الخميس، 7 أبريل 2016

أسطورة اضطهاد ابن رشد

أسطورة اضطهاد ابن رشد


دأب الحداثيون والمجتهدون الجدد على الصراخ بالقول: هذه الأمة تخلفت بسبب رفضها لفلسفة ابن رشد بينما أوروبا أخذت بها فتقدمت.
والحقيقة أن ابن رشد لم يكن إلا (فقيها) مالكيا تقليديا وشارحا بلا أصالة لفلسفة أرسطو، وكان يعتبر فلسفة أرسطو حاكمة على الإيمانيات الإسلامية وقاضية عليها وناسخة لها عند التعارض، وكان يؤمن إيمانا لا يتزعزع بكل مقولات أرسطو، وقد تندر عليه أحد المشايخ قائلا: "لو قيل له إن أرسطو يقول إن الإنسان يمكن أن يكون قائما قاعدا ماشيا في نفس الوقت لقال: صدق!!"، ولم ينتفع منه المسلمون بشيء، ولا إنجاز له يمكن أن يُعتدّ به في العلوم الطبيعية، وكانت أهميته للأوروبيين هي في كونهم تحدوا بشروحه لمقولات أرسطو الفلسفة الأفلاطونية السائدة، وقد استغنوا عن شروحه عندما وجدوا آثار أرسطو الأصلية بعد سقوط القسطنطينية في أيدي العثمانيين.
وقد عاش ابن رشد أكثر عمره في المناصب الرسمية وفي بلاط السلاطين معززا مكرما، تولى القضاء سنة 1169م في إشبيلية ثم في قرطبة، وحين استقال ابن طفيل من عمله كطبيب للخليفة الموحدي أبو يعقوب يوسف اقترح اسم ابن رشد ليخلفه في منصبه، فاستدعاه الخليفة إلى مراكش سنة 578هـ وجعله طبيبه الخاص، وقربه منه وقضى في مراكش زهاء عشر سنوات. وكان الخليفة أبو يعقوب يستعين بابن رشد إذا احتاج الأمر للقيام بمهام رسمية عديدة، ولأجلها طاف في رحلات متتابعة في مختلف أصقاع المغرب؛ ثم ولاَّه منصب قاضي الجماعة في قرطبة ثم في إشبيلية، فلما مات أبو يعقوب يوسف وخلفه ابنه المنصور الموحدي زادت مكانة ابن رشد في عهده مكنة ورفعة، وقرَّبه الأمير إليه، ولكن كاد له بعض المقرَّبين من الأمير، فأمر الأمير بنفيه وتلامذته إلى قرية اليسانة التي كان أغلب سكانها من اليهود، وأحرق كتبه، وأصدر منشورًا إلى المسلمين كافَّة ينهاهم عن قراءة كتب الفلسفة، أو التفكير في الاهتمام بها، وهَدَّد مَنْ يُخَالِف أمره بالعقوبة، وبقي بتلك القرية لمدة سنتين، وبعد تأكد السلطان من بطلان التهمة السياسية التي كانت وراء تلك النكبة عفا عنه واستدعاه من جديد إلى مراكش وأكرم مثواه كأحد كبار رجال الدولة، ثم إن السلطان نفسه أخذ في دراسة الفلسفة والاهتمام بها أكثر من ذي قبل، ولكن الفيلسوف لم يهنأ بهذا العفو فأصيب بمرض لم يمهله سوى سنة واحدة مكث بها بمراكش حيث توفي سنة 595هـ/ 1198م، وقد دفن بها، قبل أن تنقل رفاته في وقت لاحق إلى مسقط رأسه قرطبة.
فلم يكن الأمر أمر اضطهاد، وإنما هو مكائد في بلاط المتسلطين، ولم يكن ابن رشد أول ضال في الأمة ولن يكون آخرهم، ولم يكن له فلسفة تقدمية ليرفضها المسلمون فقد كان مجرد شارح لفلسفة أرسطو! ويتفوق عليه بكثير في المجال العلمي الحسن بن الهيثم الذي عاش في مصر في العصر الفاطمي، وعمل في دار الحكمة، وهو مؤسس نظريات البحث العلمي التجريبي ومؤصل للمنهج العلمي واكتشف الكثير من نظريات البصريات، وهو واحد من أكبر العقول البشرية على مدى التاريخ، ولم يتابع المسلمون إنجازاته لأسباب معروفة.
فتخلف المحسوبين على الإسلام كان له أسباب أكثر عمقا وشمولا من موضوع ابن رشد وكل المزاعم حوله.


*******

هناك تعليقان (2):