السبت، 19 ديسمبر 2015

الاتِّباع

الاتِّباع

النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ تلقى القرءان مُنَزَّلا ومُنْزلا، وكان من مهامه أن يبين للناس ما نُزِّل إليهم، والتبيين يكون كما يلي:
1.     بتلاوة آياته عليهم، وبذلك يخرج من باطنٍ إلى ظاهر للناس.
2.     وهم كعرب كانوا يدركون من التلاوة ما هو مطلوب منهم في أكثر الأحيان، فأكثر الآيات لها ظاهر وأحكامها بيِّنة واضحة.
3.     بحكم أن الرسول تلقى القرءان في كل صوره مُنَزَّلا ومُنْزلا، مجملا ومفصلا، فهو أولى الناس بأن يعلم القول القرءاني في كل مسألة، وأن يجيبهم عنه.
4.     المؤمنون مأمورون باتباع ملة إبراهيم، وهو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ كان أعلم الناس بها، فكان يعلمهم الصحيح منها.
5.     أكثر ما سألوا عنه نزلت الآيات لتجيبهم، لذلك تكرر في القرءان آيات يرد فيها: "يَسْأَلُونَكَ .... قُلْ".
6.     تعلموا ألا يسألوا إلا للضرورة القصوى، ذلك لأن أكثر أسئلة الناس تكون عادة متعلقة بالشعائر والطقوس، وقد جرت السنن أن السؤال في مثل هذه الأمور يؤدي إلى زيادة الأوامر والنواهي ووضع المزيد من الآصار على الناس، ومن أمثلة ذلك من كرر السؤال عن الحج في واقعة معلومة.
7.     تعلموا أن تأويل الآيات المتشابهات سيأتي في وقته المعلوم، فتبيينها لهم يكون بمعرفة ما تستلزمه منهم.
*****
الإسلام رسالة عالمية، وكل الناس –بما فيهم المحسوبون على الإسلام- إلى قيام الساعة ملزمون باتباع الرسول طالما بلغتهم رسالته البلاغ المبين، فالمسلم مأمور باتباع الرسول، والاتباع هو من حيث أنه رسول يحمل رسالة، ومن حيث أنه أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا، وبالطبع فهذا الاتباع يكون فيما ثبتت نسبته إلى الرسول، والرسالة التي هي القرءان هي قطعية الثبوت، ولها الهيمنة التامة على كل الكتب الأخرى بما فيها الرسالات الأخرى.
قال تعالى:
{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون} [الأعراف:158]، {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32)} آل عمران
والرسول نفسه ومن اتبعه مأمورون باتباع القرءان الذي أنزل عليه أوحي إليه هو من دون الناس، قال تعالى:
{اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِين} [الأنعام:106]، {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُون} [الأنعام:50]، {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقرءان غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيم} [يونس:15]، {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِين} [يونس:109]، {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [الأحزاب:2]، {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُون} [الجاثية:18]، {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِين} [الأحقاف:9]، {وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون} [الأنعام:155]، {اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُون} [الأعراف:3]، {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون} [الأعراف:157]، {وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَـذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُون} [الأعراف:203]
فالآيات تبين تماما أن شأن الوحي وإنزال آيات الكتاب هو لله تعالى وحده، وليس لغيره، وأن الرسول ومن آمن معه مأمورون باتباع القرءان.
والمصدر الثاني للأوامر الدينية هو ملة إبراهيم عليه السلام، والأصول اللازمة منها مذكورة في القرءان مثل إقامة الصلاة والحج، وما ليس مذكورا هو أمور ثانوية مثل الختان، قال تعالى:
{قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين} [آل عمران:95] {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا} [النساء:125]، {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين} [النحل:123].
وملة إبراهيم قد بينها الرسول للناس بقوله وفعله، هي التي حُفظت وانتقلت بالتواتر العملي المجتمعي من مئات إلى ألوف إلى مئات الألوف ... الخ.
فالاتِّباع يكون لما أنزل الله، وهذا ما يرفضه الناس عادة لتفضيلهم ما ألفوا عليه آباءهم، قال تعالى:
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُون} [البقرة:170].
واتباع الإنسان لما ألفى عليه آباءه لمجرد أنه ألفى عليه آباءه هو من الآثام العظام وينزل به بالضرورة إلى ما دون مرتبة الأنعام، فيجب على الإنسان أن يعمل ما لديه من ملكات ما استطاع إلى ذلك سبيلا وأن يعمل دائما على أن يكون على بصيرة من أمره، والتوجه إلى رب العالمين بإخلاص وصدق يرفع عن كاهل الإنسان الإثم والوزر والإصر.

*******

هناك تعليقان (2):