الجمعة، 30 مايو 2014

أسباب انهيار الأمة المحسوبة على الإسلام


أسباب انهيار الأمة المحسوبة على الإسلام

إن الشجرة الملعونة قد ضربت بجذورها في أجساد الأمم التي تنتسب زورا إلى الإسلام أو المحسوبة علي الإسلام وحجبت بأوراقها الكثيفة الغليظة كل أنوار الهدى وحرمت تلك الأجساد من الماء والهواء؛ لذلك فإن تلك الأمم إما أنها تحتضر وإما أنها ماتت وتحللت ولم يبق منها إلا الغثاء، لذلك فإن إصلاح أمورها يتطلب ما يتطلبه إحياء الموتى.
أما الأمم الغربية مثلا فإنها قد اهتدت بالكفاح والجهاد والتضحيات الفادحة إلى الكثير من القيم الإسلامية كما انتقل إليها الإرث الإيجابي من قيم وعلوم الحضارات القديمة، لذلك ازدهرت حضارتهم، ولكنهم التبس عليهم الأمر وكفروا عمليا بربهم وظنوا أن كل معرفة جديدة ببعض سننه تعني مزيدا من الاستغناء عنه وعدم الحاجة إليه وتدفعهم إلى الاستقلال عنه، ولقد جعلوا من الوسائل غايات ومقاصد، فالكفر الكامن في أسس حضارتهم سيقوض أركان سعادتهم وسيقضي من بعد على حضارتهم، ولكنهم مازالوا كيانات حية قوية، ولا يصد الكثيرين منهم عن الإسلام إلا وجود المحسوبين ظلما على الإسلام، ولا نجاة لهم من مصير حضارتهم المحتوم إلا بالإسلام، ورغم كل مظاهر العداء ورغم الصراعات التاريخية فإن أهل أوروبا هم أقرب الشعوب إلى المسلمين بحكم التراث الحضاري والديني المشترك، أما الخطر الحقيقي الذي سيكون ساحقا ماحقا فهو كامن هناك في الشرق البعيد رغم كل الظواهر والمظاهر، أما الخطر الماثل الآن فهو في تلك الكيانات المحسوبة ظلماً على الإسلام والتي لا يسيرها في الحقيقة إلا الشيطان.

ومن أسباب انهيار الأمة المحسوبة على الإسلام
1-             تفريق الدين، وكان ذلك بظهور المذاهب التي حلت محلّ الإسلام، وقد ظهرت هذه المذاهب إما لتلبية رغبات أهل البغي وإكسابها ثوب الشرعية، وإما للثورة عليهم، أي كان سبب ظهورها أساسا دنيويا محض، وما من مذهب –رغم ما فيه من بعض الحق- إلا وهو يتضمن كفرا وشركا بدرجات متفاوتة.
2-             التقليد والاتباع الأعمى: فلقد سادت روح تقديس آراء واجتهادات السلف وأصبحت عمليا نصوصا مقدسة أي فوق مستوي إعادة النظر والنقد، وقوبل كل اجتهاد جديد إما بعدم اكتراث وإما بتكفير أو بتفسيق أو زندقة قائله إلى آخر ما في جعبة المؤسسة الكهنوتية ومن تسيطر عليهم من العامة من اتهامات جاهزة، وهكذا أرغمت الأمة على التخلي عن عقلها وعلى تجاهل المناهج القرآنية ونست حظا مما ذكرت به وكفرت بآيات الله وأعرضت عن العمل بكثير من أوامر الدين العظمي وساد المذهب النقلي وأصبح التعليم هو الجلوس عند قدمي شيخ يلقي على تلاميذه ما تلقاه هو عن شيوخه ويوقفهم على المعاني المألوفة والموروثة ولا يأذن لهم بالعمل إلا إذا استوثق هو من محفوظاتهم وتأكد من براعتهم في حفظ ما ألقاه عليهم من الكتب المتوارثة، ولذلك أيضا صار المثل الأعلى هو الحافظ الذي هو بمثابة جهاز تسجيل أو مكتبة متحركة.
3-             تحريف الدين بتحويله من دين ذي طبيعة موضوعية حقانية إلى دين ذي طبيعة شخصية ذاتية، ومن مظاهر ذلك الزعم بالعصمة المطلقة لأهل البيت واستحداث مصطلح الصحابة وإحاطته بهالة رهيبة من القداسة والزعم بأن المرويات المنسوبة إلي الرسول عن طريقهم هي الوحي الثاني وأن لها الحكم علي كتاب الله ذاته.
4-             الإيمان بالجبرية والذي أصبح إيمانا مطلقا يكاد ينفي مسئولية الإنسان عن أفعاله ويشل قدرته على المساهمة في مجريات الأمور ويجعله يتلقى شتي ضروب القهر والإذلال والامتهان دون أن يحرك ساكنا، وهكذا كفر الإنسان بكثير من أركان الدين وقعد عن القيام بالمهام العظمي المنوطة به وأصبح لا هم له إلا مجرد البقاء مهما تلقي من لطمات وإهانات.
5-             سادت عمليا قيم المنظومة الجاهلية وتوارت منظومة القيم الإسلامية وفُرِضت تقاليد الأعراب على الإسلام وطمسوا عالميته.
6-             تم اختزال الدين وتنميطه وتحنيطه، والاختزال يعني حصره في الأركان الخمسة وفي بعض الأمور الشكلية وإهمال أركانه وخصائصه ومقاصده العظمي، وكذلك تم تنميطه وكتابة المعلومات عنه كما تكتب الآن مذكرات الثانوية العامة وملخصاتها المركزة ولقد تم تحنيطه علي أيدي المصريين لبراعتهم المتوارثة والمشهودة في ذلك، وكان ذلك بعد حروب الصليبيين والتتار والمغول، ولم تحدث محاولات الإحياء إلا حديثا على أيدي المصريين أيضا وخاصة في عصر الاحتلال الإنجليزي!! ولكن لم تؤت تلك المحاولات أكلها.
7-             كانت الجوانب الوجدانية من الدين من أوائل ما تم وأده واختفاؤه، وكان التصوف محاولة لتصحيح الأمور ولكنه نشأ مثقلا بموروثات الشعوب العريقة التي اعتنقت الإسلام فتسرب إليه كثير من العقائد الباطلة والممارسات الخاطئة التي أصبح من الصعب التخلص منها، فبخصوص التصوف الشعبي حل أولياء القرى محل قديسي النصارى الذين كانوا قد حلوا من قبل محل أرباب القرى في مصر الفرعونية، وتم تقسيم مناطق النفوذ بينهم كما كان الحال قديما، وأصبح عامة المسلمين يتعبدون عمليا إلى الأولياء أو إلى أضرحتهم وصارت أقوال المشايخ ناسخة بالفعل لما يخالفها من الأوامر الدينية الشرعية، أما على مستوي الخاصة فلقد ساد القول بوحدة الوجود، وهذا يعني عمليا تفريغ كل الأوامر الدينية من سندها وكل سعي من مضمونه واختفاء كل الحدود المميزة وكذلك تم الجمع بين كل المتناقضات واختفاء المسئوليات وشاع القول بوحدة المذاهب والأديان على ما فيها من تناقضات واختلافات وكذلك القول بالجبرية والآلية.
8-             اختفي مفهوم ولاية الأمر وأصبح القائم على الأمر متسلطا عليه ومسلطا على الأمة التي ابتليت به، وهكذا أصبحت الخلافة ملكا استبداديا عضوضاً واحتكر المتسلط على الأمر لنفسه كل شيء وأباح لنفسه كل شيء وأعطي لنفسه كل الحقوق وأحل نفسه من أية التزامات أو مسئوليات تجاه الناس وجعل نفسه فوق كل قانون وتولي الكهنوت تقنين هذا الوضع وتحريف الدين ومسخه لإعطاء الشرعية له، ثم فرضوا الرضا بذلك كعقيدة على الأمة، وهكذا ضحوا بالأمة وبالدين في سبيل مجرد الإبقاء علي الصيغة الشكلية المحرفة والمختزلة من الإسلام واستمرار كل شيء علي ما هو عليه، وبذلك أصبحت الأمور الاستثنائية عقائد إلزامية تنشأ عليها الأجيال الجديدة من الأمة التي عاشت تستعذب العذاب علي أيدي الطغاة والمفسدين والجلادين طالما تركوهم يصلون، ولقد رباهم رجال الكهنوت المضلون علي أن هذا هو صحيح الدين، ولقد ظلت الأمة وجلادوها في الظلمات يعمهون إلى أن تلقوا جميعا الصفعات والركلات علي أيدي الغزاة الأوروبيين، ولكن بدلا من أن يقر المسلمون بخطئهم في حق الدين فإنهم انطلقوا ليشككوا في الدين.
9-     عدم وجود هيئة أو آلية دائمة تعمل على تعليم المسلمين وتزكية أنفسهم وتحقيق مقاصد الدين بهم ولهم.
10- اشتداد وتفاقم أمر العصبية القبلية ونجاحها في إخفاء الوجه العالمي للإسلام.
11- عمل الأمويون بكل ما لديهم من قوي علي التسلط علي أمر الأمة خاصة بعد أن حيل بين أهل البيت وبين ولاية الأمر، ولقد التف حولهم كثير من المنافقين والمتآمرين والموتورين، ولقد عمل الأمويون للقضاء علي منافسيهم القدامى من بني هاشم وانتهكوا في سبيل ذلك أوامر الإسلام ونقضوا عراه عروة عروة وسنوا للناس لعن آل البيت وأئمة الهدي فحالوا بينهم وبين أفضل من كان يمكن أن يعلموهم ويزكوهم، ولقد كان الانقلاب الأموي مبكرا بحيث لم يتمكن الناس من التدوين الأمين الموثق لسيرة الرسول وأحاديثه الهامة، ولم يفلت من كيدهم وكيد من التف حولهم من حثالة الشعراء والمنافقين إلا القرآن الكريم وإن تم في عهدهم وضع كثير من المرويات التي تحاول النيل منه وتتضمن لغطاً حوله وتم إحداث إفك النسخ للتخلص من آياته التي أبت الخضوع لتفسيراتهم.
12- لم تتح للأعراب الفرصة الكافية ليتعلموا الإسلام ولا ليؤمنوا ولا ليتزكوا، وكان هؤلاء يشكلون الأغلبية المنتصرة، ولم يجدوا من بعد الرسول من يعلمهم أو يزكيهم من بعد أن حيل بين المؤهلين لتلك الأعمال وبين القيام بها، وسرعان ما فرضوا عاداتهم وتقاليدهم وأنماط معيشتهم بل وأبطالهم علي الإسلام فتلاشت واختفت حقوق المرأة وعادت العنجهية الجاهلية والفخر والتملق المرضي والنفاق والمدح الكاذب والهجاء المقذع والولع بالظلم وازدراء باقي الأمم وازدراء العمل والعلم، ولولا من أسموهم بالعجم لتوارت العلوم الإسلامية ولانقرضت اللغة العربية الأصلية.
13- تمت صياغة الدين في جو كئيب خانق من الإرهاب والترويع والاستبداد والطغيان، فتوارت قيم الإسلام ومقاصده وسننه وأركانه الكبرى واختزل الدين إلي عدد محدود من الشعائر والمعاملات الشكلية والعادات المعيشية وآثر أفضل الناس الصمت علي سبيل التقية في حين تطوع الآخرون لصياغة الدين استنادا إلي ما ورد بخصوص أزمان الفتن وظن الناس أن تلك الصياغة الاستثنائية هي الدين، أما أسوأ الناس فهو من عمد إلي تحريف واختزال وصياغة الدين ليجعله سيفا في أيدي المتسلطين وعلى أعناق المستضعفين، فلما جاء الخلف كان الدين قد صيغ صياغة تلمودية وتم تضخيم شأن الأمور الشكلية فتم تقديس ما وصل إليهم ولم تتم أية مراجعة جادة من بعد له.
14- لم تجد الحاجة الإنسانية العميقة للأمور الوجدانية والأحاسيس الدينية ما يلبيها ويشبعها في الصياغة الجافة  للدين التي سادت وإنما فيما لدي الشعوب الأخرى، فنقل بعض تراثهم إلي الإسلام واكتسب ثوبا إسلامياً، ومن هذا السبيل تسللت المعتقدات القديمة ونقلت نصوص قديمة واعتبرت كمرويات شأنها شأن غيرها ونسبت إلي بعض من اشتهروا بالتحديث وحلت العقائد الباطلة والأخلاق السلبية مكان عقيدة الإسلام الحقيقية وأخلاقه الايجابية، واتسمت الصيغة الدينية المترتبة علي ذلك بالجبرية الشديدة وبالعداء المستحكم للسنن وللسببية وللعلل والحِكَم وبالشرك الخفي أو الصريح.
15- تم تحريف معظم مصطلحات الدين كما تم إحداث بعض المصطلحات مما أدي إلي فرض مفاهيم خاطئة علي المسلمين حالت بينهم وبين قيامهم بالمهام التي كانت منوطة بهم، ومن المفاهيم والمصطلحات التي حُرفت أو أحدثت فكان لذلك اسوأ العواقب علي الأمة: السنة، الصحابة، الفقه، ولاية الأمر، العلم، الإمامة، الخلافة، الحديث، النسخ.
16- بعد أن أعيت الفتن الخلفاء العباسيين بسبب إهمالهم للقيم الإسلامية أو بالأحرى بسبب جهلهم بالدين وبسبب اشتداد الصراع بين العرب وبين الفرس لرفض الجميع الخضوع الفعلي لتعاليم الإسلام ورفضهم الظاهر والباطن لقيمه فضل اولئك التمادي فيما هم عليه من الباطل واستبدلوا بالعرب والفرس من استجلبوه من أجلاف الترك والغز فكانوا وبالا على أولئك الخلفاء إذ سرعان ما أصبح هؤلاء أسري في أيديهم بل أصبحوا دمى يتلهون بها وبقتلها، أما أولئك الترك فلقد ساهموا في تكريس المذهب البدوي اللاسني الأثري وفي زيادة تدهوره وأكملوا بذلك مسيرة من سبقهم من أجلاف الأعراب.
17- تسلط العثمانيون علي أمور المسلمين فكانوا صورة مضخمة من الأعراب الأقدمين، فكان لهم الشجاعة والحمية والولع بالقتال والتعصب الديني ولكنهم اتصفوا بالعداء الشديد للمرأة والعقل والعلم ولكافة القيم الدينية الرفيعة ولمظاهر الحضارة الحقيقية، ولاعتدادهم بعنصرهم ولغتهم كما كان الأعراب من قبلهم فإنهم أنفوا أن يتعلموا العربية، ولسيادة المفاهيم والتصورات والصيغ الدينية الخاطئة عليهم فإنهم كانوا أشد أنصار الطاغوت والجهلوت والكهنوت فحالوا بين المسلمين وبين الأخذ بأسباب الحضارة، وقدموا للغرب أسوأ صورة ممكنة للإسلام، فجنوا عليهم وعلي أنفسهم وعلي البشرية جمعاء.
18- تمكن الكهنوت من التسلل والتغلغل والسيطرة علي مقدرات الدين بالتخصص في الأمور المفتعلة والمفترضة والثانوية وتضخيم شأن الأمور الشكلية والإجرائية، وأثبتوا للطاغوت مدي حاجته الماسة إليهم وكذلك مدي جدواهم الاقتصادية إذ تمكنوا من تدجين الناس وإفساد وتشويه نفوسهم وإصابتها بالعاهات المستديمة وتجهيلهم وإلزامهم بالخضوع المطلق لكل من يتسلط عليهم دون أن يضطر الطاغوت إلي تكبيد نفسه عبء الإنفاق علي أعداد لا حصر لها من الجنود أو إلي سفك الكثير من الدماء، وهكذا كما مضت سنة الأولين والآخرين تحالف الكهنوت مع الطاغوت وثبت أنه لا غني لأحدهما عن الآخر.
19- أثناء تدهور العالم الإسلامي كان الغرب الصليبي يراجع نفسه بعد هزائمه المتكررة أمام الإسلام، وتسرب إليه رغما عنه القيم والسنن الإسلامية الايجابية ومن ذلك إعلاء شأن العقل وتقديس العدل والإقساط وكرامة الإنسان والمساواة والاعتداد بالحرية والاهتمام بالعلوم الطبيعية والمناهج التجريبية والعقلانية وأخلاق وتقاليد الفروسية…. إلخ، اشتعل صارٍ ضار بين القوى التقليدية وبين القوى المتطلعة إلى حياة أرقى وأفضل، أدى ذلك إلى تقد الغرب واستفحال قوته، فلما بدأ يدرك مدي ضعف المسلمين تقدم هذه المرة مسلحا بأسباب الحضارة الحديثة وقيمه الجديدة وتمكنت شراذم قليلة منه من السيطرة على مقدرات العالم الإسلامي من أقصاه إلي أقصاه، وقد كان هذا العالم علي وشك الانقراض بفعل تحالف الجهلوت والكهنوت والطاغوت الذي أدي إلي انتشار الفقر والجهل والمرض في ظل الحكم العثماني البغيض؛ فكان الاستعمار الغربي سلاحا ذا حدين.

====================



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق