السبت، 9 أبريل 2016

النساء 115

النساء 115

قال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)}
هذه الآية تتحدث عن كافر عتيد عنيد عرف الحق والهدى، ولكنه اختار رغم ذلك الباطل والضلال، وهو قد أتبع ذلك بمشاققة الله ورسوله بما يترتب على ذلك من سلوك عدواني، فالذي توعده الله تعالى بعذاب جهنم وسوء المصير هو من اجتمع فيه ما يلي:
1.                 أن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى.
2.                 أن يتبع غير سبيل المؤمنين.
وفي الحقيقة إن البند الثاني نتيجة لازمة للأول، فمن يشاقق الرسول يكون متبعا بالضرورة لغير سبيل المؤمنين، والرسول ممثل لدى المسلمين كافة بآيات القرءان؛ أي بدين الحق المستخلص منه، فمن يشاقق الرسول هو من يرفض اتباع أي عنصر من عناصر دين الحق، فما بالك بمن يرفض جزءا كبيرا منها؟ وكل أتباع المذاهب المحسوبة على الإسلام قد اقترفوا هذا الإثم المبين، ولا عذر إلا لمن لم يتَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى!
ومن أخطر ما اقترفوه من الآثام أنهم اتخذوا مع الله تعالى شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله، والحق هو أنهم لم يتخذوا السلف الصالح الذين لم يُروَ عنهم شيء في الدين وإنما أمسكوا عن ذلك رهبا.
فلا يجوز لعبيد السلف أن يقولوا إن هذه الآية تلزم الناس بعبادة السلف، والعبادة إما أن تكون صريحة غليظة، وإما أن تكون بطرق ملتوية، وإنما الحقيقة أنهم واقعون تحت طائلتها وقد حاق بهم التهديد الوارد فيها!
وكذلك لا يجوز لأحد أن يزعم أن هذه الآية تقرر حجية ما يسمونه بالإجماع!
ويجب العلم بأن من كبائر الإثم تأويل القرءان بالهوى أو لفرض عقائد مضللة على الناس أو اختلاق أصل شرعي يترتب عليه فرض أحكام دينية على الناس.
***
لقد دأب الكهنوت واللافقهاء ورجال اللادين وعبيد الأسلاف والمرويات على إشهار هذه الآية كسلاح في وجه كل من أراد الإصلاح لإنقاذ تلك الأمة من المهالك التي تسبب فيها أمثالهم من المغضوب عليهم والضالين في حين أنهم هم أشد المسلمين جهلا بقدر النبي وأقلهم احتراما له ولمن تعلق به، فهم الحريصون علي تصويره مخالفا لآيات الكتاب مولعاً بالنساء ولا يعدل بينهن ويستقبل الإلقاءات الشيطانية ويسحره اليهود ويخالف الرسالة التي أنزلت عليه هو من دون الناس… إلخ، وهم الذين زعموا أنه أمر بالتحديث عن بني إسرائيل بلا حرج رغم كل الآيات التي تحذر منهم ومن كذبهم ومن افترائهم علي ربهم وتعلن أن الرب قد غضب عليهم ولعنهم ورغم عدائهم الشديد له هو وللمؤمنين والذي أسفر عن صراع مصيري بين الطائفتين.
إنه يجب العلم بأن من يشاقق الرسول يكون في شق غير شقه ويتعمد معاداته والمخالفة عن أمره في تلك الرسالة التي حملها للعالمين وهى هذا القرءان وذلك بعدما تبين له الهدف وعرفه المعرفة النافية للجهالة، فمثل هذا قد شاقق الرسول عمدا مع سبق الإصرار ومثل هذا لا يكون إلا منافقا أو مشركا حتى وإن كان محسوبا على الإسلام، وهو بذلك يكون بالضرورة متبعا غير سبيل المؤمنين الذين آمنوا بما أنزل إلى الرسول وهو القرءان بنصه والذي بينه بسيرته وفعله وقوله، فمن يشاقق الرسول سيجد نفسه صائرا إلى ما اختار لنفسه من باطل بمعنى أن الحق سبحانه سيحقق له ما اختاره لنفسه وسيترتب على ذلك أن تلحق بهذا الإنسان آثار فعله فيذوق في الآخرة وبال أمره، فالآية تتضمن تهديدا ووعيدا لمن عادى الرسول أو خالف عن أمره، وفى هذا العصر هي تهديد لمن عادى تلك الرسالة التي هي هذا الكتاب العزيز وخالف عن كل الأوامر  الواردة فيه فلا ينبغي أن يشهر رجال الكهنوت تفسيرهم للآية في وجه من يعلن على رؤوس الأشهاد أنه مسلم ومن عمل على الالتزام بما أمره الله تعالى من تدبر آيات الكتاب ومن اجتهد في أي أمر من أمور الدين انطلاقا من خضوعه التام لرب العالمين وحبه لما أتى به الرسول وعمله على الانتصار له ومؤازرة الرسالة التي حملها رحمة للعالمين، وإظهار ما أتى به من دين على كل دين.
فأتباع المذاهب وسدنتها هم أول من يقع تحت طائلة هذه الآية، فهم الذين فرقوا دينهم، والرسول بنص القرءان بريء منهم، وهم بنص القرءان مشركون.
كما دأب هؤلاء الضالون على اتخاذ هذه الآية كدليل على حجية ما يسمونه بالإجماع!!! وهذا الإجماع المزعوم هو وسيلتهم لتحويل الآثار البشرية إلى أحكام إلهية، كما أن مسلكهم هذا يجعل كل من خالف عن إجماعهم المزعوم مفارقا للأمة خارجا على الملة خالعا للربقة.......... الخ.    
***
هذه الآية نزلت كإنذار ووعيد للكفار والمشركين الذين تبين لهم الهدى بعدما أتتهم البينات والبراهين ولكنهم أبوا إلا أن يشاقوا الرسول ورفضوا اتباع سبيل المؤمنين أي رفضوا الإيمان وكل سبيل إليه، فكيف احتج السلف بها لإلزام الناس بلزوم القطيع وكيف استخدموها كنص في حجية الإجماع ولإلزام الناس بما ابتدعوه في الدين، أم كيف استخدموها كسلاح يشهرونه في وجه كل مصلح ومجدد؟ إن القول بالإجماع هو الذي أعطى الحجة لبعض المستشرقين ليزعموا أن الإسلام دين مازال يصنع.
فلا دليل في تلك الآية على حجية الإجماع، ذلك لأن سبيل المؤمنين هو الإيمان والعمل الصالح، فالآية تهديد ووعيد للمنافقين والمشركين والكافرين، أما كيفية استنباط الأحكام القانونية فيما هو مسكوت عنه فذلك أمر آخر وله آلياته التي ضمنها الكتاب العزيز آيات أخرى، فلا يجب محاولة تأويل الآية لتبرير ما قالوا به من حجية الإجماع، ومن المضحك المبكي أن تجد في كتب ما يسمي بأصول (الفقه) أنهم اتفقوا على أن الإجماع أصل من الأصول ودليل من الأدلة ثم اختلفوا في حقيقة هذا الإجماع ومعناه وكل ما يتعلق به!!! بل إن بعض من اعتمده كأصل ودافع عن ذلك بشراسة قد أنكر إمكان أن يتحقق!! ولقد قال المزني إن أحد الشيوخ أمهل الشافعي ثلاثة أيام حتى يجد حجة لقوله بأن الإجماع أصل من الأصول فاعتزل الشافعي وأخذ يقرأ القرءان في كل يوم وفي كل ليلة ثلاث مرات حتى ظفر بتلك الآية، ألم يلاحظ عبيد السلف أن ذلك يدل على أن الشافعي لم يستند في قوله بحجية الإجماع من قبل إلي دليل قرءاني؟ ألا يدل ذلك على أنه اعتمد الإجماع أصلاً من قبل أن يرجع إلى القرءان الذي هو المصدر الرئيس لهذا الدين ثم حاول حمل هذه الآية على ما زعمه واستنطاقها به؟ أليس هذا هو التفسير بالرأي المنهي عنه؟ لقد كان من الأولي به أن يتخذ الكتاب إماما وألا يلزمه بما رأي.
إن الحقيقة الدامغة تقول بأن الشافعي اعتمد الإجماع أصلاً مع الكتاب ومع ما أسموه بالسنة دون الاستناد إلى نص قطعي الدلالة ومع استحالة حدوث هذا الإجماع، أما من جاء من بعده فدفعه الحماس إلى أن يزعم أن هذا الإجماع المزعوم يمكن أن ينسخ آية أو حديثا.
ولكن إذا كان الشافعي قد اضطر إلى قراءة الكتاب كل هذا العدد من المرات ليجد فيه آية يمكن أن يستنطقها بما يريد فمن أين أتاه القول بالإجماع كأصل من الأصول؟ إنه بالطبع لم يستنبطه من الكتاب وإلا لأجاب الشيخ بتلك الآية لأول وهلة، وإن كان ليس ثمة أدني علاقة بين منطوق الآية وفحواها من ناحية وبين قوله بالإجماع من ناحية أخرى، ولذا يجب البحث عن أصل القول بالإجماع لدي أهل الكتاب، ومن ذلك البحث يتضح أن القول بالإجماع هو النسخة العربية ذات القشرة الإسلامية لقولهم إن ما يعقده أحبارهم (أو يحلونه) في الأرض يكون معقوداً (أو محلولاً) في السماء.
والقول بالإجماع هو من أسباب صد الناس عن الإسلام إذ يوحي ذلك إليهم أن الإسلام ما زال يصنع، ولكن لماذا لم ير الشافعي أو غيره من الأئمة آلية أخري منصوصا عليها نصا صريحا بل هي ركن من أركان الدين وهي أفضل من الإجماع وتغني عنه كأصل من الأصول وهي الشورى؟ إن ذلك لأن الشورى آلية شاملة فهي ليست وسيلة فقط لاستنباط الأحكام فيما لا نص فيه من الأمور الفرعية ولكنها آلية ملزمة أيضاً لكل أولي الأمر ومن بينهم أصحاب السلطة التنفيذية، فلذلك كان سبب التعتيم على هذا المبدأ القرءاني خوف العلماء من الطواغيت المجرمين الذين تسلطوا علي أمر المسلمين من الأمويين والعباسيين، ولقد كاد الشافعي نفسه يفقد رأسه دون جريرة علي يد أحد هؤلاء المجرمين.
***
لقد حاول عملاء الشيطان من رجال الكهنوت تأويل تلك الآية ابتغاء الفتنة بإلزام الناس بالمرويات الظنية المخالفة للقرءان أو بأقوالهم، ولكن الآية إنما تتحدث عمن تبين له الهدى فآثر أن يتخذ موقفا عدائيا من الرسول وأن يكون في الشق المضاد له على طول الخطر وأن يتحرى غير سبيل المؤمنين وأن يلتزم به، فالآية تتحدث عن مرتد أو عن شيطان مريد من شياطين الإنس، ومثل هذا حسبه جهنم، فلا يجوز استخدام تلك الآية لترويع واسترهاب المسلم المتمسك بدينه وبحبه للرسول لمجرد أنه خالف مذهب البعض أو بالأحرى باطلهم ورفض أن ينضم إلى واحد من قطعان المغضوب عليهم أو الضالين، بل لا يجوز استخدام تلك الآية ضد منافق يكتم كفره ولا يتعرض للمؤمنين بأذى.

*****

هناك 3 تعليقات: