الخميس، 31 ديسمبر 2015

سورة فاطـر من 1 إلى 3

سورة فاطـر من 1 إلى 3


الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)

الْحَمْدُ الذاتي الواجب لِلَّهِ بما هو له من الأسماء الحسنى، والمذكور منها هاهنا الاسم "الفَاطِرِ" والاسم "الجاعل" والاسم "القدير"، وبأفعاله الجليلة، والمذكور هاهنا منها هو جعل الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ، وأنه سبحانه يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ.
والاسم الإلهي "الفَاطِر" يعني أساسًا أنه سبحانه مبدئ كل أمر؛ فهو الذي رتَّب أولا حقائق الأشياء وجعل مركوزاً فيها من حيث البداية ما شاء وفق ما اقتضت أسماؤه وسماته، فهذا الاسم هو الذي يبرمج كل كائن وفق ما اقتضته الحلول العامة للمعادلات الحاكمة لشؤون الوجود أي وفق ما هو منوط به من مهام للصالح الوجودي العام، وتلك المعادلات هي تمثيل للسنن الإلهية التي هي من مقتضيات الأسماء الحسنى الإلهية.
فهذا الاسم هو الذي اقتضى ما يسمى في الفيزياء الحديثة بالانكسار التلقائي للتماثل  (Spontaneous Symmetry breaking)  والذي ترتب عليه وجود كل شيء وتميُّـزه، وبالتالي فهو الذي  يقتضى الانفطار بالنسبة للكائنات والأشياء اللطيفة والتشقق والانفصال بالنسبة للأشياء الكثيفة ، فلقد كانت السماوات كيانا واحدا متجانسا، ثم بفعل الفاطر تميَّزت كائناتها وحقائقها بعضها عن البعض، وكذلك تشقـقت الأرض وبث فيها من كل زوج بهيج، فبالفاطر تميزت الحقائق اللطيفة وأودع فيها طبيعتها المبدئية أو فطرتها، ولذلك فإنه من حيث هذا الاسم جعل الله تعالى من فطرة الناس البحث عن الإله الخالق الذي يُرجى ويخشى والتوجه إليه بالعبادة والاحتماء به والاستسلام التام له، ولقد برمج كيان الإنسان الجوهري علي ذلك، ولذلك يلح هذا الكيان بصفة دائمة علي الإنسان لإشباع ذلك الاستعداد.
فالفاطر هو الذي يبدأ ما هو مضاف إليه، فمعني أنه سبحانه فاطر السماوات والأرض أنه هو الذي بدأ التنفيذ الفعلي لهما وتحقيقهما وبرمجتهما لتحقيق المقاصد الوجودية، أما البديع فهو الذي أتي بهما بلا مثال خلا من غيره، فلم يكن ثمة نمط سابق لأمثالهما ليسترشد به ولم يكن ثمة تصور عنهما لدي أحد غيره فلقد كان ولا شيء معه، أما الخالق فهو الذي يقدر ويصمم ويصوغ من المواد الملائمة ما أبدعه.
ومن آثار ومقتضيات الاسم الفاطر في الكيان الإنساني الفطرة، والفطرة هي ما بُرمج عليه الكيان الجوهري الأولي وما لديه من صور قلبية أولية، وهذه الصور مجملة غير مفصلة، ويلزم لتفصيلها وإظهارها العوامل والظروف المحيطة والحث الخارجي.

وقد جعل سبحانه الملائكة رسلا، وهم أنواع، فمنهم الرسل إلى البشر، وأعلاهم الرسل إلى الأنبياء بالشرائع الإلهية، ومنهم الرسل إلى الناس ببعض ما وجب معرفته من أمور عامة أو خاصة، والتلقي منهم هو مما يسميه الناس الإلهام.
ومنهم الرسل بالأمور الكونية، ومنهم جنود العزيز الحكيم، ومنهم جنود العليم الحكيم.
وأجنحة الملائكة تعبر عن قواهم الذاتية وإمكاناتهم، فمن لديه أربعة أجنحة أقوى وأكبر إحاطة وأبعد مدى ممن لديه ثلاثة فقط، والملائكة بذلك يتنوعون ويتفاوتون في المراتب، وكل منهم لازم للقيام بمهام معينة، والله تعالى قادر على خلق كل ما يلزم لتحقيق مقاصده.
  
مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)فاطر
هاهنا نصٌّ على سنة إلهية، فلا يملك الناس مع الله شيئا، ولا يملكون تغيير شيء أراد أن يفعله، فكل أمور كونه تتم وفق مشيئته، وهو سبحانه يفعل ما تقتضيه سننه التي هي جماع مقتضيات كل أسمائه الحسنى، فأفعاله من فتحٍ أو إمساك هي حق وعدل وحكمة وخير، ولكن أكثر الناس يستبطنون –وإن لم يعلموا- الظن بأن أفعاله عشوائية، وظنهم هذا بالله سيرديهم، وَهُوَ سبحانه يختم الآية باسمه "الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"، وهو من أشد الأسماء قوة وسطوة ليعلم الناس أن هذه السنة من نطاق الحكم المترتب على مقام العزة، وبالتالي سيكون العقاب الأليم لمن تصور أنه يمكن أن يغير شيئا أراد الله تحققه أو تصور أنه يمكن أن يغير سنة إلهية أو لم يقم وزنا أصلا للسنن الإلهية ومقتضياتها من السنن الكونية، وهذا هو حال أكثر المحسوبين على الإسلام منذ أن فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ.

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُون} [فاطر:3]
الآية تؤكد أن الله تعالى هو الخالق المتكفل بأرزاق الناس، فيجب أن يجعل الإنسان ثقته في الله تعالى، وأن يتوكل عليه مع إجلاله لسننه، ولكن الآية لا تنفي صفة الخلق عن الكائنات بل تثبتها بمثل ما أنها لا تنفي وجود المظاهر والآلات التي عن طريقها يصل الرزق إلى الإنسان، فالله تعالى هو الرازق الحقيقي، وهو الخالق الحقيقي للرزق، ويجب ألا يغالي الإنسان في تقدير الآلات التي جعلها الله تعالى سببا لوصول الرزق إليه، ولكن عليه أن يسعى للتعرف على السنن الإلهية والكونية الخاصة بالرزق والتوافق معها وتوقيرها من حيث أنها من مقتضيات الأسماء الإلهية، فلا عبث في الوجود، ولا يوجد فيه ما هو خارج نطاق الهيمنة الإلهية.
فالمقصود بيان أن الخلق هو سمة واجبة وذاتية للحق لم يستمدها من غيره، في حين أنها موجودة لدى الإنسان بمقتضى قوانين الله وسننه، فهي ليست له ولا لغيره من الأسباب بالأصالة.
وما يعبده الناس من الأصنام المادية والمعنوية إما إنه لا يخلق شيئا أصلا، وإما إنه لا يخلق إلا بالتوافق مع قوانين الله وسننه، وباستعمال ما خلقه الله تعالى من المواد، فهو لا يستطيع إحداث نسق آخر من السنن الكونية مخالف للسنن الإلهية، ومن يخلق تماثيل من الطين لا يجوز أن يُقارَن بمن خلق الأرض والسماوات العلى وما بهما مما لا يتناهى عدده من الكائنات، فلا يجوز أن يُقارن بخالقه في أمر كهذا أبدا، فالله تعالى هو الذي خلقه وخلق ما خلقه.
والإنسان مأمور بأن يذكر الله وأن يذكر نعمته عليه، ومقتضى ذلك أن يعلم أن ما به من نعمة فمن الله، فعلى الإنسان أن يتذكر دائما لذلك وأن يعمل بمقتضى ذلك، وكل عمل بمقتضى هذا العلم هو من باب الشكر لله المؤدي بالضرورة إلى زيادة النعم.

والآية تبين أن الإقرار بالنعمة لله وبأن هو الرزاق الحقيقي هو من مقتضيات العلم والإيمان بأنه لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ، كما تؤكد أنه لا حق لهم ولا منطق في أن يُصرفوا عن ذلك إلى الشرك بنسبة النعمة والرزق إلى غيره.

*******

هناك 3 تعليقات:

  1. ماذا يقصد بالملائكة,ذوي اجنحة ,في تلك الاية ..

    هل يعقل انه يقصد بهم ..المذنبات الفضائية ,والتي لديها ذيول ..اجنحة ..اربعة ,و6 و8
    لذلك سماهم ..ملائكة ..
    من يدري

    ردحذف
  2. يبدو لي ان كل القوى والظواهر والمخلوقات الكونية النافعة للبشر وللكائنات الحية ,يمكن ان تسمى ..با الملائكة ..والقوى والظواهر والمخلوقات الضارة ..تسمى شياطين ..

    ردحذف