الأحد، 6 مارس 2016

المائدة: 51

المائدة: 51

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)} المائدة



الآية تنهى الَّذِينَ آمَنُواْ عن موالاة الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى في الدين من دون المؤمنين في ظل اتخاذ هؤلاء موقف عدائي واقترافهم أعمالا عدائية ضد الَّذِينَ آمَنُواْ؛ أي ضد المسلمين، وهذا ما توضحه الآيات التي أتت بعد هذه الآية:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (58)} المائدة
فالآية ملزمة للمسلمين في وجود حالة عداء على أسس دينية أو عقائدية مثلما كان الحال بين المؤمنين وبين اليهود في العصر النبوي، وبالأحرى هي ملزمة في وجود حالة حرب، فالآية تنهى بذلك عن اقتراف ما يُسمَّى الآن بجريمة الخيانة العظمى.
ومن المعلوم أن الرسول كان حريصا على مسالمة أهل الكتاب وبرهم والإقساط إليهم، ولذلك بمجرد دخوله المدينة سالمهم ووقع معاهدة تعايش سلمي معهم، فالعداء كان من جانب اليهود فقط، فهم الذين كرهوا أن تنزل الرسالة على أمة غيرهم فناصبوا المؤمنين العداء وتمادوا فيه حتى كانوا يقترفون أفعلا صبيانية لا تليق بأمة لديها كتاب منزل والمشار إليها في الآيات السابقة، ولقد بلغ بهم الشطط أنهم كانوا يودون أن يرتد المؤمنون كما تحالفوا مع الكفار ضدهم، قال تعالى:
{مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105)} البقرة، {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير} [البقرة:109]
وتوجد آيات قرءانية عديدة تندد بموقفهم الإجرامي والعدائي والعجيب من نزول القرءان والبعثة المحمدية مع أنه كان من المفترض أن يكونوا أول من يسارع إلى الإيمان أو على الأقل ألا يكونوا أول كافرٍ به:
{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44)} البقرة

والآية تتنبأ بما سيحدث من بعد، فالموالاة بين اليهود وبين النصارى لم تحدث إلا في العصر الحديث، لقد صدر هذا الأمر للمؤمنين عندما كان ثمة عداء مستحكم بين اليهود وبين النصارى، بل من المعلوم أن اليهود قد ساعدوا المسلمين ضد النصارى أثناء فتح الشام ومصر والأندلس، ولقد عاش اليهود منعمين في ظل الحضارة الإسلامية، ولقد تعرضوا للقتل على أيدي الصليبيين في بيت المقدس.
فلم يحدث تعاون وتحالف يذكر بين اليهود وبين النصارى إلا في العصر الحديث، ولقد بلغ التحالف والموالاة بين الطائفتين ذروته مع ظهور البروتستنت المتطرفين مثل المحافظين الجدد في أمريكا، وحدوث هذا التحالف إشارة إلى أنه على المسلمين ألا ينتظروا منهم خيرا وإلى أنهم لا يمكن أن يكنوا للإسلام ولا للمسلمين ودا، ومع ذلك فالمسلم مطالب بأن يعاملهم وفق مبادئ الإسلام وقيمه على أن يأخذ دائما حذره منهم، والآن فإن الدويلات المحسوبة على الإسلام تجد نفسها أضعف بكثير من دول الغرب التي تزعم كذبا أن حضارتهم هي الحضارة المسيحية اليهودية، وذلك الضعف كان بسبب أخطاء وجرائم الأسلاف الذين اتخذوا كتاب الله وراءهم ظهريا واتبعوا من دونه مذاهب وأولياء، وهذا الضعف قد دفع وسيدفع تلك الدويلات إلى تقديم المزيد من التنازلات إلى أعداء الإسلام، أما هؤلاء الأعداء فلخستهم ودناءتهم فلن يزيدهم ذلك إلا طغيانا وكفرا، ولقد استسلم المسلمون في الأندلس للنصارى على ألا تنتهك حقوقهم فديست بالأقدام كل حقوقهم بمجرد استسلامهم، ثم أجبروا على الارتداد عن دينهم ولكن حتى ذلك لم يقبل منهم، وتمَّ استخدام أبشع الوسائل للتنكيل بهم، وفي النهاية تم إلقاؤهم في البحر ليضطر بعضهم للعمل كقراصنة للسطو علي سفن المجرمين الصليبيين.
وهذه الآية هي حجة دامغة وقاصمة ضد أتباع الديانة الشحرورية الذين يزعمون أن اليهود والنصارى مسلمون.

أما في الظروف الطبيعية فالأصل هو التعايش السلمي واحترام حقوق أهل الكتاب الإنسانية وكرامتهم وحقوقهم الخاصة كأهل كتاب منزل، فيجب برهم والإقساط إليهم بل ويجوز الأكل من طعامهم والزواج منهم.

*******

هناك تعليق واحد: