الاثنين، 5 مايو 2014

السَّميع القَريب

السَّميع القَريب

قال تعالى: {قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ} سبأ50.

لذلك فالمثنى "السميع القريب" هو من أسماء النسق الأول من الأسماء الحسنى.

وهذا الاسم يشير إلى سمة واحدة من لوازمها أن يكون الرب أقرب إلى عبده من نفسه، وبهذه السمة يكون الوحي العام أو الإلهام المؤدي إلى الهداية، فمن عقد العزم على أن يكون عبدا خالصاً مخلصاً لله تعالى وأسلم له قياده يتولاه هذا الاسم فيوحي إليه فعل الخيرات ويكتب في صدره الآيات ويهديه صراطاً مستقيما، لذلك يجد الإنسان نفسه موفقَّاً مهديا فيسلك طريق الخير مؤيدا من ربه ويكون على بصيرة من أمره.
وضلال الإنسان إنما هو من نفسه وعلى نفسه، فقوانين الوجود الحقانية تقتضي أن يعود الفرع إلى أصله والجزء إلى كله والنتيجة إلى السبب، فالإنسان لنقصه الكامن في نفسه والمؤدي إلى تعين ماهيته والمصاحب لتحققها تكون أفعاله مشوبة بألوان من الضلال وتكون أفعاله غير متحققة بالكمال فتعود آثارها عليه في حلقات لا تلين فيزداد تمكن صفات الضلال في نفسه فيقترف المزيد من الأفعال المشوبة بالضلال، ولا مخرج من هذه الحلقات المفرغة والحابسة والمهلكة إلا بالاعتصام بمن هو أقرب إلى الإنسان من نفسه والإقرار بما هو له؛ فهو أصل كل كمال وحسن وجمال في هذه الأكوان، وبالتالي فالهدى هو بالأصالة له ولو أتى عن طريق آلة من آلاته أو أداة من أدواته.
ومن المعلوم أن الإنسان لن يسلم من الابتلاء في هذه الحياة فجنود الباطل كثيرون ولكن ليس لهم من السلطان على الإنسان إلا بقدر ما يسمح هو لهم بذلك بسبب النقص الكامن في طبيعته، لذلك ربما غفل الإنسان عن الحق فضلّ، وعليه عندها أن يبرأ من حوله وقوته وأن يبادر إلى التوبة وألا ينسب إلى ربه وزر عمله وأن يتحمل بشجاعة مسؤوليته وأن يبادر إلى الاستغفار والإقرار بذنبه وبأن ضلاله كان بنفسه وعلى نفسه وأن هداه كان بفضل ربه فهو أصل كل كمال.
وهذا المثنى يشير إلى أن كل سمات الكمال هي بالأصالة لله تعالى وأنه هو مصدرها ومرجعها، فليس للإنسان من أمر ثابت إلا أصله العدمي، أما ما به من نعمة وما هو له من سمات حسنة فمن ربه السميع القريب، وأصل الإنسان العدمي من لوازم تعين ماهيته وتميزها عن غيرها، ولابد له من آثار على الإنسان في كافة أطواره، وتاريخ البشرية بصفة عامة وكل إنسان بصفة خاصة يتخلص في مغالبة مقتضيات نقصه الذاتي والدوران في فلك سمات الكمال الإلهية ومحلولة التوافق مع مقتضياتها.
وهذا المثنى من الأسماء التي اقتضت أركان الدين الجوهرية ومنها ذكر الله وإقامة صلة وثيقة به وتزكية الكيان الإنساني الجوهري، وبالقيام يتلك الأركان والتحقق بمقتضياتها ولوازمها وبتحقيق مقاصدها يصلح الإنسان للتواجد الدائم في الحضرة الإلهية الخاصة.
وتلاوة هذه الآية بوعي وتركيز وحضور ذهن هي من الوسائل الفعالة للقيام بأركان الدين الجوهرية والتحقق بالمراتب الكمالية.


*******

هناك تعليقان (2):

  1. اللهم وفقنا لطاعتك عمًن سواك وصلً الله على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين

    ردحذف
  2. {قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ}

    ردحذف