الخميس، 17 ديسمبر 2015

أسباب اختفاء خطب الجمعة والخطب الجامعة

أسباب اختفاء خطب الجمعة والخطب الجامعة

اختفت خطب الجمعة والخطب الجامعة (التي كانت تُلقى عندما يدعون إلى أمرٍ جامع) لما يلي:
1.            النبي لم يكن مثل شيوخ المتصوفة ولا المعلمين الروحانيين Guru ولا الفلاسفة، فهو لم يكن يعيش حياة هادئة وديعة رتيبة بحيث يكرس أحد أتباعه لكي يسجل كل قولٍ يصدر عنه وكل حركة تبدر منه، بل كان يخوض غمار حياة عاصفة رهيبة حافلة بالوقائع والأحداث يتصدى له في كل لحظة منها شياطين الإنس والجن ويعملون على إحباط رسالته، وكان عليه أن يتصدى لكل ذلك وأن يحقق النجاح في مواجهة ما يتعرض له، فقد كان كما قال أشد الناس تعرضا لابتلاءات، وكان يعلم أن نجاح رسالته وتحقيقه لمهامه منوط بمدى قدرته هو على الفعل والتحمل والتصدي للصعاب والمحن واتخاذ القرارات السليمة فضلا عن جهاد من آمنوا به، لكل ذلك لم يكن له ترف أن يعيِّن طائفة تسجل كل حركاته وسكناته تسجيلا دقيقا، بل كرَّس كل الجهود والإمكانات المتاحة لحفظ القرءان الكريم للناس، وكان هذا هو المطلوب أساسا، هذا فضلا عن تحقيق المهام المنوطة به.
2.            جزء كبير من خطب الجمعة كان يُكرَّس بالفعل لتلاوة القرءان وتعليمهم آياته، وكان ذلك من مهام الرسول المذكورة صراحة في القرءان، قال تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُون} [البقرة:151]، {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِين} [الجمعة:2].
3.            كان يوجد نهي عام عن كتابة أي شيء غير القرءان في العصر النبوي لأسباب عديدة، وكانت الكتابة تستلزم الحصول على إذنٍ خاص.
4.            النهي المشار إليه لم يكن يشمل بالطبع ما تلا العصر النبوي، لذلك كان يجب المبادرة -بعد عمل نسخ كافية من القرءان وتوزيعها على الأمصار- بتشكيل لجنة لتدوين السيرة والسنن العملية وأقوال الرسول بطريقة موثقة وذات مصداقية حقيقية.
5.            هذا بالضبط ما لم يهتم به أحد أصلا، لأسباب عديدة أهمها التنافس القبلي، فكان القرشيون لا يطيقون أن يكون لبني هاشم أي مزيدٍ من المجد والشرف عليهم بعد أن كانت النبوة فيهم.
6.            لم يهتم أحد أصلا بكتابة سيرة موثقة قبل انقراض الشهود الحقيقيين.
7.            من كان لديهم العلم الحقيقي بالسيرة وسنن الرسول كانوا يعتبرون أعداء نظم الحكم التي قامت، وكانت هذه النظم تخشى على الناس من أن (يفتتنوا) بهم فعملت على استئصالهم.
8.            لا شك أن الصراع الذي نشب بين الأحزاب العديدة التي كانت موجودة قد تسبب في ذلك، ولم يكن للحزب القرشي الذي تغلَّب أية مصلحة في تسجيل وتخليد خطب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، وقد منع بعضهم الصلاة على النبي حتى لا تشرئب أعناق بني هاشم.
9.            لم يكن لدى أكثر العرب والأعراب نفس الإجلال والتوقير الذي يشعر به المسلم العادي الآن تجاه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، ولقد ذكر القرءان كيف كانوا يؤذونه ويرفعون أصواتهم فوق صوته، وها هي بعض الآيات التي تبين حقيقة نظرتهم إليه ومدى ثباتهم معه: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِين} [التوبة:25]، {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِين} [الجمعة:11]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُون} [الحجرات:2]، {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيم} [النور:11]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا} [الأحزاب:69]، {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيم} [آل عمران:155]، {يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِير} [التوبة:74]..
10.        بدء تدوين المرويات حدث بعد اندثار أكثر أخبار العصر النبوي وبعد أن استولى أكابر المجرمين والمفسدين على السلطة وبعد تفرق الأمة واختزال الدين، فلم يدونوا إلا ما يلزم الناس في العبادات العملية والأمور الثانوية التي تعملقت في نظرهم والتي أصبحت هي الدين.
11.        كانت الخطب تتحدث عن الأمور الكبرى مثل الحكم بالعدل والقيام بالقسط والأمور الوجدانية، ولم يكن لدى أتباع المذهب الأعرابي الأموي العباسي الذي ساد وتغلَّب أية مصلحة في إذاعة هذه الخطب وانتشارها بين الناس خاصة من بعد أن جعلوا الآثار هي المصدر الأعلى للدين، فهم لم يتخذوا القرءان مهجورا ليبقوا على خطب أكثر مادتها من آياته.

*******

هناك 5 تعليقات:

  1. جميل جدا يا دكتور، حفظكم الله.

    ردحذف
  2. جميل جدا يا دكتور، حفظكم الله.

    ردحذف
  3. حضرتك خل قرأت لمن يدعون أن صلاة الجمعة ليست بفرض ولم يرد لها ذكر في كتاب الله؟

    ردحذف
  4. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف