الجمعة، 21 أغسطس 2015

حقيقة العصمة




حقيقة العصمة


قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} المائدة67
إن العصمة هاهنا هي الحماية والوقاية من الناس وشرهم، وهي العصمة في تبليغ ما أُنزل إليه، فلا يمكن لأحد أن يلقي فيما أًنزل إليه شيئا من عنده، والرسول الكريم لا يعصي الله تعالى أبدا، ليس لأنه ليست لديه القدرة على اقتراف المعاصي كالملائكة مثلا -فهو بشر له إرادة حرة واختيار- ولكن لسموّ نفسه وعلوّ مرتبته، والإنسان الذي يتزكَّى كما أمره ربه يصل إلى مرتبة لا يمكن أن يعصي الله تعالى فيها أبدا، وذلك لشدة إحساسه بالحضور الإلهي المطلق، فهذه مرتبة يمكن للمؤمنين المخلصين التحقق بها بفضل الله تعالى، ولقد علا الرسول على كل هذه المراتب، وكان هو الذي يزكِّي نفوس من اتبعه بأمر ربه، فتزكية الناس كانت من مهامه العظمى، قال تعالى:
{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }الجمعة2، {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ }البقرة151، ومن البديهي أن الأستاذ المتمكن لا يمكن أن يخطئ خطأ لا يقع فيه تلميذه الصغير، ومن أعطاه الله تعالى درجة مزكٍّ هو معتمد عنده من قبل لذلك، فمن يزكي النفوس لا يمكن أن يقع فيما يقع فيه الناس العاديون.
وكل من أراد الله تعالى منه إيصال رسالة معينة إلى الناس سيتكفل بعصمته أثناء تبليغها، فلا تتأثر بأهواء نفسه أو أقوال غيره.
ولا يجوز الغلوّ في أمر العصمة ولا تحميل ما يتعلق بها ما لا يحتمل، ويجب العلم بأن الأئمة المجددين الحقيقيين لم يعودوا ظاهرين للناس منذ أن اختار الناس الملك العضوض وفضلوا الخضوع لأئمة البغي وتخلوا عن الأئمة الراشدين المهديين، والأئمة المجددون الحقيقيون يكونون مؤيدين بروح من الله تعالى ويعلمون ذلك في نفوسهم، وهؤلاء يكتسبون عصمة من الخطأ فيما يتعلق بمهامهم، وهذا من لوازم التأييد الإلهي لهم وكونهم على بصيرة من أمرهم، ولكنهم لا يجوز لهم التكسب بذلك ولا فرض ما يصلون إليه على الناس بإعلان ذلك، وإنما هم ملزمون بتقديم الحجج والبراهين وهم غير معصومين فيما دون ذلك من التصرفات والأفعال.


وموضوع العصمة من الذنوب أمر غير مطروح أصلا في القرءان، ولا يجوز أن يُلزم المسلم بعقيدةٍ ما بخصوصه، القرءان يتحدث عن العصمة من الناس، أما الرسل فهم يعملون تحت رقابة إلهية مشددة تعصمهم من أي تأثير عليهم في البلاغ، وعباد الله الصالحون تمنعهم تقواهم من تعمد المعصية.
-------
والشيعة يقولون بعصمة عدد محدود من الناس من عترة النبي، بينما يدعي أهل السنة العصمة بطريقة لولبية نفاقية لعدد غير معلوم وغير محدد من البشر يسمونهم بالصحابة رغم أنف كل الآيات القرءانية والمنطق والحقائق الثابتة التاريخية، وهم يسمون هذه العصمة على سبيل النفاق المستفحل بالـ"العدالة"، وهذا النوع من العصمة هو الأخطر، ذلك لأنه يترتب عليه اتخاذهم أربابا مشرعين في الدين يكون كل ما يُنسب إليهم نصوصا دينية يسمونها بالسنة يقضون بها على القرءان الكريم ويبطلون منهجه وأحكامه، ورغم أنهم يزعمون أنهم يعتبرون "الصحابة" بشرا، فهم عندهم في الحقيقة الرب الأعلى، والويل كل الويل لمن يذكر عنهم حقيقة ثابتة بالقرءان لا تروق لهم، والمؤسسات الدينية السنية لا تهتز لها شعرة لوجود ملحدين ومرتدين يتطاولون على الله وكتابه ورسوله، ولكنهم يزمجرون وينطحون ويرفسون إذا ذكر أحد المجتهدين حقيقة معلومة عن أحد (الصحابة) أو البخاري وأسلافه شركائه الذين اختلقوا إفك عدالة (الصحابة) ليتغلبوا على عدم شرعية ما لديهم من مرويات.
وحصر العصمة في عدد محدود من عترة النبي المعروفين أفضل من اتخاذ كيان مبهم ربا معصوما ومشرعا في الدين.
أما نحن فلا نتبع إلا دين الحق الذي لا إله فيه إلا الله حقا وصدقا، ولا علاقة لنا بالمذاهب التي حلت محله.

ولقد خلق الله تعالى الإنسان ذا إرادة حرة واختيار، وكلما ارتقى الإنسان كلما اكتسب بأعماله الصالحة المزيد من التقوى التي تمنعه من أن يتعمد المعصية، وبذلك يزداد رقيا وسموا، والقول بأنه مخلوق بحيث لا يعصي ليس تكريما له بل إنزالا له عن مرتبته، هذه هي مرتبة الإنسان، ولدى الله تعالى ملائكة ليست لديهم إمكانية المعصية أصلا، هم الملائكة، هؤلاء هم عِبَادٌ مُكْرَمُونَ، لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ، يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ، حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ، فالملائكة فُطروا على تلقي الأوامر الإلهية والمبادرة بتنفيذها، فهم محض آلات للإله الأعظم.
-------
إنه بالنسبة لموضوع العصمة يجب العلم بما يلي وعدم الخلط:
1.     الملائكة مفطورون من الأصل على الطاعة المطلقة لله تعالى، لذلك فهم لا يمكن أن يعصوا ربهم.
2.     الإنسان يختلف عن الملائكة في أن من لوازم حقيقته الإرادة والاختيار، وبدونهما لا يكون إنسانا أصلا.
3.     القرءان هو المصدر الأوحد للعقائد، لذلك فلا أصل لعقيدة العصمة عند الشيعة أو العدالة عند أهل السنة.
4.     ليس معنى ذلك أن العباد المخلصين سيعصون الله بالضرورة، بل إنهم سيطيعونه بكامل حريتهم وإرادتهم واختيارهم، وذلك من لوازم ونتائج سمو مرتبتهم ورقيهم.
*******
قال تعالى:
{يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)} ص  
يلاحظ أيضا النهي عن اتباع الهوى والتحذير الشديد الموجه إلى داود الذي كان نبيا، هل من الممكن أن يوجه خطاب كهذا لمن كان معصوما؟ وهذا مما يقوض مفهوم "العصمة" بكافة صوره الذي يروج له أهل السنة والشيعة.
وقال تعالى:
{وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142)} الأعراف
وهذا القول لا يمكن أن يوجه إلى من هو معصوم من الخطأ، ولقد كان هارون نبيا مرسلا، ومع ذلك فهو لم يستطع التصدي لبني إسرائيل وتركهم يعبدون العجل! ولذلك قال له موسى:
{قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93)} طه
ولقد عامله أخوه موسى، وهو أصغر سنا منه، بكل غلظة، حتى اضطره إلى استرحامه، ولقد طلب له موسى المغفرة، قال تعالى:
{وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151)} الأعراف
فهو يطلب له المغفرة لما بدر منه، أما في التوراة فقد جعلوه هو الذي صنع لهم العجل!! هذا رغم أنهم يقدسون ذريته هو من سائر بني إسرائيل، ويسمونها بسلالة الكوهين باعتبار أن الكهانة محصورة فيهم، وهم ينتمون إلى سلالة لاوي (ليفي) وكان منها أكثر أنبيائهم.
ومن الواضح تماما أن موضوع العصمة والعصمة المخففة (العدالة) هي مجرد مزاعم مذهبية لا غنى للمذاهب عنها!

*******

هناك 5 تعليقات:

  1. لو سمحت يا أستاذنا الغالي، هناك آيات قرآنية موجهة للنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم حيث يحذره من اتباع الكافرين والمنافقين فهل هذا يعني التقوىض في عصمته كذالك؟ مثلا قوله سبحانه :يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما.

    ردحذف
  2. ألا من مزيد هذا الدين يشرح الصدر وينوّر القلوب زادك الله علماً ونوراً حضرة العالم الجليل

    ردحذف
  3. ألا من مزيد هذا الدين يشرح الصدر وينوّر القلوب زادك الله علماً ونوراً حضرة العالم الجليل

    ردحذف