الجمعة، 1 أبريل 2016

التوبة 29

التوبة 29
قال تعالى: {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} التوبة29.
إن المنهج القرءاني الواجب اتباعه لاستخلاص القول القرءاني بخصوص أي أمر أنه يجب أن يؤخذ في الاعتبار كل الآيات التي ورد فيها ذكر لهذا الأمر وأن يؤخذ في الاعتبار ما تتضمنه كل آية من المعاني والأسماء والشئون الإلهية التي اقتضتها وأن يكون لكل آية حجيتها، فيجب معرفة الشأن الإلهي الذي يستند إليه الحكم الوارد في الآية.
ولا يجوز أبدا إهمال أية آية بحجة أنها منسوخة أو أنها كانت مرحلية.....الخ، فذلك القول يتضمن كفرا ببعض الكتاب وسوء أدب مع من القرءان كلامه، وبالطبع فقد عمل السلف قديما على القول بأن هذه الآية نسخت عشرات الآيات القرءانية ليشرعنوا للاعتداءات السافرة التي شنوها على الأمم المجاورة لنهب أموالهم واحتلال بلادهم وسبي نسائهم.
وآيات القرءان لا تتنافى ولا يوجد بينها أيّ تناقض أو اختلاف يوجب القول بالنسخ، بل هي متسقة اتساقا تاما Completely self-consistent يبيِّن بعضها بعضا ويلقي كل منها مزيدا من الضوء على المسألة المطلوب استخلاص القول القرءاني فيها.
وباتباع ذلك يتبين أن القتال ممنوع منعا باتا إلا إذا اجتمعت كل شروطه، ومنها ما جاء فيما يلي:
{وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ} البقرة190، {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ}البقرة193، {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ }البقرة194، {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }البقرة244، {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرا} النساء75، {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً}النساء84، {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}الأنفال39، {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58)} الأنفال، {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61)} الأنفال، {وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ}التوبة12، {أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ}التوبة13، {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ }الحج39، {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}الممتحنة8، {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}الممتحنة9.
فكل آيات القتال محكومة بالسمات والشؤون الإلهية المذكورة في هذه الآيات بصفة خاصة وفي القرءان بصفة عامة، ومنها:
إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ، وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ، وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ، وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ.
كما أنها محكومة بالأسماء الإلهية المذكورة في القرءان، ومنها "الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ"، وهذا يوجب العمل بمقتضى هذه الأسماء، وهي تستلزم العمل على تحقيق الأمن والسلام في المملكة الإلهية، ولذلك فإن حالة السلام هي الحالة التي يجب أن تسود دائما، ولا يجوز الخروج منها إلا لأسباب قوية مشروعة مثل تلك المذكورة في الآيات، ويجب المبادرة بالعودة إليها، قال تعالى:
{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62)} الأنفال، {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)} الممتحنة
فالقتال محرَّم إلا عندما تتوفر شروطه الشرعية، وأول شروطه هو أن يكون في سبيل الله حقاً وصدقا وليس للتوسع العسكري ولا للاستيلاء على بلاد الآخرين ومواردهم وليس لاستعباد الناس ولا لإكراههم على الإيمان، أي لا يجوز أن يكون طلبا بالأصالة لمغانم دنيوية، فإن لم تتوفر شروطه فهو عدوان إجرامي منهي عنه، إن الله تعالى أعلن بكل وضوح أنه لا يجوز قتال إلا من بدأ بالقتال وأعلن أنه لا يحب المعتدين، فهذه سمة من سماته لا تبديل لها ولا تحويل.
فهذه الآية تدخل في إطار كل الآيات الخاصة بالقتال، وهي تبين أنه في حالة قتال أهل الكتاب لاقترافهم ما يوجب قتالهم مثل الاعتداء السافر على المؤمنين بسبب إيمانهم فإنه يجب الاستمرار في القتال حتى يدفعوا جزاء عدوانهم؛ أي يدفعوا الجزية؛ فهي بمثابة غرامة حربية، وهذا الحكم نسخ الأحكام الواردة في كتب أهل الكتاب والتي كانت توجب اسئصالهم إن لم يؤمنوا.
ولكنه وفقا لعقيدة الناسخ والمنسوخ التي يعتنقها بعض المغضوب عليهم والضالين فإن هذه الآية التي لقبوها بآية السيف قد نسخت كل الآيات التي تبين الأساليب الشرعية للدعوة إلي الله، ولقد استعملوها (بالمرَّة) لنسخ كل الآيات التي تحض على التمسك بمكارم الأخلاق عند التعامل مع الناس، وكل هذا يعني أن يشن المسلمون حرباً عالمية علي كافة الشعوب التي لا تدين بدين الإسلام حتى يذعنوا ويعطوا الجزية للسلطات التي تقول إنها إسلامية، وطالما سيظل هناك دائماً من سيتمسك بدينه كما قال الله عز وجل في القرءان فهذا يعني أن يكون القتال هو القاعدة والسلام هو الاستثناء وأن المسلمين لن يكفوا عن القتال إلا مرغمين، وبافتراض أن السلام قد تحقق فما الذي يمنع أن تبرز جهة أخرى تدعي أنها تمثل الإسلام الصحيح وأن الآخرين كفار أو مشركون أو منافقون؟ أو تدعي أن السلطة القائمة لا شرعية لها لأي سبب من الأسباب مثلما حدث من قبل مع خير القرون؟ إن هذا يقتضي حروباً دموية لابد أن يستأصل فيها أحد الأطراف الطرف الآخر، فهل يعتقد أحد أنه من أجل ذلك نزل الإسلام؟
ومن الضلال المبين تصور أنه يوجد اختلاف في القرءان يوجب ضرب الآيات ببعضها البعض، فآيات القرءان تتكامل ويبين بعضها بعضا، والحكم القرءاني يؤخذ منها مجتمعة، فمثلها كمثل المصابيح الكهربية الموصلة على التوالي لو أبطلوا عمل أحدها لن يصلوا إلى الحكم القرءاني الحقيقي!
وفي الآية المذكورة ليس المقصود إبادة المشركين من العرب والأعراب، ولكن المقصود هو الأمر بقتالهم حتى يقبلوا بما هو مذكور في الآية، وهي علامات الإسلام الظاهري.
ويجب العلم بأن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ كان مكلفا بقتال قومه من العرب والأعراب حتى يسلموا من حيث أنه مرسل إليهم خاصة، فثمة أحكام خاصة بأقوام الرسل لا يجوز تعميمها على غيرهم، فلابد من الفصل بين من آمن بالرسول وبين من كفر به في هذه الحياة الدنيا، وتلك هي السنة التي بينها القرءان بأجلى بيان، إنه يجب أن يعلم الناس ما يلي:
1.           أن الرسول كان مرسلا للناس كافة ولكنه كان أيضًا مرسلاً لقومه بصفة خاصة.
2.           قدم لقومه كل ما يلزم من البينات والبراهين، وكل رسول ملزم بذلك، فمن لم يؤمن من قوم الرسل بعدما رأى ما يكفي من البينات والبراهين هو مجرم عات يشكل خطرا على البشرية ويجب التخلص منه لصالح تطور وتقدم البشرية كأي مجرم ميئوس منه.
3.           كان القضاء على الكفار المجرمين يتم من قبل باستعمال آية كونية وقد نُسخ ذلك في الإسلام ومع خاتم النبيين.
4.           أعلن القرءان أن الخلاص من الكفار المجرمين سيتم بأيدي من آمن من قوم الرسول.
5.           لذلك وجب على المؤمنين تحطيم أصنام الكفار التي كانت في الكعبة وأينما وجدوها، وكانت البعثات تُرسل لذلك كما هو معلوم.
6.           لا يجوز تعميم أحكام قوم الرسول على غيرهم، وهذا ما بينه القرءان بأجلى بيان عندما نص على سبل الدعوة والتعامل مع الآخرين، وهذا هو عين العدل فهم لم يروا رسولاً يقدم لهم ما يكفي من الأدلة والبراهين لإثبات صحة الإسلام وإنما رأوا أناساً يسمون أنفسهم بالمسلمين يعتنقون مذاهب مضادة للإسلام ويكفي سلوكهم لصد كافة الأمم عن سبيل الله تعالى، إنه يجب تماماً العلم بأن الحكم النهائي والفصل التام بين أتباع كافة الأديان والمذاهب لن يكون إلا في يوم الفصل.
إن القرءان بيَّن تماما الأحكام الخاصة بالتعامل مع متبعي الأديان الأخرى بعد ظهور الإسلام، فرغم ما تتضمنه أديانهم من ضلالات فلم يبح الإسلام إكراههم على الإيمان، ولقد أعلن أنه هو الذي جعل لكل طائفة شرعة ومنهاجا، ولقد أعلن أنهم باقون إلى يوم القيامة وأن الفصل والحكم بين شتى الطوائف سيكون في هذا اليوم الذي سمي لذلك بيوم الفصل، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} الحج17.
ومن المعلوم أن 99.99% من المحسوبين على الإسلام يتبعون مذاهب شركية حلت محل دين الحق وأخفت وجهه العالمي الكامل التام، ولقد أعلن الله تعالى أن من فرقوا دينهم وكانوا شيعا هم مشركون، والحق هو أنه ما من مذهب حل محل الإسلام إلا وهو يتضمن ألوانا من الشرك بالله لكون متبعي هذا المذهب اتخذوا من سدنته أربابا شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ.
فلو كان من الواجب قتال كل من أشرك ولا يدين دين الحق لوجب قتال المحسوبين ظلما على الإسلام قبل غيرهم، ولما كان الأقربون أولى بالمعروف فعلى كل محسوبٍ ظلما على الإسلام أن يبادر بقتل نفسه وإراحة البشرية من شره!
أما الأحكام الخاصة بأقوام الرسل فتبينها الآيات:
{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاء رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}يونس47، {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ{110}} يوسف،  {وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ{58} وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ{59} وَأُتْبِعُواْ فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَاداً كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ{60}هود،  {فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ{66} وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ{67} كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّثَمُودَ{68}}، هود، قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ{81} فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ{82} مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ{83} هود، وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ{94} كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا أَلاَ بُعْداً لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ{95} هود، ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ{100} وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ مِن شَيْءٍ لِّمَّا جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ{101} وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ{102} هود،  وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ{171} إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ{172} وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ{173}، الصافات، {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ }غافر5.
إن القتال علي المستوى الأممي لا يكون إلا لرد العدوان ولاسترداد الديار ولكفّ بأس الذين كفروا ولمنعهم من اضطهاد المسلمين وفتنتهم في دينهم، وهو لا يكون أبدا للاستيلاء علي أراضي المسالمين واستعبادهم.
أما المعارك التي نشبت مع الفرس والروم فكانت لحماية دولة الإسلام الوليدة والتي لم يكن الفرس والروم ليتركوها وشأنها، ولو هاجم جيش كثيف من أيهما الحجاز لما صمد كما أثبتت الأحداث من بعد، فقد تمكن مجرم ابن عقبة والحصين بن نمير والحجاج من بعده من الاستيلاء علي المدينة ثم مكة وهدمت الكعبة أثناء ذلك مرتين بجيش لم يتجاوز في كل مرة بضعة آلاف، ولقد حتمت العوامل الاستراتيجية استكمال الهجوم للقضاء علي الإمبراطورية الفارسية شرقاً وطرد الروم من مصر غرباً، ولو لم يفعل العرب ذلك لأمكن للرومان مثلا شن هجوم بحري قوي من مصر للقضاء علي الدولة الوليدة، ولقد تمكنوا من قبل بتفوقهم البحري الكاسح من تحويل هزيمتهم الهائلة أمام الفرس المذكورة في القرءان إلى انتصار ساحق، إن الروم كانوا سيحاصرون المدينة بجيش هائل جيد التجهيز والتسليح، وعندها كان المسلمون سيبدون شتى ضروب البطولة ولكنهم كانوا سيتعرضون في النهاية للإبادة بدون رحمة، وهذا ما حدث عندما ثار محمد النفس الزكية علي الطاغية العباسي أبي جعفر، إن متابعة المعركة مع الفرس إلي نهايتها الحاسمة ومتابعة الزحف للاستيلاء علي مصر هما من علامات التفوق في التفكير الاستراتيجي الذي كان يتميز به الفاروق عمر، وبالطبع فقد شابت تلك المعارك مخالفات شرعية جسيمة أملتها طبيعة العصور الوسطى وجهل معظم الجنود بقيم الإسلام ومُثُله واستمرار تسلط منظومة الأخلاق الجاهلية عليهم، فالإسلام بريء من كل تلك المخالفات ولا يجوز أن تحسب عليه.
***
حقيقة مصطلح الجزية
إن الجزية هي من الجزاء، فهي الغرامة الحربية التي يفرضها جيش المؤمنين على من اضطروه إلى القتال من الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر من أهل الكتاب، وهي مفروضة لوضع حدٍ للقتال، فهي البديل عن التطهير العرقي أو العقائدي أو الاستئصال الذي كان غايةَ الحروب العقائدية الدينية، ولذلك فمن الظلم والبغي أن تُفرَض الجزيةُ على طائفة مسلمة أو على المسالمين غيرِ المحاربين، ولا يجوزُ أن تؤخذ من إنسان مقابل تركه يمارس حقاً من حقوقه الإنسانية مثل حقه في اختيار دينه أو مذهبه.
والجزية مرتبطة أساسا بالقتال والذي ينبغي أن يكون مشروعا وليس طلباً لغلبةٍ أو توسعٍ أو مغانم دنيوية، والقتال الشرعي له شروطه المعلومة؛ فهو لا يكون إلا لردع العدوان أو للتصدي لأهل البغي أو لدرء الفتنة أو لضمان حرية الدين أو للدفاع عن دور العبادة وعن المستضعفين في الأرض، فإذا ما اعتدت طائفة من أهل الكتاب على المؤمنين وجب على الأمة قتالهم ليس بهدف إبادتهم أو لإكراههم على اعتناق الإسلام وإنما لكف بأسهم وحتى يذعنوا للأمة المسلمة ويدخلوا في السلم كافة ويتكفلوا بدفع تكاليف الحرب التي  تكبَّدتها الأمة مع غرامة عادلة وتلك هي الجزية؛ فهي جزاء لهم على بغيهم وعدوانهم يدفعونه دون قيد أو شرط.
وحرية الإيمان هي قيمة كبرى من أركان منظومة القيم الإسلامية وحق من حقوق الإنسان المقدسة في دين الحق، فلا يجوز أخذ جزية من إنسان مقابل تركه على دينه، بل إن الدفاع عن كل مكان يُذكر فيه اسم الله تعالى هو من القتال في سبيل الله؛ أي هو من القتال المشروع، وكون السلف الصالح قد أخطئوا في إدراك مفهومها السليم لا يجوز أن يُتخذ حجة ضد الإسلام والإنسانية، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل! وكم أخطأ السلف في إدراك مفاهيم قرءانية غاية في الخطورة!! وقد حدث ذلك في أحيانٍ عديدةٍ عمداً مع سبق الإصرار!
لذلك لم يكن من حق السلف أن يُسموا الأموال التي كانت تُفرض على العراقيين والشوام والمصريين باسم الجزية، فلم يكن لهم أن يعتدوا على مصطلح قرءاني، وهذه الشعوب كانت أصلا شعوبا مسالمة تدفع ضريبة من مواردها للمتغلب على بلادها، فقد كانت مصر مثلا تدفع ضريبة للبيزنطيين، والذي حدث أنها استمرت في دفع مثلها ثم أكثر منها للمتغلبين الجدد، وهذا أمر لا شأن للإسلام به، فالجزية بالمصطلح القرءاني كان يجب أن تؤخذ من الروم المحاربين المهزومين وليس من سكان البلاد المسالمين، أما هذه الأموال التي أرغم العرب سكان البلاد التي استوطنوها على دفعها سنويا فكان يجب البحث لها عن أي اسم آخر يناظر الاسم الروماني لها!
والإسلام لم يأمر أحدا بمقاتلة المسالمين والاستيلاء على أموالهم واستيطان بلادهم، وكون السلف قد فعلوا ذلك أو كانوا يتبارون فيه فهذا كان من مقتضيات عصرهم ولا يعني الإسلام الآن في شيء، ولا يلزم المسلمين الآن في شيء، ولا يجوز القول بأنهم عندما كانوا يفعلون ذلك كانوا ينفذون أوامر إلهية! فلمبادئ الإسلام وقيمه الأصلية والكلية العلو عل سلوك وتفسيرات البشر، ذلك لأنها من مقتضيات الأسماء والشئون الإلهية، فالعدوان هو إثم خطير مبين، ذلك لأنه يتضمن اقتراف ما لا يحبه الله تعالى، وهو لن يثيب من اقترف ما لا يحبه، وإنما يلقيه في جهنم إن لم يتب! قال تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)} البقرة، ولا يجوز القول بأن هذه الآية منسوخة لما يلي:
1.     حقيقةُ أن الله تعالى لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ هي سمة إلهية لا تتغير أبدا، فالله سبحانه لا يتغير عما هو عليه أبدا، فلا يجوز القول بأن الله تعالى كان لا يحب المعتدين ثم أصبح يحبهم، هذا القول هو خطأ جسيم وتجديف خطير في حق الله تعالى.
2.     لا وجود أصلاً لآيات قرءانية منسوخة، والقول بأن في القرءان آيات منسوخة بمعنى أن الحكم المذكور فيها قد أُلغي هو من الكفر الفاجر.
وبعد هذا البيان لا يجوز لعبد من عبيد السلف أن يقول لنا: "أتقصد أن فلانا وفلانا وعلانا كانوا مخطئين"؟
ولا يوجد كيان الآن يتحمل مسئولية ما اقترفه السلف من أخطاء في حق الإسلام وفي حق البشرية، وإلا لوجب عليه الاعتذار عما اقترفه أسلافه، أما من يعلن مسئوليته عن هذه الاعتداءات والأخطاء ويعد بإحيائها وتكرارها فيجب على المسلمين قبل غيرهم التصدي له، ومن يقر جرائم أسلافه ويؤمن بها ويحاول إلزام الناس بها يتحمل مع سلفه المسؤولية عنها مثلما يتحمل اليهود المسؤولية عما اقترفه سلفه من قتل الأنبياء.
والأموال التي أخذها السلف من الناس تحت مسمى الجزية لم تكن تحل لهم، فلا تحل أموال كهذه لأولئك الذين فرضوها واستباحوا لأنصارهم وأعوانهم ومداحيهم نهبَها والاستمتاعَ بها، وكان عليهم أن يسموها بأي اسمٍ آخر وألا يعتدوا على مصطلح قرءاني،  وكذلك لا تحل  لهم أموال الزكاة التي لم يوجهوها إلى مصارفها الشرعية المعلومة، ومن المعلوم الآن أن كل تلك الأموال التي نزحت إلى المدينة ومن بعدها إلي العواصم الأخرى كانت في الأغلب  نقمة على الأمة وأدت إلى فتنة الكثيرين وإلى الاختلاف  والتناحر والتنازع والتنافس وإلى تقوية جانب المنافقين ورقيقي الدين من الطلقاء على حساب المؤمنين الصادقين، ولم تستخدم تلك الأموال لإقامة أو تمويل مشاريع إنتاجية أو لزيادة تحصين مكة والمدينة مثلاً، وكان لابد من الصدام الدامي الذي فرضه الطلقاء والمنافقون على الأمة التي لم تأخذهم بها رأفة ولا رحمة.
فالجزية تُفرض على من قاتل وهو معتدٍ مثل الفرس أو الروم ومن ظاهرهم ولكنها لا تفرض على المسالمين غير المقاتلين وإن كان من الممكن أن يدفعوا ضريبة عادلة لتمويل نفقات الدفاع وإقرار الأمن وتسيير أمور الدولة، وما كان ينبغي أن تُسمَّى تلك الضريبة بالجزية، فالجزية لا تفرض إلا على من قاتل من أهل الكتاب بغيا وعدوانا فهُزِم، ولا تُفرض إلا مرة واحدة، أي أنها لا تفرض إلا على المقاتل المحارب بعد هزيمته، وفي ذلك ردع له ولغيره، وهذا يوفر البديل عن استعباده أو قتله.
أما الضريبة التي فرضت على الشعوب المفتوحة في مقابل الدفاع عنها وكمساهمة في تمويل مؤسسات الدولة فلقد سُميت خطأ بالجزية، والحق هو أن ما سموه بالجزية هو في الحقيقة نظام منقول عن الروم الذي نقلوه عمن سبقهم من الشعوب، وكان هذا خطأ تاريخيا أوقع الناس في لبس وجنى على الإسلام والمسلمين بل على البشرية جمعاء خاصة بعد استيلاء الأمويين على مقدرات الأمور وإعادتهم أحكام الجاهلية إلى مركز السيطرة والصدارة.
***
إن الجزية هي غرامة حربية يدفعها أهل الكتاب الذين اعتدوا على المسلمين وقاتلوهم في الدين، وكانوا هم المعتدين البادئين بالقتال، يدفعونها وهم صاغرون، وهم يدفعونها مقابل إنهاء القتال، لذلك يجب أن يدفعوها مرة واحدة، ولا يجوز أن تؤخذ من أحد مقابل تركه على دينه، فلا إكراه في الدين، والقرءان يقرر حرية الدين، فهي حق طبيعي للإنسان فلا يجوز أن يؤخذ منه مالٌ مقابل ممارسةِ حق من حقوقه كما لا يجوز أن يؤخذ منه مالٌ لقاء تركه يعيش.
أما من لم يقاتلوا المسلمين في دينهم ولم يخرجوهم من ديارهم فمن كبائر الإثم الاعتداءُ عليهم، بل إن المسلمين مأمورون ببرهم والإقساط إليهم! أما من خالف عن ذلك من سلف أو خلف فهو –وليس الإسلام- الذي يتحمل وزر عمله!! ولن تنقلبَ الجرائم والآثام فضائلَ واجتهاداتٍ إذا كان الذي اقترفها بعض السلف، فللقرءان الحجةُ على الجميع، وليس للناس عليه حجة!
وبناء على ما سبق لم يكن يهود المدينة مثلا يدفعون جزية للمسلمين، بل كانوا يتعايشون معهم وفق عهد وميثاق.
أما القتال فهو مقيد بشروطه المعلومة فإذا ما نشب فإنهاؤه له أيضاً شروطه المعلومة!
***
إن الجزية المذكورةَ في النص القرآني هي بمثابةِ غرامةٍ حربية يلتزم بدفعها المعتدون من أهل الكتاب كوسيلة لإنهاء القتال مع بقائهم على دينهم وضمان كافة حقوقهم، وهي تُدفع مرةً واحدة، وهي غير الأنواعِ الأخرى من الضرائب التي التزم بدفعها المغلوبون على أمرهم من شعوب الشرق المسالمين الذين انضموا بحكم الأمر الواقع إلي الدولة الإسلامية فصار لزاماً عليها الدفاعُ عنهم وكفالةُ كافة حقوقهم والقيام بأمورهم، ولقد سميت تلك الضريبةُ خطأ أو عرضاً بالجزية، ولا يلزم بالضرورة بعد إلحاق الهزيمة بالمعتدين احتلالُ أو استيطان بلادهم.
وكل أنواع المظالم التي ألحقها العرب بالشعوب المفتوحة يتحملون هم مسئوليتَها وأوزارَها ولم يأمر الإسلام بها، ولا يجوز أن تكون موضع فخر، بل موضع عارٍ وخجل! ويجب العلم بأن العرب الفاتحين -ورغم كل شيء-كانوا أرحم من غيرهم، وأنه لم يكن لديهم نظام للدعوة والتبشير بل لم يكن يعنيهم أمرُ الدعوة إلى الإسلام كثيرا، وإنما كانوا أميلَ إلى اتباع سنن بني إسرائيل بالاحتفاظ بالدين لأنفسهم، فهم لم يحاولوا أبدا فرض دينهم على الآخرين أو إبادة من خالفهم في الدين، ولم يكن ذلك لتحليهم بفضيلة التسامح بصفة عامة أو لعملهم بأوامر دينهم وإنما حرصاً على مواردهم!
وبقيام الدولة الأموية تحول الأمر بشدة إلى احتلال واستيطان لا هم له إلا استنزاف ونزح خيرات الشعوب المقهورة، ولم يُظهر الأمويون باستثناء عمر بن عبد العزيز أية رغبة في نشر الإسلام بين هذه الشعوب حرصا على مكاسبهم المادية وإنما انتشر الإسلام رغم أنوفهم.
ولم يحدث أن حاول أحد القائمين على الأمر بمصر مثلا حمل الناس على اعتناق الإسلام وإنما الذي حدث أن كثيرا منهم قد انحازوا إلى صف أهل الكتاب ضد أهل مصر المسلمين، ومن هؤلاء كثير من الأيوبيين والفاطميين وبعض المماليك، ولقد ثبت أن أكثر من استقلوا بأمور مصر كانوا يفضلون الاستعانة بأهل الكتاب في الوظائف والأمور الإدارية.
***
 ولا يجوز فرض الجزية أصلا على المسالمين، الجزية غرامة حربية تُفرض على من اعتدى على المسلمين مقابل إنهاء القتال فقط، فالجنوح للسلم أمر قرءاني راسخ.
وقد قرر الله تعالى حرية العقيدة والإيمان لكافة بني الإنسان في القرءان بأجلى بيان، وهو لم يأمر أحدا بأخذ أموال من الناس مقابل ما قرره هو لهم كحق من حقوقهم، ومن يستغل اسمه وكلامه لتحصيل شيء من حطام الدنيا هو أسوأ من اللص العادي.
إن الله تعالى مطلع على أعماق الإنسان وعلى سريرته، فعلى الإنسان ألا يحاول أن يخادعه، ولا يجوز أن يكون حياؤه من الناس أشد من حيائه من ربه.
أما إذا كان المسلمون يتعايشون مع غيرهم في وطن واحد، وكان النظام الإسلامي هو المتبع بمعنى أن الزكاة تؤدي دور الضريبة الآن فإنه على غير المسلمين أن يؤدوا ما يقابل هذه الزكاة، ولا يجوز تسمية ذلك بالجزية.
***
إنه يجب التخلص والتبرؤ من المفهوم الخاطئ للجزية، وأن يعلن المسلمون ذلك على رؤوس الأشهاد، فمصلحة الإسلام والحقيقة والإنسانية مقدمةٌ على كل اعتبار آخر!
***
إن العدوان محرم تحريما باتا في القرءان، والقتال المشروع هو الذي يكون ردا لعدوان، والجزية لها المفاهيم التالية:
1.     الجزية بالمفهوم القرءاني، وهي تؤخذ من المعتدي مقابل إيقاف القتال، فهي بمثابة الغرامة الحربية، ويجب أن يدفعها المعتدي وهو صاغر حتى يكون عبرة لنفسه ولغيره فلا يفكر من بعد في تكرار العدوان.
2.     الجزية التي يفرضها الشعب الغالب على الشعب المغلوب دون أن يحتل بالضرورة أرضه، وكان توقف الشعب المغلوب عن دفعها بمثابة إعلان حرب على الشعب الغالب، وسميت بالجزية خطأ، أو لعدم وجود مقابل لغوي، ولا يجوز لأحد فرض هذا المفهوم على القرءان.
3.     الجزية التي يدفعها أفراد الشعب المغلوب للسلطة المتغلبة مقابل بقائهم على دينهم أو مذهبهم، وكان يمكن أن يُستبدل بها نوع من الضرائب يؤخذ من الناس بالحسنى والتراضي مقابل الإنفاق العام، ولكنها في أغلب الأحيان وطوال تاريخ المتسلطين المحسوبين على الإسلام لم تكن كذلك، بل كانت وسيلة قهر وإذلال، ولا يجوز لأحد فرض هذا المفهوم على القرءان ولا تحميله المسؤولية عنه.
***
إنه يجب التخلص والتبرؤ من المفهوم الخاطئ للجزية، وأن يعلن المسلمون ذلك على رؤوس الأشهاد، فمصلحة الإسلام والحقيقة والإنسانية مقدمةٌ على كل اعتبار آخر!


*******

هناك تعليقان (2):