الثلاثاء، 6 مايو 2014

من كتابنا: دحض القول بوجود آيات قرآنية منسوخة، 2012 (2)

من كتابنا: دحض القول بوجود آيات قرآنية منسوخة، 2012 (2)
إن القرءان هو الكتاب الديني الوحيد الموثق توثيقاً تاماً والذي له المصداقية الكاملة، فلا يوجد كتاب ديني آخر يدانيه في الموثوقية أو المصداقية ليقرر شيئاً ما بخصوصه فضلا عن أن يقول إن جزءاً كبيرا من آياته قد بطل العمل بها، ولأن القرءان هو الكتاب الذي لم يتمكن إنسان أو شيطان من أن يحذف منه شيئا أو يضيف إليه شيئا فلقد اكتشف العلماء المجتهدون وسيظلون يكتشفون فيه ألوانا من الإعجاز العددي المتعلق بعدد حروفه وكلماته، ولقد اكتشفنا نحن بفضل الله تعالى فيه ارتباطاً بين عدد كلمات آيات المثاني وبين تواريخ الوقائع الكبرى المتعلقة بالعصر النبوي ونشرناه في كتبنا.
=======
إن من أخطر ما حاق بمسيرة هذا الدين تحريف المصطلحات أو إعطاؤها مدلولات لم تكن لها أو هي بعيدة تماما عن طبيعة القرءان وروحه، وعلى سبيل المثال فالنسخ طبقا لاصطلاح السلف الصالح كان لا يعني إلا الاستثناء أو إيضاح المبهم في آية بآية أخرى أو تفصيل المجمل في آية بآية أخرى أو تقييد المطلق في آية بآية أخرى وما إلى ذلك بحيث يتحقق القول بأن القرءان ككيان واحد هو مبين ومبيِّن وتبيان لكل شيء، ولم يكن يراد به أبداً وجود آية في كتاب الله قد بطل حكمها والعمل بها، ومن قال بذلك فقد زعم أن ثمة لغواً في القرءان، ومن العجب أن يقولوا بأن الآية قد أزيلت وهي مازالت محفوظة في كتاب الله تُتلى وتفسر، ومن العجيب أن يقولوا بوجود آيات منسوخة وهم يعلمون أن زعمهم لا يمسّ إلا حكم جزء من آية وليس الآية الكاملة!!!! إنها الرغبة الشيطانية الدفينة في التطاول على القرءان والإلقاء بظلال الشك والباطل حوله، إنه يجب العلم والإيمان بأن القرءان ككل واحد هو مبين ومبيِّن وتبيان لكل شيء كما ذكر الله تعالى وهو الأصدق حديثاً، فمن وجد بالنسبة لنفسه غموضاً في آية فسيجد ما يزيل هذا الغموض في آية أخرى.
أما النسخ في اصطلاح أهل الباطل ومن اتخذوا القرءان مهجورا ومن تقبلوا الإلقاءات الشيطانية فيعني إلغاء أو إزالة حكم بعض آيات القرءان!!! هذا رغم أن هذه الآيات مازالت في القرءان!!! وهذا رغم أن الآية التي يحتجون بها وهي: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }البقرة 106 تتكلم عن نسخ آية وليس عن نسخ حكم آية، هذا فضلا عن أن اللفظ المفرد "آية" لا يعني بالضرورة آية قرءانية، ولقد استعمل للدلالة على أمور أخرى عديدة في القرءان، وهو هنا يشير إلى عنصر من نصوص أو شرائع أو أحكام أهل الكتاب وغيرهم، أما الآية الأخرى التي يحتجون بها فتتكلم عن تبديل آية مكان آية وليس إلغاء حكم آية أو إلغاء آية، وهذا يبيِّن أنهم أحدثوا أو تلقوا تصوراً باطلاً ثم أرادوا فرضه على كتاب الله العزيز.
=======
قال تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}البقرة 106.
إن هذه الآية وردت في سياق حديث عن أهل الكتاب (اليهود) وأعمالهم بعد أن رأوا بأعينهم آيات شريعتهم تُنسخ بآيات القرءان، وقد كان لديهم اعتقاد راسخ –ومازال- بأن شريعتهم لا تتغير وأن كل نبي ملزم بالعمل بها وحدها، وهذا ما كان عليه أنبياؤهم بالفعل، فالآية المنسوخة هي من شريعة أهل الكتاب أو من بقايا ملة إبراهيم عليه السلام التي قد تكون قد تعرضت للتحريف، ولا يوجد أي دليل على أن المقصود هاهنا آية قرءانية، فكلمة آية لها معانيها القرءانية العديدة، والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال، ولا يجوز الاستناد إلى المرويات الظنية للزعم بأن في القرءان آيات منسوخة، وكل زعم بأن آيةً ما منسوخة يمكن دحضه بسهولة متناهية، والقول بأن في القرءان آية منسوخة يتضمن الزعم بأن في القرءان اختلاف لم يجدوا من سبيل إلى دفعه إلا بزعم وجود النسخ، وقولهم هذا يتضمن تكذيباً بما ذكره الله تعالى من أنه لا اختلاف في القرءان لأنه من عنده، كما أن هذا القول يتضمن كفرا بمعنى الآية ومعناها وحكمها، ومن كفر ببعض الكتاب يوشك أن يكفر به كله، ذلك لأنه كفر لا محالة بالمنهج القرءاني، فالقائل بأن في القرءان آيات منسوخة هو هالك هلاكاً متعدد الأبعاد.
=======
أما بطلان وجود آيات منسوخة في القرءان بالاستناد إلى أسس راسخة فيمكن بيانه كما يلي:
  1. إن كل مسلم ملزم بالإيمان بكتاب الله تعالى كما هو وليس بعد إلغاء الكثير من آياته بحجة أنها منسوخة.
  2. القرءان هو المصدر الأعلى والمرجع الأعلى مطلقاً للدين فلا يوجد ما هو أعلى منه لكي يقرر أي شيء بخصوصه.
  3. قال الله تعالى إنه لا اختلاف في القرءان لأنه من عنده، فلا يوجد أي اختلاف في القرءان لكي يتولى القول بالنسخ معالجته، وأي تفسير للآيات يجب أن يتم على ضوء هذه الحقيقة، وكذلك أي سعي لاستخلاص أو استنباط القول القرءاني في أية قضية أو مسألة.
  4. كل آيات القرءان آيات بينات وعلى نفس الدرجة من الحجية والمصداقية.
  5. لقد تحدَّى الله تعالى بآيات القرءان الجن والإنس، والتحدي لا يكون بألفاظ مرسومة لا حكم لها!
  6. ما قدموه من دلائل مزعومة تم دحضه بسهولة، والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال فقد بطل به الاستدلال، فكيف إذا تم دحضه؟
  7. الآيات التي قالوا بأنها منسوخة مازالت موجودة في المصحف، يتعبد الناس بتلاوتها والعمل بمقتضياتها، وكل قول بنسخ آية يترتب عليه بالضرورة التكذيب بمضمونها أي الكفر بها وبما تتضمنه من الأخبار الإلهية.
  8. سيقولون إن المراد بالنسخ ليس الآية بل هو حكم الآية!! ثم سيقولون: كلا كلا! بل إن المراد به نسخ حكم جزء من الآية، وهذا ما ليس عليه أي دليل، ودليلهم لا يسعفهم إلا إذا كانوا يظنون أن لديهم الحق ليستدركوا على رب العالمين.
  9. رغم أنهم أقروا بأن دليلهم يقول بأن الآية تُنسخ بما هو خير منها أو مثلها فإنهم لم يتورعوا عن نسخ آيات قرءانية بمرويات آحادية !!!! فافتضحوا، وهم بالطبع لا يدركون أنهم أدوات رخيصة بأيدي شياطين الإنس والجن!
  10. وبعد أن طال عبثهم بكتاب الله تعالى ولم يجدوا من يتصدي لإفكهم وضلالهم بعد أن سحروا أعين الناس واسترهبوهم وأعدوا لكل من يحاول الدفاع عن القرءان كل ما استطاعوا من اتهامات بالخروج على القطيع وخلع الربقة ومفارقة الملة لم يتفقوا على الآيات المنسوخة!!!!!!؟؟؟؟!!!!! وعددها عندهم يتراوح بين العشرات وبين المئات؛ فأعطوا لأعداء الإسلام أمضى سلاح ضد القرءان!!!
=======
إنما يكون النسخ والتدرج في التشريع أثناء نمو الدين إلي أن يكتمل، ولقد حدث هذا في العصر النبوي، فهو أمر لم يشهده إلا القرن الإسلامي الأول، أي حدث من بعد ابتداء البعثة إلى أن أعلن الله تعالى أنه أكمل للناس دينهم، ومما لا شك فيه أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ لم يطالبهم بكل أوامر الدين دفعة واحدة، كما أنه بلا ريب قد أمرهم بأوامر ثم استبدل بها ما هو خير منها أو ما فيه رفع الحرج عنهم، أو أمرهم بما أصبحوا مؤهلين ومهيئين له، وربما أخذ الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ بالصحيح مما تبقى من ملة إبراهيم عليه السلام أو مما لدى أهل الكتاب، ثم نزلت آيات القرءان لتعتمد ذلك وتقره، أو نزلت بالأحكام النهائية، أما آيات القرءان فإنما صيغت لتكون بمنأى عن كل تغيير أو تبديل، فهي النصوص الناسخة المهيمنة المصححة المخففة.
وكل آيات الكتاب هي صالحة للاحتجاج بها ولأخذ الأحكام منها مع العلم بأنه بخصوص كل أمر من الأمور يجب أخذ كل الآيات التي تتحدث عنه في الاعتبار، وكل آية إنما تلقي ضوءا على بعض جوانبه، ولا يمكن لتلك الآيات أن تتعارض أو تختلف بل إن مجموعها يعطي صورة كاملة متكاملة عن الأمر محل النظر، ويجب دائماً أن يؤخذ في الاعتبار أن القرءان كتاب عربي مبين؛ يستعمل الأساليب البلاغية العربية بلا حرج، وهذا هو الأمر الطبيعي في كتاب هو القمة في البلاغة اللغوية.
=======
إن مجرد النص على أن القرءان الكريم كتاب مبين وأن آياته بيِّنة مبيِّنة وأنه كتاب أُحكمت آياته ثم فُصِّلت يدحض مزاعم كل القائلين بنسخ بعض آياته، ومجرد النص على أنه الذكر وأنه ذو الذكر يعني أنه لا يمكن أن تنسى أية آية من آياته.

=======

هناك تعليق واحد: