الخميس، 6 أغسطس 2015

موقف المسلمين تجاه عصرهم

موقف المسلمين تجاه عصرهم

في العصر العثماني كان العالم المحسوب على الإسلام يغط في ثبات عميق، كان العثمانيون يسيطرون على قلب العالم الإسلامي، كان الناس يظنون أن السلطان العثماني قادر على كل شيء وأنهم في أمان تام طالما ظلوا تحت نعله الثقيل.
في إطار الصراع بين إنجلترا وبين فرنسا قرر الفرنسيون غزو مصر، عندما علم الإنجليز بأن الفرنسيين في طريقهم إلى مصر كلفوا الأدميرال العبقري نلسون بالتصدي لهم، وصل الأسطول الإنجليزي إلى الإسكندرية قبل وصول نابليون بأسطوله، طلب من حاكم المدينة محمد كريم السماح له بالبقاء في الميناء للدفاع عنها ضد الفرنسيين، ولم يطلب إلا تزويده بالمؤن، رفض حاكم المدينة وانتهر رسل الأسطول الإنجليزي في كبرياء وغطرسة وصلف، وصرخ فيهم: إن مصر هي أرض السلطان، وليس للفرنسيين ولا لغيرهم عليها من سبيل، فاذهبوا عنها!! وهكذا اضطر الأسطول الإنجليزي إلى الرحيل، هذا هو مستوى حاكم مؤتمن على أمور الناس؛ كان جاهلا بما يحدث في العالم، وهذا الحدث يدحض مزاعم السفهاء الذين قالوا إن نابليون كان موفد الحركة الصليبية لوأد نهضة الشرق التي كان مقررا أن تحدث!!!
كانت الإسكندرية في ذلك الوقت مدينة هزيلة لا يسكنها إلا 8000 شخص، وذلك بعد أن كانت عند الغزو العربي أعجوبة الدنيا وأعظم مدن العالم بعد القسطنطينية، استولى عليها الفرنسيون بسهولة متناهية.
كان المماليك هم السلطة الفعلية الحاكمة في مصر في ظل السيادة العثمانية، وكان العثمانيون قد أبقوا على الخونة منهم ليكونوا عنصر صراع وتخريب ضد الوالي العثماني المعيَّن من لدنهم فلا يستقل أحد منهم بمصر، لما علموا باستيلاء الفرنسيين على الإسكندرية قابلوا الخبر بازدراء شديد وأقسموا أن يحصدوا رؤوسهم حصدا، كان الناس لا يعلمون أي شيء عن التطور الذي حدث في أوروبا!!! كان الليل العثماني كئيبا مظلما محكما لا يترك بصيصا من ضوء، وقد أصاب الناس بالعمى المطلق.
قسم المماليك الجيش إلى قسمين، كان القسم المرابط عند الضفة اليسرى للنيل الذي سيهاجم الفرنسيين مكونا من بضعة آلاف من الحامية التركية و10000 من فرسان المماليك و24000 فلاح، وكان بقيادة مراد بك.
أما إبراهيم بك شريكه في الحكم فبقي مع باقي الجيش وحشود هائلة من الأهالي عند الضفة الشرقية، يضجون بالأدعية والصلوات طالبين النصر لجيش السلطان!!!
أبدى مراد بك والمماليك بطولات هائلة، وظلوا يهاجمون خطوط الفرنسيين بكل شجاعة غير مكترثين بالموت، ولكن كانت نيران البنادق الحديثة تحصدهم حصدا، انتهت المعركة في ساعات قليلة، وأفاق الناس على الحقيقة المرة؛ لم يستطع جنود السلطان أو الخليفة المقدس أن تدافع عنهم ولا أن تغني عنهم شيئا، تركوهم وفروا إلى الشام أو إلى أقصى الصعيد.
جمع أهالي القاهرة كل ما استطاعوا حمله وهربوا منها ليتلقفهم الأعراب، فنهبوا كل ما حملوه معهم، حتى أنهم نهبوا ملابسهم التي يستترون بها!!! اضطروا إلى العودة إلى القاهرة ليفاجئوا بأنه لم يتم حرقها ولا تدميرها ولا نهبها كما كان يفعل الغزاة من قبل، وجدوا الأمن مستتبا وأن الجنود الفرنسيين يتوددون إليهم، كما وجدوا أن نابليون قد استقبل المشايخ والأعيان بالترحاب وطلب منهم أن يؤمِّنوا الشعب.
أدرك الناس لأول مرة حقيقة الفجوة الهائلة التي أصبحت تفصل بينهم وبين العالم المتحضر، ليس من ناحية التقدم العلمي والتكنولوجي والإداري فقط بل من النواحي الثقافية والأخلاقية أيضا. 
ومنذ أن اكتشف المحسوبون على الإسلام مدى ما وصلوا إليه من جهل وتخلف وانحطاط عام بسبب تشبثهم بما يظنون أنه الإسلام فإنهم انقسموا إلى عدة فرق:
1.            فرقة رأت أنه لابد من الاستفادة مما وصل إليه الغرب من تفوق علمي وتكنولوجي هائل فشرع على الفور في الاستعانة ببعض الغربيين لتحديث بلاده والنهوض بها، ومن رواد ذلك كان محمد علي في مصر وأسرته من بعده الذين جعلوا شغلهم الشاغل جعل مصر قطعة من أوروبا، وقد حققوا نجاحات جزئية ولكنهم فشلوا في النهاية لعدم وجود صيغة دينية إسلامية تصلح لصناعة النهضة والتقدم، كما تصدى لهم المشايخ وحراس وسدنة المذاهب الجهلوتية الفاسدة المحسوبة على الناس باسم الدين، والتي تستند إلى قوى الجهل والتخلف والتعصب الديني العاتية، وكذلك بسبب خسة أكثر الغربيين وعدائهم المتوارث لشعوب الشرق بسبب ذكريات تاريخية ومخاوف قديمة.
2.            فرقة أخذت من الفرقة الأولى إعجابها بالغرب وغلت فيه، ولكنها لم تأخذ منه ما ينفع وإنما المظاهر الفارغة، واتخذ قادتها من الغرب ربا أعلى ومن العواصم الغربية أماكن تقليدية للحج، ولم تقصر في التدله والتذلل للغرب ومحاولة خدمة أغراضه ومقاصده، ولكنها لم تنل منه في النهاية إلا الخزي والعار أو الاغتيال.
3.            فرقت رأت أن الحل هو في الهروب إلى الخلف؛ فرأوا أنه لابد من التشبث بالمذاهب الجهلوتية الشركية وأنها هي الحل الناجع لكل المشاكل التي خطرت أو يمكن أن تخطر ببال إنسان، فرفعوا شعارات تستهوي الدهماء والغوغاء مثل: "العودة إلى الدين هي الحل"، "لابد من اتباع السلف الصالح"، "الإسلام هو الحل"، "الإسلام دين ودولة"، وقد أعل هؤلاء الحرب على كل الآخرين، وقد تشعبوا إلى فرق متعددة متناحرة أحيانا، ولكنها تشترك جميعا في آثارها وهي تكريس الجهل والتخلف والاستبداد والفساد باسم الدين وفي محاولات عقيمة للاستيلاء على السلطة والتمكين لأنفسهم، أو لنصب أنفسهم محاكم تفتيش تضمن استمرار مذاهبهم الجهلوتية والاغتيال المادي أو المعنوي لكل من حاول الإصلاح.
4.            فرقة حاولت استثمار النزعات الوطنية التي ظهرت في كل بلد محسوب على الإسلام للنهوض بالشعوب ماديا ومعنويا والأخذ بالجوانب الحضارية الحقيقية في الحضارة الغربية مع جعل الولاء مكرسا للأوطان وليس للغرب، ودون الشعور بالنقص تجاه هذا الغرب.
5.            فرقة رأت أن الدين هو سبب كل المشاكل وأن الحل هو التخلص منه كليا أو جزئيا.
6.            فرقة، وهي الأصغر، وربما كانت في كل عصر مجرد أفراد معدودين، رأت أنه لا حل إلا الإصلاح الديني الشامل والتطهر من المذاهب وآثارها الوبيلة.

*******

هناك تعليق واحد: