الأربعاء، 2 مارس 2016

الشَّيْطَان

الشَّيْطَان

الشَّيْطَان للإنسانِ عَدُوٌّ مُّبِين
قال تعالى:
{....وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِين} [البقرة:168]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِين} [البقرة:208]، {....وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا}[النساء:119]، {....وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِين}[الأنعام:142]، {يَا أَبَتِ لاَ تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا}[مريم:44]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيم} [النور:21]، {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِير} [فاطر:6]، {وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِين} [الزخرف:62]، {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُون} [المجادلة:19]
لم يقم أحد لهذه التحذيرات الإلهية الشديدة ما تستحقه من وزن، ولقد وضع الأعراب وسادة قريش من قديم أنفسهم في خدمة الشيطان مقابل عرض الدنيا ومتاعها القليل، وقاموا بكل ما طُلب منهم، أما الأعراب الآخرون فكانوا أقل من أن يتصدوا لمؤامرات الشيطان.
الشيطان هو عدوٌّ محض للإنسان، يعيش ليضله وليسبب أقصى ما يمكن من ضررٍ له، والقرءان يقصّ على الناس مسيرته الطويلة معهم منذ أن أغوى والديهما وأخرجهما من الجنة في إشارة قوية إلى أن هذا سيكون دأبه دائما؛ إخراج الإنسان من أية جنة والحيلولة بينه وبين العودة إليها، ووسيلته تجريده من كل الأسلحة التي يمكن أن يتصدى له بها ثم يوجه إليه ضرباته.
والرسالات الإلهية هي هدى ونور ورحمة للعالمين، وكان الشيطان دائما بالمرصاد لأية رسالة إلهية جديدة، يلقي فيها ما يشاء من الضلال ويشغل الناس بذلك الضلال عما فيها من الحق، قال تعالى:
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (54) وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55)} الحج
إن الآيات توضح تماما أن الإلقاء الشيطاني يترتب عليه إضافات شيطانية تشوب آيات الرسول أو النبي المرسل أي تختلط بالمعطيات والآيات الدينية الحقيقية مما يستدعى فعلا إلهيا لتطهير آيات الرسالة مما شابها ولإعادة إحكامها، وقبل إرسال الرسول الأعظم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ كانت آثار الإلقاءات الشيطانية تختلط بنصوص الرسالات الأصلية بحيث تصبح من أمور دينهم ويتبعها مرضى القلوب والقاسية قلوبهم لتجانسها وتوافقها معهم، ذلك لأن الحق سبحانه لم يتكفل بحفظ تلك الرسالات السابقة لأن الأمر كان مازال في تطور مستمر، ولم تكن البشرية قد تهيأت للرسالة الكاملة، لذلك استحفظ الأحبار والرهبان على الكتب السابقة، وهؤلاء أنفسهم –باعتبارها بشرا غير معصومين من المعاصي والذنوب- قد يكونون آلات الشيطان لتحريف تلك الكتب، فإذا ما بلغ التحريف حدا خطيرا فإن الأمر يستلزم إرسال نبي جديد يكون بمثابة آلة للحق لنسخ الإلقاءات الشيطانية وإحكام الآيات، ومجال الإلقاء هو معطيات الرسالة ومادتها وتأويل نصوصها وليس نفس النبي أو الرسول فإنهم محفوظون عن أمر الله تعالى.
وتوضح الآيات أن آثار الإلقاء الشيطاني تبقى في الرسالة المنسوخة، فإذا كانت تلك الرسالة قد نسخت برسالة أخرى فإن الرسالة القديمة تبقى مختلطة بما تفاقم واستفحل من الإلقاءات الشيطانية وبالتالي يكون الشيطان بنفسه داعيا إليها ليصرف الناس بها عن الرسالة الجديدة، والرسالة الخاتمة التي هي الكتاب العزيز مصونة ومحفوظة من هذا الإلقاء الشيطاني وإلى ذلك الإشارة بقوله سبحانه: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِه}، ونصت على ذلك آيات قرآنية عديدة، ولما يأس الشيطان من أن يلقى في هذا الكتاب شيئا فإنه ألقى في كل ما هو دونه من مرويات وآثار وتفسيرات وتأويلات، ومن العجب أن يكون تفسيرهم لتلك الآيات بالذات وما حاكوه حولها من أبرز الإلقاءات الشيطانية، ومن أشد تلك الإلقاءات إجراماً وخطورة ومن أسوأها عاقبة ما يلي:
1-         قولهم بالنسخ بمعنى وجود آيات قرءانية بطلت أحكامها.
2-         اختلاقهم مصطلحات من عندهم وزعمهم أنها مصطلحات دينية.
3-         تحريفهم معاني بعض المصطلحات القرءانية.
4-          ما نقلوه من تراث أهل الكتاب وآثارهم.
5-          كل المرويات التي تحاول النيل من قدر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ.
6-          كل المرويات التي تحاول النيل من قدر الكتاب الذي أرسله به إلى العالمين أو تشكك في الوعد الإلهي بحفظه أو في وصفه له بأنه كتاب عزيز أي لا يمكن أن ينال أحد منه.
7-         ما وضعوه لتدعيم صياغاتهم ذات الصبغة البدوية والقبلية للدين وغيرها من الصياغات التي تحوي كما هائلا من الضلالات.
ومما ضاعف من خطورة الإلقاءات الشيطانية اعتبار المرويات الظنية المقطوعة عن ملابساتها وظروفها آيات تتلي وتفسر.
ويلاحظ أن الآيات تنص على أن ثمة رسلا وثمة أنبياء مرسلين، وهذا يتضمن أيضا أن ثمة أنبياء غير مرسلين، فالنبي المرسل يأتي مجددا لشرع رسول أتى بكتاب يتضمن تشريعات خاصة بقومه ويأتي في ظل وجود أمة قائمة لها نظامها المستقر، أما الرسول فبالإضافة إلى مهامه النبوية فانه يناط به أيضا تحقيق المقصد الديني الأعظم الثالث وهو إعداد الأمة الخيرة الفائقة.
فلا خوف على الكتاب العزيز من النسخ أو الإلقاءات الشيطانية أما الإلقاءات فيما هو من دونه من تراث فإن تطهير الدين منها منوط بالمجددين الذين يظهرون كلما اشتدت الحاجة إليهم أو كلما أريد إخراج أمة جديدة للناس، أما النبي غير المرسل فهو الذي لم يكلف بمهمة خاصة بالنسبة إلى الناس.
ويلاحظ أنه سبحانه قال: {فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ} مما يدل على أن هذا الإحكام يحدث بعد فترة ما وأن إلقاءات الشيطان تبقى ليفتتن بها الذين في قلوبهم مرض والظالمون، أما الذين أوتوا العلم فهم على بينة من أمر الرسالة ويهتدون بفضل ربهم إلى دلالاتها الحقيقية ولن يفتنوا بإلقاءات الشيطان.
إن الإلقاء الشيطاني أدى إلى تحريف معاني المصطلحات عن دلالاتها القرآنية، وبالتالي أصبح تفانى المسلمين في الالتزام بتنفيذ ما ظنوا أنه من الدين ينقلب عليهم، وكمثال علي ذلك هب أن ثمة شيطاناً يريد القضاء علي إنسان ألم به داء عابر، إنه سيحاول مثلاً إقناعه بأن في شرابٍ ما شفاءً له في حين أن هذا الشراب ليس إلا سماً بطيء المفعول مثلاً، وقد يقتنع الإنسان ويواظب علي هذا الشراب متوقعاً الشفاء، فلا تزداد حالته بالطبع إلا سوءا، ولن يغير من الأمر شيء قناعته بأنه يتناول دواءً ناجعا، فإذا كان هذا الإنسان فاسدا مختلا فلن يراجع نفسه أبداً بل سيلقي باللائمة علي أي شيء آخر، وهكذا سيظل رجال الكهنوت يصرخون في الناس مطالبين إياهم بالتمسك بما يظنون أنه الدين حتى ينصلح حالهم دون أن يفطنوا إلي أن ما يطالبونهم بالتمسك به هو الداء الذي يجب عليهم الخلاص منه وأنه بحكم طبيعته لن يجذب أحداً إليه وأن من حاول التمسك به علي مدي القرون لم يجن من وراء ذلك إلا الخسران المبين وأن ما أثبت فشله منذ أن استحدثه السلف لن يجدي نفعاً مع الخلف.
والمجددون الحقيقيون للدين هم خلفاء الرسل والأنبياء في تطهير الدين من إلقاءات الشياطين، وهم الذين جاؤوا مصدقين لما هو منسوب إلى الرسول من قول: "يَرِثُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ يَنْفُونَ عَنْهُ تَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ وَتَحْرِيفَ الْغَالِينَ".  
ولقد كان المقصد من المؤامرات الشيطانية القضاء على الإسلام قضاءً تاما، فإن لم يتيسر ذلك إحداث مذاهب لتحل محله، وقد استلزم ذلك:
1.     القضاء على خير أمة أخرجت للناس، وهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، فحيلَ بينهم وبين أية سلطة أو قوة، ثم بدأ التنكيل بهم والحدّ من أي تأثير لهم، وبذلك أبيد أعداد كبيرة من أهل البيت والمهاجرين والأنصار الذين أبوا إعطاء الدنية من دينهم وأمرهم.
2.     استبعاد القرءان بشتى الوسائل والسبل، واستعمال كل ما يتيسر من أساليب نفاقية ملتوية، وبذلك اشتد الحث على تجويده واستظهاره والاشتغال بالتفاصيل التي لم يوردها عن الأولين وتلاوة أكبر قدر منه في الصلاة بقدر ما اشتد العمل على استبعاده من الدين ومنع تدبره وفقهه والنظر فيه والعمل بأوامره.
3.     تحويل الدين إلى طقوس وشكليات يرتفع قدر الإنسان بالمغالاة فيها.
4.     تحويل الدين إلى أيديولوجية للصراع والتوسع الإمبريالي الذي ينشغل به الناس ولا يكون له نهاية.
ومن يقرأ القرءان ويعرف لكل أمرٍ فيه وزنه يجده لم يقم كبير وزنٍ لشكليات الشعائر، هذه هي الحقيقة القرءانية الراسخة التي تقض مضاجع عبَّاد الطقوس، الذين انطلقوا كالمجانين شرقا وغربا يبحثون عن أي أثر متعلق بهذه الطقوس، ولقد اتخذوا من إحدى المرويات الآحادية "مروية بُني الإسلام على خمس" وسيلة لضرب الإسلام في مقتل ولاستبعاد القرءان -الذي لا يحفل كثيرا بالطقوس- من الدين.
ولم يكن إضلال الناس حتى عن هذه الطقوس أمرا صعبا على الشياطين، فالناس الآن لا يصومون في رمضان، ولا يحجون في أشهر الحج، ولا يحفلون إلا بالمغالاة الشكلية في أداء الصلاة وضرب الأرقام القياسية في كل ذلك، فترى في التراث من كان يحج ماشيا مائة مرة ومن كان يصلي مائة ركعة، وربما ألفا، ومن كان يتلو القرءان كله في ركعة، ومن الطبيعي أن يؤدي ذلك إلى الإهمال المطلق لأكثر أوامر القرءان الكبرى والجوهرية.


*******

هناك تعليق واحد: