الأحد، 20 مارس 2016

الأنبياء: 87

الأنبياء: 87

وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ(87)

لقد أراد الحق سبحانه رفع ذي النون إلى مرتبة الرسل، ولقد كان ذو النون يتمتع بعبادته الفردية للحق وما يفيض عليه بسببها من نعيم وفرح وسرور فأُمِر بالخروج إلى الناس لينتفعوا به فاستوحش من ذلك، وأراد البقاء على حالته منعزلا عنهم، فلا يستطيع المتعبد ذو الحساسية أن يتحمل رؤية الناس في صورهم الحقيقية، وظن أن الله سبحانه لن يضيِّق عليه أمره بسبب موقفه هذا فعوقب بأن ضُيِّق عليه أمره بالفعل بأن حصر في بطن الحوت الذي كان في ظلمات البحر؛ فانتقلت الظلمة الباطنة التي اعتورته بسبب ظنه إلى ظلمة ظاهرة فتطهر منها، ولما كان استعداده طيبا إذ هو من صفوة خلق الله تعالى فإنه أخذ في التسبيح والإقرار بذنبه بإخلاص وعزم ولم يشغله مصابه عن ذلك، فرحمه ربه وفرَّج عنه كربه، ولو لم يسبح لما خرج من بطن الحوت، فلقد اختار التسبيح والإقرار بالذنب فنجا بذلك وصدق بفعله العلم السابق والتقدير، وحيث اكتملت بذلك معرفته وارتفعت درجته وعلم أن على العبد –مهما علا قدره- أن يكون طوع أمر ربه لا طوع ما تهواه نفسه حتى ولو كان من أمور الخير وأن اختيار الرب لعبده خير من اختيار العبد لنفسه فإنه رُفع إلى مرتبة الرسل وأرسل إلى مائة ألف أو يزيدون، وكانت حالة قومه فريدة ومختلفة عن الأقوام الآخرين إذ بادروا إلى الإيمان بعد طول تعنت وعناء ونجوا بذلك من عذاب كان محدقا بهم ويوشك أن يقضي عليهم.
*******

هناك تعليق واحد: