الخميس، 13 أغسطس 2015

الذاريات 56-57

الذاريات 56-57

وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ{56} مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ{57}

العبادة هي جماع الأفعال المترتبة على معرفة الإنسان أنه عبد لرب أي أنه ملك لكائن أعلى عليه أن يتوافق مع قوانينه وسننه وأن يؤدي حقوق منظومة الأسماء التي اقتضت هذه القوانين والسنن وأن يعمل بمقتضى كل أوامره، والعبادة بصياغة أخرى هي كل عمل يؤدى إلى تحقيق مقاصد الدين العظمى بمعنى أن يعرف الإنسان ربه كما تحدث عن نفسه في الكتاب وأن يكون إنساناً ربانيا فائقا صالحا مفلحا وأن يقوم بكل ما يؤدى إلى إيجاد الأمة الربانية الخيرة الفائقة.
وتبين الآيتان المقصد من خلق الجن والإنس؛ لقد خلقهم الله تعالى لعبادته، والعبد يكون مُقِـرَّا لربه بأنه مالكه؛ له الحق المطلق في التصرف فيه، والله تعالى هو الملك الحق، وهو المالك المطلق، فله حق التصرف المطلق فيمن خلق، وهذا يعني أنه يجب أن يعملوا بمقتضى أوامره، فله عليهم حق الطاعة المطلقة، وكما تخضع أجسادهم لقوانينه الكونية الطبيعية جبرا يجب أن تخضع نفوسهم لقوانينه وسننه الدينية الشرعية اختيارا، ذلك لأن النفس مخيرة بإزائها، والمطلوب أن يعمل كلٌّ على شاكلته، فيجب أن تعبد النفس ربها بمحض اختيارها.
-------

إن الإنسان مطالب بعبادة ربه العبادة المطلقة العامة، والتي تقتضي أن تكون صلاته ونسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين، أما العبادة الخاصة فهي الركن الديني الملزم بلوازمه وتفاصيله المعلومة، ومنها الاستجابة لله تعالي وتلبية كافة أوامره، وعلى الإنسان ألا يظن أبداً أن ربه بحاجة إلى شيء منه، بل يجب أن يعلم أن المنتفع بالعبادة هو العابد وحده، قال تعالى: {وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} العنكبوت6.
-------
العبادة هي كل عمل يصدر عن الإنسان قاصدًا بذلك أن يطيع الله بمعنى أن يلبي أمرا قرءانيا، وهي بذلك تشمل العمل بمقتضى كل النصوص الدينية، وهي تتضمن ما يلي:
1.      كل عمل من مقتضيات حمل الأمانة والاستخلاف في الأرض، وذلك هو العمل الصالح، بالمفهوم العام
2.      القيام بالشعائر كإقامة الصلاة وصيام رمضان.
3.      العبادة بالمفهوم الخاص؛ أي العلاقة بين العبد وربه، وهي الاستجابة الله تعالى والتوجه إليه بالدعاء وطلب الهداية منه والاستعانة به والاستجابة المناسبة لمقتضيات كل اسم من الأسماء الحسنى، والدعاء يكون أيضاً بالأسماء الحسنى، فهذه العبادة تتضمن العلم بالأسماء الحسنى والعمل على القيام بحقوقها.
-------
ظن البعض أن قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} يعني أن كل أفعالهم بما فيها الشرك والكفر والمعاصي هي عبادة له، لأنه بذلك يتحقق ما خلقهم له، وبالتالي فإنهم كلهم عابدون شاءوا أم أبوا حتى ولو عبدوا غيره، حتى زعموا أن من عبد الوثن ما عبده إلا لما توهَّمه فيه من صفات الكمال وليس من حيث أنه مجرد جِرم مادي، وهذا ما قادهم إلى القول بوحدة الأديان وأن كلها بمثابة سبل مختلفة إلى نفس النقطة، وكل ما قالوه هو مزاعم ليس لهم فيها حجة ولا برهان، وإنما تبيِّن الآيتان المقصد الإلهي الخاص بالثقلين، فالحق سبحانه خلق الجن والإنس لعبادته من حيث أن تلك العبادة هي سبيلهم الأوحد إلى السعادة، ولكن تلك العبادة يجب أن تصدر عنهم بالاتساق مع ما أودعه في حقائقهم الذاتية من إرادة واختيار، فهو لم يشأ أن يقهرهم على عبادته أو أن ينزل عليهم من السماء آية تظل أعناقهم لها خاضعين فعنده الأعداد الهائلة من الملائكة الذين يعبدونه ولا يستكبرون، وما عدد البشر بالنسبة إليهم إلا كنقطة من بحر، ولو شاء لزاد الملائكة عددا، فهو يتكلم هنا من حيث منظومة أسماء الرحمة والهدى، ومن المعلوم أنه يصدر عن تلك المنظومة أوامر مجالها الكائنات المخيرة؛ فلا جبر في أوامرها ولا إكراه، والحق هو أن جسد الإنسان خاضع خضوعاً مطلقاً لربه عابد له بخضوعه المطلق لقوانينه وسننه، والإنسان حين يمارس الاختيار إنما هو طائع أيضا لربه، ومن مظاهر ذلك المعصية، ولو كانت نتيجة الاختيار هي الطاعة دائما لظن الناس أنه مكره على فعليه وأنه لا اختيار له، وهذا ما قالوه بالفعل عن الملائكة، والحق هو أنه لدى الملائكة اختيارا، ولكنهم يختارون دائماً الطاعة والعمل بمقتضى الأمر الإلهي، لذلك قد لا يتفقون بل قد يختصمون إذ قد تتعدد اختياراتهم.
-------
لن تجدي الإنسان عبادته نفعا إلا إذا كانت خالصة لوجه الله تعالى ومستندة إلى علم سليم، أما من قيَّد نفسه بعبادة وثن أو بشر مثله فإنه مهما خلع عليه من سمات إلهية فإنه يمنع نفسه من تحصيل كماله المنشود بل ويسد عليها سبله ويضل الطريق من بدايته ويعرض نفسه لغضب الله وسخطه، ذلك لأنه ثمة قوانين وسنن تعمل ولابد من سريانها ونفاذها وتحقق نتائجها، وقانون الوجود الأعظم هو التوحيد بمعنى إفراد الله وحده بالعبادة وإخلاص الدين له، وهذا التوحيد هو من لوازم الإيمان بالله تعالى كما سمَّي نفسه في القرآن، ذلك لأن أي إنكار لسمة إلهية هو من الكفر الذي قد يؤدى إلى الهلاك على المستوى الجوهري، ولقد اقترفت كل المذاهب والطوائف إلا بعض الأفراد جريمة إنكار بعض السمات الإلهية أو التفريق بينها أو التقول على الله تعالى بما لا يعلمون.
-------
يظن البعض أن التفنن في أداء الشعائر مثل الصلاة وصيام رمضان والحج كفيل بإصلاح أحوال الأمة، وإليهم يجب القول بأن الأمة قد استمرت طوال ما يسمى بعصور الخلافة في أداء تلك الشعائر ولم تنبذها أبدا، بل إن معظم المسلمين قد تصوفوا بدءً من أواخر القرن السادس الهجري، ومع ذلك فلقد استمرت كل أحوال المسلمين في التدهور العام إلي مطلع العصر الحديث، إن الإسلام ما جاء ليجعل من الناس عبيد طقوس وشعائر مؤتمين بكهنوت متمكن ومسيطر وإنما جاء لنقض هذه التصورات وتقويضها، أما إصلاح أمر الأمة فإنما يتم بالإسلام الحقيقي الذي هو الدين العالمي؛ دين الحق الواسع الشامل ذو المقاصد الواضحة والمحددة والذي  يجعل من وجود الإنسان وحياته وكل أعماله عبادة لله تعالى إذا راقبه فيها واستشعر حضوره الذاتي وعمل بمقتضيات الإحساس بهذا الحضور، إن إصلاح أمرٍ ما أو تحقيق أمر ما لا يمكن أن يتم أو يتحقق إلا بالعمل بمقتضيات أوامر الله وسننه الخاصة بهذا الأمر، وكل ذلك من تفاصيل هذا الدين ولوازمه، فلإحباط كيد الظالمين وكف بأسهم لابد من عدم الركون إليهم ولا بد من الانتصار منهم، وعلى من يريد أن يتصدى لهم أن يعي كل مقتضيات كلمة التوحيد وأن يعلم أنه إنما يرتكن إلي من له القوة الأعظم التي لا يقوم لها شيء، وأن يعمل علي اكتساب القوة والعزة وأن يعد لهم ما استطاع من قوة وأن يعمل بمقتضى كل ما يلزم لتحقيق النصر مما هو مذكور في القرآن الكريم.
-------
إن العبادات لم تفرض عبثا ولا جزافا بل إن لها نتائج ومقاصد وغايات بيَّـنها الحق في الآيات وجماعها كلها هو التحقق بذكر الله والتقوى وذلك من لوازم تحقيق مقاصد الدين العظمي، وكما قدر سبحانه الأشياء بأن جعلها على وجه ومقدار معلوم يترتب عليه خواصها وآثارها كذلك قدر العبادات حتى تحقق مقاصدها إذا ما أحسن الإنسان أداءها.
-------
إن قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} يبيِّن المقصد الشرعي الحقيقي من خلق الناس، وهذا المقصد يتحقق للإنسان وفق طبيعة الإنسان التي من لوازمها الإرادة الحرة والاختيار، ولو كان هذا القول من حيث الإرادة الكونية لما عصى الله سبحانه أحد ولما تمرد على أوامره أحد، فهو هاهنا يعلن إرادته الشرعية ليحثَّ الناس على عبادته التي هو في غنىً عنها أما هم فهم أحوج شيء إليها.
-------
لما كان الله تعالى هو أصل كل حسن، وسماته هي أصل كل كمال تعلقت آثار الكمال عند ظهورها بأصولها وطلبت بذاتها الدوران في أفلاكها، لذلك فآثار سمات الكمال تعبد الإله الذي له الأسماء الحسنى عبادة ذاتية إذ من الأسماء تستمد معانيها ومقومات وجودها، ولقد وجب على الحقيقة الجامعة لآثار صفات الكمال وهى الحقيقة الإنسانية أن تعبد أيضا ربها، ولكن لما كان من لوازم تلك الحقيقة ومقوماتها الإرادة الحرة والاختيار كان لابد للكيان الإنساني الجامع أن يعبد ربه بمحض إرادته واختياره حتى ينتفع بعبادته.
--------
أنكر معظم الأسلاف صحة توجيه تعليل الأفعال معنى وإن أقروا بوقوعها لفظا، وقد برروا ذلك بالقول بأنه سبحانه مستغنٍ عما أسموه بالمنافع فلا يكون فعله لمنفعة راجعة إليه ولا إلى غيره وبالقول بأنه تعالى قادر على إيصال المنفعة من غير توسيط العمل، فهؤلاء أنكروا دلالات الألفاظ القرآنية وجردوها من معانيها وهي عين التهمة التي يرمون بها الطوائف الأخرى، كما أنهم أنكروا بذلك معظم السمات الإلهية أو قللوا من مقتضياتها ومجالاتها لحساب سمة القدرة فكفروا بجل أسمائه الحسنى وعبدوا ما صورته لهم أوهامهم ولم يعبدوا الإله الذي له الأسماء الحسنى والذي أنزل القرآن، هذا بالإضافة إلى أنهم أنكروا بذلك السنن الإلهية أو قالوا بعدم جدواها أو بأنها محض اتفاقات ألفها الإنسان ولا حقيقة فيها، ولقد جنى ذلك على مسيرة العلم في العالم المحسوب على الإسلام وأدى إلى شيوع الخرافات والخزعبلات، والأخطر هو أنه أدى إلى تجاهل بعض الأوامر القرآنية الكبرى والمقاصد الدينية العظمى.
أما أهل وحدة الوجود فلقد حلوا الإشكال بأن جعلوا الطائع والعاصي والمؤمن والكافر كلهم عابدين، وقالوا إن المؤمن يعبد الاسم الهادي، أما الكافر فيعبد "المضل" الذي ظنوه من الأسماء، ذلك لأنهم زعموا أنه سبحانه عين المتضادات وأنه الجامع للأضداد وأن له الصفات المتقابلة، وساعدهم علي ذلك مروية الترمذي.
والحق هو أنه سبحانه خلق الناس لعبادته كما قال، ولم يخلقهم ليعطوه رزقاً أو ليطعموه؛ فالذي بقى البقاء ببقائه ومن له الحياة الذاتية ليس بحاجة إلى مدد خارجي ليبقى، بل إنه هو الكافي الموسع لما خلق من عطايا فضله، لقد أعلن الله تعالى هاهنا عن مقصده من خلق الجان والإنسان، ولكن المقصد هاهنا مجاله كائنات هو الذي جعل من لوازم حقيقة كل منها الإرادة والاختيار، وكان ذلك من مقتضيات أسمائه، ولا تعارض ولا اختلاف بين أسمائه، فبيان القصد لا يعني قهر الكائنات ولا إلزامها بتحقيق القصد، فالمراد إذاً أن يعبد الكائن ربه بمحض إرادته واختياره، فهو سبحانه غني عن العالمين، فلا حاجة به إليهم، ولكنهم هم أحوج شيء إلى عبادته بالعمل بمقتضى أوامره لتحقيق مقاصده.
أما زعم الأشاعرة أنه لو كانت أفعاله معللة فإن العلة تكون موجبة عليه فالجواب عليهم هو أنه سبحانه يفعل ما تقتضيه منظومات أسمائه التي هي لوازم كنهه الذاتي ومن يفعل ما يقتضيه كنهه لا يكون مجبرا، فالمجبر من يُحمَل على فعل ما تأباه طبيعته، كما أن منظومة أسمائه الحسنى متسقة ولا تضاد فيها ولا تقابل، فمن حيث تلك المنظومة كان لابد من خلق كائن ذي إرادة واختيار ليعرف ربه ويعبده من حيث هو كذلك أي من حيث هو مخيَّر وليس بمجبر، فمنظومة الأسماء الحسنى اقتضت سنة لازمة هي ألا يكون ثمة إكراه في الدين، ولما كان الأمر حقاً كان لابد من وجود الكافر والمؤمن وكان لابد للكائن ذي الإرادة الحرة أن يعبد ربه كما يليق بطبيعته حتى يفيد من عبادته بمعنى أنه لابد أن يعبده بمحض إرادته، فخلق الإنسان المريد المختار اقتضته منظومة الأسماء الحسنى التي هي تفاصيل الاسم الرحمن، والعبادة هي أمر لازم له لتحقيق الغاية من وجوده وهى تفصيل وظهور القدر الأعظم من الكمال، وهى أمر لازم له لكي يتحقق المقصد الديني الأعظم بالنسبة إليه فيتحقق بكماله المنشود ويصبح إنسانا ربانيا مفلحاً فائقا، ولقد بيَّن الله سبحانه له قصده من خلقه من حيث منظومة أسماء الرحمة والهدى والتي هي أصل كل الأوامر التكليفية الاختيارية.
أما قول الأشاعرة بأنه قادر على تحقيق مقاصده بدون استخدام الوسائل التي خلقها فإن عليهم أن يعلموا أن كونه قادرا على ذلك لا يعنى ولا يترتب عليه إلزامه بألا يستخدم تلك الوسائل إذ ليس لهم أن يلزموه بإهمال قوانينه وسننه من أجل أن يكون كما يفضلون هم أن يكون أو لكي يتوافق مع تصوراتهم، أما الوسائل التي يستخدمها فهي آلاته وأدواته التي خلقها لتحقيق مقاصده، وكلها من مقتضيات أسمائه وهى تشكل مجال عملها وظهورها، فلقد اختار – وهو الذي لا يسأل عما يفعل – من حيث كماله المطلق أن يحقق ما يريد من مقاصد باستخدام ما يريد من آلات ووفق ما اقتضاه من السنن، ولقد نبأ عباده في كتابه بذلك وهو الأصدق حديثا، ولقد جعل القوانين والسنن التي اقتضاها مجال العلم به والطريق الموصل إليه، أما القدرة فإنما مجالها ما شاء من أشياء، فما أراده هو ما اقتضته مشيئته التي هي جماع مقتضيات منظومة اسمائه، وما اقتضته المشيئة هو ما نبأ عباده به وضمَّنه كتابه وهو الأصدق حديثا، فلا يجوز تكذيبه بحجة تنزيهه مثلاً أو تحت أي زعم آخر من المزاعم، إذ كيف ينزِّهونه عما نبأ عباده أنه من سماته وكمالاته؟
فمنظومة أسمائه هي أمر واحد فلا تناقض بين ما اقتضته من وسائل ومقاصد، ولقد خلق الكائنات كلها لعبادته بما فيها الإنسان، لذلك فإن كل كائن يعبده كما يتفق مع طبيعته الذاتية، فهو الذي شاء أن يكون الإنسان مخيراً في أمر العبادة طيلة حياته الدنيا، ولكنه لابد له أن يتوب إلى ربه مهما تطاولت الأحقاب وأن يعبده بمحض ما لديه من إرادة حرة واختيار، فمنهم من يثوب إلى رشده في حياته الدنيا، ومنهم من يستلزم ذلك أن يواجه صعابا هائلة وأن يعذب عذابا شديدا على مدى أحقاب متطاولة، وليس في ذلك إكراه على الطاعة والعبادة، ذلك لأنه سيدرك أن العذاب هو النتيجة الطبيعية المترتبة على المعاصي وعلى التمادي في الشرك أو الكفر أو النفاق كما يترتب الثواب علي الطاعات، وسيكون إدراكه هذا أول مراحل توبته وتوجهه إلى ربه بالعبادة بمحض اختياره وإرادته، فالآية تعنى أنه لابد من أن يؤول أمر الإنسان إلى عبادة ربه مهما تطاولت الأحقاب، فكونه خلق كائناً مخيراً لعبادته يقتضي أن يعبده هذا الكائن بمحض اختياره وإرادته إذ لابد أن تكون تلك العبادة متسقة مع مقتضيات حقيقته وطبيعته، وهو سبحانه لن يكره مثل هذا علي طاعته وعبادته لأنه لا يفعل ما هو مناقض لمقتضيات أسمائه الحسني من كرم وحلم ورحمة وغني عن العالمين أو ما هو مناقض لمقاصده من أن يأتيه الكائن المخير طوعاً.
-------
إن تحقق الأمور وفق السنن الإلهية لا يتناقض مع سمة القدرة وإنما يظهر ويفصِّل سمات كمال أخرى مثل سمات العلم والحكمة والخبرة، ومن المعلوم أن هذه السمات من السمات العظمى التي لكل سمة منها منظومة من منظومات الأسماء، وأن هذه المنظومات تتداخل بسبب الأسماء المشتركة فيما بينها، وهذا التداخل هو الذي اقتضي قوانين الوجود وسننه والارتباطات بين الكيانات، ومن الأسماء المشتركة بين هذه المنظومات: الحكيم العليم، العليم الحكيم، العليم الخبير، الحكيم الخبير، ومن الآيات الجامعات التي تشير إلى مقتضيات تلك الأسماء:
{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ }الأنعام18، {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ}الأنعام73، {الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ }هود1، {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ }النمل6، {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ }سبأ1، {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ }الزخرف84، {وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ}الحجر25، {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}يوسف100، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13.

*******




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق