاَ يُنْقَضُ».
جاء في إنجيل متى الإصحاح 24:
1ثُمَّ خَرَجَ يَسُوعُ وَمَضَى مِنَ الْهَيْكَلِ، فَتَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ لِكَيْ يُرُوهُ أَبْنِيَةَ الْهَيْكَلِ. 2فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أَمَا تَنْظُرُونَ جَمِيعَ هذِهِ؟ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لاَ يُتْرَكُ ههُنَا حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ لاَ يُنْقَضُ!».
وجاء في إنجيل لوقا، الإصحاح 19:
41وَفِيمَا هُوَ يَقْتَرِبُ نَظَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَبَكَى عَلَيْهَا 42قَائِلاً: «إِنَّكِ لَوْ عَلِمْتِ أَنْتِ أَيْضًا، حَتَّى فِي يَوْمِكِ هذَا، مَا هُوَ لِسَلاَمِكِ! وَلكِنِ الآنَ قَدْ أُخْفِيَ عَنْ عَيْنَيْكِ. 43فَإِنَّهُ سَتَأْتِي أَيَّامٌ وَيُحِيطُ بِكِ أَعْدَاؤُكِ بِمِتْرَسَةٍ، وَيُحْدِقُونَ بِكِ وَيُحَاصِرُونَكِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، 44وَيَهْدِمُونَكِ وَبَنِيكِ فِيكِ، وَلاَ يَتْرُكُونَ فِيكِ حَجَرًا عَلَى حَجَرٍ، لأَنَّكِ لَمْ تَعْرِفِي زَمَانَ افْتِقَادِكِ».
وهذا ما تحقق بالفعل من بعد المسيح هو معلوم، فقد تم تدميره على يد القائد الروماني تيتوس عام 70 ميلادية بعد ثورتهم الأولى ضد الرومان، وقد قام اليهود بثورة عاتية أخرى ضد الرومان بقيادة المسيح المزعوم بركوخبا كبدوا الرومان فيها خسائر هائلة، وبعد فشل ثورة اليهود سنة 135 م صمم الإمبراطور الروماني على محو كل أثر لهم في المنطقة، تم محو أطلال المعبد، ولم يترك فيه حجرا على حجر، وتحوَّلت مقاطعة يهودا الرومانية إلى مقاطعة رومانية تُسمَّى سوريا بالستينا، وأعيد بناء أورشليم كمدينة رومانية سُمِّيت إيليا كابيتولينا، ومُنع اليهود من دخولها أو العيش فيها، وقد شُيِّد تمثال لهادريان وهو يمتطي صهوة جواده عند قدس الأقداس، ولما اعتنق الرومان المسيحية تم محو الآثار الوثنية في مدينة إليا التي أصبحت تضم أماكن المسيحيين المقدسة لديهم.
فلا خلاف في أن المسلمين عندما دخلوا إليا (أورشليم) لم يكن يوجد أي أثر للهيكل فيها، وهذا لا يعني اختفاء مكانه الذي كان معلوما تماما لليهود، وكانوا يحجون إليه، ومن المعلوم أن الحظر الذي فرضه عليهم الإمبراطور الروماني هادريان قد تم تخفيفه، وقد سمح الإمبراطور قسطنطين لليهود بأن يعلنوا الحداد وأن ينوحوا ويبكوا هزيمتهم وإذلالهم مرة في السنة عند الحائط الغربي، وهو المتبقي من سور هيرودس الخاص بالهيكل الثاني، فلم يكن المكان الذي كان يقع فيه الهيكل سرا، وقد انتقل العلم به بالتواتر المجتمعي والتاريخي بشكل لا يمكن التشكيك فيه لأي باحث جاد.
فهذه المنطقة التي تغيَّر اسمها على مدى التاريخ كان يعيش فيها بنو إسرائيل، والمسيح عليه السلام كان يتنقل في ربوعها وكان يعلم الحواريين على جبل الزيتون ويغتسل في نهر الأردن، وليس ثمة مجال للزعم بأن كل ذلك كان مختلقا.
وأقصى اتساع لمملكة بني إسرائيل في التاريخ القديم لم يتجاوز نطاق ما يُعرف الآن بالضفة الغربية إلا قليلا، والساحل الكنعاني الممتد من شمالي يافا إلى جنوب غزة كان تابعا للحكم المصري وكان يستقل أحيانا تحت حكم الفينيقيين، وعندما اجتاحت شعوب البحر المتوسط الشام احتلت هذا الساحل، والفلستيون الذين أتوا من جزر بحر إيجة وجزيرة كريت أقاموا مدناً ومراكز حصينة في هذا الساحل، ومنها غزة وعسقلان، ولم تدخل هذه المدن تحت الحكم الإسرائيلي أثناء حكم داود وسليمان عليهما السلام، ولم يستولِ عليها اليهود إلا في عهد الأسرة الحشمونية وفي العصر الحديث.
أما تسمية المنطقة كلها بفلسطين فترجع إلى الإمبراطور الروماني هادريانوس، وقد سماها سوريا بالستينا(Syria Palaestina) ، والتي اختصرت إلى بالستين فيما بعد، وكان ذلك في إطار خطته لمحو أي أثر لليهود في المنطقة ومنعهم من تكرار الثورة على الرومان، ومن المعلوم أن ثوراتهم كانت موجعة، وقد هلك فيها مئات الألوف من الرومان ومن رعايا الإمبراطورية في مصر والشام، وقد فقد الرومان في هذه الثورات مرتين لواءهم المقدس أو النسر الروماني Legio aquilla، وهو أعظم وأقدس رمز عسكري تحمله الفيالق الرومانيّة، ويجب على الجيوش المحافظة عليه مهما كلّف من الوقت و الأرواح، ويُعدّ فقدانه أو ضياعه كارثة وعارا كبيرا، وفقدان هذا النسر كان كارثة كبرى عندهم.
ومن المعلوم أن القبائل التي كانت تسكن هذه المنطقة من الكنعانيين والمؤابيين والأدوميين قد تم تهويدهم بحد السيف في عهد الأسرة الحشمونية (يُعرفون أيضا بالمكابيين) التي هزمت السلوقيين (الإغريق المقدونيين) واستقلت بما يُسمَّى الآن بفلسطين إلى أن خضعوا للرومان، بل إن واحدا من أقوى ملوكهم وهو هيرودس كان أصلا إدوميا من حيث الوالد، ونبطيا من حيث الأم! وهو الذي قضى على سلالة الحشمونيين، وهيرودس هو الذي قام بأكبر توسعة للهيكل الثاني، وحائط المبكى هو جزء من السور الذي بناه له، أما اسم الكنعانيين، فقد اختفى، ولم يعد يُذكر في أي وثائق تاريخية.
وقد كشف الآثاريون الإسرائيليون عن مزيد من التفاصيل عن اكتشافهم قبر الملك هيرودس، وهو الحاكم الذي عينه الرومان لحكم يهودا، وهو المعروف في الانجيل بأمره بقتل أطفال بيت لحم بعد فترة قصيرة من ميلاد يسوع (لم يثبت أنه فعل ذلك)، وقد أعلن البروفسور يهود نيتزر من معهد علم الآثار في الجامعة العبرية بالقدس، في مؤتمر صحافي في المعهد أن «البحث المديد عن قبر هيرودس الكبير انتهى الى الكشف عن آثار قبره على المنحدر الشمالي الشرقي من جبل هيروديوم». وقد قدمت الجامعة أدلة جديدة من أسلوب الحياة الفخم للحقبة الرومانية، ولا يوجد مجال للتشكيك في ذلك، فهذا الملك لا يُعتبر منهم!
فالوجود التاريخي لبني إسرائيل واليهود في فلسطين قديما هو أمر ثابت تاريخيا ودينيا، والتكذيب به يعني الكفر ببعض الأنبياء وبالكثير من آيات القرءان.
ولكن طبقا للإسلام -وهذا أمر ديني إيماني بحت- فإن الأمة الإسلامية هي الأولى بكل ما هو للأنبياء، فهي التي أُورثت الكتاب ونيط بها حمل الرسالة للعالمين، وذلك من معاني الإسراء بالنبي الخاتم إلى المسجد الأقصى (الهيكل المقدس) الذي باركه الله وبارك حوله وجعله مركزا للهدى والنور، وكما هو مقرر: العبرة بالمكان، وإذا كان عبد الملك بن مروان هو الذي أمر ببناء المسجد لأسباب سياسية، فهو أيضا الذي أعاد بناء الكعبة بعد أن هدمها جنوده أثناء قضائهم على عبد الله بن الزبير الذي نازعهم السلطة.
أما بناء قبة على صخرة اليهود وإلزام الناس بالطواف حولها بدلا من الكعبة أثناء استيلاء ابن الزبير على الحجاز فهذه جريمة كبرى وإثم مبين.
أما كل محاولات القذف بالمسجد الأقصى بعيدا عن مكانه المعلوم في القدس فكلها تأتي في إطار تقويض معتقد ديني إسلامي لتفريغ القضية من بعدها الديني وجعلها شأنا محليا بين اليهود وبين الفلسطينيين، وكل ذلك إنما هو للتمهيد لبناء الهيكل الثالث، وإذا كان بعض الناس لا يتصورون أن يؤمن بعض أهل الغرب العلماني الراقي الموضوعي .... الخ بأسطورة يهودية فهم على الأقل مغفلون، ولا يجوز أن يفرضوا تبعات تغفيلهم على الناس.
ولم يكن د. يوسف زيدان أول من حاول القذف بالمسجد الأقصى بعيدا عن مكانه، ولن يكون آخرهم، وقد سبقه إلى هذا المؤرخ البروتستانتي اللبناني د. الصليبي الذي قذف بالشرق الأوسط كله إلى عسير!!! وتابعه بعض الحمقى والمغفلين والمشاغبين وعابدي الشهرة من المجتهدين الجدد وغيرهم، وممن تابعه أيضا بعض المرضى بالشوفينية الذين أرادوا اختلاق تاريخ مقدس لبلادهم!!!
ومن يقرأ سورتي البقرة وآل عمران ويعلم ما هو يقيني من وقائع عصر البعثة يدرك جيدا ما يلي:
        I.            أن المسلمين كانوا يتخذون من المسجد الأقصى في الشمال قبلة كما كان يفعل بنو إسرائيل، وقد كان الرسول يتبع الصحيح من ملة إبراهيم، وهذا ما يسميه التراثيون بموافقة أهل الكتاب.
      II.            أنهم كانوا يستطيعون الجمع بين القبلتين في مكة، حيث كان يمكنهم الصلاة من جنوب الكعبة، فيكون المصلي والكعبة والقبلة الأولى على خط واحد.
    III.            أنه بعد الهجرة إلى المدينة في الشمال أصبح ذلك مستحيلا، وذلك ما أحزن المؤمنين وعلى رأسهم النبي، حيث نشأوا جميعا على تعظيم بيت الله الحرام.
   IV.            أنه حدث تحويل للقبلة نحو المسجد الحرام، وهذا ما أثار غضب اليهود، واعتبروا ذلك نسخا للحكم القديم وتجديفا، وتضمنت سورة البقرة الردود المفحمة عليهم.
     V.            كان تحويل القبلة إلى مكانها الطبيعي إعلانا بمكانة الأمة الجديدة، وكان الإسراء بالنبي إلى هناك وصلاته إماما بالأنبياء إعلانا بأن هذه الأمة الجديدة هي الأولى بكل الأنبياء، قال تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68)} آل عمران

ويثير الجهلة والمضلون الجدد مشاكل لا تنتهي حول مكان المسجد الأقصى والقبلة الأولى!! وقد جعلوا المسجد الأقصى في سيناء مصر وفي بلاد الأمازيغ وفي النوبة وفي عسير ...الخ.
وإليهم هذا السؤال الذي يسحق مزاعمهم! ماذا عن قبلة اليهود؟ أليست هي أورشليم؟ هل عرف اليهود قبلة غيرها؟ ولماذا هاجوا وماجوا عندما تمَّ تغيير القبلة كما تحدث القرءان في فقرات مطولة في سورة البقرة؟! أليس هذا دليلا دامغا على أن المسلمين كانوا يصلون إلى نفس القبلة معهم قبل الأمر بتغيير القبلة، قبلة اليهود وقبلة المسلمين كانت باتجاه المعبد في أورشليم؛ أي المسجد الأقصى، وبالطبع لا قيمة لآراء من سيشكك فيما ورد نصًّا في سورة البقرة، فالأمر هاهنا هو أمر دين.
وسؤال آخر، لقد قام عمر بن الخطاب ببناء مسجد خشبي في مكان المسجد الأقصى، وقام معاوية بتوسعته، ثم بدأ عبد الملك بن مروان أكبر عملية توسعة له، لماذا لم يرد أي تشكيك في عملهم هذا من المؤرخين والمشايخ؟
وسوء استغلال الأمويين للأمر وبنائهم للمسجد الأقصى لا يقدح في حقانيته بمثل ما أنه لا يقدح في حقانية الكعبة أنهم بنوها بعد أن هدموها.
وليس المقصد من كل هذا البيان مناقشة مدى شرعية قيام دولة إسرائيل في العصر الحديث واستنادهم إلى التاريخ الديني والقديم لإثبات ذلك، فهذه مسألة أخرى.
أما بخصوص حق اليهود المزعوم في فلسطين فيجب بيان ما يلي:
1.     على المستوى الديني فنحن -المسلمين- نؤمن بما هو موجود في القرءان، وقد طردهم الله تعالى من هذه الأرض وأعلن غضبه عليهم، فلا حق لهم فيها وإن عاش أسلافهم فيها لفترة محدودة، ومع ذلك فقد أمر الله تعالى ببرهم والإقساط إليهم طالما لم يقاتلوا المسلمين في دينهم ولم يخرجوهم من ديارهم ولم يظاهروا عليهم أعداءهم.
2.     هم لا يعترفون بالإسلام ولا بالقرءان ولا بما هو مقرر فيه بشأنهم، وهم متمسكون بالوعد المعطى لإبراهيم والذي قصروه هم بالتحايل والتزوير على إسحاق ثم قصروه بالتحايل والتزوير على يعقوب-إسرائيل، وهذا مسجَّل عليهم في كتابهم المقدس.
3.     القدس هي محور ورمز هذا الصراع، وذلك لكونها مقر المسجد (الهيكل، المعبد)، الذي كان محور اهتمام كل أنبياء بني إسرائيل الذين خُتموا بالمسيح عليه السلام، والذي بشرهم بانقضاء دورهم ودمار مدينتهم وهيكلهم، وكان الإسراء إلى المسجد إعلانا بانتقال حمل الرسالة من أمة إلى أخرى.
4.     ولذلك لا مفر من الصدام بين الأمة الإسلامية وبين الصهيونية وحلفائها.
5.     على مستوى العهود والمواثيق الدولية المعاصرة لا يحق لأية مجموعة أن تحاول احتلال واستيطان دولة ما بحجة أن أسلافهم كانوا يسيطرون عليها في فترة من التاريخ، وفتح هذا الباب الآن يمكن أن يسبب حروبا دولية مدمرة وحروب أهلية طاحنة في كافة أرجاء المعمورة!  
*******

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق