الأحد، 6 مارس 2016

المماليك 2

المماليك 2

إنه يجب العلم بما يلي:
1.        المماليك هؤلاء كانوا مملوكين لشخصية اعتبارية هي الدولة المصرية، ولم يكونوا تابعين لأية قوة خارجية، وكانوا يوفرون لمصر دولة مستقلة مستقرة ومقرا للخلافة العباسية التي كان يخضع لها كل العالم السني روحانيا، هذه الدولة لم تكن تدفع الجزية لأحد، ولم تكن تأخذ الجزية من أحد، وقد كانت دولة قوية غنية.
2.        إن دولة المماليك التي قامت بمصر واتخذت من القاهرة عاصمة لها هي الإمبراطورية العسكرية (Military Empire) التي دافعت عن قلب العالم الإسلامي بنجاح على مدى حوالي ثلاثة قرون، فهي التي قضت تماما على الخطر الصليبي وألقت بالصليبيين في البحر، وهي التي هزمت التتار والمغول في سلسلة من أشرس معارك العصور الوسطى، وكان التتار والمغول هؤلاء قد دمروا الجناح الشرقي الهائل للعالم الإسلامي الممتد من حدود الصين إلى بغداد وأبادوا أكثر سكانه، وهي التي حفظت للمسلمين والعرب التراث العربي والإسلامي، وقلب العالم الإسلامي هو الحجاز والشام ومصر، ولولا هذه الإمبراطورية لوصل الصليبيون والمغول إلى الأراضي المقدسة!
3.        نظام المماليك كان الحل الوحيد الممكن للتصدي للأخطار الماحقة التي هددت قلب العالم الإسلامي، كانت القوى المعادية تعتمد على التفوق الساحق لفرسانها في المهارات القتالية، لذلك كانت قلة من الفرسان الصليبيين تتمكن من دحر أضعافهم من جيوش السلاجقة والأيوبيين، وقد تعرض صلاح الدين نفسه لهزيمة مخزية على أيدي ثلة من الفرسان الصليبيين معركة مون ‌گيسار أو معركة الرملة Battle of Montgisard، هي معركة دارت بين الأيوبيين ومملكة بيت المقدس في 25 نوفمبر 1117، وكان الملك بلدوين الرابع ذو الستة عشر عاماً يرضخ تحت وطأة الجذام، وقد أبيد الجيش الأيوبي على أيدي الفرسان الصليبين، ونجا صلاح الدين بأعجوبة، ووصل إلى مصر في حالة يُرثى لها.
4.        وقد توصل آخر الملوك الأيوبيين في مصر –الملك الصالح نجم، الدين أيوب-إلى ضرورة إعداد مثل هذا النظام، يعتمد هذا النظام على استجلاب الأطفال والصبية الأشداء الذين نشئوا في سهوب آسيا والقوقاز وتربيتهم تربية عسكرية ودينية محض فينشئون على الولاء المطلق للإسلام وضرورة التصدي لأعدائه، كما كانوا يكتسبون المهارات الهائلة لأي فارس في ذلك العصر، وهذا كان أمرا بالغ التعقيد، لم يكن من الممكن أن ينشأ في قلب العالم الإسلامي أي بديل آخر، كان الفلاحون أو المزارعون شديدي الالتصاق بأرضهم ولا يقبلون المخاطرة بأبنائهم، أما بقايا القبائل الأعرابية فلم يكن لها هم إلا الإغارة على هؤلاء الفلاحين ولا يشعرون بأي انتماء للمكان الذي يعيشون فيه، أما المرتزقة من الترك والكرد فقد كانوا عناصر غير منضبطة لا هم لها إلا الإفساد في الأرض.
5.        حققت دولة المماليك لمصر سلسلة من أروع انتصاراتها، وكانت مصر في عهدهم قلب العالم الإسلامي وموطن أكابر علمائه، كما كانت مقر الخلافة العباسية (كان الخليفة لا يملك شيئا بل كان مجرد رمز).
6.        كانت دولة المماليك تشمل أيضا الشام والحجاز، أما العراق فكان خاضعا للمغول ثم للتركمان.
7.        ترجع السمعة السيئة التي اكتسبها المماليك إلى عدة أمور:
أ‌.         إنه عندما احتل العثمانيون قلب العالم الإسلامي أبقوا عليهم مع الولاة العثمانيين حتى يقوم ويستمر صراع بين الطرفين فلا يستقل الوالي بحكم مصر، وهذا أخشى ما كان يخشاه الخلفاء العثمانيون، لذلك عندما أصبحوا سلطة غير مسئولة طغوا وأفسدوا في الأرض.
ب‌.     نتيجة لذكريات الأوروبيين المريرة والصليبية الكامنة في نفوس مؤرخيهم تجاههم عملوا على تشويه سمعتهم.
ت‌.     عندما ظهر الحكام الجدد في العصر الحديث بعد الثورات ضد الإمبريالية الغربية لم يكن لدى هؤلاء أي رصيد من الأمجاد في أمم تعشق الفخر الزائف، فزعم لهم المنافقون والطبالون وحملة الأبخرة انه لم يجد الزمان بمثلهم فقاموا بإحداث مقولات لا معنى لها لشطب كل تاريخ بلادهم لصالحهم مثلما زعموا لجمال عبد الناصر أنه أول حاكم مصري لمصر!!!!!!! منذ عهد الفراعنة !!!!! وبذلك تم إلقاء ألفين وثلاثمائة سنة من تاريخ مصر وأمجادها وانتصاراتها في سلة المهملات لتضخيم عبد الناصر!!!! وقد أصبح هذا القول العقيدة الأكثر رسوخا عند كل البهائم والجهلوتيين من المصريين يستعملونها لترسيخ مركبات النقص والدونية في أنفسهم ويجلدون بها ذواتهم ويستعملونها بالمرة للنيل من تاريخ مصر الإسلامي.
ث‌.   عندما ظهر تيار القومية العربية حلا لهم أن يضخموا من شأن صلاح الدين والأيوبيين على حساب المماليك، هذا مع أن المماليك لم يهملوا اللسان العربي مثلما سيفعل العثمانيون، بل إنه في عهدهم دونت الموسوعات الكبرى في التراث الديني واللغة، كما أن صلاح الدين هو مثلهم، لم يكن عربي الأصل!! 
لذلك لا معنى لقول جاهل: "لقد احتل المماليك بلادكم"، أو "لقد حكمكم المماليك العبيد"! ويوجد بالمناسبة كثير من هذه الدواب الجهلوتية في مصر أيضا، وكأنه كانت توجد دولة في كازاخستان أو جورجيا مثلا تُسمَّى دولة المماليك أرسلت جيوشها لغزو مصر!!!
هذا الجاهل إما أن بلاده كانت خاضعة لدولة المماليك المصرية في عصرهم، وإما أنها كانت محتلة من المغول والتتار أو غيرهم، وإما أنه لم يكن لها وجود كدولة أصلا.


*******

هناك 3 تعليقات:

  1. كلام اكثر من رائع .

    ردحذف
  2. الكاتب المحترم يتهم كل من يعتنق فكر مخالف لما يقول بأنه جاهل جهول منافق طبال

    ردحذف