الخميس، 10 مارس 2016

القتال دفاعا عن الوطن

القتال دفاعًا عن الوطن

الوطن بالنسبة للإنسان الآن هو الأهل والأمن والكرامة والعِرض والديار والمال والأصحاب، والقتال دفاعا عن كل ذلك هو قتال في سبيل الله، قال تعالى:
{..... قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246)} البقرة.
ورووا أن الرسول قال: "مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ مَظْلُومًا فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ نَفْسِهِ فَهُوَ شَهِيد، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ جَارِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ فِي جَنْبِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ"، "من قتل دون ماله فهو شهيدٌ، ومن قتل دون أهله أو دون دمه أو دون دينه فهو شهيدٌ".
وفي هذا العصر فإن الوحدة الدولية هي الدولة المكونة من وطن يعيش فيه شعب يتصف عادة بالتعددية في الدين أو المذهب أو السلالة أو اللغة أو في بعض ذلك أو في كل ذلك، ودين الحق يوفر للأمة المسلمة ما يلزم من قيم وسنن وآليات للتعايش السلمي المثمر بينها وبين شتى الطوائف التي تشاركها العيش في نفس الوطن، أما المذهب الأموي العباسي الذي حلَّ محله فيوفر ما يلزم لكي يسود الظلم والجور والاضطهاد والتناحر والصراع، أما الخروج الجزئي الذي حدث في العصر الحديث عن هذه الحالة فكان بسبب انتشار الحضارة واضطرار الناس إلى الابتعاد شيئا ما عن هذا المذهب، ولذلك فإن أول شيء يفكر فيه المنادون بالعودة إلى الدين هو اضطهاد المختلفين عنهم في الدين أو المذهب وحرمانهم من أقصى قدر ممكن من حقوقهم الإنسانية.
والقتال دفاعا عن الوطن هو أشرف من القتال في سبيل الاستيلاء على أموال الناس أو سبي نسائهم، بل إن القتال في سبيل عرض الدنيا هو اعتداء صريح، واللّهَ لاَ يُحِبّ الْمُعْتَدِين، والاعتداء ليس من السبل المشروعة للدعوة، فكل أساليب الدعوة سلمية، ولم يرد أي أمر للرسائل بأن يقاتل الناس حتى يؤمنوا، ولكن ورد استنكار لإكراه الناس أن يؤمنوا، قال تعالى:
{وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِين} [يونس:99]، لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)} البقرة، وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)} الكهف، {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين} [الكافرون:6]
كذلك نفى القرءان عنه أن يكون عليهم بجبار أو حفيظ أو وكيل أو مصيطر، وأكد على أنه ليس عليه إلا الإنذار والبلاغ، قال تعالى:
{نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقرءان مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45)} ق، {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22)} الغاشية، وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66)} الأنعام،  {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107)} الأنعام، قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109)} يُونُسَ، إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41)} الزمر، وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (6)} الشورى، إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (23)} فاطر، {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (99)} المائدة.
وما نفاه الله تعالى عن رسوله لن يسمح بمثله لمن هم من دونه أصلا.
أما من يبطل أحكام كل تلك الآيات متعللا بأية ذريعة فقد كفر ببعض الكتاب، ومن يكفر ببعض الكتاب هو الكافر حقا، قال تعالى:
{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)} البقرة. 
أما الذين قالوا بنسخ (إلغاء وإبطال) الآيات القرءانية التي تجعل كل أساليب الدعوة سلمية فقد كفروا صراحة ببعض الكتاب، وليس لهم أن يفرضوا كفرهم على الدين ولا أن يحملوا المسلمين تبعاته.
ومن يعتدي على الناس بحجة الدعوة إلى الإسلام يجمع إلى كفره بآيات الله استهانة بأسمائه وبأحكامه وتصور أنه يمكن أن يخادع ربه، فسيرديه ظنه بربه وسيدفع باهظا ثمن كفره وسوء أدبه.
فالقتال دفاعًا عن الوطن هو أشرف مما يسمونه بالفتوحات، والتي كانت تتضمن عدوانا سافرا على الآمنين المسالمين الذين لم يقاتلوا المسلمين في الدين ولم يخرجوهم من ديارهم ولم يفتنوهم في دينهم، فهؤلاء من الواجب برهم والإقساط إليهم وليس مقاتلتهم، قال تعالى:
{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)} الممتحنة.
فحالة السلم هي الحالة الطبيعية التي يجب الحرص عليها والتمسك بها والعمل على إقرارها والعودة السريعة إليها إذا اقتضت الضرورة الخروج منها.  
*******

هناك تعليق واحد: