حوار مع نخبة من الأبالسة
جاء إبليس إلى مسلم وهو يلطم خديه ويشق جيبيه ويحثو
التراب على رأسيه ويذرف الدمع الهتون حتى كاد يغرق الأرض المحمولة على ظهر حوت أو
سمكة كما يقول السلف المقدس، دار الحوار التالي:
مسلم: ما لك يا هذا؟ ما الذي يحزنك؟! لماذا تبكي بحرقة
هكذا؟
إبليس: لماذا تنكر السنة يا هذا؟
مسلم: من قال ذلك؟
إبليس: أنا وأكثر الناس!
مسلم: أنت لا قيمة لك عندي، فأنت للإنسان عدو مبين، أما
أكثر الناس فهم لا يسمعون ولا يعقلون ولا يفقهون ولا يتبعون إلا الظن وإن هم إلا
يخرصون وهم للحق كارهون وإِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ
سَبِيلاً، إنهم عبيد نعال أسلافهم، ولن يخرجوا –إلا قليلا- عما رسمته أنت لهم!
إبليس: من أين لك هذا القول؟
مسلم: من القرءان الكريم
إبليس: لم أعرف بعد سبب إصرارك على إنكار السنة المطهرة!
ألا تعلم أن السنة قاضية على القرءان وحاكمة عليه وناسخة لآياته عند التعارض؟
مسلم: ماذا تقصد بالسنة؟
إبليس: وهل هذا سؤال؟ إنها الأحاديث الواردة في كتب
الأحاديث.
مسلم: اسمها المرويات التي نسبها الناس إلى الرسول، فهي
مرويات ظنية، فلا تقطع أنت بأنها أحاديثه حتى لا تقع تحت طائلة الكذب عليه، وهذه
خطيئة كبرى عقوبتها النار كما تعلم!
استبشر إبليس وضحك في سره، إنه يعلم أنه بذلك يكون قد
وفَّى بتعهده وأخذ بثأره من بني آدم، ولكنه استرسل في الحوار:
إبليس: ليكن اسمها أي شيء، ولكن جامعي المرويات فحصوا
ومحَّصوا ما كان موجودا، وحذفوا المرويات الباطلة واستبقوا الصحيحة، وكان عملهم
غاية في الكمال.
مسلم: أنت تعلم جيدا أنه عندما بدأ جامعو المرويات عملهم
وجدوا أنه في مقابل مروية واحدة يمكن أن تكون صحيحة كان يوجد أكثر من مائة مروية
موضوعة أو محرفة، أليس كذلك؟
إبليس: وكيف أعلم جيداً ذلك؟
مسلم: لأن وضع وتحريف الآثار والمرويات كان يتم بفعل
شياطين الإنس والجن تحت إشرافك العام وبتنسيق منك!
إبليس: على العموم هم أدُّوا عملهم جيدا واستبعدوا
المرويات غير الصحيحة كما قلنا، فبطلت حجتك ولزمك اتباع السنة الصحيحة! لماذا لا
تتبعها؟
مسلم: ومن الذي يضمن العصمة التامة لهم؟ لقد وضعوا
معايير الفحص والتمحيص بأنفسهم وأعملوها بأنفسهم، وحيث أنهم ليسوا بآلهة ولا
بأرباب ولا بملائكة فمن المؤكد أنك أنت وأعوانك قد خدعتموهم وضللتموهم، والنتيجة
ماثلة.
إبليس: ألا تعلم أنك بذلك تستخف بجهود السلف وبإجماع
الأمة التي تلقت عملهم بالقبول؟
مسلم: بل نضع الأمور في نطاقها الصحيح، أما من ادعى
إجماع الأمة على ما ذكرت فهو أكذب الكاذبين أو هو مجرم يطرد من الأمة من لم يكن
ضالا مثله! ونحن لا نقول بالترك المطلق للمرويات، بل نعمل بما اتسق منها مع دين
الحق المستخلص من القرءان.
إبليس: القرءان؟! ألا تعلم أن القرءان مليء بما هو مبهم
محتاج إلى بيان، مشكل محتاج إلى إيضاح، مجمل محتاج إلى تفصيل، مطلق محتاج إلى
تقييد؟
مسلم: لا يوجد شيء في مرتبة القرءان ليؤدي كل هذه
المهام، آيات القرءان يبيِّن بعضها بعضا ويوضح بعضها بعضا ويفصِّل بعضها بعضا
ويقيِّد بعضها بعضا، وقد جعله الله كما قال مبينا ومبيِّنا وتِبْيَانًا
لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِين وفصَّله على علم،
فأنت ومن اتبعك رغم أنكم الأكثرية والسواد الأعظم كفرتم بكل ذلك.
إبليس: بل إن السنة مطلوبة لتكمل القرءان!
مسلم: هل تقذف القرءان بالنقص؟
إبليس: إذاً أنت مصرّ على إنكار السنة!
مسلم: هل سمعت شيئا عن سنة الله تعالى؟
إبليس: ماذا؟! لا! لا، لا تقل ذلك ولا تضل نفسك وغيرك،
أمور الكون تتم بالمشيئة الإلهية! لا وجود لسنن إلهية، الأمور تجري بعشوائية، قد
يعيش الإنسان طوال عمره صالحا مؤمنا ثم يكفر في آخر لحظة في حياته أو العكس، وقد
يموت الكافر المجرم مصرا على كفره وإجرامه، فيدخل الجنة، أتريد أن تحجر على فضل
الله؟ وقد يأتي الإنسان يوم القيامة مؤمنا طائعا فيُلقى به في النار، ستحدث مفاجآت
يا هذا، لا وجود لسنن إلهية، لا وجود إلا للسنة النبوية وهي في كتب البخاري وصحبه!
مسلم: بل أنت الذي نفثت في روعهم أن المشيئة هي أمر
عشوائي محض، فأنكروا جدوى العمل كما أنكروا المقاصد والحِكم والسببية والسنن
الحقيقية! فألقيت بهم في هوة سحيقة، والمشكلة هي كونهم لا يريدون الخروج منها! أما
سنة الرسول فهي منهجه في العمل وفق أوامر الله تعالى وسننه الواردة في القرءان،
فهي لا يمكن أن تتعارض معها! ونحن أشد الناس تمسكا بها!
إبليس: ها قد أقمت الحجة على نفسك، لذلك وجب عليك الأخذ
بكل ما ورد في صحيح البخاري!
مسلم: ومن الذي قال لك إن كله صحيح؟
إبليس: بما أنهم سموا كتاب البخاري صحيح البخاري، إذاً
فكل ما هو فيه صحيح، هذه بديهية! وقد أجمعت الأمة على ذلك كما قلت لك وتلقته
بالقبول وتبارى فطاحلها في شرحه ودفع الشبهات عنه والتعليق عليه، وعلى من يقول
بغير ما قلنا أن يأتي بآية أو بسلطان مبين! ألم تعلم أن الأمة لفرط عنايتها
بالبخاري وعرفانها بقيمته بذلت من المجهودات أكثر مما بذلته أوروبا لتحقق نهضتها؟!
مسلم: ألم يكن من الأولى أن تطالبوا البخاري بأن يأتيكم
بآيات وبسلطان مبين على صحة مزاعمه أو بنصٍّ ديني صريح يبشر بظهوره؟
إبليس: هل تعتبر البخاري رسولا يا هذا ليأتيهم بآية؟ لم
يكن بالطبع ملزما بأن يأتيهم بآية خاصة وأنهم خروا لأقواله ساجدين دون أي دليل أو
برهانٍ مبين!! إنه البخاااااااااري!
مسلم: ولماذا كان أقوام الرسل يطالبون رسلهم بآيات
ولماذا زودهم الله تعالى بها؟ هل هم أقل شأنا من البخاري؟
إبليس: يا للضلال المبين، أتشبه المسلمين بالكفار؟
مسلم: وهل يجب على المسلم أن يصدِّق أي شيء يلقى عليه
بدون طلب برهان مبين، إن ذلك من كبائر الإثم طبقاً لدين الحق الذي أعرفه!
إبليس: أتريد أن تقول إن البخاري كان يُلقي أي شيء؟؟!!
لقد تماديت في الضلال، إنه البخاااااااااري، ألا تسمع؟؟
البخااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااري!!!
مسلم: لو ظللت تمد فيها حتى تنقطع أنفاسك فلن يتغير من الأمر شيء، ولن تتبدل
الحقائق، ولم يرد في كتاب الله تعالى أو فيما هو
منسوب إلى الرسول تبشير بنبي أو معصوم اسمه البخاري، والبخاري قام بجمع التراث
المنسوب إلى الرسول بعد أكثر من قرنين من الزمان دون تكليف من سلطة دينية رسمية
ودون أن يكون هذا التراث موثقا التوثيق الشرعي اللازم، ثم قام بفحص وتمحيص هذا
التراث وفق قواعد وضعها بنفسه وأعملها بنفسه، وليس ثمة أي سبب شرعي أو منطقي يضمن
له العصمة التامة في عمله، فضلا عن أن نتائج عمله لم تعتمدها أية جهة دينية رسمية!
بل لا يوجد حتى أي دليل على أن النسخ المتداولة حاليا مأخوذة بالفعل عن النسخة
الأصلية التي كتبها البخاري إن كان لها وجود أصلا.
إبليس: ألم يكن يحفظ كل ما يسمعه؟ ألم يكن يتوضأ ويصلي
ركعتين قبل أن يدون أية مروية في صحيحه؟!
مسلم: إذًا كان من الضروري أن تتسق مروياته مع كتاب الله
تعالى الذي هو الحق والصدق المطلق، فماذا ستفعلون إذا جئتكم بآيات وبسلطان مبين
على أنه يوجد في البخاري أباطيل ومفتريات وأكاذيب؟
أطلّ حشد من الأبالسة، صرخوا قائلين: لا، لا، ماذا تقول؟
مبدئيا لا يمكن ذلك، ومع ذلك نحن نقول لك مسبقا حتى لو جئتنا بالبخاري نفسه حيَّا
ليكذب بعض ما أورده في كتابه لما صدقناه، بل سنقول إنه شيطان أتيتنا أنت به، من
أنت حتى تقوض جهودنا؟ هل اشتكى إليك أحد من شيء؟ الناس سعداء بكتاب البخاري الذي لم
يقرأه بكامله إلا الآحاد منهم، لماذا تريد أن تكدر عليهم صفو سعادتهم؟ "خليك
في حالك" كما تقولون في مصر.
مسلم: على العموم يجب أن تعلموا معشرَ الأبالسة أنني آخذ
بما أجده في البخاري إذا وجدته متسقا مع دين الحق المستخلص من القرءان وفق منهج
قرءاني منطقي صارم، وقد وجدت أن أكثر مروياته تعود إلى أصول صحيحة! ولكن توجد فيه
مرويات كارثية كفيلة بتقويض الدين، وأنتم أكبر المدافعين عن البخاري بسببها! هذا
فضلا عن أنه أهمل مئات الألوف من المرويات الصحيحة فاختلت موازين المذهب المستخلص
من أقواله وحجب وجه الإسلام الكامل التامّ.
تصايح الأبالسة وأخذوا يتدافعون ليردوا على الأستاذ
مسلم!
إبليس1: لن يغني عنك ذلك شيئا، يجب أن تأخذ بالبخاري كله
أو تتركه كله، لا خيار لك!
إبليس2: بل قل إنك لن تأخذ منه إلا ما وافق أهواءك، يا
للضلال المبين!
إبليس3: أتؤمن ببعض البخاري وتكفر ببعض؟ لا جزاء لك إلا
النار!
إبليس4: البخاري التام أو الموت الزؤام!
إبليس5: وأين دين الحق هذا الذي تتحدث عنه، هل يوجد دين
آخر غير الإسلام الذي نعرفه نحن معشرَ الأبالسة؟
إبليس6: وبافتراض وجوده، من قال إنك أنت الأصلح لتطبيقه
وإعماله للحكم على المرويات، عُدْ إلى السواد الحالك الأعظم والهباب الأسخم
والخراف الضالة خير لك!!
مسلم: {قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللّهِ كَذِباً إِنْ
عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا
أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ
شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ
قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} الأعراف89
إبليس: إذا فالتفت لشأنك والتزم بالصمت ودع لنا أمر
الناس!
مسلم: طبقا لدين الحق الذي أعرفه نحن مأمورون بالدعوة
إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بقدر وسعنا!
إبليس: ألا ندلك على خير من ذلك، حدِّث الناس بما يحبون
أن يسمعوه، لماذا هذه القسوة والحدة التي جلبت عليك كره الناس لك؟ ألا ترى أنك تقف
وحيدا وقد انفضوا كلهم بكافة مذاهبهم وتوجهاتهم من حولك؟ يجب أن تكون أكثر
إنسانية! كل طائفة دينية أو مجموعة إثنية أو عرقية أو دولة شرقية أو غربية لديها
خرافاتها وأساطيرها، لا تطعن في الأساطير والخرافات المحببة إلى الناس، وسنضمن لك
أن تصبح داعية مشهورا ونجما فضائيا ترفل في النعيم وتنكح في كل سنة حورية حقيقية
جديدة أو في كل بضعة أشهر إن شئت وأن تشتري لنفسك سيارة فخمة بدلا من وسائل
المواصلات وعنتها وتحظى بما شئت من الشهرة، لن نجعلك بحاجة إلى الكدّ في طلب
الرزق، سنجعلك تعيش في جنة حقيقية هنا على هذه الأرض!
مسلم: جنتكم الحقيقية هي النار الأبدية! أعوذ بالسميع
العليم من الشيطان الرجيم، {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ} يوسف108
وضع الأبالسة أصابعهم في آذانهم وولوا مدبرين متصايحين
يتعثر بعضهم في ذيول البعض الآخر!!
*******
حوارات
ردحذفاشهد انه بلاغ مبين يا بروف
ردحذف{قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} الأعراف89
ردحذف