الجمعة، 16 مايو 2014

أركانُ الدينِ الملزمةُ للأمة (1)

أركانُ الدينِ الملزمةُ للأمة (1)

إن المجتمع المسلمَ يتضمنُ كلَّ من يعتنقُ الإسلام، وهذا المجتمع أينما كان ملزمٌ بتكوين أمة، والأمة تختلف عن المجتمع في أن لها بنيةً وكِيانا، ولكن لا يوجد ما يلزم هذه الأمة بأن تكون كياناً سياسيا منفصلاً عمن يتعايشون معها في نفس البلدِ أو الدولة أو أيِّ كيان آخر، والذي يجب أن يمثل الأمة في هذا العصر مثلا هو منظماتُ المجتمع المدني، فيجب العمل في هذا الإطار؛ أي في إطار قانوني شرعي للدفاع عن مصالح المسلمين والقيامِ ما أمكن بأركان الدين الملزمة للفرد والأمة.
مثال: يوجد مسلمون مثلا في فرنسا، هؤلاء المسلمون هم مجرد أعداد متناثرة لا يوجد أي رابط واقعي حقيقي فيما بينهم، هم ملزمون –بقدر الاستطاعة- بتكوين أمة، هذه الأمة لا يجوز أن تزاحم السلطةَ السياسية أو النظامَ السياسي القائم هناك، ولا يجوز أن تشكل تنظيماً سريا ولا تنظيما إرهابيا للتآمر على المجتمع أو البلد الذي يعيشون فيه بحجة أنهم يعتنقون الدين الصحيح أو أنهم يريدون تطبيقَ الشريعةِ أو إحياءَ الخلافة أو تطبيقَ نظام العقوبات الذي يظنونه إسلاميا، بل هم ملزمون بالتعايش السلمي مع سائر فئات مجتمعهم والعمل على ازدهار البلدِ الذي يعيشون فيه، وعلى كل فرد مسلم أن يقوم بما هو ملزم له بقدر استطاعته، وعلى الأمة كذلك، وفي مجتمعٍ كأمريكا يمكنُ لهم أيضاً أن يشكلوا مجموعة ضغط تعمل على تحقيق مصالحهم والانتصار لمقاصدهم.
وليس لأفراد الأمة المسلمة أن يتآمروا على البلد الذي يعيشون فيه بحجة أنهم مثلا لا يجلدون الزاني، وكل ما يملكه المسلم هو ألا يقرب هو الزنا، أما الأمة فعليها أن تعمل على وقاية أبنائها من الوقوع فيه وأن تبين رأيها فيه وأن تدعو إلى سبيل ربها بالوسائل السلمية الشرعية المعروفة.
فيجب على المسلمين في أية دولة أو وطن أن يبادروا بتكوين أمةٍ واحدة، وبمجرد تكون هذه الأمة فإنها تكون ملزمةً بقدر الاستطاعة بالقيام بأركان الدين الملزمة للأمة.
والمقصدُ الديني الأعظم علي مستوي الجماعة هو إعدادُ الأمةِ الخيرةِ الفائقة التي تسعى إلي تحقيقِ مقاصد الدين بالعمل بأركان الدين الملزمةِ لها، فهي الأمةُ الحاملةُ للأمانة المستخلفةُ في الأرض الحاملةُ للدين القيم الخاتم الشهيدةُ لله تعالي علي سائر الأمم وعلي نفسها، فهي تظهر بصفات الكمالِ اللائقةِ بالأمة، وهي التي يمكن لها القيامُ بالمهام المنوطةِ بالإنسانِ الخليفة على المستوى العالمي وأن تؤدي المهامَّ المنوطةَ بها مثل الدعوة إلى الخير ونصرةِ الحق والدفاعِ عن المستضعفين في الأرض وإقرارِ السلام والأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المنكر والتصدي لأهل البغي والتصدي لصناع الفتن والمفسدين في الأرض والقيامِ بالعمل الصالح علي المستويات الكبرى، وتلك الأمة هي التي توفر لأبنائها العلم الديني الصحيح بالله تعالي كما تكلم عن نفسه في الكتاب العزيز، وهي التي توفر لكل فرد فيها ما يلزمُ ليكون إنساناً صالحاً، وهي التي يتحقق فيها العدل وقيام الناس بالقسط الذي هو من مقاصد إنزال الكتاب، فتلك الأمة هي التي تؤدي أركانَ الدين المنوطةَ بالأمة والتي هي فوقَ طاقة الإنسانِ الفرد أو الجماعةِ القليلة من المؤمنين لتحقق مقاصد الدين العظمى المنوطة بالكيانات الكبرى.
والكياناتُ التي هي أكبر من الفرد ملزمةٌ بالقيام بصور من الأركان الملزمة له وبأن تعينَه على القيام بها وأن تيسرَ له ذلك، وهي أيضاً ملزمة بالقيام بأركانٍ جديدة بحكم طبيعتها مثل اتخاذِ كل ما يلزم للحفاظ على وحدتها وقوتها وتماسكها، ومما يؤدي إلى الهلاك المحققِ لكيانِ الأمة على المستوي الجوهري شيوعُ اقترافِ بعض المعاصي أو الفواحش أو العتوِّ عن الأوامر الإلهية أو التمادي في الظلم والطغيان، وكان ذلك يؤدي قبل ختم النبوة إلى الهلاك في الدنيا أيضاً على المستوى الظاهرِ أو المشهود.
وأركانُ الدين الواجبة علي الأمة هي التجسيدُ العملي لكل المهامِّ المنوطةِ بالأمةِ الخيرة الفائقة ولكل ما يؤدي إلي دعم بنيان هذه الأمة وتحقيقِ المقصدِ الأعظم الخاص بها، وتتضمنُ تلك الأركان كلَّ ما يلزم لكي تنضبطَ كلُّ العناصر المكونةِ للأمة من الذرات والجزيئات والخلايا والأعضاء ولكي تعملَ بتناسقٍ واتساق فلا يتجاوزُ أي عنصرٍ قدره ولا يطغى علي غيره أو يستعبدُه أو يسخرُه بطريقة غير شرعية لتحقيق مآربه فيتقوض البنيانُ كله، وتتضمن الأركان ما يلزمُ للحفاظ علي الأمة وضمان بقائها ونموها وتزكيتها وأدائها لمهامها، فتلك الأركان هي ما يلزم من الأمور والسنن الكبرى لتحقيق المقصد الديني الأعظم الرابع.
وفي حالة عدم وجود الأمة بالمفهوم المبيَّن هاهنا فإنه على المجتمع الإسلامي سواء أكان يشكل أغلبية أو أقلية أن يحاول بقدر وسعه القيام بهذه الأركان باتباع منظومة القيم الرحمانية والوسائل الشرعية السلمية ودون استفزاز الآخرين ولا إثارةِ عدائهم وعليه أن يصبر على أذاهم وألا يدفع عن نفسه إلا بالأقل من الأذى إذا ما اضطر إلى ذلك.
أما نظرية فروض الكفاية فباطلة، فطالما كان ثمة أمرٌ قرآني واضح وصريح بفعلٍ ما فهو ملزمٌ للناس كافة؛ كلٍّ بقدر استطاعته، إلا إذا كان الأمر خاصاً بطائفة معينة مذكورة صراحة مثل الأوامر الخاصة بالنساء أو الأطفال، ولكن الإنسان في الإسلام لا يُكلف إلا بما هو في وسعه، فالإنسان مثلاً ملزم طبقاً لأوامر القرآن بتدبر آيات القرءان، فليس له أن يقول إن ذلك من اختصاصِ المشايخ، وهو ملزم بالنظر في عواقب الأمم الخالية والسنن التي حقَّت عليهم وترتب ما حاق بهم عليها، لذلك فكل إنسان مطالبٌ بأن يعرف علي الأقل ما ذكره القرآن عنهم وبخصوصهم، ولا يجوز أن يقول يجب تركِ النظر في عواقب الأمم السابقة لعلماء التاريخ، وكذلك لا يجوز القول بأنه يجب ترك النظر في آيات الله في الآفاق وفي الأنفس للمتخصصين، فكل مسلم ملزم بالنظر في هذه الآيات، أما الأمة فلابد من أن تتخصص طائفة منهم للقيام التفصيلي بهذا الأمر القرآني.
وكذلك الأمرُ بالنسبة إلى معرفة أحكام العبادات والمعاملات والأحوال الشخصية والعقوبات، فيمكن أن تتخصص طائفة للدراسة التفصيلية لهذه الأمور، ولكن هذا لا يعطيهم أية مرتبة كهنوتية ولا أي امتياز ديني، وليس من حقهم أن يزعموا لأنفسهم ولا من حق أحد أن يزعم لهم أنهم أعلي من غيرهم من حيث المرتبة الدينية أو الأكرمية أو أن من حقهم أن يحتكروا الأمور الدينية لأنفسهم، فالمسلم المشتغل بعلم التاريخ مثلا ليس أقل عند الله تعالى من المسلم الذي يشرح للناس أحكام الوضوء!
ومن الجدير بالذكر أن الأركانَ الملزمةَ للفرد هي ملزمةٌ بصورة أو بأخرى للكيانات الأكبر منه ومنها الأمة، فقد يكون الركن الملزم للفرد هو بعينه الملزم للأمة مع اتساع نطاقه ومجاله، ومن ذلك أركان الدعوةِ إلي الله والعملِ الصالح ومعاملةِ الكيانات الإنسانية وفق الأوامر الشرعية والجهادِ في سبيل الله واجتنابِ كبائر الإثم والانتهاءِ عن المنكر.
وكذلك قد تتغير الأهمية النسبية للأركان وفقاً لحجم الكيان فالإنفاق في سبيل الله يصبح ركناً من فروع ركن الالتزام بالأوامر الشرعية في التعامل مع كافة الكيانات الإنسانية، وكل كيان إنساني أكبرُ من الفرد ملزمٌ أيضاً بأن يتزكى، وهذا يعني أن هذا الكيانَ ملزمٌ باكتساب الأخلاق الجماعية المتسقة مع قيم الإسلام، وهذا يلزمهم بالعمل ككيانٍ واحد وفقاً لمقتضياتِ التقوى وبأن يتعاونوا على البر والتقوى وبأن يتواصوا بالحق والصبر وبألا يتظالموا وبألا يبغي بعضهم علي بعض، وهذا الركن من لوازم أركان عديدة واجبة علي الأمة.


هناك تعليق واحد: