الاثنين، 10 أغسطس 2015

الأعراف 1 إلى 5

الأعراف 1 إلى 5
 
المص{1}
هذا الرمز هو إشارة إلى أن هذا الكتاب الذي أنزل علي قلب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وفُصِّل في صدره هو أولي بالاتباع من كل ما هو دونه من أولياء وغيرهم، فهو إشارة إلى ضرورة استغناء الكائنات بما أنزل إليهم من كتاب وأن في اتباعه صلاح أمرهم، فهذا الرمز إشارة إلى أن هذا الكتاب هو كيان أمري حقيقي وأنه صلة بين الله سبحانه وبين خلقه وأن به تمت كلمته صدقا وعدلاً وأن به سيكون الفصل بين الناس وتمييز الخبيث من الطيب والصالح من الطالح.
وهذا الرمز أيضاً إشارة إلى المصير الذي سيتحدد لكل إنسان بناءً على موقفه من الكتاب.

وهذا الرمز يشير في أعلى مراتبه إلى الله تعالى وفى تلك الحالة تشير الصاد إلى ضرورة إخلاص الدين له، ووجود اللام يشير إلى أن هذا الكتاب المنزل هو وسيلة الصلة به، ووجود الميم إشارة إلى أنها الوسيلة الجامعة الشاملة. 

-------

كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ{2} اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ{3}
إن كل الناس –بما فيهم الرسول نفسه- مأمورون أمرا بيِّنا باتباع هذا الكتاب المُنْزَل، وهم مأمورون بالإعراض عما سواه مما يخالفه، وليس مسموحاً لأحد بأن يغيِّر شيئاً من آياته أو من فحوى آياته أو من سننه أو بيانه أو موازينه، ولقد بين القرءان بكل وضوح أن ما أُنزل هو آيات الكتاب المبين؛ أي آيات القرءان الكريم، فالقرءان هو الكتاب الذي يبيِّن نفسه بنفسه، وهو حجة على كل الناس وعلى كل كتاب غيره، ومن أراد أن يبيِّن آية ما للناس فليبينها بما يعالج نفس ما ورد فيها من الآيات الأخرى.
ويلاحظ أنه سبحانه قال: { وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ}؛ وفى هذا بيان وأمر بضرورة تغليب الحقانية أو الموضوعية على الأمور الذاتية والشخصية؛ أي إنه على الإنسان أن ينشد معرفة الحق حتى يعرف رجاله وأولياءه، وباتباع ما أُنزل من الكتاب يأمن الناس شرّ الانزلاق إلى تفريق الدين وتمزيق الأمة وجعلها شيعا يذوق بعضها بأس بعض، ومن المعلوم أن المؤسسات الكهنوتية هي المدافع الأول عن ضرورة الإبقاء على التمذهب والتشرذم والتمزق فتلك هي حرفتهم ومهنتهم التي يتكسبون منها ولا يجيدون سواها، والآية لا تمنع الاختلاف في التفسير أو التأويل بل تقره لأنها تأمر باتباع ما أُنزل، وما أنزل هو ما يدركه الإنسان مما نُزِّل باتباع منهج قرءاني وبإعمال منطق قرءاني وبعد بذل جهده ووسعه وإعمال ملكاته بصدق وإخلاص، وعلي مثل هذا الإنسان أن يظهر لنفسه وللناس مستنده ودليله من الآيات الكتابية والكونية، وعندها يجب على الناس ألا يماروه على ما رأى، بل عليهم أن يأخذوا برأيه إذا ما قدَّم بين يديه ما يلزم من الحجج والبراهين، ولكن لا يجوز أن يكون الاختلاف موجباً للتفرق والتشرذم والتنازع.
أما من أصر على اتباع أولياء من دون الله عندما تتعارض أو تتصادم أقوالهم أو أفعالهم أو آراؤهم مع كتاب الله تعالى فهو مشرك لا يستحق شفقة، ولكن لا يجوز عقابه في الدنيا طالما لم يهدد سلامة الآخرين أو حقوقهم، إما إن أصرّ على فرض باطله على الناس أو إكراههم على الإيمان به فهو من شياطين الإنس مهما تزيَّا بزيّ الصالحين.
ويجب العلم بأن شخصنة الدين أي تحويله إلى ولاءات لأشخاص معينين هو من أول أسباب تحريف الدين وتفريق الدين ومن أكبر أسباب الشرك الذي يتسلل في البداية كشرك خفي ثم يستفحل ويتحول إلى شرك مبين، لذلك قد تجد أحد المأفونين من أتباع المذاهب يتطاول على الله ورسوله ويسبّ الدين دون أن تهتز له شعرة ولكنه يستشيط غضبا وقد يقتل من رآه ينتقد واحدا ممن يتبعهم أو يقدسهم من البشر.
وربما كان الذنب الأكبر الذي اقترفته الأمة من بعد الرسول هو اتباع أولياء من دون الله، هؤلاء يتمثلون في أئمة المذاهب بشتى أنواعهم وفي المشايخ بشتى توجهاتهم، والإثم هو في تغليب ما يقولونه وتقديمه على كتاب الله تعالى.
وكل ما هو منسوب إلى بشر لا يجوز نسبته إلى الله تعالى، وعلى سبيل المثال لا يجوز أن يُقال إن كتب المرويات هي الوحي الثاني أو الحكمة الإلهية أو مثل القرءان، ولا يجوز فرض أية عقيدة على الناس بهذا الشأن متعللين مثلا بصلاح من نُسبت إليه الكتب.


=======
وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ{4} فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا إِلاَّ أَن قَالُواْ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ{5}
المقصود بالقرية هنا القرية بالمفهوم القرءاني، فالقرية في القرءان ليست كالقرية وفقا للمفهوم الدارج الآن، فهي تعني الدولة (State) بما تتضمنه من سكان وأرض وغير ذلك، فـ"الدَوْلة" كلمة غير قرءانية، و"القرية" هي التي تؤدي معناها، لذلك فهناك القرى الكبيرة، وهناك أيضا: المدينة-الدولة (City-State) ، فالقرية هي الكيان المستقل بأرضه وقومه أو ناسه بالمفهوم العصري، هذا الكيان قد يكون قبيلة أو قد يكون شعبا، فمن القرى الكبيرة: دولة عاد، دولة ثمود، مصر القديمة، دولة قوم لوط، دولة مدين...الخ، ومن القرى التي هي دولة-مدينة: مكة، الطائف، أثينا، إسبرطة .... الخ.
والآيات تشير إلى مصير من أبى اتِّباع ما أُنزل إليه من ربه، إنه عندما يصل الأمر إلى أن تأبى قرية كاملة هذا الاتباع فسيحقّ عليها الهلاك وفقاً للقوانين والسنن، وسيأتيهم هذا العذاب بغتة من حيث لا يشعرون ومن حيث لا يتوقعون، ورد الفعل الطبيعي الذي سيصدر عنهم هو الإقرار –بعد فوات الأوان- بأنهم ظلموا أنفسهم، والله سبحانه ينسب إلى نفسه فعل إهلاكهم لأن ذلك يتم وفق قوانينه وسننه وبفعل جنوده الذين هم بمثابة آلاته وأدواته، وكان هذا الهلاك يتم في الماضي على مستوى عالم الشهادة، أما الآن فالهلاك يلحق بالكيان الجوهري للقرية ككل، فتصبح مكان سوء ويصبح أهلها أهل سوء.
والمطلوب من المسلم أن يتقي الله ربه وأن يتبع ما أنزل إليه منه وأن يدعو إلى سبيله بأفضل وأنبل الصور والوسائل حتى لا يشيع بين الناس العصيان وتتمرد القرية أو المجتمع بالكامل على الأوامر الإلهية.



 *******

هناك تعليق واحد: