الأحد، 6 ديسمبر 2015

القرءان أُنزل بلسان عربيٍّ مبين

القرءان أُنزِل بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ

إن القرءان هو قرءان عربي وكتاب عربي وأُنزل بلسان عربيٍّ مبين، هذه حقيقة قرءانية راسخة يجب الإيمان بها لوجوب الإيمان بالقرءان، ولقد جعل الله سبحانه القرءان قرءانا عربيا، ذلك لأن تلك اللغة هي أقرب اللغات المعروفة الآن للغة العلوية الأصلية ولأنها أصلح اللغات للتعبير عن عالم الغيب وعن الأمور الدينية، ولقد دبر الأمر من قبل لتكون هي لسان خاتم النبيين، ولذلك وجب أيضا على المسلمين إجادة وإتقان اللغة العربية القرءانية والحفاظ عليها، قال تعالى:
{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قرءانا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُون} [يوسف:2]، {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)} الشعراء، {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاق} [الرعد:37]، {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِين} [النحل:103]، {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قرءانا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا} [طه:113]، {قرءانا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُون} [الزمر:28]، {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قرءانا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُون} [فصلت:3]، {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قرءانا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيد} [فصلت:44]، {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قرءانا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لاَ رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِير} [الشورى:7]، {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قرءانا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُون} [الزخرف:3]، {وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِين} [الأحقاف:12]
والآيات التي تنص على أن القرءان عربي، وبلسانٍ عربيٍّ مبين هي آيات بينات محكمات، ولا يوجد في نصوصها أي تشابهات Ambiguities، فلا حجة لمن يريد صرفها عن معناها.
وفي كل الأحوال فإن المعاني الجديدة التي يمكن أن تُكتشف يجب أن تكون متسقة مع المعاني المعلومة، وفلا تبطلها ولا تلغيها.
ويجب العلم بأن المرسلين كانوا يُرسلون إلى أقوامهم برسائل بلسانهم، قال تعالى:
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم} [إبراهيم:4]
ولم يكن الرسول بدعا من الرسل، قال تعالى:
{قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9)} الأحقاف.
وقال تعالى:
{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون} [الدخان:58]
وهو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ كان يحمل رسالتين؛ رسالة خاصة إلى قومه ورسالة إلى العالمين، وهذه الآيات تنصّ على الرسالة الخاصة:
{وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ }الأنعام92، {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قرءاناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ }الشورى7، {يس{1} وَالْقرءان الْحَكِيمِ{2} إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ{3} عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ{4} تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ{5} لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ{6} لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ{7}} يس، {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3)} السجدة
ولكون الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ يجب أن يخاطب قومه بلسانهم، فقد كانت الرسالة بلسانٍ عربيٍّ مبين.
وهذه الآيات تنصّ على الرسالة العامة:
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }سبأ28، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} الأنبياء107، {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}الأعراف158، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً} النساء47، {وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} البقرة41، {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقرءان فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ{29} قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ{30} يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ{31} وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ{32} الأحقاف، {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)} الفرقان، {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41)} البقرة
أما مسألة كيف تكون الرسالة عالمية وتنزل بلسانٍ معين فهي مسألة أخرى، والردّ عليها يسير، والرسالة يجب أن تكون بلغة بشرية، ولا يوجد ما يستدعي إنزال الرسالة ببضعة آلاف من اللغات التي كانت موجودة والتي وجدت من بعد والتي ستوجد إلى قيام الساعة، هذا مع العلم بأن اللغة الواحدة تتغير على مدى العصور.
*****
المقصود باللسان العربي معلوم، وهو ما يسميه الناس الآن اللغة العربية The Arabic language، والتعبير بها قد يكون مبينا، وقد يكون غير مبين، ومن البديهي أن يكون القرءان أو الكتاب الموصوف بأنه مبين؛ أن يكون بلسانٍ عربي مبين، قال تعالى:
{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)} الشعراء

وكان العرب يستغلق عليهم كلام الأمم الأخرى، لذلك صارت كلمة "أعجمي" علما على كل لسانٍ ليس بعربي أو على كل شيء مبهم، ولما كان القرءان قد نزل بلسانهم فقد استعمل مفاهيمهم ومصطلحاتهم، قال تعالى:
{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قرءانا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44)} فصلت
فلا يمكن أن يخاطبوا بلسانٍ لا يفقهونه أصلا، ولذلك صار الفعل المشتق من "عرب" مؤديا لمعاني الإفصاح والتعبير والبيان والإظهار، فالعبارة: أعرب عن قلقه تعني عبَّر عن قلقه أو أظهر قلقه.
وعندما زعم الكفار أن الرسول يتعلم القرءان من غلامٍ أعجمي ردَّ عليهم القرءان قائلا:
{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103)} النحل
فكيف يأتي غلام أعجمي بقرءان عجزوا هم عن أن يأتوا بسورة من مثله وهم أرباب الفصاحة والبلاغة؟
والآية تؤكد من جديد أن القرءان ليس بلِسَانٍ عَرَبِيٍّ فحسب بل بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ، أما الزعم بأن عربي تعني مبين أو كامل أو تام فهذا يعني أن القرءان أنزل بلسان مبين مبين، فهو إلغاء لمعنى واضح محكم بلا أي مبرر.
ولمن يزعم أن عربي تعني كامل تام هل تستطيعون أن تصفوا ربكم بأنه عربي؟!
فالعرب أصلا كان اسما لمن يسكنون مدن الجزيرة العربية، والأعراب اسم لمن يسكن البادية منهم، وكل المعاني الأخرى مشتقة من هذا المعنى، ومن المعلوم أن مصطلحات العرب بهذا الخصوص مبنية على كونهم هم المحور أو المركز أو المرجع The reference، فما هو مبهم عليهم هو أعجمي سواء أكان إنسانا أم حيوانا، ومن تكلم عن نفسه فعبَّر وأفصح فهو قد أعرب عن نفسه ......... الخ.
ومصطلح الإنسان العربي لا يعني الآن إلا من كانت لغته الأم هي العربية؛ وهي اللغة التي يعبر بها عن نفسه، ولذلك فيمكن لأي إنسانٍ أن يستعرب.        
*****
إن النص على أن القرءان أُنزل بلسان عربي مبين يعني بالضرورة حاجة الإنسان إلى إجادة اللسان العربي لفقهه، فلابد لمن أراد أن ينظر في القرءان وأن يفقهه من إجادة اللسان العربي حتى يمكنه التعامل المباشر معه، ولا يجوز الالتفات إلى مزاعم بعض المضلين الجدد الذين حاولوا إثارة الغبار حول هذه الحقيقة أو نفيها بطرق ملتوية.
ولا يتنافى ذلك مع القول بعالمية الإسلام، فلابد من خطاب الناس بلسان بشري ولابد من إنزال الكتاب بلسان بشري ولابد من أن يكون الرسول بشرا مثلهم، ومن المعلوم أن كل أدب عالمي هو مكتوب بلسان بشري، وليس بلغة عالمية!
ولكن هذا القول يلقي مسئوليات جسيمة على من لديهم السليقة العربية، وهو يلزم الصفوة منهم باستخراج الدين من القرءان الكريم وتقديمه إلى كل طائفة بلسانهم، ومنذ خرج العرب من جزيرتهم إلى مطلع العصر الحديث لم تقم دولة محسوبة علي الإسلام بواجبها هذا رغم أنهم هاجموا الناس شرقاً وغرباً واستولوا على ديارهم وأموالهم ونسائهم باسمه.
وربما كان الاستثناء الوحيد هو مصر في العهد الناصري، فهي التي عملت على نشر اللسان العربي وتعريب بعض الدول! وقد دفعت غاليا وما زالت تدفع ثمن هذا! ولو استمر الحال كما كان في العهد الناصري لتمَّ تعريب كل شعوب غرب أفريقيا.
ولم يكن من الممكن بالطبع أن ينزل القرءان بلغات لم تكن قد وجدت بعد أو كان من المعلوم أنها ستندثر أو أن من طبيعتها التغير السريع.
*****
إن القول بعربية القرءان لا يتنافى مع القول بعالمية الإسلام وإنما يضاعف من المسئولية الملقاة على عاتق العرب، ولكن على كل المسلمين أن يفقهوا المعاني المحكمة المتضمنة في القرءان وأن يتعلموا ويعلموا منظومات دين الحق الواردة فيه وأن يعملوا بمقتضاها، فتعلُّم الكتاب والحكمة من المهام العظمى التي كانت منوطة بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، ولابد من هيئات من أولي الأمر لأداء تلك المهام بالنسبة إلى المسلمين كافة مهما تعددت أعراقهم وألسنتهم.
إن القرءان هو رسالة موجهة إلى الناس كافة بكافة أنواعهم وجنسياتهم وسلالاتهم وأعمارهم، وهو موجه للرجال والنساء على حد سواء، والأصل في الخطاب هو لعموم الناس رجالاً ونساءً إلا إذا أتت قرينة تحدد الخطاب بالرجال دون النساء أو العكس، هذا مع العلم بأن اللسان العربي يجعل الخطاب الموجه إلى جماعة من الناس بخطاب جمع المذكر حتى وإن لم يكن فيهم إلا رجل واحد، هذه طبيعة اللسان العربي.
إن الله تعالى قد ذكر في كتابه في نصوصٍ قطعية الدلالة أنه أنزل القرءان بلسانٍ عربي مبين، وهذا يعني أيضًا أنه يوجد لسان عربي غير مبين، وهذا يقوض مزاعم بعض المضلين الجدد بأن اللسان العربي لا يعني بالضرورة اللسان العربي، وإنما يعني الكمال التام والمرتبة العليا ... الخ، ولا يجوز لأحد أن ينفي عبثا المعنى القطعي المحكم.
 فأي زعم يخالف ما هو منصوص عليه في القرءان لا يعني شيئا بالنسبة للمسلم المؤمن، ولا يمكن ملاحقة كل تخريفات المجتهدين الجدد في هذه الأيام.
ومن المعلوم جيدا الآن أن اللسان العربي ينتمي إلى أسرة اللغات السامية المتفرعة من عائلة اللغات الإفريقية الآسيوية، أو اللغات الأفروآسيوية -وتعرف أيضا باللغات الحامية السامية- وهذه العائلة هي إحدى المجموعات اللغوية الرئيسة التي تنقسم إليها لغات العالم، وهي تمتلك أطول تاريخ مسجل مقارنة بأية عائلة لغوية أخرى.
ومن أهم ما تتميز به هذه المجموعة من اللغات:
1.     هي لغات اشتقاقية، فالكلمات تُشتقّ من جذور ثلاثية أو ثنائية مع إضافة حروف إلى البداية أو المؤخرة.
2.     تقسيم الكلمات المفردة إلى مذكّر ومؤنث بحيث يدل صوت "ت" في آخر الكلمة على التأنيث.
3.     استخدام حروف مثل ح، ع، ... الخ.
واللغات الحامية تشمل:
اللغة المصرية القديمة، اللغة الأمازيغية، اللغات الكوشية، لغات البجا، اللغات التشادية .... الخ.
واللغات السامية تشمل:
لغات الهلال الخصيب القديمة كالأكادية، والكنعانية، والعبرية، والآرامية، والفينيقية، ولغات العربية كالعربية جنوبية والعربية الشمالية، ولغات القرن الإفريقي: كالأمهرية وغيرها.
وتضم مجموعة اللغات السامية لغات حضارة الهلال الخصيب القديمة: مثل الأكادية والكنعانية والآرامية، واللغات العربية الفصحى والشمالية القديمة والجنوبية، وبعض لغات القرن الإفريقي كالأمهرية .... الخ.
ويضع اللغويون اللغة العربية في المجموعة السامية الوسطى من اللغات السامية الغربية.
والعربية هي الأقرب إلى اللغة السامية الأم التي انبثقت منها اللغات السامية الأخرى، ومن الملاحظ أن اللغات الأصلية تكون أرقى من اللغات التي تفرعت عنها، واللغة اللاتينية الأصلية أرقى من اللغات البرتغالية والإيطالية والإسبانية ... الخ التي تفرعت منها، والتي كانت بمثابة لهجات عامية منها.
وهذه الحقيقة مثبتة بالدليل الماثل الساطع، فالعربية الفصحى أرقى بكثير من اللهجات العامية المتدهورة التي يستعملها الناس الآن بدلا منها.
وبالطبع كان العلماء الماديون مدفوعين نحو محاولة دحض أن المتحدثين الأصليين باللغات السامية ينتمون إلى أصل مشترك هو المسمَّى في التوراة بـ"سام بن نوح"، ولكن علم الجينات والسلالات الحديث أثبت فعلا أصلا مشتركا للمتحدثين باللغات السامية، فهم ينتمون إلى الهبلوجروب J، بعضهم ينتمي إلى الهابلوجروب J1 مثل أغلب المتحدثين الأصليين بالعربية، وبعضهم ينتمي إلى الهابلوجروب J2 مثل أغلب المتحدثين بلغات الهلال الخصيب، وJ1 هو شقيق J2، لذلك يمكن اعتبار J هو "سام" من الناحية الجينية.
ونتيجة للأصل المشترك للغات السامية ولأصلها المشترك مع اللغات الحامية السامية فلا غرابة في تشابه الكثير من الكلمات مع هذه اللغات كما تتشابه الكلمات بين اللغات المتفرعة من اللاتينية مثلا.
وتوجد في القرءان كلمات ذات أصل سيرياني ومصري وحبشي وفارسي، هذه الكلمات كانت قد دخلت اللسان العربي من قبل، واستعملها العرب وتمَّ تعريبها، فهي بالنسبة لهم كانت عربية، وكل الناس يسلمون بأن أي شيء يتم نقله عن شعب معين مثل فاكهة أو مشروب أو إنجاز حضاري أو آلة ... الخ يظل محتفظا باسمه الأصلي مع بعض التحوير الذي تمليه بعض الأمور مثل اختلاف اللغة ونقصان بعض الحروف وعجز الناس عن النطق ببعضها .... الخ.
والنص على أن القرءان بلسان عربي مبين يعني أنه لا مشكلة في تعريب بعض الكلمات الأجنبية وفي امتصاص اللسان العربي لها.
وقد ظهرت مزاعم جديدة بأن القرءان أصله سيرياني أي آرامي، وأنه لابد من الاستعانة بهذه اللغة لفقهه، ومن قبل ظهر من قال إن الحروف المقطعة أصلها هيروغليفي، كل هذه الدعاوى لا جدوى منها، القرءان أُنزل بلسانٍ عربي مبين، ولا حاجة إلى دراسة أية لغة أخرى لفقهه، وهذا ما يعني المسلم المؤمن.
والعربية أرقى وأفصح من السيريانية بكثير، وهي كافية تماما لمن أراد أن يستخلص أرقى العلوم الدينية من القرءان، ولا صحة لمزاعم من يقول إنه أول من فسَّر دلالات الحروف المقطعة في أوائل بعض السور، فكثير من المسلمين قد فعل ذلك، ومنهم المتصوفة.
وقد ذكرنا نحن في كتبنا أمورا غير مسبوقة بخصوص هذه الرموز، وخاصة في الكتابين:
1.       نظرات جديدة في الآيات، 2006.
2.        من هدي الآيات، 2006.
والتشابه بين الرموز أو الكلمات لا يعني بالضرورة تشابه المعاني والدلالات، فكلّ ذلك يتطور ويتغير، وكون أي باحث قد وجد دلالة لرمز ما في لغةٍ ما لا يلزم أحدًا بشيء، وبالإضافة إلى ذلك فالقرءان قد أكسب بعض الكلمات معاني اصطلاحية يجب التماس معانيها في القرءان طبقا للمنهج القرءاني الصارم وحده.
***
والذي يجب التأكيد عليه هو ما يلي:
1.              إن القرءان هو قرءان عربي وكتاب عربي وأُنزل بلسان عربيٍّ مبين، هذه حقيقة قرءانية راسخة يجب الإيمان بها لوجوب الإيمان بالقرءان.
2.              الآيات التي تنص على أن القرءان عربي، وبلسانٍ عربيٍّ مبين هي آيات بينات محكمات، ولا يوجد في نصوصها أي تشابهات Ambiguities، فلا حجة لمن يريد صرفها عن معناها.
3.              في كل الأحوال فإن المعاني الجديدة التي يمكن أن تكتشف للآيات والعبارات القرءانية يجب أن تكون متسقة مع المعاني المعلومة، وفلا تبطلها ولا تلغيها.
4.              كل رسول يُرسَل بلسان قومه، والرسول كان يحمل رسالة خاصة إلى قومه، ورسالة عامة إلى البشرية جمعاء، لذلك كانت رسالته بلسانٍ عربيٍّ مبين.
5.              أي زعم يخالف ما هو منصوص عليه في القرءان لا يعني شيئا بالنسبة للمسلم المؤمن.
6.              إجادة اللسان العربي كافية تماما لاستخلاص كل ما يلزم المسلم المتبع لدين الحق.
7.              اللغة العربية تنتمي إلى الفرع السامي من عائلة اللغات الأفروآسيوية أو الحامية السامية، ولذلك لابد من وجود تشابهات في الكثير من الأسماء.
8.              التشابه بين الرموز أو الكلمات لا يعني بالضرورة تشابه المعاني والدلالات، فكلّ ذلك يتطور ويتغير.
9.              اللغة العربية هي بلا جدال أرقى اللغات السامية.
10.         المسائل المتعلقة بتحديد أقدم اللغات السامية هي موضوع يخضع للبحث العلمي المحايد الدقيق، ونتيجته أيًّا كانت لن تمسّ مكانة القرءان، وكل هذه اللغات كانت موجودة قبل إنزاله، ومنها ما انقرض قبل هذا الإنزال، ومنها ما انقرض بعده.
11.         القرءان قد أكسب بعض الكلمات معاني اصطلاحية يجب التماس معانيها في القرءان طبقا للمنهج القرءاني الصارم وحده.


*******

هناك تعليق واحد: