الثلاثاء، 15 مارس 2016

السجـود

السجـود

السجود هو أمر قرءاني كبير فضلا عن كونه من لوازم القيام بركن إقامة الصلاة، وهو من أركان الإسلام من حيث أنه دين الفطرة، وهو يمثل الامتثال التام والإذعان المطلق ظاهرا وباطنا لله الذي له العلوُّ المطلق، فهو من لوازم القيام بمنظومة أسماء سمة "العلوّ"، ومن هذه الأسماء: الأعلى، العليّ، المتعالي، العليّ العظيم، العليّ الكبير، العليّ الحكيم، الكبير المتعالي، ولذلك وجب على الإنسان تسبيح اسم ربه "الأعلى" أثناء سجوده.
وللدلالة على الأهمية العظمى للسجود فإن مكان الصلاة لجماعة المسلمين سُمي بالمسجد وليس بالمصلَّى أو بالمعبد مثلا، ومن عظمة ركن الصلاة أن تلاوة القرءان والسجود والتسبيح من أركانها، والسجود هو من لوازم التحقق بالعندية الإلهية وبه يتوافق الإنسان مع آيات الله الكونية، وبالسجود يؤدي الإنسان حق آيات الرحمن، قال تعالى:
{إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُون} [السجدة:15]، {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم:58]، {وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105) وَقرءانا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106) قُلْ آَمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109)} الإسراء.
والسجود الحقيقي هو الإخبات التام والخضوع التام والاستسلام التام لله رب العالمين والإيمان بما هو له من العلو الذاتي والأسمائي، وسجود الجسد هو إشارة إلى سجود كل الكيان الإنساني وهو من وسائل تحقيق السجود الحقيقي، فالسجود هو السريان الواعي بجمعية وكلية الكيان الجوهري الإنساني خارج الكيان الإنساني الفاني إلي حيث الحقيقة الإلهية، ولذلك كان أفضل ما يقال من ذكرٍ فيه تسبيح اسم الرب الأعلى، وبهذا السجود يتعالى الإنسان على مقتضيات جسمه ويكتفي عنه بربه.
*****
إن السجود هو إشارة إلى الوسيلة الميسرة السهلة للتحقق بمراتب الكمال وهي في الخروج من الذات الإنسانية أو قهرها، وهذا يتمثل في عدم المكابرة وفي المبادرة بالخضوع للحقائق والتأكد من حتمية سريان السنن وفي العمل بمقتضى السنن وعدم محاولة مقاومة سريانها.
إنه كما كان الجسد المادي أمرا لازم لتولد النفس وتعينها وتحققها فهو أيضا أمر لازم لظهورها ونموها وتزكيها ووصولها إلى صورتها النهائية، لذلك فإن القدر اليسير من أعمال الجسد يؤدى عادة إلى تغير كبير في طبيعة ومدى رقى الكيان النفسي، لذلك كان لابد من تلك العبادات التي يستخدم فيها هذا الجسد، فالسجود كحركة جسدية مثلا هو أمر لازم كسائر العبادات الباطنية الأخرى، إن مجهوداً بدنياً يسيراً في تلك الحياة سيؤدي إلي رقي حاسم علي المستوى الجوهري إذا أدي بصدق وإخلاص.

والآيات الآتية تبين أهمية السجود وأن كل من فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يسجدون لله طَوْعا وَكَرْها:
{يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ }آل عمران43 * {لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ }آل عمران113 * {إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ }الأعراف206  *  {وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} الرعد15  *  {أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إِلَى مَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَآئِلِ سُجَّداً لِلّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ} النحل48  *  {وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ}النحل49  * {قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً}الإسراء107  *  {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً}مريم58  *  {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ}الحج18  *  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}الحج77  *  {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً}الفرقان60  *  {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً }الفرقان64  *  {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ}النمل25  *  {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ }السجدة15  *  {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }فصلت37  *  {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ}الفتح29 * {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا }النجم62 * {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ }الرحمن6 * {وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً }الإنسان26 * {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ{20} وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقرءان لَا يَسْجُدُونَ{21} }الانشقاق * {كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ}العلق19 *
والساجد هو من تحقق بمرتبة السجود لله حتى أصبحت له سجية يقوم بمقتضياتها في كل عمل من أعماله:
{التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ }التوبة112 * {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ }الحجر98 * {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ}الزمر9 *
ولأهمية السجود وباعتباره ذروة إقامة الصلاة وقياما بحق المرتبة الإلهية فإن المكان المكرس لعبادة الله تعالى يُسمَّى بالمسجد:
{وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }البقرة149 *  {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ }الأعراف29 *{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}الإسراء1  * {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} الأعراف31 *.

*******

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق