الأربعاء، 7 مايو 2014

من كتابنا: دحض القول بوجود آيات قرآنية منسوخة، 2012 (4)


كان أهل الكتاب يظنون أن كتابهم هو آية الله التي لا يمكن أن تُنسخ أو تُبدل، وأن أي نبي جديد يجب أن يلتزم تماماً به، لذلك زعموا وتابعهم المشركون المتمسكون ببقايا ملة إبراهيم بعد أن تم تحريف الكثير منها على مدى التاريخ أن الرسول قد افترى القرءان فتولى الله تعالى الرد عليهم في سورة النحل، قال تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ{101} قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ{102} وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ{103} إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ لاَ يَهْدِيهِمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{104} إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلـئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ{105}
من الواضح والجليّ والبيِّن أن الضمير في قوله تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} إنما يعود على القرءان، لذلك فالآية الجديدة هي القرءان كله وهي التي استبدل بها الآية القديمة (ما كان لدى أهل الكتاب)، فآية القرءان قد أخذت مكان آية الكتاب السابق، وضمائر الغيب تعود على القرءان ككل واحد في الأفعال "نَزَّلَهُ، يُعَلِّمُهُ"، فالآيات وردت لتأكيد أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ لم يفترِ القرءان وأنه ليس من عنده ولم يتعلمه الرسول من أحد، وكل هذه الأقوال قد افتراها أهل الكتاب لتبرير عدم إيمانهم بخاتم النبيين الذي كانوا يتوقعون أن يكون منهم، فلما ظهر الرسول وانتصر استمروا في الكيد لرسالته، ولقد تمكنوا من استغلال بعض المغفلين الفضوليين من السلف الذين عصوا الله ورسوله وذهبوا ليتتلمذوا على أحبارهم وألقوا إليهم بالتفسير الذي يطعن في القرءان ويشكك فيه ويزعم أن الآية القرءانية كانت تنزل وبعدها بفترة يستبدل بها آية قرءانية أخرى، بل لقد أوهموهم أن ذلك من آيات ومآثر الشريعة الإسلامية!!!  
وكذلك استغرب المشركون تغير الأحكام وتبدلها أثناء التدرج في التشريع فرد عليهم الله تعالى بنفس آيات سورة النحل، ويجب العلم بأن كلمة آية لها معانيها العديدة في القرءان ولا تعني بالضرورة جملة قرءانية، بل إن كلمة آية المفردة لم ترد في القرءان أبداً بمعنى جملة أو عبارة أو فقرة قرءانية وإنما وردت كلمة آيات للدلالة على الجمل والعبارات القرءانية بصفة عامة، أما المفردة "آية" فمن معانيها في القرءان البرهان المبين والمعجزة الحسية والإنجاز المادي المعجز والأمر غير المألوف والدليل والكتاب السماوي وحكم من أحكام الشريعة.......الخ.
=======
إن كل آية قرءانية تتحدث عن أمرٍ ما يجب أن تُفقه في سياق كل الآيات التي تتحدث عن نفس الأمر؛ فكلها متكافئة وكل منها يلقي مزيداً من الضوء على هذا الأمر ويجلي بعض جوانبه؛ وكمثال: لا يجوز الأخذ بآية واحدة تتحدث عن القتال مثلا وإهمال باقي الآيات التي تتحدث عنه بحجة أن الآية المختارة قد نسختها كلها، والحق هو أن من يفعل ذلك يكون قد كفر بالآيات التي قال إنها منسوخة، ومن كفر ببعض الكتاب فقد كفر به كله، ذلك لأنه قد عمل على تجاهل المنهج القرءاني، ومن المعلوم أنه يمكن دائما -عن طريق انتقاء آية أو جزء من آية وتجاهل باقي الآيات- فرض رأي مسبق أو تضليل الناس أو لبس الحق بالباطل أو إثبات أي شيء أو إثبات الشيء ونقيضه، كما أن من يقول بالنسخ يكون قد قطع بوجود اختلاف في القرءان لا سبيل إلى دفعه إلا بالقول بالنسخ، وهو في ذلك يكون مكذبا بما وصف الله به القرءان.
=======
إن القول بوجود آيات قرءانية منسوخة (بالمعنى الذي اصطلح عليه المبطلون) كان من شر الإلقاءات الشيطانية التي ابتليت بها الأمة واستعملت لصد الناس عن القرءان واتخاذه مهجورا والتي جُعلت فتنة لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ، قال الله تعالى:
{لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ{53} وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ{54} وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ{55}} الحج
فسيظل الضالون من الخلف الذين هرعوا على آثار الخلف الطالح في مرية من الحق ويتطاولون على القرءان ويتعاملون معه باستخفاف وعدم مسئولية حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ.
=======
إن من يزعم أن ثمة آيات في القرءان الذي بين يدي الناس الآن قد نُسِخت أو أنسيت هو كذاب مضلّ فما زالت تلك الآيات التي زعم لها ذلك موجودة ومحفوظة في كتاب الله، أما إن زعم أن المراد هو نسخ مضمون الآية من الأحكام -وهو ما لم يأت عليه بدليل يُعتدّ به- فهو كذاب مضل أيضاً، ذلك لأن الآيات التي زعم أنها منسوخة أو منساة تتضمن أحكاما ثابتة ملزمة للمسلمين هذا فضلاً عما تتضمنه من المعلومات والبينات الصادقة التي لا يمكن أن يقول بنسخها إلا كفَّار أثيم، فمن يصر على هذا الزعم ويقول بأن ثمة آيات في الكتاب قد نُسخت أو نُسخ حكمها وبطل العمل بها وبقيت كعبارات أثرية للتلاوة فقط فإنما يكون قد افترى إثماً مبيناً وكفر ببعض الكتاب وجحد بعض أحكامه وفرق بين آياته وقال على الله تعالى ما لم يعلم، لقد جاء القائلون بالنسخ بإفك مبين واستكبروا في أنفسهم وعتوا عتواً كبيراً وضلوا وأضلوا وهلكوا وأهلكوا، ولقد آن للمتكسبين بمثل هذا الإفك وبمثل هذه المفتريات أن يثوبوا إلي رشدهم وأن يتوبوا إلي ربهم وأن يتطهروا مما هم عليه من الفسق وأن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق وأن يعرفوا لكل آية قرءانية حقها وقدرها.
=======
إن القول بالنسخ بالمعنى الذي اصطلحوا عليه يعني الكفر ببعض الآيات وتعطيل أحكامها وإبطال مضمونها، ولقد فتح هذا القول ثغرة هائلة للكهنوت مكَّنته من فرض نفسه وأعطته الذريعة ليحول بين الناس وبين كتاب ربهم.
=======
إن ما نُسخ أو أُنسي لم يعد له وجود لا في الكتاب المقروء ولا في الكتاب المشهود، والمنسي لم يعد له ذكر، أما المنسوخ فلقد أزيل وإن بقي له ذكر بطريقة ما قد تتضمنه الآية الناسخة، والآية لا تعني بالضرورة الجملة أو العبارة القرءانية طبقا لنصوص القرءان ذاته، فالقرءان المحفوظ ذو الذكر لا يتضمن آية نسخت أو أنسيت وإنما يتضمن آيات ناسخة لما قبلها من شرائع أهل الكتاب التي التزم بها المسلمون لأي سببٍ من الأسباب.
=======
ومن العجيب أن يزعم الضالون أن آيات القرءان يُمكن أن تُنسخ بالمرويات الظنية التي يسمونها بالسنة أو بإجماعهم!! مع أنهم يستدلون بآية تقول أن نسخ آية يكون بخير منها؛ فهم بذلك يجعلون المروية الظنية أو رأي أئمتهم خيرا من آيات الكتاب، فيا لهم من جهلة مضللين!

=======

هناك تعليق واحد: